صندوق دعم مواد الاستهلاك الأساسية: مكسب شعبي في مهب العاصفة الليبرالية

المناضل-ة
mounadila2004@yahoo.fr

2006 / 5 / 5

تستعد البرجوازية وحكومتها للإجهاز على دعم ما تبقى من مواد كان يدعمها "صندوق المواد الغذائية الأساسية". وعددها ثلاث (السكر، غاز البوتان، الدقيق الوطني –فارينا-)، بعدما كان عددها مع بداية السبعينات سبعة (الحليب، الزبدة، الزيت، السكر، غاز البوتان، الدقيق الوطني- فارينا-، دقيق القمح الصلب). وتجري الآن مشاورات بين قطاع من البرجوازية في مقدمتها المجوعة الرأسمالية الاحتكارية "أونا" والحكومة من أجل التحرير الكامل لأسعار السكر و البوتان والدقيق، ولا تجد الحكومة من جهتها أي حرج في الإعلان عن نيتها في التحرير الشامل للأسعار. أما الحركة الاجتماعية فتجد نفسها في وضعية دفاع لم تستطع معه حتى إبداء موقف.
فكيف تشكل نظام دعم المواد الغذائية الأساسية ؟ و كيف هيأت الدولة للهجوم عليه ؟ وما هي الطبقات الاجتماعية المستفيدة من إنشاء الصندوق وإلغائه ؟

1/ نظام اشتغال صندوق دعم المواد الغذائية الأساسية.

أنشأت السلطات الاستعمارية الفرنسية سنة 1941 "صندوق المقاصة" كآلية لتلطيف الانعكاسات السلبية للحرب العالمية الثانية على اقتصادها و اقتصاد مستعمراتها، و تجاوز صعوبات التزود بالمواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع أو المنتجات الأولية الصناعية، وذلك من اجل تقنين الأسعار و تشجيع تنقيلها إلى بلدها. و في سنة1953 بادر أرباب معامل الزيوت إلى إنشاء "صندوق الموازنة" الذي اقتصر دوره على توزيع المداخيل والمصاريف على المصانع. وفي سنة 1973 ونتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية دخل هذا الصندوق في وضعية عجز اتجاه المنتجين الذين طالبوا الدولة بالتدخل قصد المساعدة بالتدابير التالية: رفع أسعار البيع أو منح قرض لفائدة "صندوق الموازنة" مضمون من طرف الدولة أو تحمل مسؤولية عجز الصندوق، حيث اختارت الدولة الصيغة الأخيرة الأكثر كلفة وبذلك جرى تصفية العجز من خلال صندوق الموازنة. وفي سنة 1974 شرع رسميا في دعم الزيوت الغذائية.
لم تشرع الدولة في إرساء نظام دعم المواد الغذائية الأساسية إلا ابتداء من أواسط الستينات بالموازاة مع سياستها لتقنين الأسعار. وفي سنة 1965 سيتمتع "صندوق دعم المواد الغذائية الأساسية" بصفة مؤسسة عمومية ذات الاستقلال المالي والشخصية المعنوية، في حين لم يصدر القانون الرسمي لصندوق المقاصة إلا في 10 أكتوبر 1977، حيث رسمت لنظام الدعم ثلاثة أهداف: تنظيم عملية التزود بهذه المواد، تأمين المقاولات من كل تقلب لأسعار المواد الاولية وحماية المستهلكين عبر التحكم في أسعار الاستهلاك. وقد بني نظام الدعم على قطبين: صندوق المقاصة بالنسبة لمنتجات كالزيت والسكر والحليب والمحروقات، ثم "المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني" لدعم الحبوب (القمح الطري والقمح الصلب). يعتمد النظام عند حساب حجم الدعم على عاملين هما حجم الإنتاج وسعر التكلفة، أي أن الدعم يقدم من جهة تبعا لكمية المخزونات لدى مصانع التحويل (سواء لذوي الإنتاجية المرتفعة أو للذين يفتقدون لشروطها)، كما يحتسب من جهة أخرى حسب سعر التكلفة، أي أنه يتجه نحو الارتفاع كلما ارتفعت التكلفة لسبب من الأسباب. وقد استمر العمل بطريقة حساب حجم الدعم المذكورة إلى حدود سنة 1996 عندما ستقوم الدولة بمراجعته لينسجم مع سياستها الرامية إلى تحرير نظام الدعم. يعتمد صندوق الدعم في تمويل موارده على مصدرين هما ميزانية الدولة والمعادلات الجمركية. والمعادلات الجمركية هي حقوق مضافة إلى حقوق الجمارك الهدف منها حماية الإنتاج الداخلي ويتم حسابها تبعا للأسعار العالمية. فالمعادلات ترتفع عندما تكون الأسعار العالمية أو أسعار العملات منخفضة والعكس صحيح. ويتم توجيهها إلى حسابين الأول تابع لوزارة الفلاحة ويستقبل المعادلات الجمركية الخاصة بالدقيق. والثاني تابع لوزارة المالية "صندوق التنمية الفلاحية" وهو موازي لصندوق دعم المواد الغذائية الأساسية ويستقبل المعادلات الخاصة بالسكر والزيت ليغذي في الأخير صندوق المقاصة (مثال: في سنة 1996 بلغت مداخيل صندوق المقاصة 2,2 مليار درهم مولت منها ميزانية الدولة 1,9 مليار درهم ، أي أن معادلات الرسوم مولت السنة % 60 من تحملات الدعم ، دون احتساب دعم الدقيق ) .
(((( 1.9 من 2.2 تمثل 86 في المائة: معادلات الرسوم تمثل اقل من 14 في المائةمن تحملات الدعم!!! ))))

حجم الدعـــــــــم

السكر: يبلغ حجم دعم الصندوق، لكل 1 كلغ من السكر، 2 دراهم من اصل 5,20 درهم كثمن البيع للعموم. (معطيات 96-1997 )
الزيت: كان دعم الصندوق، لكل 1 لتر من الزيت، يبلغ قبل تحريره 4,88 درهم من اصل 8,5 درهم كثمن البيع للعموم. (معطيات 96-1997 )
غاز البوتان: يبلغ حاليا حجم دعم غاز البوتان أكثر من 60% من سعر البيع العمومي (تدعم قنينة الغاز من فئة 12 كلغ بحوالي 28 درهم من أصل ثمن بيع عمومي يبلغ 40 درهما). يبدو منذ أول وهلة أن نسبة دعم المواد المذكورة كبيرة نسبيا، لكن الأمر ليس كذلك إذا قارنا متوسط الدعم بنسبته من الأجر الشهري لعامل وقارناه كذلك بتطور تكلفة المعيشة.

نسبة الدعم من الأجر: حينما كانت الدولة لا زالت لم تذهب بعيدا في خطواتها نحو إلغاء نظام الدعم، أي الفترة ما بين 1980- 1988، صرفت في المجموع 14,062 مليار درهم لدعم المواد الغذائية الأساسية (قمح طري، سكر، مواد ذهنية). أي أنها صرفت في كل سنة في المتوسط 1,75 مليار درهم، وحصل كل مواطن في كل سنة في المتوسط على 72,4 درهم لدعم مجموع المواد الغذائية المدعمة (باستثناء غاز البوتان): القمح الطري 31,5 درهم لكل مواطن – سكر 22,9 درهم لكل مواطن – زيت 16, 08 درهم لكل مواطن (زيت + زبدة 18, 37 درهم).
إن الدعم المخصص لاستهلاك المواد الغذائية الأساسية جزء غير مباشر من أجور العمال، و لمعرفة حجمه الحقيقي سنقارنه إذن بمستوى الأجر الشهري. ورغم أننا استندنا إلى أرقام متقادمة نسبيا ترجع إلى الثمانينات، إلا أنها مع ذلك تفيد في إدراك حجم الأجر الغير مباشر الذي يشكله الدعم خصوصا أن التدابير الرامية إلى الإجهاز عليه كانت في بدايتها الأولى خلال تلك الفترة.
إذا افترضنا أن عائلة عامل تتكون من سبعة أفراد، فإنها تحصل على متوسط دعم سنوي قدره 506, 8 درهم (72, 4 x 7). أي أن رب العائلة العامل يحصل كل شهر على مبلغ 42, 20 درهم. هذه النسبة (نسبة الدعم من الأجر الشهري ) لن تعرف على كل حال ارتفاعا في عقد التسعينات، لأن الدولة سعت خلال هذه الفترة إلى الحد من الدعم بغية إلغاءه بالكامل. تبدو هذه النسبة إذن هزيلة بالمقارنة مع حجم الأجر الشهري وستصبح تافهة إذا قارناها بمقياس جدي آخر هو مستوى تطور تكلفة المعيشة. استنادا إلى دراسة حول تكلفة المعيشة والتي تتمحور حول تطور أسعار خمسة مجموعات من المنتجات هي التغذية والألبسة والسكن والتطبيب والنقل، فإن مؤشر سعر مجموعة المواد الغذائية هو الذي سجل أعلى ارتفاع. فأسعار المواد الغذائية سجلت معدل ارتفاع قدره % 10 في المتوسط، أي أنها تضاعفت عموما في المدة المذكورة (15 سنة) بحوالي 4 مرات رغم أن من بينها مواد مدعمة.

2/ الهجوم على الدعم

شرع في الهجوم على نظام دعم المواد الغذائية الأساسية بالموازاة مع تنفيذ سياسة التقويم الهيكلي في القطاع الفلاحي التي دخلت حيز التطبيق منذ 1985 وتجلت أهم مظاهرها في: إلغاء دعم عوامل الإنتاج بالتدريج وانسحاب الدولة من الأنشطة ذات الطابع التجاري خاصة تجارة المخصبات والخدمات البيطرية. وفي المحاور السقوية تخلت المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي عن كل تقديم للخدمات والعمليات ذات الطابع التجاري التي أصبحت تباع بسعر السوق. كما جرت خوصصة عدة شركات ذات طابع فلاحي، بعضها كان يقدم خدمات التزود بالبذور والمخصبات...، ساهمت في الحد من تكلفة المواد الفلاحية. يضاف إلى ذلك تحرير واسع للتجارة الخارجية للمنتجات الفلاحية ( ابتداء من 1996 جرى تحرير واسع شمل السكر والزيت والحبوب...).
كان من الطبيعي أن يستكمل كل ذلك بتحرير أسعار المنتجات الغذائية الأساسية (زيت، سكر، حبوب...) بتواز مع نزع التقنين عن قطاعات التحويل (مطاحن، معامل الزيوت، معامل السكر...) وإلغاء دعم الاستهلاك الذي يشرف عليه صندوق الدعم.
كان في مقدمة المطالبين بإلغاء دعم المواد الغذائية الأساسية البنك الدولي في تقريره الصادر في أكتوبر1983. وبرر ذلك بثقل حجم مصاريف الدولة من الدعم حسب زعمه ، وأنه لم يؤد إلى تحسين استهلاك الساكنة الأكثر فقرا، وعلى العكس فإن الفئات الغنية هي التي تستفيد. مما حدى بالدولة إلى الاستجابة لتوصيته بإلغاء دعم مادتين أساسيتين لتغذية متوازنة هما الحليب والزبدة وذلك في نفس السنة، وبعدها تواصل الهجوم بالتدريج طوال الثمانينات ليبلغ أوجه في سنة 1996 (أنظر الحصيلة).

حصيلة الهجوم الليبرالي على نظام دعم المواد الغذائية الأساسية.
1983: إلغاء دعم الحليب والزبدة.
1984: إلغاء دعم الغازوال الفلاحي.
1985: لم يبق الدعم ساريا إلا بنسبة %20 فقط من الدقيق من النوع الرفيع و %80 من الدقيق الوطني (دقيق القمح الطري - فارينا)
1986: تحديد دعم الدقيق في كوطا قدرها 10 مليون قنطار.
1988: تحرير أسعار القمح الصلب والشعير والذرة لدى الإنتاج وإلغاء %20 الباقية من دعم أسعار استهلاك القمح الصلب.
1989: الرفع مجددا من سعر استهلاك الزيت بنسبة 17, 5%
1991: إلغاء دعم عوامل الإنتاج: المخصبات والبذور.
1995: ربط أسعار المنتجات البترولية بالأسعار في روتردام (تحرير الأسعار).
1996: انعطافة كبيرة في الهجوم على صندوق الدعم بتزامن مع تحرير التجارة الخارجية: زيت: تخفيض الاقتطاعات الجمركية على واردات البذور الزيتية من %25 إلى 2, 5%.
سكر: تحرير أسعار النباتات السكرية لدى المنتجين المحليين.
وضع نظام جديد لحساب الدعم: الدعم الجزافي.
1998: الإعلان عن تدبير جديد لموارد الصندوق: أن يرتبط الدعم بقضايا العجز أو عدمه في الميزانية – أن يستهدف الفئات الضعيفة – المطالبة في إعادة النظر في صندوق الدعم (الوزير الحليمي).
2000: (فاتح نونبر) التحرير الشامل لقطاع الزيوت الغذائية بما فيها أسعار الاستهلاك وإلغاء الدعم.
2001: (يوليوز) بدأ العمل بمقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة مع استثناء حوالي 30 مادة من بينها بعض المواد الغذائية الأساسية والأدوية.
2004: رفع أسعار الخبز من 1, 10 درهم إلى 1, 20 درهم مع تخفيض وزن الخبزة من 200 غرام إلى 160 غرام.
2005: خوصصة أربع مصانع للسكر لصالح أونا.

تطور حجم دعم الدولة لأسعار الاستهلاك للمواد الغذائية الأساسية.

1973 1975 1977 1979 1981 1983 1985 1986 1987 1988
نسبة الدعم من المصاريف العامة للدولة 3,9 11,9 2,3 4,2 5,5 4,7 7,1 4,9 2,3 1,6
نسبة الدعم من الناتج الداخلي الخام 0,8 3,9 1,1 1,5 2,1 1,7 2,3 1,1 1,0 0,5

المصدر: نجيب أقصبي، الكراوي، " رهانات فلاحية "، جدول 18، ص 66.

بدأت الدولة في شن الهجوم على صندوق دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية في سنة 1986 كما يبين الجدول أعلاه. فبينما كان الدعم يشكل سنة 1985 نسبة 7,1% من المصاريف العامة للميزانية، انخفض إلى 4,9% سنة 1986 ثم 2,3% سنة 1987 و 1,6% سنة 1988. ويلاحظ نفس الاتجاه نحو الانخفاض عند مقارنة نسبة الدعم من الناتج الداخلي الخام: فبينما شكل متوسط الدعم ما بين 1973 و 1988 1, 7% من الناتج الداخلي الخام، اتجه نحو الانخفاض مارا من 2, 3% من الناتج الداخلي الخام سنة 1985 إلى 1, 1% سنة 1986 و %1 سنة 1987 و 0, 5% فقط في سنة 1988.
أهم ملاحظة بخصوص هذا الاتجاه الفعلي نحو الانخفاض هو الدرجة التي تقوم بها الدولة بتخفيض حجم الدعم، إذ شرعت في التخفيض ابتداء من سنة 1986 بنسبة %40 إلى %50 كل سنة وهي نسبة تدل ليس فقط على الرغبة في الحد من حجم الدعم، ولكن على إرادة للتخلص من نظام الدعم برمته. هذا ما يكشفه صراحة "المخطط التوجيهي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 1988-1992" الذي أدرج ضمن أهدافه الإلغاء الكلي للدعم المقدم للمواد الاستهلاكية الأساسية ووضع سقف 1990 لتحقيق هذا الإنجاز !

رصد أهم محاور الهجوم الليبرالي على صندوق الدعم خلال الثمانينات والتسعينات

باستثناء سنة 1983 التي قامت خلالها الدولة بإلغاء دعم مادتي الحليب والزبدة دفعة واحدة، فإنها عملت منذ أواسط الثمانينات إلى حدود الآن على تمهيد الطريق نحو الإلغاء بإجراءات هجومية تدريجية شملت محاور: رفع أسعار الاستهلاك – تحرير الواردات – تحديد سقف لتحمل مصاريف الدعم.
رفع أسعار الاستهلاك: استنادا إلى الدراسة حول تكلفة المعيشة المذكورة أعلاه، فقد شهدت أسعار المواد الغذائية معدل ارتفاع سنوي قدره %10 في المتوسط، أي أنها تضاعفت عموما في المدة المذكورة حوالي 4 مرات رغم أن من بينها مواد مدعمة. فأسعار الحليب ومشتقاته تضاعفت بأكثر من 4 أضعاف في ظرف 15 سنة وهو معدل فاق معدل تزايد المواد المدعمة الأخرى. أما بالنسبة للزيت فقد قامت الدولة برفع أسعاره مرتين في المدة المذكورة: في 1985 بنسبة 16,6% وارتفاع للمرة الثانية في 1989 بنسبة 17,5% . أي زيادة بنسبة تزيد عن 34% في ظرف خمس سنوات. وبالنسبة لأسعار الحبوب فقد سجلت هي الأخرى ارتفاعا فعليا في السوق منذ 1986 فاق السعر الرسمي المحدد. وبغض طرفها عن زيادات أسعار الحبوب، كانت الدولة تشرعن زيادات كبيرة في الأسعار دون أن تفصح عن ذلك. وترافق ذلك مع تدهور كبير في جودة المنتوج نتيجة تراخي أو غياب مراقبة عمليات التحويل في المطاحن والتسويق التي كان يقوم بها "الصندوق الوطني المهني للحبوب والقطاني".
تحديد سقف لتحمل مصاريف الدعم: لم يبق الدعم ساريا سنة 1985 إلا بنسبة %20 فقط من الدقيق من النوع الرفيع (القمح الصلب) ليلغى فيما بعد، و %80 من "الدقيق الوطني" (القمح الطري - فارينا). وفي سنة 1986 وضع سقف لتحمل ميزانية صندوق المقاصة.
تحرير الواردات: جرى في ماي 1996 تحرير واردات البذور الزيتية والزيت الخام والتفل (بقايا البذور). كما قررت الحكومة في نفس السنة تحرير أسعار النباتات السكرية (الشمندر وقصب السكر) لدى الإنتاج.

1996: انعطافة كبيرة نحو إلغاء الدعم

وصل الهجوم الليبرالي على صندوق الدعم إلى مداه في سنة 1996 وشمل تحرير واردات الزيت وتحرير أسعار النباتات السكرية لدى الإنتاج، ووضع نظام جديد لحساب حجم الدعم يسمى الدعم الجزافي، وتطوير تقنية تطبيق المعادلات الجمركية. فبالنسبة لقطاع الزيوت جرى في ماي 1996 تحرير واردات البذور الزيتية والزيت الخام والتفل بتخفيض الاقتطاعات الجمركية من %25 إلى 2,5%؛ كما تم تحرير الزيت الصافي والمشتق في يونيو من السنة نفسها. ولتفادي التصفية الكاملة لهذا القطاع (20 ألف هكتار - %8 من الإنتاج الكلي للزيت– و34 ألف مزارع)، قررت الدولة أن تعطي الفارق بين ثمن الاستيراد وثمن إنتاج القنطار في المغرب. وتم فعلا التوقيع على إبقاء الدعم، وأن يتم شراء المنتوج المغربي بأكمله وتعطي الدولة للمشتري – عن طريق كومابرا- ما يؤدي به حق المزارعين. وهو إجراء لن يحول بكل تأكيد دون تدمير القطاع كما سنرى لاحقا. أما بالنسبة لقطاع السكر فقد تقرر في نفس السنة تحرير أسعار النباتات السكرية (الشمندر وقصب السكر) لدى الإنتاج، وأصبح التفاوض بشأن الأسعار يتم مباشرة بين المنتجين الممثلين في إطار جمعيات و معامل السكر بعدما كانت محددة بسعر رسمي ومضمون من قبل الدولة. إضافة إلى أن الفلاحين أصبحوا أحرارا في زراعة الشمندر بعدما كانوا ملزمين، في إطار عقود زراعية، بإنتاجه.
كما قامت الدولة في نفس السنة (1996) بوضع نظام جديد لحساب حجم الدعم. فبعدما كان يحتسب في السابق بالاستناد إلى عاملين هما حجم المخزونات وسعر التكلفة، أصبح بعد سنة 1996 يعتمد، من جهة، على حجم المبيعات. وفي الشق الثاني لم يعد رهينا بتكلفة الإنتاج وإنما بدعم جزافي. النظام الجديد لحساب الدعم، أي الدعم الجزافي، خطوة أخرى في اتجاه التحرير، لأن الدعم الجزافي يفترض منافسة بين المقاولات. الوحدات الإنتاجية الأكثر توفرا على شروط المنافسة و التي تستطيع تبعا لذلك تخفيض كلفة الإنتاج هي التي تستفيد.
واصلت الدولة سياسة "إصلاح" صندوق الدعم بتطوير تقنية جديدة لتنفيذ الظهير المتعلق بتطبيق المعادلات الجمركية في 5 أكتوبر 1998. وجدير بالذكر أنه تم في ماي 1996 الشروع في تطبيق المعادلات الجمركية التي ترمي إلى الحفاظ على الأسعار الداخلية للمواد الغذائية الأساسية في وجه الواردات. فهي تتغير، كما رأينا، تبعا للأسعار العالمية. ترتفع عندما تكون الأسعار العالمية أو أسعار العملات منخفضة، والعكس صحيح. والمرسوم السابق المطبق منذ ماي 1996 كان ينص على تغيير المعادلات بمرسوم يحسم فيه مجلس الوزراء، لكن عندما انخفضت الأسعار بشكل هام تعطل المرسوم شهورا، مما جعل المستوردين وأرباب المصانع يستفيدون من هامش الربح الناجم عن عدم تكييف فوري للتعريفة الجمركية مع التحول الحاصل في السعر الدولي. النظام الجديد المطبق منذ أكتوبر 1998 يسمح بتكييف فوري للتعريفة الجمركية مع تدبدب السعر الدولي بحيث تنخفض بنسبة معينة لدى ارتفاع السعر الدولي بقدر معين والعكس صحيح، وبالتالي تختفي إمكانية الاستفادة من تفاوت زمني بين لحظة ارتفاع السعر الدولي ولحظة ضبطه عبر التعريفة الجمركية.
بعد مجيء ما سمي "حكومة التناوب" في 1998 واصلت تنفيذ السياسات النيوليبرالية الرامية إلى التخلص من نظام الدعم. وتجرأ موظفوها بالإعلان عن تطبيق ما تبقى من إجراءات لإلغاء الدعم. هكذا أعلن أحمد الحليمي الوزير المكلف بالشؤون العامة للحكومة بحماسة أن "الدولة بصدد دراسة تدبير جديد لموارد الصندوق تنبني على أن تكون الانشغالات منصبة على قضايا العجز أو عدمه في الميزانية. وأن يستهدف الدعم الفئات الضعيفة من المستهلكين وذلك عن طريق مبادرات أخرى من شأنها أن تمنح لهذه الفئات موارد إما عن طريق شغل أو هبات أو بصيغة تخفيف الأعباء التي تعاني منها هذه الفئات". وبموازاة ذلك، شنت الجرائد التابعة لها وكامل الصحافة الليبرالية هجوما واسع النطاق على نظام الدعم مستعينين بالمبررات الأساسية التي سبق أن أوردها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وصفقت طويلا لجرأة الحكومة عندما أقدمت على الإلغاء الرسمي للدعم المخصص للزيت في يونيو2000. في حين غابت انتقادات الصحافة المناهضة للنيوليبرالية.

3/ المصالح الطبقية للبرجوازية وراء إنشاء الصندوق وإلغائه.

يتطلب كشف الستار عن الوجه الطبقي لسياسة الدعم الإلمام بنظام تشكل أسعار المنتجات الغذائية الأساسية: تتدخل الدولة موجهة " بسياسة السدود" وضمنها سياسة استقرار الأسعار في كل مراحل مسلسل الإنتاج (المنتجين/ الوسطاء/ شركات التحويل) لتحديد سعر البيع لكل طرف، أي في الأخير هامش ربح. ولا يتحدد حجم الدعم إلا عند نهاية هذا المسلسل عن طريق تحديد الفارق بين سعر التكلفة النهائي وسعر البيع العمومي، ويتم رصد الدعم ليغطي هذا الفارق.
يتوقف حجم الدعم، إذن، على حجم التراكم الذي يحدث عند كل مرحلة من مراحل تشكل سعر التكلفة. أي أن كل درهم يثقل - بسبب أو لآخر- هذا السعر هو في النهاية درهم إضافي تتحمله الدولة .
وللإحاطة بالوجه الحقيقي للدعم، لا بد من الوقوف عند كل مرحلة من المراحل الأساسية لتشكل سعر التكلفة: المنتجين، الوسطاء، شركات التحويل.
منتجو المواد الغذائية الأساسية:
أرست الدولة خلال السبعينات وبداية الثمانينات سياسة تحديد أسعار رسمية لدى الإنتاج (أي أسعار المواد الفلاحية الأولية في المنبع) لمنتجات الزراعات السكرية والزيتية والحبوب والتي اتجهت خلال الفترة المذكورة نحو الارتفاع، بل تجاوزت في بعض الأحيان نسبة ارتفاع تكاليف المعيشة أو حتى نسبة ارتفاع عوامل الإنتاج الأساسية. فخلال سنة 1989 وبينما وصل مؤشر تكلفة المعيشة 382 نقطة، فإن مؤشر الأسعار الرسمية لدى الإنتاج لأغلب المواد المذكورة تجاوز بكثير هذا المستوى . وصل على سبيل المثال مؤشر القمح الطري والشمندر ونوار الشمس على التوالي إلى 550 و 400 و 671 نقطة .
نلاحظ، إذن، أن ارتفاع الأسعار الرسمية لدى الإنتاج (أي التي تؤدى للمزارعين) تشكل، في حد ذاتها، مصدرا مدرا للدخل، لكن بالنسبة للفلاحين الكبار فقط؛ وذلك نظرا للعوامل التالية: بعد أماكن تسليم المنتوجات المذكورة عن مزارع الفلاحين الصغار وفقدانهم لوسائل نقل يحرمهم من الاستفادة من السعر الرسمي لدى الإنتاج. كما أن الهيئات نفسها المكلفة بعمليات جمع المحاصيل تفتقر للوسائل الكافية للتخزين الخاصة بها. لكن الأهم أن السعر الرسمي لدى الإنتاج سعر أوحد يطبق على جميع المزارع سواء التي توجه إنتاجها لتلبية حاجات الاكتفاء الذاتي لملاكيها من الفلاحين الصغار أو الضيعات الموجه إنتاجها حصرا للسوق والتي هي في ملكية فلاحين كبار همهم الأساسي مراكمة الأرباح. السعر الرسمي في الحالة الأخيرة مصدر مدر للأرباح أما بالنسبة لملايين من الفلاحين الصغار فلا يكون له أي دور محفز حتى لو استطاعوا تسليم منتجاتهم بالسعر الرسمي . فإذا أخذنا الحبوب كنموذج فإن 240 درهم مثلا للقنطار لن يعيش بها الفلاح الصغير الذي ينتج خمسة أو ستة قنطارات في أرض قد تبلغ مساحتها هكتار أو هكتاران، لكنه يسمح بالمقابل بمراكمة أرباح هائلة لفلاح كبير ينتج خمسين قنطار للهكتار الواحد في أرض قد تبلغ مساحتها 200 أو 300 هكتار .
إن سياسة الأسعار الرسمية لدى الإنتاج موجهة لخدمة مصالح ملاكي الأراضي من البرجوازيين، حيث استطاعوا بفضلها أن يجنوا أرباح هائلة، لكنها غير ذات جدوى بالنسبة للفلاحين الصغار الذين يشكلون الغالبية الساحقة من سكان القرى. وكانت بالمقابل مضرة بالمستهلكين لأنها أدت إلى إثقال سعر التكلفة وبالتالي حصة متزايدة من الدعم هم في الأخير من يتحمل تقلها عن طريق الضرائب التي يؤدونها إلى الخزينة.

الوسطـــــــــاء
يتميز السوق الداخلي للمواد الغذائية الأساسية، خاصة الحبوب والسكر، بهيمنة الوسطاء والتجار والسماسرة. ويرتبط وجودهم بنظام الإمتيازات والرخص التي تثقل، في الأخير، تكلفة المنتجات المذكورة بفضل الأرباح التي يجنونها من العملية. ففي مجال التجارة الداخلية للحبوب كان هناك إلى حدود سنة 1987 حوالي 190 تاجرا مرخصا (شركات تجارية) من قبل "المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني" للقيام بعمليات الجمع والتلفيف وتخزين الحبوب. فيما يتواجد 1126 تاجرا مكلفين فقط بعملية جمع الحبوب. أما على مستوى الواردات من الحبوب فإن "المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني" يشرف على عملية الإستيراد عبر اختيار إحدى شركات الإستيراد عن طريق طلب عروض أثمان. وتتكلف الشركة بتنفيذ مختلف عمليات الشراء وإيصال المنتوج إلى الموانئ. وقد قسمت عملية الاستيراد منذ سنة 1986 إلى ثلاث مراحل ليختار ثلاث مستوردين يقوم كل واحد منهم بإحداها.
ويجب التنبيه للدور الخطير الذي يلعبه هؤلاء الوسطاء بالسوق الخارجي. فنظرا لأن هذه الشركات تتمتع بقدر كبير من الحرية في معاملاتها، فهي تغلب مصالحها الخاصة على مصالح البلد ويدفعها تعطشها للربح إلى الإضرار بمصالح المستهلكين. فالشركات التجارية الخاصة تتقل الواردات بتكلفة إضافية تؤدي في الأخير إلى رفع السعر النهائي. والأفيد للمستهلكين أن تتولى هيئات تابعة للدولة التكفل بالعملية.

شركــــــات التحويــــــل
ضمنت طريقة حساب حجم الدعم أرباحا هائلة لشركات تحويل المواد الغذائية الأساسية. فهي من جهة تمكن المصانع المتوفرة على شروط الإنتاجية من مراكمة أرباح طائلة. فكلما تزايدت المبيعات تزايد حجم الدعم، مادام يحتسب – في جانب منه – على أساس حجم المخزونات قبل سنة 1996 وحجم المبيعات بعدها. لكنه يضمن من جهة أخرى حتى للشركات الغير متوفرة على شروط الإنتاجية أرباح دائمة ومضمونة ما دام الدعم يحتسب على أساس عامل آخر هو حجم التكلفة. إذ كلما ارتفعت التكلفة لسبب من الأسباب إلا وارتفع الدعم بشكل يضمن للمصانع الحصول على هامش الربح ذاته بغض النظر عن حجم تكلفة بضائعهم.
لا يحتسب الدعم على أساس سعر المواد الفلاحية المعنية (الأسعار لدى الإنتاج) فقط، ولكن يبنى اعتمادا على كل ما يثقل حجم التكلفة في مختلف عمليات التحويل الجارية في المصانع. سواء تعلق الأمر بمصاريف الصيانة أو الطاقة أو أجور العمال أو التلفيف أو حتى النقل... كلها تتحملها الدولة عن طريق الدعم حتى تحافظ لشركات التحويل على أرباحها. بالنسبة لمعامل الزيت مثلا، وصل الدعم المخصص للتلفيف (إلى حدود 1989 ) 1,29 درهم لكل لتر من الزيت يتضمن هامش ربح قدره 1 سنتيم، فيما يتراوح الدعم الممنوح للنقل ما بين 0,1 درهم و 0,17 درهم لكل لتر.
يتحمل صندوق الدعم أيضا تحملات غير شرعية كمصاريف البذخ والأجور العالية جدا والفوائد العينية للطاقم المسير وفاتورات المبيعات الوهمية.... جاء في تصريح أحمد الحليمي، وزير الاقتصاد الاجتماعي سابقا، بهذا الشأن " من المتوقع أن تمنح الدولة دعما عن 10 مليون قنطار لإنتاج الدقيق الوطني. لكن الخبراء يؤكدون أن الكميات الموجهة للسوق لا تتجاوز ثلاثة ملايين قنطار. أي أن الدعم الموازي لسبعة ملايين قنطار ينهب على شكل عائدات مالية للمستفيدين من الدعم ( المطاحن)". وقد اعترف رئيس "الجامعة الوطنية للمطاحن" نفسه بهذا النهب. وأقر أن الدعم لا يصل إلى أهدافه، لكنه بالمقابل نفى مسؤولية المطاحن! ولكن ماذا عن احتجاج العديد من المطاحن و الموزعين على المحسوبية في توزيع الحصص بين العمالات والأقاليم (يقصدون بين المطاحن وشركات التوزيع)؟ أكيد أن بعضهم يمارس بذلك ضغوطا من أجل الحصول على حصته من النهب بعد أن تجاوزهم منافسوهم في الاستفادة من علاقات تبادل المصالح و الروابط المعقودة مع الموظفين السامين في الحكومة. ومنذ صدور هذه التصريحات / الاعترافات لم نسمع عن تشكيل لجنة حكومية أو برلمانية للتقصي. وهو أمر يكشف مرة أخرى تواطأ المؤسسات مع المسؤولين عن نهب أموال الشعب. والنموذج البين تمثله فضيحة المطاحن سنة 1990، حين تم اختلاس مبلغ دعم الدقيق الذي صرفه المكتب الوطني للحبوب و القطاني ( 19,7مليار درهم) لحساب الجمعية المهنية للمطاحن من طرف مسؤولين من هذه الجمعية.

المجموعة الاحتكارية أونــا المستفيد الأكبر من الدعم

أول ما يشد الانتباه عند تفحصنا للمطاحن ومعامل السكر والحليب هو حجمها الكبير نسبيا والتمركز القوي الذي يسودها، وبالنسبة للكبيرة منها هناك حضور مهم للمصالح الأجنبية. وبالرغم من الركود الاقتصادي المتواصل تعمل الشركات المذكورة بكل طاقتها الإنتاجية وأرقام تعاملاتها في نمو دائم،لأن الأمر يتعلق بمنتجات تعد من الضرورات الملحة لا يتقلص الطلب عليها رغم الأزمات. وفوق ذلك ترعاها الدولة في كل المراحل.
والمستفيد الأكبر من هذه الرعاية هي المجموعة الرأسمالية الاحتكارية الكبرى "أونــا" التي تهيمن على إنتاج الزيوت الغذائية بحيث تحظى بحصة %80 من السوق الوطنية عبر شركة "لوسيور- كريسطال". وفي مجال إنتاج السكر تعتبر المنتج الوحيد لسكر"القالب" الذي يشكل %50 من الاستهلاك الإجمالي، كما أن %13 من سوق الأقراط تعود إليها. وهناك معطيات أوردها أحمد الحليمي تفيد أن %90 من إنتاج السكر (قالب - أقراط) يعود أساسا لكوسومار. ومن المرتقب أن تحظى المجموعة عما قريب باحتكار كامل لإنتاج السكر بعد أن فازت في فاتح غشت 2005 بصفقة خوصصة أربع شركات للسكر. ولا شك أنها ستطالب الآن بتسريع تحرير قطاع السكر وإلغاء الدعم، لأنها أصبحت في وضع احتكار كامل لسوقه، بعدما كانت في السابق تتحفظ وتمارس ضغوطا على الدولة لكي لا تذهب بعيدا في عملية تحرير القطاع. يثبت ذلك موقف مدير كوسومار بمناسبة يوم دراسي نظمته "لجنة متابعة تنمية القطاع الخاص" حيث يصرح "إمكانية دفع المؤسسة إلى الإفلاس إذا تم التخفيض من التعريفة الجمركية على استيراد مادة السكر المصفى، أو إذا تم إلغاء الدعم الذي تقدمه الحكومة". أما المدير العام لمجموعة أونــا فقد سبق أن طالب بالتريث في عملية تحرير أسعار السكر إلى أن تتواصل المفاوضات من أجل إيجاد حل لإشكالياته معتبرا أنه ملف أكثر تعقيدا مقارنة مع ملف الزيت الذي يعتبر عملية تحريره كانت ناجحة (لفائدة مجموعته الاحتكارية طبعا).
تتماشى، إذن، سياسة تحرير أسعار المواد الغذائية الأساسية مع مصالح الشركات التابعة لأونــا. بعدما رعتها الدولة لعقود بفضل الأرباح التي ضخها صندوق الدعم، ساهمت هذه الأرباح بالإضافة إلى القوة المالية للمجموعة في تطوير إنتاجية مصانعها واحتكارها للسوق. هاذان العاملان مكناها من التوفر على الشروط الضرورية لمواجهة المنافسة الشرسة لمنتوجات الشركات المتعددة الجنسية التي ستغزو سوق المواد المذكورة بعدما يتم رفع ما تبقى من حواجز.

4/ عواقب تحرير الأسعار

سيؤدي تحرير التجارة الخارجية، للمواد الفلاحية الأساسية وأسعارها، إلى تدمير الإنتاج المحلي. بعد خمس سنوات من تحرير أسعار النباتات السكرية لدى الإنتاج (90 ألف هكتار – 80 ألف مزارع) وتخفيض الحواجز الجمركية انخفضت المساحات المزروعة الخاصة بالشمندر السكري إلى النصف لتبلغ 27,5 ألف هكتار مقارنة مع بداية التسعينات حيث كانت المساحات المزروعة تصل إلى 66 ألف هكتار. نفس العواقب ستفرض على زراعات النباتات الزيتية. ففتح الأسواق أمام الواردات الزيتية سينسف الإنتاج المحلي من نوار الشمس (%8 من الإنتاج الكلي للزيت – 20 ألف هكتار – 34 ألف مزارع) ورغم أن الدولة قررت أن تعطي الفارق بين سعر الاستيراد وسعر إنتاج القنطار في المغرب، فمعامل الزيت ستفضل المنتوجات المستوردة رغم أن بإمكانها شراء المنتوج المحلي بنفس السعر نظرا لأن تكلفة معالجة البذور الزيتية المحلية (نوار الشمس – الصوجا - الكولزا) عالية. فقد وصل سعر معالجتها، مثلا، في سنة 1989 إلى 6,78 درهم مقابل 0,18 درهم لمعالجة البدور المستوردة.
تفاقم بطالة العمال الزراعيين: تتحدث بعض الأرقام عن 500 ألف عامل بالزراعات السكرية، إضافة إلى تفقير المزارعين، حوالي 34 ألف أسرة في الزراعات الزيتية...
تفاقم التبعية الغذائية: أدت عقود من تطبيق "السياسة الفلاحية" إلى توطيد مصالح البرجوازية الزراعية عبر سيرورة تركز أجود الأراضي بين الملاكين العقاريين الكبار (أقل من 1% يستغلون أكثر من 15% من المساحات الزراعية الإجمالية)، وبلترة واسعة للفلاحين الفقراء و تعميق التبعية الغذائية لدول المركز الإمبريالي عبر إلغاء الحواجز عن منتجاتها الفلاحية واتفاقيات الشراكة مع الإتحاد الأوربي واتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تضاعفت قيمة واردات المواد الغذائية الأساسية بأكثر من ثلاث مرات ونصف في ظرف 20 سنة ليحتد هذا الارتفاع مع بداية التسعينات موازاة مع سياسة التحرير. وتشكل قيمة الحبوب لوحدها حوالي نصف قيمة المواد الغذائية المستوردة (أنظر المناضل-ة عدد 2 لمزيد من التفاصيل حول السياسة الفلاحية). وتشكل المواد الفلاحية، خاصة الحبوب، محور الحرب التجارية بين القطبين الرئيسيين للإمبريالية الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية. ويدخل رهان السيطرة على السوق المغربي إحدى أهداف الاتفاقات التي أبرماها مع المغرب. ونتساءل كيف يمكن الذهاب بعيدا في تطبيق سياسة التحرير في ظل حرب حقيقية تخوضها البلدان الإمبريالية المصدرة للمواد الفلاحية مستعملة من جهة ترسانة كاملة من الإعانات لتخفيض أسعار منتجاتها لجعلها أكثر تنافسية، ومن جهة أخرى فرض حواجز على نفس المواد لتحطيم منافسيها؟

رغم أن نظام دعم المواد الغذائية الأساسية يشكل في جانب منه آلية بيد الدولة لتوطيد مصالح مصانع التحويل والملاكين العقاريين الكبار والشركات التجارية، فإنه مكسب للجماهير الشعبية يجب صونه والدفاع عنه وتطويره ليشمل تغطية مواد غذائية أساسية بالفعل وغنية بالبروتينات كالحليب ومشتقاته والخضروات والفواكه واللحوم... ومن جهة أخرى وجب تدعيم ملايين من الفلاحين الفقراء المنتجين للمواد الغذائية الموجهة للسوق الداخلية. ولكي لا يبقى الصندوق مصدرا للنهب يجب فرض رقابة شعبية على تسييره المالي والإداري و توجيه أولوياته في انسجام مع سياسة فلاحية بديلة تتجه بالأساس نحو تلبية الحاجات الغذائية للساكنة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
إن الحركة النقابية معنية مباشرة بالنضال ضد الهجوم النيوليبرالي على هذا المكسب. كما أن الحركات الاجتماعية المناضلة من أجل الخدمات الاجتماعية والعمومية مدعوة لدمج مطلب الحفاظ على الصندوق وفرض رقابة شعبية على توجهاته وتسييره المالي والإداري ضمن مطالبها الأساسية، وتعبئة كل الطاقات لصد الهجوم النيوليبرالي. ذلك أن الإجهاز على الصندوق يعد هجوما مباشرا على جزء من أجر الطبقة العاملة وجزء من قوت باقي الجماهير الشعبية.



--------------------------------------------------------------------------------


نجاة شرادي الفاضلي
- نجيب اقصبي ، الكراوي ، " رهانات فلاحية " ، جدول 16 ، ص 62-63.
- يدعي البنك العالمي أنه يشكل %18 من مصاريف الميزانية كما في 1981 و 1974 وهو ما تفنده تقارير لوزارة المالية وبنك المغرب والبنك العالمي نفسه في 1981 ، ذلك أن أقصى نسبة بلغها هي 11,9% سنة 1975 لم يعرف بعدها أي ارتفاع. متوسط نسبة الدعم خلال 75-1988 هي %5 فقط.
- تكفلت الدولة في إطار سياسة السدود بتنظيم القطاع محددة الأهداف وواضعة وسائل تحقيقها ومحددة قواعد الإستغلال ومشرفة على مختلف عمليات الإنتاج والتحويل والإستهلاك. كانت المكاتب الجهوية للإستثمار الفلاحي تبرم العقود مع مزارعي النباتات السكرية وتحدد واجبات وحقوق الأطراف الثلاثة، المزارعون ومعامل السكر والمكاتب الجهوية التي كانت تقوم بتنظيم ووضع المخططات الزراعية وعمليات مداواة النباتات والتزويد بالبذور وماء الري، بل و إنجاز أشغال الأرض وعمليات توعية الفلاحين.
- تصريح أحمد الحليمي وزير الإقتصاد الإجتماعي "للإتحاد الإشتراكي" 27 /10/2000.
- يصل الدعم الجزافي إلى 2000 درهم لكل طن من السكر و 5365 درهم لكل طن من الزيت الصافي.
- الصحيفة ، أكتوبر 1998.
- نجيب أقصبي
- نجيب اقصبي ، ادريس الكراوي ، "رهانات فلاحية"
- نجيب اقصبي ، ادريس الكراوي ، " رهانات فلاحية" .
- نجوى شرادي فاضلي
- استجواب مع أحمد الحليمي ، ليبيراسيون 23/02/1999 .
- نجيب أقصبي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن