الاوهام وإله سبينوزا

كامل علي
kamilali19@gmail.com

2019 / 5 / 15

الاوهام وإله سبينووزا:
" إنّ أليقين بحث عن الخضوع لا عن الفضيلة أو الحقيقة، لقد كان اليقين دائما بحثا عن القيد لا عن الرب الطيب "...عبدالله القصيمي "
عشر سنوات من مرحلة الشباب مرت وأنا مؤمن بالدين الإسلامي إيمانا يقينيا راسخا، أديت خلالها ألصلوات في أوقاتها وصُمتُ شهر رمضان كل سنة وآمنت بأنّ ألإسلام دين ودولة وأنّ ألحاكمية لله، ولكني لم استطع أن أمنع نفسي عن ألشك في بعض عقائد وتشريعات ألدين وبدأت أتساءل وألسؤال كان يتبعه سؤال آخر، واهم سؤال ارقني كان:
هل أرسل الله أنبياء لهداية البشرية؟ وهل يحتاج الله الذي يقول للشيء كن فيكون للانبياء لإبلاغ تعاليمه وتشريعاته؟
أزدادت شكوكي وفي ألنهاية أدت إلى إنقلاب فكري وتزعزعَ إيماني، فبدأت أصارح بعض ألأصدقاء ألموثوقين بشكوكي، ثم قررت أن أكتب كل ما يجول في عقلي من ألشكوك.
لقد قضيت زهرة شبابي في ألإيمان بوهم الإيمان بالدين، ثم أكتشفت بعد إطلاعي على ألكتب حول ألدين والعقائد وألأساطير بأنّ جميع الأديان في عالمنا نسيج من الأوهام التي هي توليفة أخترعتها وعي الإنسان بتأثير الموت وألأمل بالعيش في حياة أخرى بعد الموت.
كتب المفكر عبدألله القصيمي في كتابه - هذا ألكون ما ضميره - ما يلي:
" لقد ماتت ألآلهة ألمحولة للأشياء إلى صمت، وتخلت عن حكمتها وقوتها ألمذخورة في ألطبيعة، وفي كل شيء. لقد ماتت في عقل ألإنسان ألمتحضر وعلمه، وإن كانت لم تعش يوما واحدا في رغباته، أو في أخلاقه وسلوكه، أو في سلوك أو في رغبات أحد من ألناس، حتى ولا في سلوك أو ضمائر أولئك ألذين كانوا يخشون على كبرياء إيمانهم وعلى أربابهم من ألموت غضبا وغيرة وبكاء لو أنّهم جرؤوا على إتهام ألذباب أو ألفئران بالقذارة أو ألأذى، أو بنقل ألأوبئة ومضايقة ألإنسان، أو بأنّه لا يمكن أن يكون خلقها أبلغ ألقصائد وألصلوات وألفنون في تمجيد ألكون وألإله، والثناء على حكمته ورحمته وعشقه للإنسان.
حتى ولا في سلوك أو ضمائر أولئك ألذين يصدقون بكل حماس أنّ الحشرات هي أفضل وأكبر هدايا مغازلة بين ألإله ألعاشق وبين ألبشر ألمعشوقين ألهاربين من عاشقهم ألعظيم الذي يغازل حبه بإهداء الفئران وألآلام وألأمراض ألمستعصية إليه ".
إن العبودية خليط من العادة والعجز والتقليد والضرورة، فالعبودية ترسخت في لاوعي ألبشرية منذ طفولة ألعقل ألبشري، فإذا تمعنّا في ألعلاقة بين ألإنسان وألله في معظم ألأديان نراه كعلاقة ألسيّد بألعبد ففي سورة ألذاريات ألآيات 55 و 56 و57 نقرأ (( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* )) ولكن هل يحتاج ألله إلى عبادتنا أو عبوديتنا له؟ ألجواب طبعا لا، فحسب المنطق فإنَّ الله لو كان محتاجا الى شيء حتّى لو كان هذا ألشيء عبوديتنا له فسيفقد خاصيّة الغنى ((ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)) .....سورة آل عمران- ألآية 97 .
إنَّ ألعبودية ألّتي ترسّخت في لاشعورنا بسبب ألأديان جعلت منّا خرافا في قطيع يسوقه ألحاكم وبألأخص ألحاكم ألديكتاتوري أينما يشاء وكيفما يشاء (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )..... سورة النساء – الآية 59.
ألدولة تقوم على عمودين سلطة الحاكم وسلطان الدين فكل حاكم عبر التاريخ أراد بسط سلطانه أستخدم الدين كوسيلة لتحقيق غايته، حتى الساسة في عصرنا يستخدمون الدين لتحقيق مآربهم الدنيئة وبسط السيطرة على الجموع الجاهلة التي تسير كالخرفان وراء الراعي الذي يسوقهم نحو المذبح.
إنّ التحرر من شيء يهب الحافز والقدرة معا على التحرر الكامل إن كان يوجد تحرر كامل، أما من ألقوا بحرياتهم وكرامتهم في التراب، بين رفات الموتى بحثا عن تعاليمهم، متعبدين لها ولهم، فما أهون عليهم أن يفقدوا كل حرياتهم وكرامتهم دون أن ينتحروا أو يبكوا أو يحزنوا أو يشعروا أنّهم قد فقدوا شيئا يجب ألا يفقدوه.
في نهاية بحثي عن الحقيقة آمنت بأنّ ألنبوة والتصوف وهم وأنّ ألمؤمنين بألانبياء متوهمون ولكن إذا كانت النبوة وهم، هل الإله وهم أيضا؟
أعتقد برسوخ بأنّ إله جميع الأديان وألآلهة الشخصية السابقة والحالية أوهام خلقتها الوعي البشري.
إله سبينوزا:
يعد كتاب سبينوزا “الأخلاق مبرهناً عليها على النهج الهندسي” رحيق فكر سبينوزا.
إن رؤية سبينوزا للإله تتمثل في “تأليه الطبيعة و تطبيع الإله” وذلك بالمعنى العميق لهذه العبارة لا بالمعنى الشعاراتي، وهذه الرؤية بالذات تجد أرحب قبول من جانب المشتغلين بالعلم الطبيعي، أي بمعنى أن ثمة جوهرا خالدا أزليا، قوانين شاملة لا تتغير ولا تتبدل، وهدف الإنسان كشف هذه القوانين لمعرفة العلل الكامنة، وعندما سئل آينشتاين إن كان يؤمن بالإله، أجاب أنه يؤمن بإله سبينوزا، وقد عرف عنه محبته الخاصة لسبينوزا، لدرجة أن عدداً من دور النشر حاولت مراراً حثه على الكتابة عن سبينوزا إلا أنه كان يرفض في كل مرة.
والإله عند سبينوزا ممتد على نحو عقلي ومجموعة الأحوال الكلية الممتدة ينسب إلى اله والأحوال الجزئية البسيطة لا تنسب إلى اله.
ونسبة الإمتداد إلى اله هو سبب اتهام سبينوزا بالهرطقة أو الإلحاد، فعندما نتأمل تعريفه للإله ونضيف لهذا التعريف وصفه للإله بأنه ممتد - والإمتداد من صفات المواد- فنحن أمام إله مادي تماما هو علة ذاته، وهو إله غير مفارق لهذا العالم -عكس إله الديانات السماوية- فإله سبينوزا هو الطبيعة إذا نظرنا إليها من ناحية الإمتداد، والطبيعة هي الله منظورا إليها من اتجاه الفكر، والعلاقة بينهما هي علاقة محايثة لا علاقة مفارقة.
ختاما أقول لا يقين ولا حقيقة إلاّ حقيقة ألموت.
ولكن ما هو الموت؟ هو تحول كيميائي بفعل قوانين فيزيائية وكيميائية وبيولوجية.
والصراع الحقيقي في عالمنا هو الصراع بين العلم والاوهام التي زرعها في عقولنا الأموات الذين يتحكمون بنا من تحت الثرى.
نلتقيكم في مدارات تنويرية أخرى.

المصادر:
- هذا ألكون ما ضميره...... عبدألله القصيمي
- من هو إله سبينوزا الذي يؤمن به أينشتاين بدلاً عن الإله الشخصي أو إله الأديان؟ ....مقالة في موقع أخبار العلوم.









https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن