المستثنون من قانون العمل وعوائق التنظيم

سحر مهدي الياسري
saharmahdi63@yahoo.com

2006 / 5 / 2

المستثنون من قانون العمل وعوائق التنظيم النقابي
أرتبطت الحرية النقابية بحرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع والحق بالاقتراع العام ومنظمات العمال تعتبر من الاطراف الفاعلة الرئيسية في الحركة الديمقراطية الوطنية والدولية في الماضي والحاضر أن تعزيز الطابع الديمقراطي للبلد يتعزز في تحقيق حرية التعبير والوصول الى مصادر المعلومات وتشكيل نقابات عمال مستقلة وتجمعات واحزاب سياسية والخطوة الاهم أجراء أنتخابات حرة ونزيهه وتساعد هذه الخطوات في توضيح أهمية الحرية النقابية والحق بالمفاوضة الجماعية ضمن منظور ديمقراطي وقد ضمنت الاتفاقات الدولية المتمثلة بالاتفاقية رقم 87 لسنة 1948 أتفاقية الحرية النقابية والحق في التنظيم للعمال وأصحاب العمل دون أي تمييز ودون أي ترخيص مسبق في تكوين النقابات التي يختارونها وكذلك حق الانضمام اليها ولم تصادق الحكومة العراقية على هذه الاتفاقية فقط صادقت على الاتفاقية 98 لسنة 1949 أتفاقية حق التنظيم والمفاوضة الجماعية والتي تنص على تمتع العمال بحماية كافية من كل عمل ينطوي على تمييز في مجال الاستخدام بسبب أنتمائهم النقابي
ولكن في العراق تواجه بعض فئات العمال عوائق في التنظيم النقابي بسبب التشريع القانوني المتمثل بقانون العمل رقم 71 لسنة 1987 وقانون التنظيم النقابي وهم في نفس الوقت مستثنون من الحماية القانونية التي يوفرها قانون العمل والذي حدد نطاق سريانه على العمال المشتغلون في القطاع الخاص والتعاوني والمختلط ويقصد بالعامل في هذا القانون كل من يؤدي عملا لقاء أجر ويكون تابعا في عمله الى أدارة صاحب العمل وتوجيهه وسلطته التأديبية وهو بهذا التحديد أستثنى بعض فئات العمال من الخضوع لاحكامه سواء بالنص صراحة على أستثنائهم أو بشكل غير صريح من كل مواده أو بعض منها وهم :-
1- العاملون في القطاع العام يؤدون أعمالا تترواح بين الادارات الحكومية والتدريس والرعاية الصحية وفي العراق يشمل الاستخدام في القطاع العام الاقتصاد الصناعي وأقتصاد الخدما ت مستثنون بشكل صريح من قانون العمل وقبلها أستثني العمال بالقرار 150 لسنة 1987 الذي ألغى تسمية العمال عندما حول جميع العمال في القطاع العام الى موظفين خاضعين لاحكام قانون الخدمة المدنية وبالتالي حرمانهم من حق التنظيم النقابي . ويوجه الان العاملون في القطاع العام مزيدا من عدم الاستقرار الوظيفي وتفاوت الاجور وظروف العمل غير الامنة وخصوصا مع التوجه نحو الخصخصة وأقتصاد السوق يضاعف من أهمية توفير علاقات عمل جيدة بأشراك العاملين في عملية التغيير وتكوين منظماتهم المستقلة للدفاع عن مصالحهم بصورة كافية مع رفع القيود على حق التنظيم والحق بالاضراب والمفاوضة الجماعية
2- عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم من الطباخين والبوابين وسواق السيارات الخاصة والحراس في المنازل والممرضات والمربيات اللواتي يعملن في البيوت أستثناهم قانون العمل الحالي من بعض أحكامه بأعتبار أن طبيعة عملهم تختلف عن باقي طوائف العمال أن هذا الاستثناء هو حماية غير مشروعة لارباب العمل الذين يمكن ان يكون المشرع واحد من طبقتهم فالمصلحة العامة والشخصية تتطلب حماية المجتمع لهذه الفئة من العمال وأعطائهم الحرية في تشكيل نقاباتهم اليوم يقوم عمال الخدمة النزلية بدور أقتصادي واجتماعي متزايد في سوق العمل بعد تزايد الحاجة اليهم .أن الطابع الشخصي للعلاقة بينهم وبين صاحب العمل يجعل من الصعب على عمال الخدمة المنزلية ان ينظموا أنفسهم ويطالبوا بحقوقهم وتعد العزلة عقبة تعوقهم من تشكيل نقاباتهم ويصعب عليهم الاتصال فيما بينهم وغالبا ما يكونوا محجوبين عن النظر لذا يصعب على النقابات الاتصال بهم ومما يزيد من تعقيد العمل الرأي داخل النقابات أن عمال الخدمة المنزلية نوع مختلف من العمل ويعد التنظيم النقابي مهم بالنسبة لهذه الفئة من العمال فهو أداة أساسية لمكافحة أنتهاكات الحقوق الاساسية في العمل فيما يتعلق بساعات العمل والصحة والاجور وعقود العمل
3- العمال المشتغلون في الاعمال الزراعية أو البستنة أو الغابات والمشتغلين منهم في تشغيل الالات الزراعية أستثناهم قانون العمل من بعض أحكامه لكون عملهم يعتمد في تنظيمه على قواعد العرف المحلي والخاص بكل فرع من فروع الزراعة . ولكن في بلد زراعي مثل العراق تقتضي العدالة أن يشمل القواعد القانونية المتعلقة بالعمل الجميع ولا يستثنى منها احد سواء فلاحين أو أجراء فالقواعد القانونية للعمل ليست مقتصرة على تنظيم علاقات العمال في الصناعة والتجارة وأصحاب العمل وأنما المقصود حماية القوة البشرية المنتجة في البلد لمصلحة الفرد والمجتمع ولايزال العمال الزراعيين محرومون من التنظيم النقابي بسبب العوائق القانونية التي وضعها قانون العمل والتنظيم النقابي فحقوق العمال الزراعيين لاتجرى حماية قانونية كافية لها ولاتزال ظروف العمل صعبة اليهم وأنخفاض الاجور مستشري في القطاع الزراعي
4- أفرادأسرة صاحب العمل والباعث على هذا الاستثناء هو ان رابطة القرابة أقوى من رابطة القانون ومن الملائم أن لايتدخل القانون في هذه الرابطة بما يؤدي الى أضعافها بسبب ما يحتمل أن ينشب من خلافات وقانون العمل أستثنى من تطبيق الاحكام الخاصة بتشغيل النساء اللواتي يعملن في وسط عائلي لايعمل فيه سوى أفراد الاسرة تحت ادارة وأشراف الزوج أو الاب أو الاخ أو الام إستنادا لاحكام المادة وبالتالي هن محرومات من الحماية التي يوفرها القانون ومن حق التنظيم النقابي
5- العمال في الاعمال التحضيرية والتكميلية والتي يتعين أنجازها قبل أو بعد الانتهاء من العمل أستنادا لحكم المادة 66 ثانيا والعاملون في مناطق تجهيز الصادرات وهي مناطق صناعية ذات حوافز خاصة لاجتذاب المستثمرين الاجانب وفيها تخضع المواد المستوردة لقدر من التجهيز قبل أعادة تصديرها ومن هذه الحوافز عدم تطبيق قانون العمل وفرض القيود على الحرية النقابية
6- المشتغلون بالحراسة أستنادا لنص المادة 66 من قانون العمل
7- العمال الموسميين مثلا المشتغلين في تشييد وترميم العقارات وأعمال تجري بمواسم معينة من السنة مثل مكابس التمور ومعامل الثلج وتنظيف الاصواف وكبسها وغزلها ونفشها وتكريب النخيل ربما يرجع عدم شمولها بالحماية القانونية لقانون العمل الى عدم دوام الرابطة القانونية بينهم وبين أصحاب العمل وعدم تمكن السلطات المختصة من تطبيق القواعد القانونية بسبب عدم أستقرارهم في مكان عمل معين ومحل عمل ثابت
8- العمال الذين يشتغلون لحساب صاحب العمل في منازلهم لم يستثنهم القانون صراحة ولكنهم خارج نطاق التعريف القانوني للعامل في قانون العمل والتي تشير الى أنه ليكون العامل مشمولا بأحكامه يجب أن يكون تابعا في عمله لادارة وتوجيه صاحب العمل ولكن في مثل هذه الحالة فلا سلطان لصاحب العمل على العامل فتنتفي الرابطة والتبعية القانونية وأكثر الطبقة العاملة في هذا القطاع من النساء وهن بالتالي محرومات من الحماية القانونية وحق التمثيل النقابي
9- بعض الكسبة الذين تقتصر خدمتهم بالحصول على حصة من أرباح العمل أو نسبة مئوية من المبيعات او الحصول على الاكرامية فهولاء ليسوا بشركاء ولا هم عمال يجب أن يتقاضوا أجرا من صاحب العمل فهم قانونا غير مشمولين بالحماية القانونية استنادا لحكم المادة 8 من قانون العمل
10- العاملون في الاقتصاد غير المنظم وهم مجموعة واسعة من العمال تشمل العاملين لحساب أنفسهم في أنشطة الكفاف بدأمن الباعة الجوالين الى العاملين في منازلهم الى المستأجرين بصورة غير منظمة الى المساهمين بالعمل داخل الاسرة وتتباين أحتياجات ومشاكل هذه الفئة من العمال بصورة كبيرة وهم غير مشمولين بأي نوع من أنواع الحماية التي يوفرها القانون للعمال وهم محرومون من حق التمثيل النقابي لقد تحولت بلدان كثيرة من قمع ومضايقة الباعة المتجولين الى سياسة أكثر يسرا في مجال الاعمال التجارية ولم يعد ينظر الى تجارة الشوارع على أنها عقبة تعرقل حركة المرور بل تعتبر مساهم في الناتج المحلي ومصدر دخل للكثيرين ممن لاتتاح لهم فرص دخل بديلة قابلة للاستقرار
العراق اليوم بمرحلة أنتقالية بعد أنهيار دولة الحزب الواحد والعلاقة بين الدولة ونقابة العمال الوحيدة فكانت هذه النقابة تسجل ارتفاعا في عدد الاعضاء أما بسبب الاجبار أو دور النقابة في الامن والخدمات الاجتماعية أو منح أجازات العمل وكانت تتلقى الدعم الحكومي الكافي لتمويل انشطتهاولكن بعد الاحتلال كانت هنا تعددية نقابية بدون دعم حكومي بل تدخل حكومي بأتجاه تحجيم دورها وتاسست عدة أتحادات ونقابات عمالية بلغ عددها هنا لحد الان سبع اتحادات ثلاث اتحادات تحالفت مع بعض والاتحادات الاخرى مستقلة وهذه النقابات سجلت أنخفاضا ملحوظ في العضوية سواء منظمات القطاع العام أو الخاص بالاضافة الى أفتقارها للدعم الذي كانت تحظى به النقابات الحكومية لست في معرض الحديث عن نشؤ الحركة النقابية في العراق بعد الاحتلال ولا تقييم تجربتها ولكن الحديث يتعلق بالمحرومين من حق التنظيم النقابي وهذ ه النقابات نقابات حقيقية تسعى للنهوض بالمبادىء والحقوق المتصلة بالحرية النقابية والحق بالمفاوضة الجماعية ولكن الطريق لازال طويلا أمام لارساء وتنظيم نقابي حقيقي وخصوصا بين صفوف الطبقات العمالية التي ذكرناها آعلاه والمحرومة من الحماية القانونية لقوانين العمل والضمان الاجتماعي ومن الحق بالتنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية لذا فأن جميع النقابات العمالية والاتحادات مدعوة مع الحكومة والشركاء من منظمات المجتمع المدني للعمل ببرنامج وطني لضمان الحرية النقابية والحق بالمفاوضة الجماعية وأقترح أن يكون بالشكل الاتي :-
1-تعتبر قوانين العمل والتنظيم النقابي والضمان الاجتماعي الاساس الذي يقوم عليه أحترام الحرية النقابية والاعتراف الفعال بالحق بالمفاوضة الجماعية ويقوم بترجمة ذلك الى حق قابل للتطبيق ويوفر حماية قانونية كافية وأن لايتصف بالجمود وقادر على التطور أما م الظروف المتغيرة وأن تدرس بصورة جدية عند صياغة القوانين القوانين المقارنة الوطنية والاقليمية والدولية وتقدير الاثار الاقتصادية والاجتماعية لمختلف أحكام قوانين العمل بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والبرلمانين والقضاة والاخصائيين القانونين في عملية صياغة القانون وتنقيحه فضلا عن عملية تطبيقه وشموله وأدماج المبادىء والحقوق الاساسية وصياغة لوائح تفصيلية لتيسير الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية وسن أحكام المساواة في العمل بما يضمن أستفادة المرأة من الحرية النقابية . أن عملية الاصلاح التشريعي عملية معقدة وبحاجة لمشاركة جميع الشركاء لوضع آليات عمل أكثر كفاءة لاكثر العمال تهميشا وعرضة للتمييز فالضرورة قائمة بألغاء جميع الاستثناءات في قانون العمل ووضع تعريف شامل للعامل يشمل جميع الفئات التي ذكرناها أعلاه وشمول جميع أفرادالطبقة العاملة بالحماية القانونية والحق بالتنظيم النقابي
2-أن تقوم الحكومة العراقية بالتصديق على كافة الاتفاقات الدولية الخاصة بالعمل وخصوصا ان الدستور لم يشير الى الا لتزام بالاتفاقات الدولية المصدقة من الحكومات السابقة وخاصة الاتفاقات المتعلقة بالحرية النقابية _(الاتفاقية رقم87لسنة1948 اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم )
3-ألغاء قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 150 لسنة 1987 والذي غير بموجبه العنوان الوظيفي للعمال العاملين في القطاع العام الى موظفين وفسح المجال كاملا للطبقة العاملة لتأسيس نقاباتها المستقلة وتعزيز قدراتهم في المفاوضة الجماعية والحق بالاضراب
4-تقوية ودعم الاتحادات والنقابات والمؤسسات المشاركة في إعمال الحرية النقابية والحق بالمفاوضة الجماعية من قبل الحكومة وليس التدخل في شؤونها والحجر على أعملها وأرصدتها ومساعدة هذ ه النقابات في بناء قدراتها وتنميتها وتقديم المشورة وجمع ونشر المعلومات والتدريب وتعزيز قدرة هذه النقابات وتمكينها من جذب الاعضاء والاحتفاظ بهم وتزويدهم بمجموعة متنوعة من الخدمات وتكون لهم القدرة على معالجة القضايا المتعلقة بحق التنظيم وأقامة روابط وثيقة مع الفئات المحرومة من التمثيل النقابي والاهتمام بأنشاء النقابات في المنشأت الصغيرة حيث تكون أنتهاكات حقوق العمال على إشدها . ايضا أن تضع هذه النقابات استراتيجيات تنظيمية متغيرة وبناء تحالفات جديدة وكما يتطلب تجاوز مكان العمل والوصول الى المجتمعات المنعزلة والمحلية حيث يتواجد العمال غير المنظمين
5-أن جعل الحرية النقابية للمحرومين من حماية قوانين العمل والحق بالتنظيم النقابي حقيقة يتطلب التوعية بما تعنيه هذه الحقوق وكيفية ممارستها والامكانات التي تطرحها بالاضافة الى التشجيع على نشر ثقافة الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية على نطاق واسع ونشر المعلومات ذات الصلة ونشر جميع الاتفاقات الدولية الاساسية والتشريعات الوطنية والاحكام القانونية في القوانين المقارنة وتزويد الهيئات الوطنية بالمعارف الاساسية عن معايير العمل الدولية وتحسين التدريب في مجال قوانين العمل ووضع وإنشاء محطات تلفيزيونية أو أذاعية أو برامج ضمن المحطات القائمة لنشر ثقافة حقوق العمال وتشريعات العمل وآثارها على التقدم الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي
أن الاصلاح التشريعي الدائم وشمول الفئات العمالية كافة بقانون العمل وعدم حرمانهم من الحق بالتنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية وتعزيز دور النقابات العمالية بدل من التدخل فيها كلها تحولات جذرية بأتجاه الحرية النقابية وترتبط أرتباطا وثيقا بالتطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على كل الاصعدة
المحامية سحر مهدي الياسري
اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن