أين تكمُنْ العِلّة؟ 12 ملحق

خسرو حميد عثمان
khasrowothman@gmail.com

2019 / 4 / 24

(نتوجه إليكِ بصدقنا وإخلاصنا حتى آخر نفس مفعم بالعلم!) ألبرت أينشتاين، 1953
"أكاديميا أوليمبيا" (مقال مترجم)*
من خلال التفاوض مع زميله السابق الطالب مارسيل جروسمان (1878-1936) تقدم آينشتاين بطلب للحصول على وظيفة في مكتب براءات الاختراع في بيرن في ديسمبر 1901 حيث طُلِبَ منه العمل في سبيل التجربة. لكسب لقمة العيش لحين بداية محتملة لعمله، نشر الإعلان التالي في Anzeiger der Stadt Bern (جريدة مدينة بيرن) في فقرة المتنوعات:
(دروس خصوصية في الرياضيات والفيزياء، تُعطى للطلاب بعناية،
ألبرت أينشتاين ، حامل شهادة بوليتكنيك السويسري؛ الإختصاص دبلوم التدريس ،
‏ Gerechtigkeitsgasse 32 ،الطابق الأول
الدروس التجريبية مجاناً.)
قدم موريس سولوفين (1875-1958)، تجاوباً للإعلان، بطلب لأخذ دروس في الفيزياء ْعلى يد أينشتاين، وهو طالب روماني شاب يدرس الفلسفة، وكان يخالجه شكوك حول تفضيل تكريس نفسه لدراسة العلوم أكثر من الفلسفة.
بعد حديثهما الطويل الذي تبادلا من خلاله أفكارهما وأرائهما، اتفقا على اللقاء في اليوم التالي. خلال اجتماعهما الثاني واصلا أحاديث اليوم الذي سبق؛ كان الدرس المخطط له في الفيزياء أصبح كلياً طي النسيان تقريبًا. سادت الألفة بينهما، وفي أحد الأيام قال آينشتاين لسولوفين:
"لا تقتضي الضرورة أن نقدم لك دروسًا في الفيزياء، فالمناقشة حول المشاكل التي نواجهها اليوم في الفيزياء أكثر إثارة للاهتمام؛ ما عليك ببساطة إلا أن تأتي إلينا؛ كلما ترغب، مسرور لكوني كنتُ قادرًا على التحدث إليك". وعاد سولوفين. لقد وجد أينشتاين شخصًا يتحدث إليه وليس طالباً يدفع!
اقترح سولوفين، يومًا ما، قراءة أعمال المؤلفين العظماء ومناقشتها. وافق أينشتاين بحماس على الاقتراح. بعد بضعة أسابيع، حضر عالم الرياضيات كونراد هابشت (1876-1958) الذي تعرف على أينشتاين في شافهاوزن - بيرن وشارك في المحاضرات والمناقشات التالية. أعطى هؤلاء الرجال الثلاثة اسم "أكاديميا أوليمبيا" لاجتماعاتهم التي كانت تستمر حتى المساء وفي بعض الأحيان حتى ساعات الصباح الباكر.
مارس أينشتاين في شقته في بيرن "كرئيس"، "ألبرت ريتر فون شتاين ، Prä---sident der Akademie Olympia". أعطى كونراد هابشت الاسم والعنوان لأينشتاين.
أراد أينشتاين أن تبدأ الاجتماعات بعشاء مسائي مشترك. لأنه لم يكن لديهم سوى القليل من المال، كانت الوجبة سبارتان، لم تكن لها تأثير على حالتهم المزاجية الجيدة. بعد العشاء كانوا يقرؤون ويناقشون حول عملهم الفعلي. كانوا يقرؤون صفحة واحدة أو أقل وبعدها يناقشون بإسهاب ما قرؤوه، أحيانًا لعدة أيام. كانت القاعدة أن تستمر قراءة عمل واحد لأسابيع أو حتى لشهور. قرؤو وناقشوا معًا لإرنست ماخ (تحليل الأحاسيس)** و(الميكانيك وتطوره)، (قواعد العلم) لكارل بيرسون، (العلم والفرضية) لهنري بوانكاريس، (المنطق) لجون ستيوارت ميلز، (أطروحة عن طبيعة الانسان) لديفيد هيومز، (الأخلاق) لسبينوزا- على سبيل المثال لا الحصر. كانت أعمال أينشتاين الحية ضمن النقاش أيضًا. كانت الأعمال الأدبية (belles-lettres) ضمن القراءة كذلك، مثل(دون كيخوت) لسرفانتيس. لم تكن البهجة غائبة، بصرف النظر عن كل الاعمال، حيث أثرى أينشتاين الاجتماعات، من حين لآخر، بالعزف على الكمان.
كان الإنضباط شديداً في "الأكاديميا". حدث وأن غاب سولوفين عن الاجتماع للاستماع إلى حفلة موسيقية في المدينة بعد أن أعّدَ وجبة أكل للأصدقاء وترك ملاحظة: (للأصدقاء المحبين بيض مسلوق بعناية، مع التحيات). كان عليه دفع ثمن قاسي لتخطيه الاجتماع. نظرًا لأن الاجتماع كان مقرراً إنعقاده في منزله في ذلك المساء، حيث قلبا آينشتاين وهابشت الشقة رأساً على عقب بعد تناولهما الوجبة التي أعدها سولوفين لهما، حيث لم تبقى قطعة أثاث في مكانها.
كانت: المواعين، الأكواب، الشوك، السكاكين والكتب منتشرة في جميع أنحاء الشقة، وأخيراً وليس آخراً كانت الغرف مغطاة بدخان غليون آينشتاين وسيجار هابشت. وقبل أن يغادر الرجلان الشقة، قاموا بتثبيت "تحذير" على الحائط: (إلى أعز صديق دخان سميك مع التحيات). في المساء التالي، قيل إن آينشتاين استقبل سولوفين بصوتٍ عالي: "أنت رجل رديء، كيفكنت صفيقاً بما يكفي للبقاء بعيداً عن اجتماع للأكاديمية من أجل الاستماع إلى الكمان؟ شخص بربري، أحمق وغبي. سوف يتم طردك من الأكاديميا مُخجلاً إذا خَذَلتنا بهذه الطريقة مرة أخرى، وفي أي وقت من الأوقات، ". لتعويض الوقت الذي ضاع استمرت الجلسة حتى الصباح.
في وقت لاحق شارك شقيق كونراد هابشت؛ بول (1884-1948) ولوسيان تشافان (1868-1942) اللذان كانا يعملان ك(تقنيَن) في مكتب البريد والتلغراف السويسري ، بشكل متقطع في اجتماعات "الأكاديمية". أفاد سولوفين في وقت لاحق: بأن ميليفا ماريك، زميلة أينشتاين السابقة وزوجته الأولى إستمعت باهتمام، في بعض الأحيان، إلى محادثات الأصدقاء لكنها لم تشارك بالحديث أبداً.
رغم وجود "أكاديميا أوليمبيا" لفترة قصيرة فقط - حيث غادر كونراد هابشت بيرن في عام 1904، وموريس سولوفين في عام 1905 - تَذَكرها آينشتاين كثيرًا، إلا أنها عززت مسيرته العلمية، حسب كلماته. كانت الأكاديمية واسطة لتشكيل صداقة قوية بين الأعضاء المؤسسين الثلاثة وإستمر التواصل بينهم الى أخر العمر و كانت"أكاديميا أوليمبيا" حية في أذهانهم.
إحتفل أينشتاين في عام 1953 ب "أكاديميا أوليمبيا" التي تأسست في برن عام 1902 من خلال رسالة إلى موريس سولوفين.
"إلى الخالدة أكاديميا أولمبيا:
في حياتكِ النشطة القصيرة، استمتعتِ بكل شيء ببهجة طفولية، بذكاء وشفافية. لقد خلقكِ مؤسسيكِ لكي تضحكي على أخواتك الكبيرات، القديمات والمتغطرسات. تعلمتُ من مدى اصابتهم للحقيقة إلى أي مدى وصلوا إلى إصابة "عين الثور" ( المقصود إصابة مركز الهدف- توضيح)، هذا ما تعلمته خلال سنوات طويلة من المراقبة الشاملة. برهن الأعضاء الثلاث ذلك دائمًا، على الاقل. حتى وإن كانوا واهنون بعض الشيء، فإن شيءً من أنواركِ النابضة بالحياة والفرح تضىء طريق حياتنا الموحشة؛ لأنك لم تكبري معهن، كنبات نمت ووصلت مرحلة إنتاج البذور.
نتوجه إليكِ بصدقنا وإخلاصنا حتى آخر نفس مفعم بالعلم! عضو الارتباط الوحيد في الوقت الحاضر.
التوقيع
برنستون 3/4/1953
‏*https://www.einstein-website.de/z_biography/---print---/p_olympia-e.html
‏**https://www.forgottenbooks.com/en/download/TheAnalysisofSensationsandtheRelationofthePhysicaltothePsychical_10067968.pdf



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن