في حرب الإبادة الذاتية في جبل الدروز..

فاضل الخطيب
fadel.katib@gmail.com

2019 / 4 / 18

رغم أن السويداء نأت بنفسها عن الحرب الأسدية/الداعشية/الخمينية، لكن حروب الأسد والدواعش والخمينيين لم تنأى بنفسها عن السويداء. كنا نقول أن "قردحة" الجبل ليست بديلاً عن "دعشنته"، لكن بعد أن ذاب الثلج في 25 تموز وشاف الأعمى المرج، صار التمسك بشعار "عنزة ولو طارت" لا يعني جهلاً أو جحشنة في قراءة الواقع، بل هي قوادة "أشكَرَه"، واللي بيشلح ثياب الجبل، كل مستودعات القرداحة والضاحية الجنوبية وطهران لن تدفئه من لسع الهواء الجبلي، وفي التاريخ أمثلة عديدة. أريد تكرار جوهر موقفي حول الحرب على الجبل والتي كانت خلال السنوات الماضية غالباً بلا ضجيج، وتتحول يوماً بعد يوم إلى حرب بضجيج، حرب انتحارية طوعية درزية/درزية. ورغم موقفي المتشدد جداً والمبكر جداً ضد مشيخة العقل وزعماء الجبل التقليديين، بدءً بأمير عرى ومروراً بحفيد سلطان الأطرش حتى آخر "وجيه" دمغته مخابرات الأسد بوشم ناري على إليته وجبينه وشِرش حيائه ودلال قهوته المرة، رغم موقفي المتشدد والمبكر من قرداحيي الدروز ومن دروز البدو واحتقاري لهم، رغم موقفي المتشدد والمبكّر، الشخصي والعائلي والدرزي والوطني من بعض حثالات الدروز في الجبل والمهجر/خاصة في الخليج، رغم موقفي المتشدد وانحيازي المبكر لحركة شيوخ الكرامة التي قادها البلعوس، وبكل نواقصها، رغم موقفي المتشدد والمبكر ضد ضبابية وخمول مثقفي "العلالي الطينية" المترفعة عن الطائفية الهاربة من الواقع إلى الرومانسية الإنشائية المنفوشة رغوة، رغم ذلك، أكرر، أن أكبر خطر يهدد الجبل الذي يخضع لسيطرة النظام، هو الفلتان الأمني، ومَن المسؤول الأول عن تهريب وانتشار المخدرات والفلتان الأمني طالما النظام هو المسيطر؟ من تعزّ عليه سلامة الجبل وأهله، عليه أن يبحث على الحلقة الرئيسية للصراع، للوجود، والتمسك بها فوق كل اعتبار سياسي/ثقافي أو إيديولوجي أو إيماني أو إلحادي. ومن أجل معرفة حقيقة تلك الحلقة الرئيسية، لابد من معرفة الطريق الذي أوصلنا جميعاً إلى هنا، طريق الفساد والمخدرات والقوادة وانحلال الأخلاق والتشوّه القيمي للعادات الجيدة الجامعة للحمة الجبل، علينا معرفة الهفوات وتراكمات الأخطاء الصغيرة التي جرّتنا إلى هذه الكارثة التي تواجهنا اليوم، علينا الاعتراف وبدون مواربة وعلاك فاضي، أنه لا يمكن للجبل التعويل إلا على أهله، وأهله فقط. ليس المطلوب ممن لم ولا يملك الشجاعة أو صوابية الرؤية للاعتراف علانية بالأسباب التي أوصلتنا إلى هذا القاع الاحترابي الداخلي ومسببيه ودور كل هؤلاء في ذلك، لكنه يجب على هؤلاء أن يمتنعوا عن التجييش الرخيص واعتبار اعترافهم الضمني بخطأ مواقفهم السابقة أهم من التشبث بها في محاولة للتأكيد أنهم لا يُخطئون، المكابرة على السوء هي الانتحار الطوعي، أو هي ربما الدعوة غير المباشرة لقتل صاحبها. لا يختلف اثنين في الجبل، أن داعش والنصرة وفقههم وأنصارهم أعداء واضحون للدروز، لكل الدروز بلا استثناء، حتى للذين ساهموا بالاسترزاق الوسخ من التعامل مع داعش والنصرة من الدروز. لا يختلف كل ذي صاحب أخلاق وعقل على دور نظام الأسد في الأضرار التي سببها للجبل. ينسى البعض حريته، عندما يكون بإمكانه أن يكون حراً، وعلينا محاولة عدم الهروب من هذا الاستحقاق الحر للحرية. يحتاج الجبل إلى وثيقة وطنية جبلية تصدر عن ”مؤتمر جبليّ“ تستند وتؤكد على القيم الثابتة، وقد تكون رمزية سلطان الأطرش هي القاسم المشترك، هي الخيمة التي تضم كل ذلك الإرث الجبلي الجيد والمتنوع، واختيار مجموعة من العقلاء فعلاً والحكماء فعلاً والذين لم يكونوا من أذرع النظام أو ملحقاته، ليكونوا نواة قيادة محلية انتقالية مؤقتة، تخضع لهم كل الفصائل المسلحة، وتعمل على غربلة ما يسمى "بيارق" وتشكيل فصيل عسكري محلي واحد، يرتكز على خيرة الضباط والعساكر الذين رفضوا الالتحاق بجيش النظام، إضافة لخيرة رجال الكرامة الذين أثبتت السنوات الماضية نزاهتهم وولاءهم للجبل وأمنه وأهله، وملاحقة أي فرد أو جماعة تقوم أو تساعد أو تصمت على ملاحقة أي مجرم مهما كان انتماءه العائلي أو السياسي أو ارتباطه الأمني، ليكون هذا الشكل الجديد المحلي نواة إدارة ذاتية للجبل، تشرف على أمن الناس وتسيير أعمالهم اليومية، وتكون العين الحارسة لأي محاولة اعتداء خارجي على الجبل من أي جهة كانت، ريثما يظهر حلّ سياسي لأزمات المنطقة ووضوح أكثر للخرائط الجديدة التي لن نكون من راسمي أيّ من خطوطها، فقط علينا ألا نتفاجأ أو ألا يُفاجئنا الغد الذي ينتظرنا، علينا محاولة فعل ما يمكننا، وما يُمكننا فعله ليس بالقليل، وأوّله أن نعي ونفهم الحاضر جيداً، أن نكون عين على الحاضر وأخرى على المستقبل، وعندها نستطيع تخفيف الآثار السلبية التي يجلبها ذلك الغد الذي مازال ليله طويل. علينا التأكيد، وبجدية، أننا لسنا من أنصار أي فريق في المقتلة السورية، لسنا ولم نكن مع الجماعات الجهادية وأنصارها وبرامجها وخطابها وعمالاتها للخارج، ولسنا مع النظام وأنصاره الذين تسببوا بكل الكوارث التي لحقت بسورية عامة وبالجبل خاصة منذ نصف قرن. لم ينفعنا الولاء للنظام طيلة خمسين سنة وأكثر، وانحياز بعضنا إليه في حربه مع الجماعات الجهادية أو حيادية غالبيتنا من تلك الحرب. لم ينفعنا تضامننا ودعمنا لحزب الله وأنصاره، لم ينفع شريحة منا التحاقها بالثورة في عام 2011 والجيش الحر واستشهاد بعضنا برصاص الإسلاميين، كما لم ينفع استشهاد بعض شبابنا في معتقلات النظام. لا يوجد درزي، حتى الساقطين منهم، إلا ويعرف عن تواطؤ النظام على قتل الدروز، لا دافع عنهم في قرى ومناطق داما والحقف وشقا والمقرن الشرقي والسويداء أو في جبل السماق بإدلب، ويعرف الكثيرون عن المسؤول عن اغتيالات كبار الدروز، كما يعرف غالبية الدروز، بمن فيهم الذين ”يرشّون“ بارفان على عظام شيوخ التكفير الإسلامي، وكذلك الدروز القلائل جدا الذين تحاول إيران تشييعهم أو شرائهم، يعرف الجميع أنه لا يوجد للدرزي الذي لعنته الجغرافيا للدفاع عنه من لعنة بارود سماء أبناء الخمينية والاسدية وقبلهم إبن تيمية، إلا الدرزي. لم تنفعهم تصدر بعضهم الأحزاب والفكر القومي العروبي، ولم ينفعهم اعلانهم "مسلمون موحدون دروز" أو بقاءهم خارج الحروب الطائفية الدينية القومية، ولم ينفعهم عند ثقافة التكفير والتخوين سلطان الأطرش وثورته وشهدائها الذين كانوا ثلثي عدد شهداء سوريا كلها، يعني مهما عملت/ويمكن تعميمها، مهما عملت مليح وابن حلال، عندما تدير ظهرك، ترجع درزياً زنديقاً قرمطياً خائناً/"تبا لك" بالانكليزي، يعني حتى الذين جروا عربة غورو محل البغال، يبيعوننا وطنيات، وشيوخ البورنو، حتى الخميني ومفاخذة الرضيعة، يبيعونا أخلاق وايمان وهداية. لم يصدقوا انحيازنا للعروبة والقومية العربية، وكل خيانة يعملها البعض/مثل الأسد ورفاقه، يضعوها برقبتنا، إذا شاركنا بالثورة ما كانوا قبلانين والأمثلة كثيرة على محاربة تلك الثقافة للدروز الذين اشتركوا بالثورة، حين انهزمت الثورة بسبب خيانات رموزهم، صاروا ينتقدوا تخاذل الدروز، إذا دافع الدروز عن حزب الله وتضامنوا معه ودعموه، يكون مشكوك في وطنيتهم ودينهم وفي 7 أيار شن خمينيو لبنان حربا على جبل كمال جنبلاط، ويمكن الحديث طويلا حول الفكرة أعلاه، يعني طالما الأمور هكذا، لماذا لا نبدأ التفكير بمستقبل أحفادنا على الأرض وليس في السماء وما توعدون؟ نحن لسنا ضد أحد نهائياً، لكننا نريد أن نكون أولاً أننا لسنا ضد أنفسنا وأبنائنا، يعني بدها إعادة تقييم كل مفرداتنا السياسية السابقة، وتسمية الأشياء بأسمائها، واليوم ما عاد يمكن صرف تلك الشعارات السياسة السابقة، هذا اذا اعتبرنا تجاوزا أنه كان يمكن صرفها في يوم ما. استعراض سريع لعلاقة الأسدية كإحدى كلاب الخمينية، ونظرة سريعة على قبر الارسوزي أو عبد الناصر، ونظرة سريعة على ثقافة ابن تيمية الحية في الرؤوس والمدارس الدينية، ونظرة سريعة على مقابر اهلنا وبطون اطفالنا، مع مقارنة تاريخية بين حساب الداخل والخارج، أو حساب البيدر والحقل، بكلمة مختصرة طائفية عارية، لم ولن يرضى الإسلاميون عنا كدروز مهما حاول بعض الدروز تقديمه لهم من خدمات وحتى خيانات، ولم ولن يرضى نظام الأسد عن الدروز مهما كان بعضهم أكلب من كلاب الأسد، ولم ولن يرضى حزب الله عن الدروز مهما انحازوا له وصار بعضنا أحذية شيعية خمينية في عتبات الضاحية، وعلى أي من هؤلاء عشرات الأمثلة خلال السنوات والعقود الماضية التي تؤكد ما أقوله. وكي يكون هناك بدائل، يجب فضح ما هو بحاجة لبدائل، وهذا ما حاول بعضنا القيام به، أحياناً بنجاح، وأحياناً بفشكلة وغباء/وأنا منه هذا البعض. آخر من اكتشف أن داعش تسيء للإسلام هم المسلمين، وأول من قال جبهة النصرة تمثلني هم المسلمين، وأول من دافع عن علوش الذي سيدوس الديمقراطية بقدمه هم المسلمين، وما عاد يتذكر أيّ من المسلمين عن دعمهم ودفاعهم ومباركتهم داعش وأخواتها، ومازال بعض المسلمين لا يعترفون بدور أردوغان في ظهور داعش وأخواتها، بينما غالبيتهم يقولون أن هناك مؤامرة على المسلمين، "ولله في مسلميه شؤون"، لم نكن نحن شركاء الأسد وعائلته في الفساد والاستئثار بالسلطة، لكنه يريدنا أن نكون شركاؤه في الدم والتدمير والتهجير، لم نكن شركاء الإسلاميين في إجهاض الثورة وفسادها والتجارة بدماء ضحاياها، لكنهم يريدون تحميلنا مسؤولية خياناتهم وفسادهم وجحشنتهم وهمجيتهم، لماذا ندفع ثمن جرم لم نرتكبه؟ أنا لا أحب ولا أتمنى أن نكرر نحن الدروز تلك التجربة والمكابرة الغبية للأسدية أو الإسلامية. الاعتراف بالخطأ هو نصف إصلاحه، لكن قبل فوات الأوان. لا يمكن حماية الجبل والدروز من داعش وفقهها بقردحته وتشييعه، هذا ما نردده منذ سبع سنوات. كمان شغلة، علينا الاعتراف، حتى لو ضمنياً، أن سند الدروز الحقيقي في السويداء، هم دروز إسرائيل، ومن يملك بصيرة وحكمة وقليل من الشجاعة، يجد الكثير من الأدلة على ذلك.
لا ينقذ الجبل مَن كان مطية للأسد أو حزب الله، لا ينقذ الجبل مَن تخلّى عن قيم الجبل الأصيلة، لا يمكن التعويل على هؤلاء نهائياً، أنا لا أطالب بفتح جبهات داخلية عليهم، لكنه يجب عليهم التنحي عن أخذ أيّ دور إجتماعي سياسي أمني. علينا البحث عن الملح، عن الخميرة، عن الشباب الذي لم تتلوث أياديه بالدم ولسانه بلوثة البعث والقوادة وجيوبه بالفساد، ومثل هؤلاء موجودون شباباً وصبايا، وعلى هؤلاء قبل كل شيء يمكن التعويل لإنقاذ الجبل من حرب إبادة ذاتية.
طالما تفتقد سوريا إلى عقد إجتماعي حقيقي يعترف به غالبية الشعب، يقبله كل مكوناته الإثنية الطائفية والقومية، عقد إجتماعي يستند على الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، خيمة تجمع الجميع، عندها فعلاً يصبح هذا هو المرجعية، وعندها تبدأ بالانحسار تلك الروح الطائفية الظاهرة أو الباطنية، وحتى ذلك الوقت، لا خيار أمام جبل الدروز اليوم، إلا أن يعرف أن يلعب بذكاء، أو حتى بخبث، فهي فرصة قد لا تتكرر لأجيال كثيرة جداً، هذا إن بقي شيئاً من الدروز هنا، عليه أن يسعى لنسج غلاف "حيوي" حول نفسه في محاولة للمحافظة عليها من حريق الأوقيانوس الذي يحيط بها وتعيش ضمنه، ريثما يصبح ذلك المحيط أقلّ "أيرنة ودعشنة"، إننا نعيش في "سبات ناري" منذ ثمان سنوات، دون أن نحترق بالكامل، لكننا بدأنا نفقد مقوّمات الحياة، وعلينا إعادة الحياة في هذا المحيط الممتلئ بكل شيء إلا مقوّمات الحياة، علينا عدم الانتظار حتى تمر جثتنا مع جثث أعدائنا التي يسحبها التيار..
فاضل الخطيب، شيكاغو، 17 نيسان، 2019.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن