عندما يتحَكَّم الرعاع

ياسين المصري
yasiensm@gmail.com

2019 / 5 / 12

يتساءل الأستاذ إبراهيم الجبين في مقال له (نُشِر في عام 2015) عمَّا إذا كان الرعاع سيحكموننا، وقال:
« أيحكمنا الرعاع؟ … أيحكمنا هؤلاء المتهتكون أو المتطرفون أو المستبدون أو الفاسدون؟ ».
أنظر الرابط التالي:
https://alarab.co.uk/هل-سيحكمنا-الرعاع-النخبة-لم-تهبط-على-الناس-بالمظلات
الحقيقة التي ربما يعرفها الكثيرون ولا يريدون الاعتراف بها هي أن الرعاع والصعاليك يحكموننا بالفعل منذ أكثر من 1400 عام، وأن ثقافة الرعاع والصعاليك وسفلة البشر تُطْبِق على نفوسنا وأنفاسنا بعنف منذ ذلك الوقت!
وفي النصف الأول من القرن العشرين، بينما كانت النخب السياسية والثقافية في مصر على وجه التحديد تحاول تدريجيًّا الخروج بالبلاد من حظيرة الصعاليك الرعاع وتنفض عن كاهلها ثقافتهم المدمرة، إنقض عليها ثلة منهم في عام 1952 وأعادوها مرة أخرى وبعنف إلى الحظيرة. وحدث في عام 2017 أن تزوج أحدهم من مذيعة إلى جانب زواجه وإنجابه، فوصف منتقديه بالرعاع، قائلًا : « برزت على الساحة فى السنوات الأخيرة نتيجة تردى التعليم وانهيار منظومة القيم والأخلاق التى كانت تحكم المجتمع لعوامل كثيرة لا تخفى على أحد ستجد ارتفاعاً مخيفاً فى عدد الرعاع من الناس ».
أنظر الرابط التالي:
https://www.youm7.com/story/2017/5/17/الرعاع/3239350
بطبيعة الحال لا يمكن لأحد منهم أن يطعن في نفسه، ويتطرَّق بالحديث عمَّن هم وراء تردى التعليم وانهيار القيم الأخلاقية في مصر، وعمَّن هم يبذلون قصارى جهدهم لإفشال أية محاولة لإيقاف هذا التردي والانهيار!. إنهم هم الصعاليك الرعاع والجهلة السفهاء الذين يحكموننا ويتحكمون في مصائرنا منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا!
صحيح أنَّ الصعاليك الرعاع يتواجدون دائمًا وأبدًا في كل المجتمعات البشرية ويتكاثرون عبر الأجيال، ولكن في الدول الديموقراطية حيث يتمتع المواطن بالحرية والرفاهية والكرامة الإنسانية، لا يتاح لأي فرد أن يصل إلى سدة الحكم، إلَّا إذا كان مؤهلًا علميًا ومدرب سياسيًا ليحكم دون أن يتحَكَّم، بمعنى ألَّا يصبح طاغية، يسيطر عليه الخوف على نفسه وعلى منصبه. فجميع مؤسسات الدولة تحمل عنه عبء هذا الخوف، بمعنى أنها تتحمل مسؤولياتها بالتمام والكمال، وليست ديكورًا أو دمىً، يحركها شخص واحد تبعًا لأهوائه الخاصة. إنه لا يقود سيارة، يحكم أدوات قيادتها، ليتحكم في سيرها بدافع الخوف، بل المفترض أنه جاء إلى سدة الحكم لتحريك المجتمع نحو الأفضل من خلال مؤسسات مؤهلة أعدت خصيصًا لهذا الغرض. وحتى لو تمكن أحد الصعاليك الرعاع من الوصول إلى قمة السلطة، فلن يتمكَّن من عمل الكثير في مجال التدمير والانهيار، وسوف يصبر عليه المواطنون حتى يزول ويترك منصبه مرغمًا في وقت محدد.
بينما في الدول المتخلفة التي يعاني مواطنوها من القهر والفساد والانحطاط لا يمكن لأحد أن يصل إلى سدة الحكم ما لم يكن من الرعاع الصعاليك، ومدعومًا بقوة عسكرية غاشمة ومحاطًا بثلة من المنتفقعين الفاسدين والجهلة السفهاء وسفلة القوم. لا بد لهذا الشخص أن يكون من هؤلاء التوافه، الذين يجيدون فن الغوغائية، وأن يعتمد في حُكْمِه على ثقافتهم التي لا تحظى بمظلة علمية أو فكرية من أي نوع ولا تتوفر فيها رؤية عامة وشاملة للعمل السياسي، بحيث تتسع لكل المواطنين كي يتمكنوا من قيادة أنفسهم بأنفسهم والتحكم بأنفسهم في مصائرهم. بل يكون جل اهتماماتهم مركزة على جذب الآخرين لاستثمارهم من أجل تثبيت حكم رئيسهم وتأكيد تحكمِّه مدى الحياة، وإذا زال بسبب الموت أو الاغتيال، يأتون بغيره من بين صفوفهم، وبنفس مواصفاتهم.
ولأن الرعاع جهلة وفاشلين في حياتهم، وليست لديهم أدنى معرفة بالعمل السياسي وقيادة المؤسسات وتوجيهها، فإنهم يحاولون التحكم في كل نواحي الحياة، ومع ازدياد تحكُّمهم تطغى على المجتمع السوقية والبذاءة، ويسود التشهير والذمّ والتجريح والطعن والقدح، فضلا عن أذيّة الجسد، بالاعتداء والقتل، فتبدأ الترديات والانهيارات المتعاقبة التي تطال كافة مجالات الحياة دون استثناء، ومن ثم تصبح أساليب الرعاع في الحياة العامة ليست حكرا على مجتمع الرعاع وحده، إنما تطال المستويات الاجتماعية جميعها، لتبلغ أعلاها، فتجرف معها جميع النخب المختلفة، من الحكّام والمسؤولين والإداريين والتربويين وأهل العلم والمعرفة والثقافة، ويتعاملون بها في أعمالهم الرسمية، ويبثونها في وسائل الإعلام، حتى يعتقد المتلقى البسيط أنها أمورٌ طبيعية يتعاطاها نظراؤهم في مختلف البلدان.
يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير: عندما يشرع الرعاع في التفكير يتلف كل شيء.
لا بد لأساليب الرعاع في العمل السياسي العام أن ترتبط مباشرة بوسائل المراقبة والتخويف والترهيب والقمع والملاحقة والاقتصاص وتكميم الأفواه، فهي أساليب لا تحتمل الاعتراض أو النقاش أو الاحتجاج، ولا تقبل إلا التهليل والترويج والهتاف، وكل ما يؤكّد الطاعة والولاء والمبايعة المطلقة، لذلك من الضروري وجود جماعات وفِرق من المطبلين والمهللين وأبواق المنافقين والقوّالين الذين يُغالون في إظهار ولائهم من خلال استنباط مصطلحاتٍ وشعارات وألقاب وعباراتٍ جديدة لم يعهدها الناس من قبل.
الرعاع يميلون ميلاً لا محدودًا نحو الفسوق والتفسخ والتخريب والأذى والتجريح النفسي والعاطفي والأخلاقي للآخرين. والكثيرون منهم يقتاتون على هذا ويكافحون من أجل نشره وتعميمه. إنهم كما قالت الشاعرة بنت الأكرمين:
هم من كانوا للصهاينة أتباع
هم من قادوا بلادهم الى الافلاس والضياع
الرعاع
هم من فضلوا ان يكونوا ضباع
دنيئة على أن يكونوا في اقدام السباع
الرعاع
هم من لهم على الوطن حق انتفاع
وعلى شعبه حق الانصياع
الرعاع
هم من صاحبوا العوالم والمياع
وتركوا الحدود وتفرغوا للخبز والحياكة وسموها اختراع
حقا انتم الرعاع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن