هل يعتذر المسلمون عن تاريخهم ؟

سامح عسكر
ascooor@gmail.com

2019 / 5 / 26

في نظرية التحدي والاستجابة للفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي "أرنولد توينبي" قال أن تقدم الأمم لن يحدث سوى بتصفية تلك الأمم حساباتها مع تاريخها..بمعنى أن التضحيات واجبة للتخلص من إرث الهمجية ، فإذا أراد المسلمون مثلا أن يتقدموا فواجب عليهم أن يتصالحوا مع العالم أولا..ولن يتصالحوا إلا بإنكار تاريخهم المسطور في كتب الفتوحات والغزوات والحروب الأهلية التي حدثت في صدر الإسلام..وكيف ينكرون ذلك في ظل مدافعين أقوياء جدا عن هذا الماضي الأليم؟

إذن فالمواجهة حتمية مع الماضي بمواجهة تلك الثلة المدافعة عن جرائم وخطايا التاريخ، علما بأن هذه الثلة من النافذين مجتمعيا سواء كانوا حكام أو نخب ورجال دين وما يمتلكونه من قدرة مالية ومعنوية على حشد الدهماء ضد محاولات التغيير، هكذا تطورت أوروبا بإنكار ماضيها الاستعماري والاعتذار عنه بإيمان تام وخالص بحقوق الإنسان..وحق البشرية في تقرير مصيرها ومعتقداتها وحرياتها الخاصة

على المسلمين أن يعتذروا عن جرائم الفتوحات والغزوات التي حدثت وسجلت في كتبهم أولا قبل أن يعتذروا عن خطاياهم المسطورة في كتب المخالفين..هكذا سيتقدمون وتصبح معارك القدماء مجرد "تاريخ" لا " عقيدة" ملزِمة لكل طفل يشربها في التعليم وينتظر على أحر من الجمر أن يصبح قائدا عسكريا عظيما كما أوهموه، بالضبط كما تجري محاولات الآن لاعتبار فقه المسلمين مجرد "تاريخ للفقه" لا يعتد به في واقعنا المعاصر..لا أن يصبح كلام ابن تيمية وابن حنبل مقدسين في 2019 وهم قد عاشوا في زمن لا يجد الإنسان ما يتطهر به من برازه سوى الحجارة، ولا وسيلة نقل سوى الجمال والحمير..ولا علم يُطلعهم على ما غاب عنهم من أمور الفضاء والكواكب والمجرات الذي أصبح العلم ببعضها الآن من أيسر ما يكون.

يحكي كتاب "فتوح الشام" للواقدي و" البداية والنهاية" لابن كثير كيف قتل المسلمون الفاتحون لدمشق آلاف المسيحيين الأبرياء، ومثله "فتوح مصر" لابن الحكم معززا بتاريخ "يوحنا النقيوسي" عن جرائم الغزاه العرب لمصر في القرن 7 م، صفحة قصيرة من تاريخ لا يُحكى لحاجة في نفس الشيوخ يدركوها جيدا أن أسلافهم الأوائل لم يكونوا هؤلاء البشر المتسامحين مع الغير ولا ينفذون وصايا الله في قرآنه بحُرمة الاعتداء..

قال تعالى.." وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".. [البقرة : 190]..." يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".. [المائدة : 87].." لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".. [الممتحنة : 8]

ومع كل هذا الأمر القرآني نجد الصحابة يغزون الأمم، ومعاوية وإبنه يُفرطون في قتل آل البيت واضطهادهم، والحجاج في قتل شعب العراق، حتى في الثورة العباسية التي يفترض قيامها على أساس أخلاقي أجرمت بقتل الآلاف من أهالي دمشق وربط خيولهم في أعمدة المساجد حتى لُقِب زعيمهم بالسفاح، لا شعور بالقهر والظلم في قلوب الآخرين حتى تحول المسلم لكتلة صلبة خالية من المشاعر لا هم لها سوى الحرب والشهوات..وكأن الله قد أنزل دينه لهذين الأمرين فقط لا يبالون بغرس الأخلاق والعلم والعدل والإصلاح المجتمعي بنسف الطبقية الشائعة في هذا الزمان.

إن الأحقاد التي تنتج من هذه الحروب هي الأخطر على البشرية من الحروب نفسها إذ تبقى بظلالها في نفوس الأجيال لا تزول سوى بانتقام أبشع مما قد حدث أول مرة، حتى أن الصليبيين حين غزوا بلاد العرب لم يكن في مخيلتهم فقط تخليص أورشليم من المسلمين بل الانتقام من فقدان ممالكهم في عصر الفتوحات، وجرائم العثمانيين في أوروبا لم تتغذى على أفضل من حشد الجنود للانتقام من جرائم الصليبيين..ثم يأتي الاستعمار الغربي لينتقم من جرائم العثمانيين...وهكذا حتى وصلت بنا تلك السفينة الحمقاء للجماعات الإرهابية للمسلمين واليمين الديني المسيحي للانتقام من كل ما سبق.

وكأننا لم نتعلم من تجاربنا حتى مع صور مجزرتي نيوزيلندا وسريلانكا الأخيرتين، فالقاتل لم يستهدف جنودا ليُفرغ أحقاده التاريخية بل آمنين مسالمين بدعوى الانتقام الديني، فمن الذي غرس في قلوب هؤلاء جميعا أن الله سيرضى بقتل برئ أيا كان؟..ومن الذي أقنعهم أن الجنة والخلاص لن يكونان سوى بالمجازر؟!!

إن أحط ما تعلمناه في مدارسنا وجوامعنا أننا يجب أن نحارب لنصرة الدين..ولم نفرق بين مصالحنا الخاصة وإرادة الله..فزعمنا أن الله قد تجسد في أفعالنا بروايات حمقاء كالتي يفرغها المحدثين والفقهاء على مسامع الجماهير كقول أحدهم عن الله "كنت سمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها" فعندما يقتل الداعشي مئات الأبرياء في سوق بغداد فالله هو من فعل ذلك..!!...أي حماقة يكذبون وأي عقيدة يؤمنون..إنه لدين الشيطان بعينه، فوالله ما أكذب على البشر أن يفعلوا ويقولوا هذا من عند الله، وعندما يبررون فعلتهم فبجرائم غيرهم..وكأن الله لم يقل في كتابه " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".. [المائدة : 8]

ورغم ذلك تواطأ الكهنة مع الحكام لتسويغ جرائمهم وإلباسها لبوسا شرعيا بتجويز فتوحاتهم، ثم أنشأوا فقها خاصا مستقلا عن دين الله وزعموا أن ذلك من عند الله زورا..ومع مطالعة أي كتاب فقه سنرى حجم الجريمة التي أحدثها هؤلاء بتبويب شئون المخالفين من المسيحيين واليهود وغير المسلمين كافة في (أبواب الجهاد) هكذا فليس من الدين – حسب رأيهم – أن أتسامح مع المسيحي أو أعطيه حقه الإنساني..أو على الأقل أرضي له بما أرضيه لنفسي، بل حرّموا كل مساواه بين المسلم وغيره حتى أسقطوا شهادة الكتابي في المحاكم..والأكثر من ذلك أسقطوا حق القصاص من المسلم لو قتل كافرا..فالمطلوب إذن أن يقتل المسلم كافرا ولا يُعاقب بل قد يُعذر ويؤجَر إذا رأى القاضي أن في هذا القتل اجتهادا..!...ولا حول ولا قوة إلا بالله..

إن المسلمين مطالبين بالاعتذار عن ماضيهم..هذا فقط لو أرادوا الإصلاح ..أو أن يتقدموا ويدخلوا في ركب الأمم المتحضرة، وهذا لن يحدث سوى برفع القداسة عن كل شخوص التاريخ دون استثناء، حتى الرسول نفسه لم يكن مقدسا ليؤمنوا بتشريع خاص له مستقل، في حين أن القرآن جعله مُبيّنا شارحا للقرآن فقط، ولقومه الذين رأوه فحسب..أما نحن في القرن 21 فيجب أن نُعمل عقولنا لنصل كيف فهم الرسول ذلك القرآن وتلاه على الناس، لا أن نقلده في كل صغيرة وكبيرة..أو نقدس من نقلوا عنه زورا كما يفعل الكهنة بتقديس وعبادة المحدثين والزعم أن كلامهم (وحيُ ثاني) كما أفتى شيوخ الأزهر مؤخرا.

ولك أن تكتشف حجم تلك المصيبة في الإفتاء بوحي ثانٍ غير القرآن وهو كلام البخاري ومسلم وغيرهم..في حين يقولون أن هؤلاء غير معصومين، فكيف تقولون بوحي ما يقولوه في ظل نفي عصمتهم..!..إنه الغباء الذي ضرب نفوس الكهنة والمشايخ بفعل التقليد ورفضهم لإعمال العقل، فما من فتوى مهمة وثابتا من ثوابت دينهم ومذهبهم إلا وكان فيه تناقضا..وجهلا إما بالعلم أو الإنسان أو بالشريعة نفسها، فكيف نطلب من هؤلاء أن يُجددوا دينهم وهم يجهلوه؟..حتما سيُخطئون أو ينافقوا ذوي السلطان بفتاوى شكلية غير مؤثرة تُبقي – ولو مؤقتا – على ما تبقى لهم من دين موروث رفضوا في لحظة غرور وكبرياء أن يحاسبوا أنفسهم عليه برغم علمهم بفساده وعدم أهليته للبشر.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن