مرضى البارانويا عندما يتحدثون عن السياسة

آدم روبي
adamroubisociologie@gmail.com

2019 / 6 / 6

أتحسر لحال بعضهم الذين كل ما كانت مبادرة جديدة أو حدث جديد إلا و حللوه بمنطق نظرية المؤامرة والتشكيك واتهام كل من بادر أو من تقبل تلك المبادرة بالخيانة والعمالة.. إن الأمثلة على هاته المرضيات متعددة و يمكن للقارئ أن يقيس تقريبا على كل المبادرات و الأفكار و الأنشطة السياسية التي تطرح حتى يجد حضور هاته النزعة.
إن هذا الحال الذي يعيشه هؤلاء الشكاكين الجدد، والذي يسقط فيه بعض الأحيان للأسف من يمكن أن نتشارك معه نفس الأفكار، والأمر هنا يعبر عن علاقة جدلية للتأثير والتأثر، لأن الناس مضطرون لسماع الهرطقات يوميا، و التي غالبا ما تكون فقط على صفحات العالم الافتراضي؛ هو حال عاشه اغلب المجتمعات قبل حدوث تغيير فكري و سياسي واقتصادي كبير بها، وسبب ذلك هو فقدان الأمل لدى شرائح عديدة بالمجتمع، أمل هذا التغيير نحو غد الحرية والديمقراطية، نحو مجتمع بديل يمكن الناس من أن يكونوا أراء وأفكار مستقلة عن ما تربوا عليه، و بالتالي عدم اقتصارهم كما حال هؤلاء اليوم على اجترار الأقاويل والأكاذيب والافتراءات و التهم الباطلة والاشاعات و النمائم.. إن هذا ما حدث في الامبراطورية اليونانية القديمة مثلا عندما انتشرت نزعة الشكوكية المطلقة لدى العديد من فلاسفتها فظهر فلاسفة يتمردون على العقل (اللوغوس) وعلى المنطق، واعتبروا أن الإنسان هو مقياس كل شيء، وبالتالي لا توجد حقيقة ما، بل كل ما يوجد من أقوال و أفكار مجرد وهم..كذلك هم العديد من أصحابنا اليوم، فربما الحقيقة الوحيدة التي يؤمنون بها هي ما سمعوا يوما ما دون دراسة أو بحث علمي، دون أن يحتاج لنقدها و تطويرها. تلك الحقيقة المجردة المقدسة هي ذاتها الاستهزاء بالآخر و الاتهام الجاهز له، و الشك المطلق فيه، و في بعض الحالات إن لم يكن جلها تعنيفه. لأن العنف هنا هو امتداد لهاته النزعة التي يمكن أن تغلف بغلاف الدين كما بغلاف الإيديولوجية. إن نزعة الشك المنطلق هاته تعبر في كل المجتمعات السابقة على الانحطاط الفكري والسياسي الذي أصبح يعيشه المجتمع، ولا من سبيل من أجل توعية أبناء هذا الشعب خارج النقد بدون هوادة لهاته النزعة الحمقاء.
6/6/2019



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن