السيكَار وأشياء أخرى

حاتم جعفر
hatamalkirwy5@gmail.com

2019 / 6 / 19

هافانا، هذا هو إسم الماركة التي تُعَد اﻷشهر في العالم بين أنواع السيكَار، حيث بان على واجهة العلبة وبحروف خُطَّت باللون الذهبي البارز ومن جهتيها، كان قد جلبها له زميله من أحد اﻷسواق الحرة حين عودته الى البلاد، بعد أن أنهى دورة أمنية خاصة، ظلَّت طي الكتمان حتى على المدير المباشر لدائرته الى حين إنقضاء الفترة المخصصة لها، هكذا كانت اﻷوامر وهكذا استجاب لها. إستل منهاسيكَارا في حركة أرادَ لها أن تكون إستعراضية، لكن أركانها لم تكتمل حتى كاد أن يسقط من بين يديه لولا تدارك المأزق في اللحظة اﻷخيرة وبمساعدة مرافقه الذي كان واقفا على يساره، وذلك لحداثة إستخدامه لها على أكثر تقدير. وكي لا يستمر هذا الحرج فقد سارع مرافقه الى القيام بإشعال السيكار بدلا عنه، ثم إعادها اليه جاهزة.
مرافقه الثاني والذي يقف على يمينه راح يسرد السيرة (النضالية) لمسؤوله اﻷمني وما قام به من (بطولات)، أجبرت الكثيرين على (التعاون) مع أجهزة الدولة القمعية. الهدف من هذا التقديم وعلى ما يبدو، هو إعطاء مؤشر قوي للمتهم أو الضحية وربما أراد من خلاله الوصول الى حد التحذير، وبما يفيد من انه يقف أمام رجل مهم بل مهم جدا، لذا فمن الأفضل ومن أولها الإستجابة والرضوخ لما يُطلب منه، وليس هناك من مجال لإظهار ما أسماه بعض البطولات الفارغة وبأي شكل من اﻷشكال. لذا على (زوار هذا المكان) ومن الجنسين، كبِاراً كانوا أم صغاراً، أن يدركوا هذه القاعدة ويضعونها نصب أعينهم ويتعاملوا على ضوئها، والاّ. (شدَّدَ على الكلمة اﻷخيرة وكرّرها عدة مرات).
ثم راح هذا المرافق مسترسلا: فمع هكذا حالات وبحسب القوانين المعمول بها في هذه الدائرة والدوائر المشابهة لها وعلى مستوى الدولة ومن أقصاها الى أقصاها، سيستوي العاقل بالمجنون والمتهم بالبريء فكلهم ووفق الصلاحيات الممنوحة لنا مذنبون حتى إثبات العكس، ومن لا يروق له هذا القانون أو العرف، فهناك غرفة أخرى، بها من الامكانيات والوسائل ما يمكننا من إستنطاق مَنْ لا قدرة له على النطق.
صاحب السيكَار لم تخرج من بين شفتيه الاّ عبارة واحدة، وجَّهها للسيدة التي تقف أمامه: لكِ كل الحق وكامله في كيفية تدوين الأقوال والاعترافات ولكن بما نمليه نحن فقط، دونما إعتراض أو تعليق. أعقب ذلك أن سحب نفساً عميقاً من سيكَاره، محاولا تقليد سيده اﻷعلى شأنا ومقاما، حتى كاد أن يختنق لولا جرعة الماء التي أسْعِفَ بها، ليدلل مرة أخرى وبما لا يدع مجالا للشك على حداثة عهده وبجهالته لكيفية إستخدامها، غير انه أصرّ على تكملة ما أرادَ قوله، وباسلوب لا يخلو من تهديد: لكي يكون الأمر واضحا وحتى لا نُلام أو نُعاتب، فلنا في ذلك طريقتين (يقصد هنا كيفية إنتزاع الاعترافات)، وسنترك لكِ حق اختيار أي منهما.
أحد مرافقيه راح مضيفاً: فأما أن تدوني مباشرة وبيديك الناعمتين، الحلوتين، أي نعطيك أوراقا أنيقة ومذهبة الأطراف، مُعطَّرة، وأقلام حديثة الصنع وبإمكانك الإحتفاظ بها إنشئت وبعد إكتمال المهمة، وتتخذي من إحدى الغرف اﻷنيقة داخل الدائرة، مكانا للشروع في الكتابة. أو إن رغبتِ وكي لا تجهدي نفسك ويخونك التعبير، وحتى نُسهل اﻷمر ونثبت لك كم نحن مرنون، متسامحون، فهناك طريقة أخرى، وذلك من خلال ما يسمونه بالتسجيل الصوتي، وهو جهاز متطور جدا وسهل الإستخدام، ولا أظنك قد رأيتِ أو سمعتِ به من قبل.
عند وصوله الى هذه النقطة، قاطعه مسؤوله اﻷمني موضحا: نرجو أن لا تسيئي الظن بنا، حاشى لله، فليس في نيتنا الترويج أو التسويق لهذا الجهاز الحديث الصنع، بل هذا ما إعترفت به كبرى شركات اﻷمن المختصة في كيفية إستنطاق المتهم والحصول على المعلومة، والتي سبق لبعض الدول الصديقة والشقيقة أن دشنته ودخل حيز التنفيذ وقبل أن يصلنا، وإذا لم يرق لك أي من الخيارين فهناك طريق ثالث لإنتزاع ما نريده من النساء تحديدا، ونتمنى أن ﻻ نصل اليه، ولعلك فهمت القصد . (هنا بدأ يصعد من لغة التهديد).
حتى اللحظة لم يلحظ أي ردة فعل من السيدة التي تقف أمامه بإستثناء موضوع واحد حين سَألَته: ما هي نوع التهمة الموجهة لي. ردَّ عليها، سَبٌ الذات الإلهية، واﻷهم من ذلك التطاول على قيادة الدولة. وعن التهمة اﻷخيرة راحت معلقة: مَنْ تقصد بالقيادة، فأنا أرى مجموعة من الصور خلف ظهرك وكلهم زعماء، فبها المعمم و اﻷفندي ومن لا زال محتفظا بطربوشه رغم أفول عهدهم. وبسبب من ذلك الإعتراض الصادر من قبل السيدة والذي إعتبره قدحاً بالزعامات التأريخية، راح مصعدا ولينتقل الى اسلوب آخر من الضغط والتصعيد، فتجده ناهضا من كرسيه وبردة فعل عنيفة، ليقف أمامها وليفتضح أمره، لما بدا عليه من هزالة في هيئته وبنيته. الملفت في اﻷمر هو شكل بزته والرتبة العسكرية التي يحملها على كتفيه، فكلاهما لا تعكسان هوية بلد بعينه، فهما خليط ولاءات متعددة، وهنا إختلط اﻷمر على السيدة وباتت في حيرة، فراحتُ متسائلة في سرّها، أمام مَنْ أقفُ ويمثّلُ مَنْ؟ هافانا، هذا هو إسم الماركة التي تُعَد اﻷشهر في العالم بين أنواع السيكَار، حيث بان على واجهة العلبة وبحروف خُطَّت باللون الذهبي البارز ومن جهتيها، كان قد جلبها له زميله من أحد اﻷسواق الحرة حين عودته الى البلاد، بعد أن أنهى دورة أمنية خاصة، ظلَّت طي الكتمان حتى على المدير المباشر لدائرته الى حين إنقضاء الفترة المخصصة لها، هكذا كانت اﻷوامر وهكذا استجاب لها. إستل منهاسيكَارا في حركة أرادَ لها أن تكون إستعراضية، لكن أركانها لم تكتمل حتى كاد أن يسقط من بين يديه لولا تدارك المأزق في اللحظة اﻷخيرة وبمساعدة مرافقه الذي كان واقفا على يساره، وذلك لحداثة إستخدامه لها على أكثر تقدير. وكي لا يستمر هذا الحرج فقد سارع مرافقه الى القيام بإشعال السيكار بدلا عنه، ثم إعادها اليه جاهزة.
مرافقه الثاني والذي يقف على يمينه راح يسرد السيرة (النضالية) لمسؤوله اﻷمني وما قام به من (بطولات)، أجبرت الكثيرين على (التعاون) مع أجهزة الدولة القمعية. الهدف من هذا التقديم وعلى ما يبدو، هو إعطاء مؤشر قوي للمتهم أو الضحية وربما أراد من خلاله الوصول الى حد التحذير، وبما يفيد من انه يقف أمام رجل مهم بل مهم جدا، لذا فمن الأفضل ومن أولها الإستجابة والرضوخ لما يُطلب منه، وليس هناك من مجال لإظهار ما أسماه بعض البطولات الفارغة وبأي شكل من اﻷشكال. لذا على (زوار هذا المكان) ومن الجنسين، كبِاراً كانوا أم صغاراً، أن يدركوا هذه القاعدة ويضعونها نصب أعينهم ويتعاملوا على ضوئها، والاّ. (شدَّدَ على الكلمة اﻷخيرة وكرّرها عدة مرات).
ثم راح هذا المرافق مسترسلا: فمع هكذا حالات وبحسب القوانين المعمول بها في هذه الدائرة والدوائر المشابهة لها وعلى مستوى الدولة ومن أقصاها الى أقصاها، سيستوي العاقل بالمجنون والمتهم بالبريء فكلهم ووفق الصلاحيات الممنوحة لنا مذنبون حتى إثبات العكس، ومن لا يروق له هذا القانون أو العرف، فهناك غرفة أخرى، بها من الامكانيات والوسائل ما يمكننا من إستنطاق مَنْ لا قدرة له على النطق.
صاحب السيكَار لم تخرج من بين شفتيه الاّ عبارة واحدة، وجَّهها للسيدة التي تقف أمامه: لكِ كل الحق وكامله في كيفية تدوين الأقوال والاعترافات ولكن بما نمليه نحن فقط، دونما إعتراض أو تعليق. أعقب ذلك أن سحب نفساً عميقاً من سيكَاره، محاولا تقليد سيده اﻷعلى شأنا ومقاما، حتى كاد أن يختنق لولا جرعة الماء التي أسْعِفَ بها، ليدلل مرة أخرى وبما لا يدع مجالا للشك على حداثة عهده وبجهالته لكيفية إستخدامها، غير انه أصرّ على تكملة ما أرادَ قوله، وباسلوب لا يخلو من تهديد: لكي يكون الأمر واضحا وحتى لا نُلام أو نُعاتب، فلنا في ذلك طريقتين (يقصد هنا كيفية إنتزاع الاعترافات)، وسنترك لكِ حق اختيار أي منهما.
أحد مرافقيه راح مضيفاً: فأما أن تدوني مباشرة وبيديك الناعمتين، الحلوتين، أي نعطيك أوراقا أنيقة ومذهبة الأطراف، مُعطَّرة، وأقلام حديثة الصنع وبإمكانك الإحتفاظ بها إنشئت وبعد إكتمال المهمة، وتتخذي من إحدى الغرف اﻷنيقة داخل الدائرة، مكانا للشروع في الكتابة. أو إن رغبتِ وكي لا تجهدي نفسك ويخونك التعبير، وحتى نُسهل اﻷمر ونثبت لك كم نحن مرنون، متسامحون، فهناك طريقة أخرى، وذلك من خلال ما يسمونه بالتسجيل الصوتي، وهو جهاز متطور جدا وسهل الإستخدام، ولا أظنك قد رأيتِ أو سمعتِ به من قبل.
عند وصوله الى هذه النقطة، قاطعه مسؤوله اﻷمني موضحا: نرجو أن لا تسيئي الظن بنا، حاشى لله، فليس في نيتنا الترويج أو التسويق لهذا الجهاز الحديث الصنع، بل هذا ما إعترفت به كبرى شركات اﻷمن المختصة في كيفية إستنطاق المتهم والحصول على المعلومة، والتي سبق لبعض الدول الصديقة والشقيقة أن دشنته ودخل حيز التنفيذ وقبل أن يصلنا، وإذا لم يرق لك أي من الخيارين فهناك طريق ثالث لإنتزاع ما نريده من النساء تحديدا، ونتمنى أن ﻻ نصل اليه، ولعلك فهمت القصد . (هنا بدأ يصعد من لغة التهديد).
حتى اللحظة لم يلحظ أي ردة فعل من السيدة التي تقف أمامه بإستثناء موضوع واحد حين سَألَته: ما هي نوع التهمة الموجهة لي. ردَّ عليها، سَبٌ الذات الإلهية، واﻷهم من ذلك التطاول على قيادة الدولة. وعن التهمة اﻷخيرة راحت معلقة: مَنْ تقصد بالقيادة، فأنا أرى مجموعة من الصور خلف ظهرك وكلهم زعماء، فبها المعمم و اﻷفندي ومن لا زال محتفظا بطربوشه رغم أفول عهدهم. وبسبب من ذلك الإعتراض الصادر من قبل السيدة والذي إعتبره قدحاً بالزعامات التأريخية، راح مصعدا ولينتقل الى اسلوب آخر من الضغط والتصعيد، فتجده ناهضا من كرسيه وبردة فعل عنيفة، ليقف أمامها وليفتضح أمره، لما بدا عليه من هزالة في هيئته وبنيته. الملفت في اﻷمر هو شكل بزته والرتبة العسكرية التي يحملها على كتفيه، فكلاهما لا تعكسان هوية بلد بعينه، فهما خليط ولاءات متعددة، وهنا إختلط اﻷمر على السيدة وباتت في حيرة، فراحتُ متسائلة في سرّها، أمام مَنْ أقفُ ويمثّلُ مَنْ؟
تخلَّصَ من كرسيه الهزاز بصعوبة، فإندلاق كرشه ومن كل جهات بطنه كان عائقا واضحا في ذلك ، ثم راح يقطع الغرفة ذهابا وإيابا، متطلعا في ضحيته بين حين وحين وقد بانت عليه جلية علامات التعب والارهاق، شاكيا لمرافقيه من أمرين، أولهما صعوبة تنفسه، وثانيهما طول فترة التحقيق، التي لم يتوقع لها أن تستغرق كل هذا الوقت، مقارنة مع تجاربه السابقة، واﻷنكى من ذلك انه لم يخرج منها بحصيلة ترتجى، لذا أعطى إيعازا لمرافقيه بإقتيادها الى إحدى الغرف الواقعة في الطرف الثاني من المبنى والمخصص أصلا للحالات الصعبة والعصية كما يسمونها.
أدخِلَتْ السيدة في غرفة بدت معتمة، ما خلا بصيص ضوء بالكاد تسلل خجولا من بين ثنايا نافذة صغيرة جدا، معلقة في سقف المبنى رغم انَّ الوقت وقت ضحى،. مسحت الغرفة بعينيها المتعبتين، علّها تعثر عما يريح جسدها المنهك فلم تجد. سلَّمت قدرها لنعاسها الذي غلبها فراحت ممدة كما المسجية على أرض خشنة الملمس، فراشها الحصى وغطاءها بقايا كرامة وطهر لا زالا لصيقين بها. لم تمضِ الاّ دقائق معدودات حتى بدا الطرق على باب الغرفة عنيفاً، متواصلا وليفتح الباب على أربعة رجال من طوال القامة، تراهم متدافعين، متبارين للوصول اليها والنيل منها، لتبدو كما الغنيمة التي طال إنتظارها. وحسما للخلاف الدائر بينهم، راح كل واحد منهم ينهش فيها كما يطيب له ويحلو حتى أغشي عليها، وبقي اﻷمر كذلك لقرابة اسبوعين متواصلين، حتى تم الإفراج عنها لعدم كفاية اﻷدلة. وعندما سئلت عن أي اﻷماكن تفضل إيصالها، فكان لها شرطا واحدا، وهو رفض العودة الى مدينتها بعد أن ج هافانا، هذا هو إسم الماركة التي تُعَد اﻷشهر في العالم بين أنواع السيكَار، حيث بان على واجهة العلبة وبحروف خُطَّت باللون الذهبي البارز ومن جهتيها، كان قد جلبها له زميله من أحد اﻷسواق الحرة حين عودته الى البلاد، بعد أن أنهى دورة أمنية خاصة، ظلَّت طي الكتمان حتى على المدير المباشر لدائرته الى حين إنقضاء الفترة المخصصة لها، هكذا كانت اﻷوامر وهكذا استجاب لها. إستل منهاسيكَارا في حركة أرادَ لها أن تكون إستعراضية، لكن أركانها لم تكتمل حتى كاد أن يسقط من بين يديه لولا تدارك المأزق في اللحظة اﻷخيرة وبمساعدة مرافقه الذي كان واقفا على يساره، وذلك لحداثة إستخدامه لها على أكثر تقدير. وكي لا يستمر هذا الحرج فقد سارع مرافقه الى القيام بإشعال السيكار بدلا عنه، ثم إعادها اليه جاهزة.
مرافقه الثاني والذي يقف على يمينه راح يسرد السيرة (النضالية) لمسؤوله اﻷمني وما قام به من (بطولات)، أجبرت الكثيرين على (التعاون) مع أجهزة الدولة القمعية. الهدف من هذا التقديم وعلى ما يبدو، هو إعطاء مؤشر قوي للمتهم أو الضحية وربما أراد من خلاله الوصول الى حد التحذير، وبما يفيد من انه يقف أمام رجل مهم بل مهم جدا، لذا فمن الأفضل ومن أولها الإستجابة والرضوخ لما يُطلب منه، وليس هناك من مجال لإظهار ما أسماه بعض البطولات الفارغة وبأي شكل من اﻷشكال. لذا على (زوار هذا المكان) ومن الجنسين، كبِاراً كانوا أم صغاراً، أن يدركوا هذه القاعدة ويضعونها نصب أعينهم ويتعاملوا على ضوئها، والاّ. (شدَّدَ على الكلمة اﻷخيرة وكرّرها عدة مرات).
ثم راح هذا المرافق مسترسلا: فمع هكذا حالات وبحسب القوانين المعمول بها في هذه الدائرة والدوائر المشابهة لها وعلى مستوى الدولة ومن أقصاها الى أقصاها، سيستوي العاقل بالمجنون والمتهم بالبريء فكلهم ووفق الصلاحيات الممنوحة لنا مذنبون حتى إثبات العكس، ومن لا يروق له هذا القانون أو العرف، فهناك غرفة أخرى، بها من الامكانيات والوسائل ما يمكننا من إستنطاق مَنْ لا قدرة له على النطق.
صاحب السيكَار لم تخرج من بين شفتيه الاّ عبارة واحدة، وجَّهها للسيدة التي تقف أمامه: لكِ كل الحق وكامله في كيفية تدوين الأقوال والاعترافات ولكن بما نمليه نحن فقط، دونما إعتراض أو تعليق. أعقب ذلك أن سحب نفساً عميقاً من سيكَاره، محاولا تقليد سيده اﻷعلى شأنا ومقاما، حتى كاد أن يختنق لولا جرعة الماء التي أسْعِفَ بها، ليدلل مرة أخرى وبما لا يدع مجالا للشك على حداثة عهده وبجهالته لكيفية إستخدامها، غير انه أصرّ على تكملة ما أرادَ قوله، وباسلوب لا يخلو من تهديد: لكي يكون الأمر واضحا وحتى لا نُلام أو نُعاتب، فلنا في ذلك طريقتين (يقصد هنا كيفية إنتزاع الاعترافات)، وسنترك لكِ حق اختيار أي منهما.
أحد مرافقيه راح مضيفاً: فأما أن تدوني مباشرة وبيديك الناعمتين، الحلوتين، أي نعطيك أوراقا أنيقة ومذهبة الأطراف، مُعطَّرة، وأقلام حديثة الصنع وبإمكانك الإحتفاظ بها إنشئت وبعد إكتمال المهمة، وتتخذي من إحدى الغرف اﻷنيقة داخل الدائرة، مكانا للشروع في الكتابة. أو إن رغبتِ وكي لا تجهدي نفسك ويخونك التعبير، وحتى نُسهل اﻷمر ونثبت لك كم نحن مرنون، متسامحون، فهناك طريقة أخرى، وذلك من خلال ما يسمونه بالتسجيل الصوتي، وهو جهاز متطور جدا وسهل الإستخدام، ولا أظنك قد رأيتِ أو سمعتِ به من قبل.
عند وصوله الى هذه النقطة، قاطعه مسؤوله اﻷمني موضحا: نرجو أن لا تسيئي الظن بنا، حاشى لله، فليس في نيتنا الترويج أو التسويق لهذا الجهاز الحديث الصنع، بل هذا ما إعترفت به كبرى شركات اﻷمن المختصة في كيفية إستنطاق المتهم والحصول على المعلومة، والتي سبق لبعض الدول الصديقة والشقيقة أن دشنته ودخل حيز التنفيذ وقبل أن يصلنا، وإذا لم يرق لك أي من الخيارين فهناك طريق ثالث لإنتزاع ما نريده من النساء تحديدا، ونتمنى أن ﻻ نصل اليه، ولعلك فهمت القصد . (هنا بدأ يصعد من لغة التهديد).
حتى اللحظة لم يلحظ أي ردة فعل من السيدة التي تقف أمامه بإستثناء موضوع واحد حين سَألَته: ما هي نوع التهمة الموجهة لي. ردَّ عليها، سَبٌ الذات الإلهية، واﻷهم من ذلك التطاول على قيادة الدولة. وعن التهمة اﻷخيرة راحت معلقة: مَنْ تقصد بالقيادة، فأنا أرى مجموعة من الصور خلف ظهرك وكلهم زعماء، فبها المعمم و اﻷفندي ومن لا زال محتفظا بطربوشه رغم أفول عهدهم. وبسبب من ذلك الإعتراض الصادر من قبل السيدة والذي إعتبره قدحاً بالزعامات التأريخية، راح مصعدا ولينتقل الى اسلوب آخر من الضغط والتصعيد، فتجده ناهضا من كرسيه وبردة فعل عنيفة، ليقف أمامها وليفتضح أمره، لما بدا عليه من هزالة في هيئته وبنيته. الملفت في اﻷمر هو شكل بزته والرتبة العسكرية التي يحملها على كتفيه، فكلاهما لا تعكسان هوية بلد بعينه، فهما خليط ولاءات متعددة، وهنا إختلط اﻷمر على السيدة وباتت في حيرة، فراحتُ متسائلة في سرّها، أمام مَنْ أقفُ ويمثّلُ مَنْ؟
تخلَّصَ من كرسيه الهزاز بصعوبة، فإندلاق كرشه ومن كل جهات بطنه كان عائقا واضحا في ذلك ، ثم راح يقطع الغرفة ذهابا وإيابا، متطلعا في ضحيته بين حين وحين وقد بانت عليه جلية علامات التعب والارهاق، شاكيا لمرافقيه من أمرين، أولهما صعوبة تنفسه، وثانيهما طول فترة التحقيق، التي لم يتوقع لها أن تستغرق كل هذا الوقت، مقارنة مع تجاربه السابقة، واﻷنكى من ذلك انه لم يخرج منها بحصيلة ترتجى، لذا أعطى إيعازا لمرافقيه بإقتيادها الى إحدى الغرف الواقعة في الطرف الثاني من المبنى والمخصص أصلا للحالات الصعبة والعصية كما يسمونها.
أدخِلَتْ السيدة في غرفة بدت معتمة، ما خلا بصيص ضوء بالكاد تسلل خجولا من بين ثنايا نافذة صغيرة جدا، معلقة في سقف المبنى رغم انَّ الوقت وقت ضحى،. مسحت الغرفة بعينيها المتعبتين، علّها تعثر عما يريح جسدها المنهك فلم تجد. سلَّمت قدرها لنعاسها الذي غلبها فراحت ممدة كما المسجية على أرض خشنة الملمس، فراشها الحصى وغطاءها بقايا كرامة وطهر لا زالا لصيقين بها. لم تمضِ الاّ دقائق معدودات حتى بدا الطرق على باب الغرفة عنيفاً، متواصلا وليفتح الباب على أربعة رجال من طوال القامة، تراهم متدافعين، متبارين للوصول اليها والنيل منها، لتبدو كما الغنيمة التي طال إنتظارها. وحسما للخلاف الدائر بينهم، راح كل واحد منهم ينهش فيها كما يطيب له ويحلو حتى أغشي عليها، وبقي اﻷمر كذلك لقرابة اسبوعين متواصلين، حتى تم الإفراج عنها لعدم كفاية اﻷدلة. وعندما سئلت عن أي اﻷماكن تفضل إيصالها، فكان لها شرطا واحدا، وهو رفض العودة الى مدينتها بعد أن جرى لها ما جرى، مفضلة أن تكون بعيدة عن اﻷهل، كي لا تتسبب لهم بفضيحة أو طول لسان.
فيما بعد وكما جاء في الاخبار، فقد شوهدت ولمرات عديدة في إحدى المدن البعيدة، مفترشة اﻷرض عند مدخل أحد المقاهي، بشعر أشعث والشيب قد غزا مفرقيها، وملابس بالكاد تغطي جسدها المتهالك، تتسقط من هنا وهناك عقائب السكائر التي يرميها المارة، لتنفضها عما تعتقده قد علق بها، ثم تقوم بمضغها وتبصقها بإتجاه أي شبيه بأولئك اﻷربعة الذين تناوبوا على إغتصابها وخامسهم كلبهم ومسؤولهم اﻷمني، لتُحرم والى الأبد من اللقاء بأهلها مرة ثانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعدية، يمّه سعدية، الساعة تجاوزت العاشرة صباحا، كان عليك النهوض قبل هذا الوقت. استفاقت بصعوبة بعد سماع مناداة والدتها المتكررة وهي متصببة عرقا، وأصوات تشبه الهذيان تصدر منها بين لحظة وأخرى. في البدأ إختلط عليها اﻷمر وتأرجح، بين أن تكون في حالة حلم أم حالة صحو، وبعد أن إستقرت وعدَّلتْ جلستها،شكت لوالدتها ثقل الحلم الذي رافقها طيلة الليلة الفائتة، ولتبتسم أخيرا بملأ شدقيها وتعم الفرحة أجواء البيت. فها هي سعدية بعفتها وببدلتها الناصعة البياض، كفراشة زاهية الألوان، تضوع منها الطيوب، تطير على أنغام الحب والموسيقى كما تشاء وتحط أينما تشاء.
رى لها ما جرى، مفضلة أن تكون بعيدة عن اﻷهل، كي لا تتسبب لهم بفضيحة أو طول لسان.
فيما بعد وكما جاء في الاخبار، فقد شوهدت ولمرات عديدة في إحدى المدن البعيدة، مفترشة اﻷرض عند مدخل أحد المقاهي، بشعر أشعث والشيب قد غزا مفرقيها، وملابس بالكاد تغطي جسدها المتهالك، تتسقط من هنا وهناك عقائب السكائر التي يرميها المارة، لتنفضها عما تعتقده قد علق بها، ثم تقوم بمضغها وتبصقها بإتجاه أي شبيه بأولئك اﻷربعة الذين تناوبوا على إغتصابها وخامسهم كلبهم ومسؤولهم اﻷمني، لتُحرم والى الأبد من اللقاء بأهلها مرة ثانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعدية، يمّه سعدية، الساعة تجاوزت العاشرة صباحا، كان عليك النهوض قبل هذا الوقت. استفاقت بصعوبة بعد سماع مناداة والدتها المتكررة وهي متصببة عرقا، وأصوات تشبه الهذيان تصدر منها بين لحظة وأخرى. في البدأ إختلط عليها اﻷمر وتأرجح، بين أن تكون في حالة حلم أم حالة صحو، وبعد أن إستقرت وعدَّلتْ جلستها،شكت لوالدتها ثقل الحلم الذي رافقها طيلة الليلة الفائتة، ولتبتسم أخيرا بملأ شدقيها وتعم الفرحة أجواء البيت. فها هي سعدية بعفتها وببدلتها الناصعة البياض، كفراشة زاهية الألوان، تضوع منها الطيوب، تطير على أنغام الحب والموسيقى كما تشاء وتحط أينما تشاء. هافانا، هذا هو إسم الماركة التي تُعَد اﻷشهر في العالم بين أنواع السيكَار، حيث بان على واجهة العلبة وبحروف خُطَّت باللون الذهبي البارز ومن جهتيها، كان قد جلبها له زميله من أحد اﻷسواق الحرة حين عودته الى البلاد، بعد أن أنهى دورة أمنية خاصة، ظلَّت طي الكتمان حتى على المدير المباشر لدائرته الى حين إنقضاء الفترة المخصصة لها، هكذا كانت اﻷوامر وهكذا استجاب لها. إستل منهاسيكَارا في حركة أرادَ لها أن تكون إستعراضية، لكن أركانها لم تكتمل حتى كاد أن يسقط من بين يديه لولا تدارك المأزق في اللحظة اﻷخيرة وبمساعدة مرافقه الذي كان واقفا على يساره، وذلك لحداثة إستخدامه لها على أكثر تقدير. وكي لا يستمر هذا الحرج فقد سارع مرافقه الى القيام بإشعال السيكار بدلا عنه، ثم إعادها اليه جاهزة.
مرافقه الثاني والذي يقف على يمينه راح يسرد السيرة (النضالية) لمسؤوله اﻷمني وما قام به من (بطولات)، أجبرت الكثيرين على (التعاون) مع أجهزة الدولة القمعية. الهدف من هذا التقديم وعلى ما يبدو، هو إعطاء مؤشر قوي للمتهم أو الضحية وربما أراد من خلاله الوصول الى حد التحذير، وبما يفيد من انه يقف أمام رجل مهم بل مهم جدا، لذا فمن الأفضل ومن أولها الإستجابة والرضوخ لما يُطلب منه، وليس هناك من مجال لإظهار ما أسماه بعض البطولات الفارغة وبأي شكل من اﻷشكال. لذا على (زوار هذا المكان) ومن الجنسين، كبِاراً كانوا أم صغاراً، أن يدركوا هذه القاعدة ويضعونها نصب أعينهم ويتعاملوا على ضوئها، والاّ. (شدَّدَ على الكلمة اﻷخيرة وكرّرها عدة مرات).
ثم راح هذا المرافق مسترسلا: فمع هكذا حالات وبحسب القوانين المعمول بها في هذه الدائرة والدوائر المشابهة لها وعلى مستوى الدولة ومن أقصاها الى أقصاها، سيستوي العاقل بالمجنون والمتهم بالبريء فكلهم ووفق الصلاحيات الممنوحة لنا مذنبون حتى إثبات العكس، ومن لا يروق له هذا القانون أو العرف، فهناك غرفة أخرى، بها من الامكانيات والوسائل ما يمكننا من إستنطاق مَنْ لا قدرة له على النطق.
صاحب السيكَار لم تخرج من بين شفتيه الاّ عبارة واحدة، وجَّهها للسيدة التي تقف أمامه: لكِ كل الحق وكامله في كيفية تدوين الأقوال والاعترافات ولكن بما نمليه نحن فقط، دونما إعتراض أو تعليق. أعقب ذلك أن سحب نفساً عميقاً من سيكَاره، محاولا تقليد سيده اﻷعلى شأنا ومقاما، حتى كاد أن يختنق لولا جرعة الماء التي أسْعِفَ بها، ليدلل مرة أخرى وبما لا يدع مجالا للشك على حداثة عهده وبجهالته لكيفية إستخدامها، غير انه أصرّ على تكملة ما أرادَ قوله، وباسلوب لا يخلو من تهديد: لكي يكون الأمر واضحا وحتى لا نُلام أو نُعاتب، فلنا في ذلك طريقتين (يقصد هنا كيفية إنتزاع الاعترافات)، وسنترك لكِ حق اختيار أي منهما.
أحد مرافقيه راح مضيفاً: فأما أن تدوني مباشرة وبيديك الناعمتين، الحلوتين، أي نعطيك أوراقا أنيقة ومذهبة الأطراف، مُعطَّرة، وأقلام حديثة الصنع وبإمكانك الإحتفاظ بها إنشئت وبعد إكتمال المهمة، وتتخذي من إحدى الغرف اﻷنيقة داخل الدائرة، مكانا للشروع في الكتابة. أو إن رغبتِ وكي لا تجهدي نفسك ويخونك التعبير، وحتى نُسهل اﻷمر ونثبت لك كم نحن مرنون، متسامحون، فهناك طريقة أخرى، وذلك من خلال ما يسمونه بالتسجيل الصوتي، وهو جهاز متطور جدا وسهل الإستخدام، ولا أظنك قد رأيتِ أو سمعتِ به من قبل.
عند وصوله الى هذه النقطة، قاطعه مسؤوله اﻷمني موضحا: نرجو أن لا تسيئي الظن بنا، حاشى لله، فليس في نيتنا الترويج أو التسويق لهذا الجهاز الحديث الصنع، بل هذا ما إعترفت به كبرى شركات اﻷمن المختصة في كيفية إستنطاق المتهم والحصول على المعلومة، والتي سبق لبعض الدول الصديقة والشقيقة أن دشنته ودخل حيز التنفيذ وقبل أن يصلنا، وإذا لم يرق لك أي من الخيارين فهناك طريق ثالث لإنتزاع ما نريده من النساء تحديدا، ونتمنى أن ﻻ نصل اليه، ولعلك فهمت القصد . (هنا بدأ يصعد من لغة التهديد).
حتى اللحظة لم يلحظ أي ردة فعل من السيدة التي تقف أمامه بإستثناء موضوع واحد حين سَألَته: ما هي نوع التهمة الموجهة لي. ردَّ عليها، سَبٌ الذات الإلهية، واﻷهم من ذلك التطاول على قيادة الدولة. وعن التهمة اﻷخيرة راحت معلقة: مَنْ تقصد بالقيادة، فأنا أرى مجموعة من الصور خلف ظهرك وكلهم زعماء، فبها المعمم و اﻷفندي ومن لا زال محتفظا بطربوشه رغم أفول عهدهم. وبسبب من ذلك الإعتراض الصادر من قبل السيدة والذي إعتبره قدحاً بالزعامات التأريخية، راح مصعدا ولينتقل الى اسلوب آخر من الضغط والتصعيد، فتجده ناهضا من كرسيه وبردة فعل عنيفة، ليقف أمامها وليفتضح أمره، لما بدا عليه من هزالة في هيئته وبنيته. الملفت في اﻷمر هو شكل بزته والرتبة العسكرية التي يحملها على كتفيه، فكلاهما لا تعكسان هوية بلد بعينه، فهما خليط ولاءات متعددة، وهنا إختلط اﻷمر على السيدة وباتت في حيرة، فراحتُ متسائلة في سرّها، أمام مَنْ أقفُ ويمثّلُ مَنْ؟
تخلَّصَ من كرسيه الهزاز بصعوبة، فإندلاق كرشه ومن كل جهات بطنه كان عائقا واضحا في ذلك ، ثم راح يقطع الغرفة ذهابا وإيابا، متطلعا في ضحيته بين حين وحين وقد بانت عليه جلية علامات التعب والارهاق، شاكيا لمرافقيه من أمرين، أولهما صعوبة تنفسه، وثانيهما طول فترة التحقيق، التي لم يتوقع لها أن تستغرق كل هذا الوقت، مقارنة مع تجاربه السابقة، واﻷنكى من ذلك انه لم يخرج منها بحصيلة ترتجى، لذا أعطى إيعازا لمرافقيه بإقتيادها الى إحدى الغرف الواقعة في الطرف الثاني من المبنى والمخصص أصلا للحالات الصعبة والعصية كما يسمونها.
أدخِلَتْ السيدة في غرفة بدت معتمة، ما خلا بصيص ضوء بالكاد تسلل خجولا من بين ثنايا نافذة صغيرة جدا، معلقة في سقف المبنى رغم انَّ الوقت وقت ضحى،. مسحت الغرفة بعينيها المتعبتين، علّها تعثر عما يريح جسدها المنهك فلم تجد. سلَّمت قدرها لنعاسها الذي غلبها فراحت ممدة كما المسجية على أرض خشنة الملمس، فراشها الحصى وغطاءها بقايا كرامة وطهر لا زالا لصيقين بها. لم تمضِ الاّ دقائق معدودات حتى بدا الطرق على باب الغرفة عنيفاً، متواصلا وليفتح الباب على أربعة رجال من طوال القامة، تراهم متدافعين، متبارين للوصول اليها والنيل منها، لتبدو كما الغنيمة التي طال إنتظارها. وحسما للخلاف الدائر بينهم، راح كل واحد منهم ينهش فيها كما يطيب له ويحلو حتى أغشي عليها، وبقي اﻷمر كذلك لقرابة اسبوعين متواصلين، حتى تم الإفراج عنها لعدم كفاية اﻷدلة. وعندما سئلت عن أي اﻷماكن تفضل إيصالها، فكان لها شرطا واحدا، وهو رفض العودة الى مدينتها بعد أن جرى لها ما جرى، مفضلة أن تكون بعيدة عن اﻷهل، كي لا تتسبب لهم بفضيحة أو طول لسان.
فيما بعد وكما جاء في الاخبار، فقد شوهدت ولمرات عديدة في إحدى المدن البعيدة، مفترشة اﻷرض عند مدخل أحد المقاهي، بشعر أشعث والشيب قد غزا مفرقيها، وملابس بالكاد تغطي جسدها المتهالك، تتسقط من هنا وهناك عقائب السكائر التي يرميها المارة، لتنفضها عما تعتقده قد علق بها، ثم تقوم بمضغها وتبصقها بإتجاه أي شبيه بأولئك اﻷربعة الذين تناوبوا على إغتصابها وخامسهم كلبهم ومسؤولهم اﻷمني، لتُحرم والى الأبد من اللقاء بأهلها مرة ثانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعدية، يمّه سعدية، الساعة تجاوزت العاشرة صباحا، كان عليك النهوض قبل هذا الوقت. استفاقت بصعوبة بعد سماع مناداة والدتها المتكررة وهي متصببة عرقا، وأصوات تشبه الهذيان تصدر منها بين لحظة وأخرى. في البدأ إختلط عليها اﻷمر وتأرجح، بين أن تكون في حالة حلم أم حالة صحو، وبعد أن إستقرت وعدَّلتْ جلستها،شكت لوالدتها ثقل الحلم الذي رافقها طيلة الليلة الفائتة، ولتبتسم أخيرا بملأ شدقيها وتعم الفرحة أجواء البيت. فها هي سعدية بعفتها وببدلتها الناصعة البياض، كفراشة زاهية الألوان، تضوع منها الطيوب، تطير على أنغام الحب والموسيقى كما تشاء وتحط أينما تشاء.


تخلَّصَ من كرسيه الهزاز بصعوبة، فإندلاق كرشه ومن كل جهات بطنه كان عائقا واضحا في ذلك ، ثم راح يقطع الغرفة ذهابا وإيابا، متطلعا في ضحيته بين حين وحين وقد بانت عليه جلية علامات التعب والارهاق، شاكيا لمرافقيه من أمرين، أولهما صعوبة تنفسه، وثانيهما طول فترة التحقيق، التي لم يتوقع لها أن تستغرق كل هذا الوقت، مقارنة مع تجاربه السابقة، واﻷنكى من ذلك انه لم يخرج منها بحصيلة ترتجى، لذا أعطى إيعازا لمرافقيه بإقتيادها الى إحدى الغرف الواقعة في الطرف الثاني من المبنى والمخصص أصلا للحالات الصعبة والعصية كما يسمونها.
أدخِلَتْ السيدة في غرفة بدت معتمة، ما خلا بصيص ضوء بالكاد تسلل خجولا من بين ثنايا نافذة صغيرة جدا، معلقة في سقف المبنى رغم انَّ الوقت وقت ضحى،. مسحت الغرفة بعينيها المتعبتين، علّها تعثر عما يريح جسدها المنهك فلم تجد. سلَّمت قدرها لنعاسها الذي غلبها فراحت ممدة كما المسجية على أرض خشنة الملمس، فراشها الحصى وغطاءها بقايا كرامة وطهر لا زالا لصيقين بها. لم تمضِ الاّ دقائق معدودات حتى بدا الطرق على باب الغرفة عنيفاً، متواصلا وليفتح الباب على أربعة رجال من طوال القامة، تراهم متدافعين، متبارين للوصول اليها والنيل منها، لتبدو كما الغنيمة التي طال إنتظارها. وحسما للخلاف الدائر بينهم، راح كل واحد منهم ينهش فيها كما يطيب له ويحلو حتى أغشي عليها، وبقي اﻷمر كذلك لقرابة اسبوعين متواصلين، حتى تم الإفراج عنها لعدم كفاية اﻷدلة. وعندما سئلت عن أي اﻷماكن تفضل إيصالها، فكان لها شرطا واحدا، وهو رفض العودة الى مدينتها بعد أن جرى لها ما جرى، مفضلة أن تكون بعيدة عن اﻷهل، كي لا تتسبب لهم بفضيحة أو طول لسان.
فيما بعد وكما جاء في الاخبار، فقد شوهدت ولمرات عديدة في إحدى المدن البعيدة، مفترشة اﻷرض عند مدخل أحد المقاهي، بشعر أشعث والشيب قد غزا مفرقيها، وملابس بالكاد تغطي جسدها المتهالك، تتسقط من هنا وهناك عقائب السكائر التي يرميها المارة، لتنفضها عما تعتقده قد علق بها، ثم تقوم بمضغها وتبصقها بإتجاه أي شبيه بأولئك اﻷربعة الذين تناوبوا على إغتصابها وخامسهم كلبهم ومسؤولهم اﻷمني، لتُحرم والى الأبد من اللقاء بأهلها مرة ثانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعدية، يمّه سعدية، الساعة تجاوزت العاشرة صباحا، كان عليك النهوض قبل هذا الوقت. استفاقت بصعوبة بعد سماع مناداة والدتها المتكررة وهي متصببة عرقا، وأصوات تشبه الهذيان تصدر منها بين لحظة وأخرى. في البدأ إختلط عليها اﻷمر وتأرجح، بين أن تكون في حالة حلم أم حالة صحو، وبعد أن إستقرت وعدَّلتْ جلستها،شكت لوالدتها ثقل الحلم الذي رافقها طيلة الليلة الفائتة، ولتبتسم أخيرا بملأ شدقيها وتعم الفرحة أجواء البيت. فها هي سعدية بعفتها وببدلتها الناصعة البياض، كفراشة زاهية الألوان، تضوع منها الطيوب، تطير على أنغام الحب والموسيقى كما تشاء وتحط أينما تشاء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن