الشبيحة: تشكيلات العنف غير الرسمي في سورية 6

راتب شعبو
ratebshabo@gmail.com

2019 / 5 / 6

التشبيح العام والتشبيح الخاص
إن التشبيح ما بعد الثورة هو تشبيح عام، بمعنى أن "المعلم" الفعلي فيه هو السلطة "العامة"، وبالقياس يكون التشبيح السابق للثورة تشبيح خاص ينحصر فعله وإدارته ومردوده المباشر بشخص واحد هو "المعلم". وإذا كان الطلب على التشبيح العام قد امتص في الفترة الأولى من الثورة التشبيح الخاص، فإن تطاول زمن الصراع واستقراره، خلق مجدداً الشروط الملائمة للتشبيح الخاص ولاسيما في المناطق التي لا تزال آمنة مثل منطقة الساحل السوري. فعادت شوارع وحارات المدن تشهد من جديد حوادث التشبيح الخاص التي كانت تشهدها في أيام عز التشبيح في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم.
اليوم تشهد هذه المناطق الهادئة تجاور الظاهرتين اللتين تنسبان إلى التشبيح، نقصد التشبيح العام والتشبيح الخاص. هناك اليوم العناصر التي دخلت في تشكيلات "جيش الدفاع الوطني" التي تشارك في نصب حواجز التفتيش وفي عمليات المواجهة مع المعارضة المسلحة (رغم أنه تسود قناعة واسعة أن المشاركة القتالية لهذه التشكيلات لا تتعدى سرقة المناطق التي "يحررها" الجيش، وارتكاب المجازر بحق أناس عزل). إلى جوار هذه العناصر يوجد اليوم شبيحة كلاسيكيين يقومون مثلاً بقطع طريق رئيسي لإرغام فتاة جميلة، وقعت في نفس "المعلم"، على الانضمام إلى موكبه. واللافت أنه حدث أكثر من مرة أن سقط عناصر من حواجز التفتيش (وهم من عناصر جيش الدفاع الوطني) قتلى دهساً بسيارة أحد الشبيحة الكلاسيكيين الجدد الذين يجدون أنه من غير اللائق بهم أن يقفوا على حاجز. وللمزيد من غرابة المشهد، فإن بطل التشبيح الخاص في الساحل اليوم هو نجل المسؤول الفعلي عن "جيش الدفاع الوطني". يبدو التشبيح العام نوعاً من التعبئة العامة لحماية النظام الذي يحتضن التشبيح الخاص الذي يشكل جوهر النظام وروحه.
لكن من التغيرات الملحوظة التي بدأت تظهر في البيئة الموالية بعد سنتين ونصف من الصراع، انخفاض قيمة الرئيس عما كانت عليه في البداية. لم تعد تسمع من يقول إن "سيادة الرئيس" هو المعارض الأول وإنه الأمل في تخليص النظام من الفساد والمفسدين الذين أوصلوا الشارع للاحتجاج، وأنه سوف يباشر تنظيف النظام وإصلاحه ما أن يستتب الأمن وتتاح له الفرصة. لم تعد تسمع التمييز القديم بين الرئيس والنظام: "أنا ضد النظام، ولكني مع سيادة الرئيس". لم تعد صور الرئيس ترافق صور الشهداء الأبطال الذين يصلون إلى الساحل من كل مكان في سوريا (على الأقل لم تعد كذلك بنفس الوتيرة السابقة)، ولم يعد انتقاد الرئيس من التابوهات. على أن هذه الانتقادات تأتي في معظمها من اليمين، أي تنتقد تردد الرئيس في الحسم، وتساهله مع مسببي "الأزمة" سواء من جهة المحتجين أو من جهة المسؤولين الذين سهوا عن تهريب السلاح والأفراد وحفر الأنفاق ..الخ. صار الشعور بالخسارة العامة طاغياً بما يعني أن هناك فشل عام. هناك موت يومي غزير ودمار هائل، وهناك صعوبات اقتصادية كبيرة تتزايد يوماً وراء يوم، وهناك نفق سياسي لا يبدو له أفق. وقد بدأت تنعكس هذه التغيرات في مسار الأحداث على الوعي الموالي بالترحم على الأسد الأب الذي "كان يمكنه بحنكته أن ينقذ سورية من هذا المصير، إما بحسم عسكري مبكر أو ببراعة سياسية تعزل المتطرفين وتجردهم من الدعم، وتفتح أفقاً سياسياً ممكناً". المحصلة اليوم هي أن الاسد الابن خسر جزءاً مهماً من قيمته الجامعة بين الموالين الذين صاروا يكررون القول إنهم لا يدافعون عن أشخاص (اقرأ الرئيس) بل عن البلد، هذه الكلمة التي راجت في الفترة الأخيرة كبديل عن كلمة الوطن، بعد أن استهلكت هذه الأخيرة في اللغة السياسية الموالية التي ماهت بين النظام وبين الوطن.
هذا التحول يحمل ربما، وعلى خلاف الكثير من التوقعات، بداية تفكك ظاهرة التشبيح، على الأقل بشكلها الذي عهده السوريون. فهذه الظاهرة تحتاج إلى رأس دولة مستبد قوي ويحقق إجماعاً لا منازع عليه في دوائر وأجهزة السلطة، بما يمكنه من تغذية هذه الظاهرة وحمايتها بقوته، وبما يمكنه بقوته نفسها من أن يضبطها ويسيطر عليها في الوقت نفسه. فحين تهتز صورة الرئيس ويختل الإجماع من حوله فإن ظاهرة التشبيح تتراجع بسبب تراجع التوازن القائم على القطب الواحد لصالح توازن آخر قائم على تعدد الأقطاب في السلطة. ظاهرة التشبيح تنتعش في ظل القطب السلطوي الواحد الأوحد، لكنها تتراجع مع تراجع قوة هذا القطب ونشوء أقطاب متعددة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن