العقيدة ليست من السماء بل نتاج بشري ….. الدين بلا ثقافة سبب تغلب الجهل على المجتمعات

رائد شفيق توفيق
raidshaffeeq@yahoo.com

2019 / 4 / 18

العقيدة ليست من السماء بل نتاج بشري …..
الدين بلا ثقافة سبب تغلب الجهل على المجتمعات
رائد شفيق توفيق
لا يمكننا أن نطلب من جاهل أن يمدنا بالمعرفة ، و لا يمكننا أن نسأل الجاهل سؤالا أو تفسيرا لسلوك أو لفعل ما مع علمنا أنه جاهل ، فإذا ما سألناه فإننا نكون أكثر منه جهلا ، مع العلم أن الجاهل لا يقرّ بجهله .
كيف يتم تقديس الجهل ؟! يتم ذلك من خلال المجتمع فهو الذي يؤدي الى تقديس الجهل من خلال الفاعلين الاجتماعيين المؤثرين في المجتمع فقد خصص المفكر والباحث الفرنسي (أوليفييه روا) وهوباحث نوعي كبير اشتهر عند المتلقي العربي من خلال لائحة من الأعمال الجادة بخاصة ثلاثية (( فشل الإسلام السياسي ..وأوهام 11 سبتمبر.. وعولمة الإسلام)) كتابه الجديد بهذا العنوان (الجهل المقدس) كله لشرح كيف ان الخطاب الاسلامي الغالب في مجتمعاتنا يكرر عقائد دوغماتية من دون ان يخضع هذه العقائد الى تحليل شرطي ؛ لان العقيدة ليست من السماء بل هي نتاج بشري من خلال الاعتناء بهذه النصوص وتفسيرها من قبل الفاعلين الاجتماعيين كما يتأتى لهم وفقا للوسائل التي يعتمدونها في تاويل هذه النصوص السماوية فمنهم من يعتمد وسائل منهجية ومنهم من يعتمد العفوية في التفسير … الخ ومن ثم تنتشر هذه التفسيرات والتاويلات عبر وسائل متعددة بين الاتباع المؤمنين وعليهم ان يتقيدو بها ولا يتجاوزوها ولا يسألون عن حيثياتها ، هكذا تغلب الجهل على المجتمعات وساد بينها وهذا عام للعالم الاسلامي المعاصر اجمع اذ ان هذه الظاهرة هي ظاهرة حديثة برغم ان مبدأ التفسير والتأويل قديم الا انه لم يكن كما هو عليه الحال اليوم لانها ظاهرة تتزامن مع ما يجري في المجتمعات الاسلامية منذ نشوء الاسلام السياسي المعاصر مطلع سبيعنات القرن الماضي حتى سقوط شاه ايران وتولي الخميني نهاية العقد ذاته ، من هنا بدأت حالة انزياح الثقافة عن الدين وصرنا نعيش زمن الدين بلا ثقافة وتأثير ذلك على الإنسان تاثيرا خطيرا فطريقة تعاطي الأديان مع الثقافة تكون اما بعزلها او دمجها مع رؤاها ووفقا لمشتهاها أو إلغائها ، لان بنية كل منهما مختلفة عن الاخر فرجل الدين يستعلي بطبعه على الثقافة ويعدها معارضة لعقيدته التي انشأها من خلال تصوراته وتاويلاته للكتاب السماوي الذي بين يديه حيث يقوم دائما بتكييف وتوظيف النصوص المقدسة لخنق الثقافة ، وهذا احد اهم اسباب تنقل الناس بين الدينات ودخولهم في الديانات الجديدة والخروج من القديمة او الالحاد ومن الاسباب ايضا التعصب للغات ورفض تأويل اللغة كتعصب المسلمين للغة العربية واليهود للغة العبرية ؛ على ان هذا لا يعفي الثقافة والمثقفين من مسؤولية ترك الدين وحيدا بلا غطاء ثقافي بالعكس بل يقع عليهم شيئا من اللائمة لكي يعملو على استنباط حل للمشكلة وتوضيح الخطوط الفاصلة بين ماهو ديني وماهو ثقافي واوجه الخلط بينهما وعلاقتهما بالعولمة والعلمنة ؛ والجدل في هذا الموضوع ينطوي على سوء فهم كبير فالعلمنة لم تنسف الدين فهي إنما تفصِل الدين عن البيئة الثقافية والسياسية وتُظهره كدين محض ، وقد عملت العلمنة عملها في الواقع فما نشهده اليوم انما هو إعادة صياغة للدين في فضاء معلمن أعطى الدين استقلاله الذاتي وشروط توسعه ؛ فقد أرغمت العلمنة والعولمة الأديان على الانفصال عن الثقافة وان تعتبر نفسها مستقلة وتعيد بناء ذاتها في فضاء لم يعد إقليميا وبالنتيجة لم يعد خاضعا للسياسي اضافة الى فشل رجل الدين فعندما صار سياسيا ويقود حكومة دينية فانه أراد منافسة العلمنة في ميدانها (الفضاء السياسي) .
لقد تطرق اوليفييه روا في كتابه الجهل المقدس الى الاديان الابراهيمية التوحيدية الثلاث ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) وعقائدها الوضعية موضحا اسباب اختلاف طباع التدين لاتباع الدين الواحد حسب مناطق تواجدهم وتوزيعهم جغرافيا ومن خلال تناوله لثنائية الدين والثقافة يوضح اسباب عداء التيارات الدينية الاصولية للجوانب الفنية والعديد من الجوانب المعتم عليها بحثيا واعلاميا ؛ وهكذا لم يعد ثمة اتصال تلقائي بين ثقافة ودين، وغدت المعالم الدينية طليقة وعائمة وبدأت التوترات تزداد حدة مع انتشار حالات التحول وتغيير الدين والالحاد في العالم اليوم .
السقوط الفكري للشعوب أبشع وأشد وأخطر انواع السقوط وهو لا يقتصر على البسطاء بل يشمل المتعلمين فلا يشترط ان يكون الجاهل اميا اذ بينهم من يحمل شهادات عليا ويشغل مناصب كبيرة في الدولة ، فكم من زعيم سياسي جاهل وكم من وزير جاهل وكم من مدير جاهل وكم من مشرف في قمّة الجهل والسذاجة لأنه لا يفهم الآخر ولا يحكم إلا إنطلاقا من رؤيته الخاصة التي تجعله منغلقا على ذاته ؛ فالجهل من اقوى عوائق المعرفة والحضارة والتقدم ، واشد معوقات النهوض وهذا شان اكثر الناس في الكثير من المجتمعات ، فهم يندمجون تماما مع الجهل ويحسبونه صوابا ، والجهل لا يعني بالضرورة عدم المعرفة بالشيء وانما ايضا التعصب والتفرد و التسلط .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن