عولمة النضال التحرري في مواجهة عولمة الإستعمار الجديد

خليل قانصوه
khalilkansou@hotmail.fr

2019 / 5 / 15

خليل قانصوه ، فرنسا في 14.05.2019
عولمة النضال التحريري في مواجهة عولمة الاستعمار الجديد .
لا تختلف حركات التحرر في الأقطار العربية عن سواها في البلدان المستعمرة الأخرى لجهة ظهور انشقاق في صفوفها ، بعد فترة من انطلاقها تطول و تقصر حسب الظروف و الإيحاءات التي يرسلها المستعمر ، فيتمحور الانشقاق حول موقفين رئيسين :
ـ تيار يقبل الجلوس مع المستعمر إلى طاولة المفاوضات لمناقشة شروط " الاستقلال " و التصالح والتوافق معه على نوعية العلاقات بين الدولة المستقلة الموعودة من جهة و بين الدولة المستعمرة .
ـ في المقابل يرفض التيار الثاني ، التصالح مع المستعمر بما هو ممثل لنظام عدواني في جوهره ، فلا يؤمن جانبه و لا يزول خطره ، إلا بإقصائه عن البلاد إلى أبعد مساحة ممكنة ، أو بهزيمته .
و لكن تتميز حركة التحرر التي قد تنهض في أحد البلدان العربية ، بأن فصائلها التي تسعى الى التصالح مع المستعمر و إلى عقد اتفاقية معه ، أملا بالوصول إلى السلطة قبل غيرها، تحظى بدعم ورعاية سلطات حاكمة عربية في البلدان الأخرى . يتجلى ذلك من خلال اضطلاع هذه الأخيرة ، منفردة أو تكتل منها في أغلب الأحيان ،بالوساطة بين المستعمر و حركة التحرر العربية . بكلام أكثر صراحة ووضوحا ، إن التطبيع مع المستعمر منوط بالسلطة الحاكمة العربية التي توافقت و تصالحت معه ، لولا ذلك لما هادنها . و لا أجازف بالكلام أن علة بقاء هذا السلطة هي دورها في ترويض أو إجهاض الانتفاضات والاحتجاجات و الحركات الثورية التي قد تنبت في ظروف اجتماعية ملائمة في كثير من المناطق العربية .
ما أود قوله هو أن التطبيع يدخل إلى المجتمعات الوطنية العربية التي تتفاقم أزماتها ، من الخارج من سلطات عربية ، تغدق على الناس من الأموال بلا حساب و من الوعود الخيالية أيضا بالازدهار و العيش الرغيد .
لقد أثبتت التجربة أن هذا كله يبهر الناس ، المعدمين المعذبين في الأرض ، الجهلاء ، فيسلمون أمرهم ، للحكام في البلدان العربية الأخرى ، الذين ينشطون باسمهم في ظاهر الأمر، ولكن الأولية عندهم هي في الحقيقة لمتطلبات استمرارية حكمهم قبل الاهتمام بمصلحة السكان الأصليين .
من المعلوم في هذا السياق أن تاريخ القضية الفلسطينية غني جدا بالأمثلة التي تؤكد ما أشرنا إليه . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، يحسن التذكير بوساطة الرؤساء و الملوك العرب في سنوات 1930 بين الحركة الوطنية الفلسطينية من جهة و بين قوات الاستعمار البريطاني من جهة ثانية و باتفاق كوينسي ( كوينسي أسم الطراد الأميركي الذي عقد على ظهره الاجتماع ) نتيجة لاجتماع عقد بين الملك السعودي عبد العزيز و الرئيس الأميركي , بتعبير آخر كانت محفزات و مصادر التطبيع الذي انساقت إليه بعض الفصائل الفلسطينية ، في خارج فلسطين .
فكان طبيعيا أن يكون "التطبيعيون" في بلدان العرب أقوى من دعاة النضال من أجل التحرير و استطرادا أقوى في قمع الفكر السياسي احتياطا وقائيا من الثورة . هذه مسألة لا أظن أنها بحاجة إلى أدلة وبراهين لمحلها من الوضوح . أما مرد ذلك فإنه إلى أن الوسائل المادية متوفرة في الخارج كما وفعالية بما يفوق ما لدى المناضلين في الداخل ، تحت سلطة المستعمرين . مجمل القول أن جيش التطبيع كان عموما أكبر من جيش التحرير. لا شك في أن هذا موضوع أساس . و لكن المجال هنا لا يسمح باستعراض تفاصيله ، نكتفي بالقول أن التطبيع ذو أهداف تبدو سهلة و لكنه في الواقع مشروع حرب طويلة ، كون الاستعمار و التمييز العنصري من فئة العبودية ، أنكارا لإنسانية الإنسان ، غير مقبولين . و حده التحرير الناجز ، العادل ، الذي تتوجه المساواة بين الناس ، على اختلاف معتقداتهم و أجناسهم وأفكارهم كفيل بإخماد الحرب و أنهائها . و لكن التحرير عملية معقدة ، مثل الحبَل ، يخشى على الجنين من الإجهاض و على المولود من التشوه الَخلقي ناهيك من سوء التربية و الانحراف في مراحل النمو .
استناد إليه ، يمكننا الاستنتاج أن التحرير و التطبيع هما على طرفي نقيض . ليس منطقيا أن نتوقع دورا إيجابيا من شبة الدولة العربية المرتهَنة في سيرورة التحرير هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإن الخلل في ميزان القوى لصالح قوى النظام الاستعماري الجديد يضع بالمطلق شبة الدولة العربية التي ليست رهينة ، في موقف الدفاع عن الوجود ، مراوغة وخداعا و مداهنة و تذللا . بكلام آخر تمثل شبه الدولة ، فعليا ، عائقا عن التحرير الوطني ، كون مصالحها لا تتطابق دائما مع مصالح المجتمع الوطني الذي يخضع لسلطتها .
ينبني عليه أن حركة التحرير الوطني مضطرة في أكثر الأحيان ، في نضالها ضد المستعمر أو في تصديها للغزاة أن تُحيِّد شبه الدولة الخائفة على مصيرها بمعزل عن مصبر الناس . أي أن حركة التحرير الوطني موجودة امام مهمة مزدوجة . و لكن من المعروف أن معركة التحرير ليست قصيرة و حاسمة ، لا سيما أن المستعمر هو امتداد ، لدولة أو لدول كبرى ، كما هي دولة إسرائيل . و بالتالي لا يجب إغفال معطى أساس في هذه المسألة مفاده أن الجزائريين تحرروا بفضل مقاتليهم ، بالإضافة إلى التأييد الذي منحهم أياه التقدميون الفرنسيون في فرنسا ذاتها ، و لا شك في أن حركة التحرير الفيتنامية التي قاومت المستعمرين و عملائهم ببسالة ، استفادت من تعاطف المجتمع الدولي معها ، و في الولايات المتحدة الأميركية ضمنا ، و في السياق نفسه نذكر أنه كان للمقاطعة الدولية ضد دولة الأبارتهايد في جنوب إفريقيا دور مساعد إلى جانب حركة التحرر التي قادها حزب المؤتمر القومي الأفريقي تحت قيادة نلسون مانديلا .
خلاصة القول أن حركة التحرر العربية ، التي ليس من المفروض طبعا أن تحترم حدودا ، فرضها المستعمرون . فمن العبث أن تحاول إقامة دولة وطنية على بقعة لا تكفي لقيام هذه الدولة ، يتوجب عليها أن تبحث عن حلفاء لها في أوساط الشعوب ليس فقط في محيطها العربي و إنما على مستوى العالم أيضا . فلا أمل في التقدم و الخلاص من المستعمر طالما بقيت المواجهة محصورة بينها و بين هذا الأخير . عولمة الاستعمار الجديد تتطلب عولمة النضال التحرري ,



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن