الفعل الثقافي وإنتاج الإبتذال

محمد بلمزيان
belmezmoh@gmail.com

2019 / 6 / 20

لا شك أن العمل الجمعوي لكي يترك بصمات معينة في المشهد الثقافي لا بد من امتلاك تصور وأرضية واضحتين، تتضمن استراتيجية العمل والغايات المرجوة من خلال تشخيص الوضع والغاية الجمعوية ضمن التشكيلة الإجتماعية، وأن أي فعل ثقافي غير مقترن بهواجس المجتمع المختلفة، عبر استلهام مواضيعها في تجليات ثقافية مختلفة، وانكتابها في أجناس مختلفة لن يكون بالنتيجة أي مفعول سواء في تعديل الصورة النمطية السائدة كإرث ثقافي، أو مراكمة إضافة لذات المشاهد، بل كل ما في الأمر سيزداد الوضع ضبابية واجترار للماضي بكيفية سيئة، دون التوفر على القدرة لتجاوز الوضعية.
وكثيرة من هي التجاري الجمعوية التي تعاقبت عبر سنوات دون أن تحدث أي رجة في المشهد العام، أو محاولة خلخلة الأفكار السائدة ، رغم تنطع البعض للتخصص في موضوعات بعينها، أو في حقوق ثقافية ومعرفية محدةة، ذلك أنه بالرجوع الى أسباب هذا التعثر نلفي غالبا بغياب أرضية للعمل وانعدام استراتيجية العمل، وبالتالي تحكم نظرة متخبطة في تدبير الشأن الجمعوي،وانعدام رؤية لاستشراف المستقبل، عبر هذه القوة الناعمة التي تخاطب العقل والذاكرة والوجدان والقيم وغيرها من المكتسبات المحققة في الواقع الثقافي.
غير أنه بجانب غياب الأرضية والرؤية اللتان تنتصبان كعوائق ذاتية لأغلب الإطارات الجمعوية العاملة في مختلف الحقوق الثفافية، يمكن أن تنصب عوامل أخرى ذات علاقة بكفاءة الأطر الجمعية أو الفاعلين الموظفين أو المتطوعين داخل هذه الإطارات الجمعوية، من خلال قدرة على تفقيس القدرات واستثمارها في مجال جغرافي ونطاق زمني معين، وتوزيعها بكيفية أفقية وعمومية بما تخدم الفئات الإجتماعية المعنية ضمن نسق اجتماعي وسياسي معين، دون أن نغفل عوامل تتحكم في إعادة إنتاج نفس السلعة الثقافية الموجودة، والتي غالبا ما تكون محط انتقاد أو لوم، وتعاد في صيغ أخرى إمام سهوا أو يتم اجترارها ضمن عملية مخدومة ومخطط لها، لإعادة إنتاج نفس المشهد الثقافي بل وتزكيته وإضفاء طابع المشروعية عليه، بالرغم من الرداءة والإبتذال اللذان يعانيان منه.
غالبا ما لا تكون العبرة بالكم والعدد في تقييم العمال الناجحة ، بل تقترن بالكيف وما تقدمه من إبداع وفرادة في المجال ، وهذا المنطق قد ينسحب على جميع حقول الإنتاج الثقافي والمعرفي والإبداع الفني والموسيقي... فهي بقدرما تشكل تجاوز للوضع الحالي ، فهي تتضمن ميلاد مشروع جديد، يؤشر على هذا التجاوز، بمضامين جديدة من جهة وبقيم تخاطب الضمير الإنساني الكوني انطلاقا من المحلي، وقد تتعدد هذه التعبيرات الفكرية في أنساق مختلفة، لكنها من حيث الوظيفة والأبعاد الرمزية فهي تلتقي كلها في محطة واحدة ملؤها إزاحة الرداءة والإبتذال عن المشهد الراكد، وإعطاء نكهة جديدة وبنفس مغاير للنشاط الإنساني، التواق دائما الى التحرر من رواسب الماضي والبحث عن كينونته وتملك ذاته لتحقيق كرامته الإنسانية. فالصورة النمطية التي نتخيلها أو نحاول الإستدلال أحيانا وندافع عنها كمعيار يجب أن يقتدى أو على الأقل أن يستهلم كتجارب لا شك أنها بلغت درجة من النضج الثقافي لكن برؤية استشرافية واستباقية للمستقبل، بعد فهم عميق لجوهر الواقع الحالي، فالمسرحية الجيدة ورغم فرجويتها وجمهورها العريض الذي قد تستقطبه في مرحلة معينة،عبر اللعب على عواطف الناس واتخاذ أحسن أساليب دغدغة المشاعر للدخول في هستيريا الضحك، لن تحافظ على هذا الزخم إذا لم يكن للموضوع الذي تتناوله راهنية متجددة، بما يجعل المشاهد منجذبا باستمرار لمتابعتها والدعاية لها، لكونه يجد نفسه مطروحا بكيفية من الكيفيات، وأن وضعه الإجتماعي تقتحمه المسرحية وتحاول أن تقدم حلا في قالب فني ينتشي من خلاله المشاهد بما يجعله يعيش على إيقاع انطباق الحلم مع الواقع يوما ما .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن