عندما باع علي ذمته مقابل لعبة اليويو

مريم الوادي
meriemouadi@hotmail.fr

2019 / 4 / 17

لمحتهما.. فغضضت الطرف حتى لا يشعرا بملاحقة نظراتي.. انتابني الفضول أنا المعلمة لمعرفة كيف تنتهي معركة المساومة بين تلميذي من يربح منهما ومن يخسر، من يبيع منهما ومن يشتري؟
خلال حصة الاستراحة وقف أحمد بشخصيته القوية أمام علي وأخذ يداعب لعبة اليويو الخضراء ويرميها من يمناه الى يسراه وعينا علي تتابعان وتكادان تخطفانها..
فهمت من حركات كليهما أن اليويو هو موضوع العرض..
انتهت فترة الاستراحة وانتهت معها معركة الذمة والشرف
سلم أحمد اليويو لعلي.. علي باع وأحمد اشترى..
ضربا خمسة بخمسة وفرقهما صوت الجرس..
وما ان دخلنا الى الفصل حتى جاءني المدير باحثا بين الوجوه الصغيرة عن متهم، ومعه ضحية ترشده الى الفاعل الذي جردها من كل الأدوات المدرسية ومزق كرزها الجديد..
وقبل أن تستقر عين الضحية على أحمد كنت قد عرفت أنه هو المبحوث عنه، وعرفت أن لوقفة المفاوضة على اليويو قبل قليل دخل كبير بالموضوع..
اشتكت تلميذة السنة الثانية  وبكت من الظلم الذي طالها، وترك لي المدير حرية التصرف وذهب..
سألتها: من يشهد معك؟
قالت: علي كان معه يا أستاذة ورآه يفعل..
واقتربت الصورة من الاكتمال في ذهني، وأنا أشاهد ارتباكة علي وتحسسه المتوالي للعبة اليويو في جيب سترته الأيمن.
واما ان ناديته حتى قال بأعلى صوته: لا يا أستاذتي انها تكذب أحمد بريء.. وأنا لم أر شيئا مما قالت هذا الصباح في الصف..
اكتملت الصورة..
لقد باع علي ذمته وشهد زورا مقابل لعبة اليويو..
وقفت حائرة كيف اتصرف؟ ومن أين أبدأ؟
لم أنشغل كثيرا بعقوبة الطاغية الصغير الذي جرد زميلته من ادواتها ثم راح يقدم رشوة لزميل آخر تسترا على فعلته..فهذا أمره سيحل في الادارة باستدعاء ولي أمره وبعدها يأخذ درسه الخاص..
لكنني انشغلت أكثر لمصيبة الكذاب والمزور الصغير الذي قبل على نفسه المساومة وباع بأرخص ثمن شرفه الثمين..
لقد انزلقت عن توازني وبدأت اصدر أحكاما قاسية وكبيرة نفوس صغيرة. اذا كنت أنت أرى اليويو شيئا عاديا وبسيطا فعلي يراه شيئا كبيرا ومهما، وككل الأطفال هو يحلم بامتلاكه..
لكنه لا يعرف بعد قيمة الشرف والكرامة وقيمة الرجولة والذمة فكلها معان مجردة لم تبنى بعد ولم يفعل حسابها في نفس صغيرة طور التكوين..ولذلك قامر بها كلها مقابل مايلمس ويحس ويرى..
هذا الدرس لا يحتمل التأجيل ويجب أن يعطى الآن..
لم أتأخر  كثيرا في التصرف وقررت ان أسحبه الى جانب  بعيد عن مسامع ونظرات الآخرين..
ثم تراجعت.. هذا الدرس مهم جدا ويجب أن يأخذه الجميع..
غيرت عنوان الحصة وكتبت على السبورة البيضاء بحبر أحمر:
أنا شريف أنا لست للبيع..
وأخذت أحرك النفوس الصغيرة، كقطع على رقعة السطرنج،
حولت الصغار كلهم الى فرسان من الشهامة والرجولة والمروءة..
تحدثنا عن الذي يقبل قطعة الحلوى كرشوة .. وعن التي لا تنجز طلبات أمها الا اذا أعطتها مقابلا.. عن الذي يكذب ارضاء لزميله، أو خوفا منه..
تحدثنا وتفاجأت بقصة أحدهم.. أخذ الكلمة وقال: أستاذتي أمي أيضا أعطت نقودا كي يصدر جواز سفرها بسرعة..
من قال ان الصغار لا يفهمون؟ 
نحن من لا يفهم ولا نختار بعناية ماذا نعلمهم ..
كأننا نستهين بهم فنمدهم بالقليل والصغير والمنقح والخفيف.. بينما هم بحاجة الى دروس كبيرة، يواجهون بها هذه الحياة الكبيرة والخطيرة..
انتهى الدرس..
لملم الصغار أدواتهم وعيون علي لم تفتر من الدموع طوال الحصة.. فرأيته يتحرك باتجاه أحمد يمد له لعبة اليويو ويتوجه نحوي برأس مطأطأة:
لن أعيدها يا معلمتي..
قلت: ارفع رأسك ياعلي.. الرجال لايبكون انهم يصححون أخطاءهم وها قد فعلت..
انهم ليسوا للبيع وها قد أصبحت..
هيا ابتسم.. واعلم أن الذي ساومك اليوم على ذمتك وقبلت..
سيأتي غيره  ويساومك غدا على أشياء لا ينفع معها الندم..

مريم الوادي في 4:09 م



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن