سورة الاسراء الاشكالية والاحتمال 1

تحسين هاشم
tahsind74@gmail.com

2019 / 6 / 17

سورة الاسراء الاشكالية والاحتمال
( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع البصير )
جاءت هذه الاية في سياق غريب من نوعه حيث ان المسجد الاقصى بني في زمن عبد الملك بن مروان الخليفة الاموي وان ارض فلسطين كانت تسمى في القران الارض التي باركنا فيها ويرى بعض الباحثين الالمان وخاصة جوستاف فايل في كتابه ( القران ) الجزء الثاني ص 74 بان هذه الاية كتبت في زمن عبد الملك او ان جزءا منها كتب في ذلك الوقت . وفي ذات الوقت فان ثيودور نولدكة في تاريخ القران ص 122 يستبعد هذا الاحتمال تماما دون ان يورد اسباب استبعاده ورفضه الجازم , ويعود في الصفحة 315 من نفس الكتاب ليؤكد مرة اخرى اعتراضه على راي فايل وتاكيده على استحالة اجتراح محمد لنفسه المعجزات والذي هو يؤكد دائما انه ليس اكثر من بشر ويستدل نولدكة بذلك بنفس الايات التي نستدل بها عن اشكالية اية الاسراء وهي الاية 60 من نفس السورة والاية 7 و8 و27 من سورة الرعد والايات 93 – 95 من سورة الاسراء و7-8 الفرقان و44 – 45 العنكبوت , الا انه مرة اخرى لم ياتي بدليل على انكار راي جوستاف فايل ويغوص فجاة في تاويل الاسراء على انه حلم مستدلا ببعض التفاسير الاسلامية واية قرانية ( نولدكة ص 315 )
ومن الواضح ان قافية السورة في الايات التي تلي هذه الاية مختلفة تماما عن قافيتها وسياقها القراني المعروف فهي لاتوافق النص ولا تتماشى مع الرنين القراني ان صح التعبير للايات اللاحقة ابدا حيث تقف هذه الاية بكلمة ( البصير ) والايات التي تليها ( وكيلا , شكورا , كبيرا , مفعولا , نفيرا ... الخ ) مما يدل على ان الاية او الجزء الثاني منها اضيف فيما بعد او اخذ من سورة اخرى ووضع هنا وهذا احتمال ضعيف .
ويرى ثيودور نولدكة في كتابه ( تاريخ القران ) ص 122 ان هناك ما يثير الشك حول تلك الاية لكون ان فاصلتها ( الراء ) مختلف تماما عن فواصل السورة باكملها وهي ( الالف ) ولذلك فهي ربما تكون سقطت من سورة اخرى ا وان جزءا منها متعلق بالاية 62 من نفس السورة .
ولو جزءنا الاية بالشكل التالي ( سبحان الذي اسرى بعبده ليلا ) ووقفنا هنا لكانت القافية جاءت متناغمة مع الايات اللاحقة .
اما الاشكالية الكتابية فان كلمة عبده هنا لم تحدد محمد النبي لاسيما وان سورة الاسراء برمتها تتحدث عن بني اسرائيل وسميت عند الكثير من الصحابة سورة بني اسرائيل وقال عبد الله بن مسعود ( في بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ : ( هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي -
رواه البخاري 4994 ) ولاتمت باية صلة الى تاريخ الاسلام او ما يمس محمد النبي .
واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الالف في الرسم القراني كان يستعاض عنها احيانا بالالف الصغيرة والتي ماتزال موجوده في كثير من كلمات المصحف المسمى مصحف عثمان وبالرجوع الى المخطوطات القرانية المكتشفة نجد ان كلمة عبده ربما كانت كلمة عباده كما في الاية 90 من سورة البقرة ولاسباب معينة قام كاتبوا القران بحذف الالف الصغيرة لتكون عبده بدلا من عباده ومن الواضح اننا لو اعتمدنا هذا الاحتمال فانه يؤيد ويتفق تماما مع قصة خروج بني اسرائيل من مصر الى فلسطين والمؤكدة بنفس السياق والمعنى واللفظ في الاية 77 من سورة طه وهو قوله ( ولقد اوحينا الى موسى ان اسري بعبادي ليلا فاضرب لهم طريقا .... الخ ) وقال ابن كثير في تفسير هذه الاية ان الله امر موسى ان يسري بهم في الليل ويذهب بهم من قبضة فرعون وهذا يتماشى حتما مع منطق سورة الاسراء ايضا . اما الاية 52 من سورة الشعراء واوحينا الى موسى ان اسري بعبادي انكم متبعون ويقول فيها ابن كثير فأمر الله موسى ، عليه السلام ، أن يخرج ببني إسرائيل ليلا من مصر ، وأن يمضي بهم حيث يؤمر ، ففعل موسى .
وجاءت الاية 23 من سورة الدخان ( فاسري بعبادي ليلا انكم متبعون ) وقال فيها القرطبي فأسر بعبادي ليلا أي : فأجبنا دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي ، أي : بمن آمن بالله من بني إسرائيل . ليلا أي : قبل الصباح إنكم متبعون وقرأ أهل الحجاز ( فاسر ) بوصل الألف . وكذلك ابن كثير ، من سرى . الباقون فأسر بالقطع ، من أسرى ... وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف ، والخوف يكون بوجهين : إما من العدو فيتخذ الليل سترا مسدلا ، فهو من أستار الله تعالى . وإما من خوف المشقة على الدواب والأبدان بحر أو جدب ، فيتخذ السرى مصلحة من ذلك .
ومن ناحية اخرى يثير الدكتور سامي الذيب في ( كتابه القران الكريم ) ان هذه الاية فيها من التنقل في اسلوب الحوار مايثير التساؤل حقا ففي صدر الاية ( سبحان الذي اسرى بعبده او عباده .. ) والمتحدث هنا جاء للغائب باستخدام الاسم الموصول ( الذي ) وكذلك استخدام ضمير الغائب ( الهاء ) في عبده او عباده وفي وسط الاية يقول ( ... الذي باركنا حوله ... ) وهذا اسلوب المتحدث الحاضر باستخدام ضمير المتكلم ( نا ) ويستمر باسلوب الحاضر ( نريه ) ثم يعود في اخر الاية ليغيب عن الحوار تماما بالعودة الى الكلام عمن اسرى وهو الغائب ( انه هو السميع البصير ) .
وفي موسوعة اعراب القران ورد اعراب الاية ان ( اسرى ) فعل ماضي فاعله ضمير مستتر تقديره هو , وباركنا فعل ماضي و ( نا ) ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل ( لنريه ) فعل مضارع والهاء ضمير متصل والفاعل ضمير مسستر تقديره ( نحن ) للتعظيم اي ان الخطاب مازال للمتكلم الحاضر هنا والغائب في صدر الاية ومن ثم يعود للغائب مرة اخرى ( انه هو السميع البصير ) والذي ظهر الـ ( هو ) المنوه عنه في صدر الاية ظهورا جليا ليؤكد التضارب الصريح بين ثلاث جمل بخطابين مختلفين .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن