في سبيل فكر إنساني يخلصنا من الطغيان المتجدد

عادل محمد العذري
ass.prof.adel@gamil.com

2019 / 5 / 23

انيين البشرية التي تشهده على مر التاريخ، من قتل وترويع وإبادة للبشر وتدمير المدن والبنى التحتية، وتهجير أهلها،كل ما يحدث يعبر عن مشاعر الحقد الدفين في النفوس، والمتراكم، والذي لا يستند إلى دين أو سلامة فطرة في الحياة. مازال يعبر عن عدم انتقال صورة البشرية من مرحلة الحيوانية، التي تعتمد على قانون الغاب ومنطق القوة وسطوة المال والسيادة التوسعية تحت مسميات الحروب الدينية أو ألفكرية ذات الصبغة الأيدلوجية أو صراع الحضارات أو العرقية في بعض مراحلها وبعدها عن فكرة الإنسانية القائمة على مفهوم الوحدانية للمشاعر العالمية الإنسانية التي تعنى الكل في الوجود المادي للجميع دون استثناء. غياب الإنسانية في مفهوم التكريم لبنى أدم، أسس لتلك الفكرة من الصراعات في العالم، بعيداً عن تمركز كل أنسان وجماعة وعرق في انا واحدة شاملة هي أنا الله الواحدة، التي يتشكل فيه كل مخلوق، فتتحد الروح والمادة لتغدوا الاثنان واحداً!! ذلك واقع العالم برمته. لذلك لابد من وضع أسس ومبادئ طبيعية ثابتة تستخدم لبناء نظام أخلاقي شامل؟ يمثل دستور إنساني، لمن يؤمنون ويتمسكون به ويعملون على الدعوة إليه. من تلك المبادئ الطبيعية، وحدة الأصل الإنساني في الوجود المادي، بالعودة للجذر الأول وهو آدم أبو الإنسانية، كمبدئ طبيعي، يقرر وحدة الأصل والدم للإنسانية جمعاء دون استثناء، لتعود في جوهرها لشيء واحد، متولد، عن ذات واحد هوا الخالق. لكل إنسان منا قابلية فطرية للأيمان بجوهر تلك القضية، وقدرة اندفاعية طبيعية زود بها للشك بما هو واقع ومخالف لجوهر تلك القضية في العالم. نتحدث عن الأنسان كمفهوم مطلق بصفته نوع من الكائنات الوجودية. لا بوصفه كمفهوم نسبي، ينتسب إلى أمة معينة بمعتقدات دينية أو ليست دينية، الهدف هو خلق تلك المعرفة الإنسانية، ليتولد وعي الأنسان بذاته وفهمه لوجوده هو الركيزة الأساسية لتلك القاعدة الطبيعية، فيغدو الأنسان غاية في التكامل الإنساني الذي يجسد الكرامة الإنسانية، لا وسيلة ترام لهدم الكرامة الإنسانية تحت مبررات التفسيرات اللاهوتية أو العرقية أو الأيدلوجية أو العنصرية. إذا لم يكن لدينا معرفة تنويرية تستند إلى نزعة إنسانية، يتولد عنها سعادة الإنسان في هذا الوجود المادي، وتخليصه من كل مظاهر الألم والمعانة طوال تاريخه حتى يومنا هذا. ذلك هو سجن الأنسان في مفهوم الجسد، وابتعاده عن مفهوم الروح والمحبة المتجسدة بها، من محبة خالقها لجميع البشر. ذاك الذي لا يستبدل أنسان بإنسان. هكذا قال الله مخاطبا لبنى آدم " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا – الإسراء-آية – 70". ذلك التكريم يحمل كل وجوه التكريم التي تليق بعظمة خالقه، فأين أنتم من ذلك التكريم في واقع حياتكم ومعاشكم ووجودكم؟! ثم توجه لعموم الناس ممثلاً بذلك الإنسان بقوله" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا -النساء –آية-1". فأكد على وحدة النفس الإنسانية، كمبدئ للأخوة للإنسانية التي فقدت بسبب التعصب الديني والمذهبي والعرقي والقومي على مراحل التاريخ. عودة الوعي لتلك القاعدة الفطرية، هو الأصل وما دونه هو الشذوذ عنها لتطهير الأرض من الرجس الذي لحق بها. ذلك الحرث والغرس الذي يجنب الإنسانية الكثير من ويلاتها وحروبها الدائمة. لقد استمدت وحدة الأصل الإنساني، من وحدانية الله، ولذلك تكون كلمة الله، بوتقة تصهر كل ما تخلقه وتمزجه، فتجعل منه وحدة متكاملة، لا يوجد في خلقه شيء لا قيمة له، وأكرم شيء من خلقه هو الأنسان، لأنه روح منه. فأقر كرامة الإنسان على خالقه في جميع كتبه المقدسة وكانت كلمة الله غايتها واحدة هي الحياة ولذلك لا تموت. فاطلبوا أولا كلمة الله كيما يتاح لكم ان تعرفوا كلمتكم. فكلمة الله هي الزمان الذي لا يقاس بزمان، والمكان ما حد بمكان. أكان زمان كنتم ما كنتم فيه مع الله أهنالك مكان لستم فيه مع الله؟ اليس نفس أدم ما زال ينفخ في رئاتكم، وقلب آدم ما زال ينبض في قلوبكم؟ الأنسان غير منفصل عن الله وعن إخوانه من الناس، صلوّا لذلك الفهم في كل مساجدكم، كنائسكم، معابدكم، لتمنحكم الحياة روح الله المجسدة في أبدانكم، فتغمركم المحبة السرمدية في حياتكم ويشرق نور الله في قلوبكم وتتخلصون من آلامكم. فهل يأتي زمان تشرق فيه إنسانيتكم؟ أم تصموا آذنكم؟ الويل لمن يسمعون فلا يسمعون، والويل لمن يبصرون فلا يبصرون!! هذا الشعور الوجداني إذا تم استشعاره الضمير الإنساني، تخلص من كل أشكال العبودية وأمن من الموت والذل والفقر والحاجة، أمن من ظاهرة الاستغلال السياسي المنظم بلباس الدين، ومن ظاهرة عبودية التطرف في الفكر المادي، لينتجا عنهما البؤس الإنساني فيولد مشاكل البطالة وتضخم معدلات الفقر والمجاعة في أكثر بقاع العالم، والحروب التي تدمر المجتمعات. عالمنا اليوم بقدر ما يشهد ثورة صناعية كبرى ألفها الناس وتعودوا عليها لتخدم تحولهم في كل مناحي الحياة للخروج من مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية وتقرب بين الثقافات المختلفة. لكنهم يجدون أنفسهم في حيرة من التقدم الصناعي في مجال التسليح العسكري الذي ينعكس عليهم سلباً في بلدانهم ويحدد نوع من العلاقات الدولية المدمرة، مدفوعاً بقوى يجهلها، تسعى إلى تكوين إمبراطورية عالمية تنحر المجتمعات وتقدمهم قرابين على أعتابها. فتخلق الفوضى باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتدمر سلم المجتمعات وتخلق أوضاع مأسوية في تاريخ الإنسانية دون وازع من ضمير أو قيم أخلاقية تعارف عليها البشر!! في عالمنا العربي على وجه الخصوص، وما يشهده من انعكاس لواقع الأحداث الدامية وعصف الفتن بين شعوبها، يبرهن بطريقة أو بأخرى عجز النظام العربي أمام شعبه، عن تبرير طريقة مجيئه للحكم بأسلوب ديمقراطي يرتضيه الشعب كلما بدء بالتمرد عليه لنيل الحقوق السياسية المكتسبة. عدم قدرته على اجتثاث الفساد بكل أنواعه، وخلق العدالة الاجتماعية بين أفراده. عدم شعور المواطن أن الدولة في خدمته وليس حكمه. عدم السماح بحرية الرأي والنقد الذي يعود بتصويب المجتمع والمشاركة في عملية التنمية الحقيقية بروح علمية وعقلانية لمنع التعفن السياسي والاقتصادي والتخلص منه. عجز الأنظمة أمام المشكلات والصعوبات التي تواجههم والبحث عن مبررات يعفيهم من المسؤولية التي أنيطت بهم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن