حين دُعيتُ للقاءٍ مع رئيسِ وزراءٍ مكلَّفٍ..

سعود قبيلات
Qubailat@yahoo.com

2019 / 5 / 10




تأتي الحكومات وتذهب، وتُجرى عليها التعديلات تلو التعديلات؛ لكن ما مِنْ تغييرٍ يطرأ على السياسات المتَّبعة.. سياسات التبعيّة والتفريط باستقلال البلاد وسيادتها، والانخراط في خدمة المحاور الدوليّة والإقليميّة المشبوهة، وتعطيل عجلة التنمية الوطنيّة المستقلّة، والتفريط بموارد البلاد وثرواتها، ونهب المال العامّ والاستيلاء عليه، وجعل اقتصاد البلاد يعتمد بصورة دائمة على الديون والهبات والمساعدات الخارجيّة، وتحميل الفئات الشعبيّة الفقيرة ومحدودة الدخل أعباء هذه السياسات المنحرفة، وتزوير إرادة الشعب وإلغاء دوره الدستوريّ كمصدر للسلطات، والتعامل مع البلاد كما لو كانت مزرعةً خاصّةً والناس فيها مجرّد خدمٍ وأتباع.

هذه الـ«ثوابت» أصبحت معروفة، بغضّ النظر عن تغيير وجوه رؤساء الحكومات وأسماء الوزراء وكبار المسؤولين. وهذا هو ما يسمِّيه البعض «سياسات الحكومات المتعاقبة»، وهي – برأيي – تسمية غير دقيقة.. بل متهافتة؛ فالحكومات لا تتعاقب مِنْ تلقاء نفسها، ولا تشكِّلها الأغلبيّة النيابيّة المنتخبة انتخاباً ديمقراطيّا نزيهاً يحقِّق التمثيل الصحيح للشعب. وفوق هذا، كلّه، فهي ليست صاحبة ولاية عامَّة.. كما يُفتَرَض بها أنْ تكون.

على أيَّة حال، أتردَّد كثيراً وأنا أقول إنَّ الحكومات مجرَّد أقنعة وواجهات؛ فهذه الفكرة أصبحت بديهيّة ومعروفة ولا أُضيف جديداً بقولها. ولكن، لا بدّ مِنْ قولها مع ذلك؛ لأنَّ النظام يعيش حالة إنكارٍ تامٍّ ولم يدرك بعد حقيقة وضعه ووضع البلاد المتردِّي.

ومع أنَّ حال الحكومات كان هكذا دائماً طوال المائة سنة الماضية (مع استثناءات نادرة)، إلا أنَّه أصبح أكثر سوءاً في العقود الأخيرة، وخصوصاً بعد التعديلات الدستوريّة الأخيرة المغرقة في الأوتوقراطيّة.

شرط تولِّي المناصب الحكوميّة العليا في بلادنا – كما هو معروف – هو موافقة صاحب المنصب على أنْ يكون مجرّد «شاهد ما شافش حاجة».. لتُتَّخذ باسمه القرارات والسياسات المعادية لمصالح الشعب والبلاد فلا يعترض على ذلك ولا يكون له رأي فيه.

وهذا أدَّى إلى تدنِّي أهليّة متولِّيْ المناصب العليا مِنْ حيث مستوى الوعي والثقافة والكفاءة؛ مع أنَّه يمكن الكلام هنا عن استثناءاتٍ محدودةٍ لبعض الأشخاص الذين أُقدِّر أنَّهم لو تولّوا مناصبهم في ظلِّ نظامٍ ديمقراطيٍّ لربّما كان أداؤهم مختلفاً جدّاً. ولكنّ هذا لا معنى له في ظلّ واقع النظام الأوتوقراطيّ القائم الآن.

ذات يوم، دُعيتُ إلى لقاءٍ مع رئيسِ وزراءٍ مكلَّفٍ بتشكيل الحكومة؛ فقلتُ لنفسي بأنَّني يجب أنْ لا أذهب إلى لقاء الرجل خالي الوفاض؛ فأعددتُ بسرعة مذكِّرةً سياسيّةً مكتوبةً على شكل نقاط. وفي اللقاء معه، الذي جرى في منزله، قال الرئيس المكلَّف بأنَّه يرغب في أنْ تضمَّ حكومته وزراء يساريين وقوميين وإسلاميين وبأنَّه يمثِّل خطّاً مختلفاً بين رجال الدولة الأردنيين.

وحين جاء دوري في الكلام، قلتُ له، بصراحة وصدق، إنَّه برأيي أحد أكثر رجال الدولة في الأردن ثقافةً وإنَّ له أطروحات تلفتُ النظر وتثير الاهتمام؛ لكنَّه، مع الأسف، عندما يتولَّى المنصب، يسمح بأنْ تُفرَض عليه سياساتٌ وقراراتٌ تتعارض تماماً مع رؤاه وتوجّهاته تلك فلا يبدي أيَّ اعتراضٍ أو مقاومة.

ثمّ عرضتُ له النقاط التي احتوتها مذكِّرتي التي أعددتُها خصّيصاً لهذه المناسبة. ومِنْ ضمن ما جاء فيها، بعد استعراضي للوضع الصعب القائم في البلاد.. سياسيّاً واقتصاديّاً، مطالبتي بالعمل مِنْ أجل تحقيق ما يلي:

1- حلّ مجلس النوّاب، والمباشرة بالإعداد لانتخاباتٍ ديمقراطيَّةٍ ونزيهة، في أقرب وقتٍ ممكن، وفق قانونٍ ديمقراطيٍّ يضمن التمثيلَ الصحيحَ للشعب؛

2- العودة إلى دستور 1952، وتخليصه من التعديلات التي انتقصتْ مِنْ روحه الديمقراطيّ1؛

3- تفعيل المبدأ الدستوريّ القائل «إنَّ الشعب مصدر السلطات»؛

4- تداول السلطة؛ ما يتطلَّب أنْ تكون الحكومات منبثقة مِنْ مجلسٍ نيابيٍّ منتخبٍ انتخاباً ديمقراطيّاً ونزيهاً، وأنْ تكون هي صاحبة الولاية على السلطة بشكلٍ فعليٍّ وتامّ، في حدود صلاحيَّاتها الدستوريَّة؛

5- إطلاق حريَّة التنظيم النقابيّ والحزبيّ بقوانين ديمقراطيَّةٍ عصريَّة؛

6- وقف السياسات المدمِّرة لليبراليَّة الجديدة، ووقف الخصخصة، ووضع برنامجٍ مدروسٍ لاستعادة الأصول الاقتصاديَّة للدولة، وإتِّباع سياساتٍ اقتصاديَّة عادلة، ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال التي نهبوها؛

7- ضمان استقلال القضاء، وإنشاء محكمة دستوريَّة2، لضمان عدم تجاوز الحكومات على الدستور والقانون.

وفي ختام اللقاء، تركتُ، للرئيس، النسخةَ المكتوبةَ من مذكِّرتي. وقد نُشِرَتْ، لاحقاً، في جريدة «العرب اليوم» مع إشارة من الجريدة إلى حقيقة أنَّني قدَّمتُ المذكِّرة إلى رئيس الوزراء عندما كان مكلَّفاً بتشكيل الحكومة.

ومضمون تلك المذكِّرة نفسه تقريباً، تحدَّثتُ به إلى الملك في لقاءٍ معه تمَّ بعد ذلك بفترة قصيرة.

بالمجمل، أستغرب كيف يقبل أردنيّ لديه حتَّى لو الحدّ الأدنى من الوعي والسويّة الأخلاقيّة أنْ يكون مجرَّد «شاهد ما شافش حاجة».. خصوصاً حين يتعلَّق الأمر ببلاده وشعبه وما يُلمّ بهما ويُحاك لهما؛ لا، بل وأكثر مِنْ ذلك أنْ يضع اسمه وتوقيعه على قراراتٍ تضرُّ ضرراً شديداً بالبلاد والشعب وتُتَّخذ باسمه وهو لم يتَّخذها!

المطلوب، الآن، تغييرٌ ديمقراطيٌّ جدّيٌّ وجذريٌّ وشاملٌ، وليس التلهّي بهذه الإجراءات الشكليّة المستهلَكَة؛ فالشعب، الآن، لا يجد في عمليَّة تغيير الحكومات وتعديلها أمراً مسلِّياً، بل إنَّ ذلك لم يعد يحجب نظره عن الآليّة الحقيقيّة لاتِّخاذ القرار..

هذه العمليّة، برمَّتها، أصبحتْ بالية ومكشوفة ومستهلكة، ولا تستحقّ حتَّى الكلفة الماليّة للإعلان عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1في ما يتعلَّق بهذا البند، أرى أنَّه قد تجاوزه الزمان وتطوّرات الأوضاع. والمطلوب، الآن، هو دستور ديمقراطيّ بالكامل يتجاوز حتَّى دستور العام 1952.

2لم تكن المحكمة الدستوريّة قد أُنشئت آنذاك.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن