أفكار حول الطائفية الدينية ..

زكريا كردي
zakariakurdi@hotmail.com

2019 / 4 / 13

يُهيُّء لي أن كثرة تعدد الطوائف والمذاهب والشُعَبْ الإيمانية في عقيدة ما ، إنّما هو برهان ساطع وجلي ، على مدى صلابة وثبات تلك الدوغمائيات (القوالب الفكرية الجامدة )، التي تُمسك بجوهر هذه العقيدة أو تلك ، وبالتالي تمنعها من أن تساير مجرى الواقع، أو تقبل حتى بمبادئ العقل.
بل وأحيانا كثيرة ، أتصور أن تلك الكثرة الكثيرة من الملل والنحل المتخالفة فيما بينها ، التي انبثقت من رحم هذا الدين أو تلك العقيدة ، ما كانت - في الحقيقة - سوى ذاك الصوت العقلي اليقظ المتمرّد و المقموع ، أو كانت الرغبة الذهنية والإنسانية في التوق إلى الاختلاف ، والإبتعاد عن حال الموات المُوَحد، والظاهر بالتمسك بشدة بالأسس الجوهرية في تلك العقيدة ، بما تفرضه على المؤمنين بها من تماثل وتطابق وإلزام، يُمكنها من أنْ تزعم – تلك العقيدة - بأنها - هي وحدها - الطريق الأصوب والأوحد إلى الله ،
وهو بالطبع ، الأصل في الإختلاف الأولي، الذي اختارته يوماً ما، تلك المجموعة المُؤسِسة لهذه العقيدة أو تلك الايديولوجيا..
بمعنى آخر ، أن كل طائفة قد بدأ ظهورها الحقيقي ، حين بدأت تتمايز على الأصل الجماعي للفهم العام والسائد ، أو حين حاولت التخلي عنه ، أو – على الأقل - عن جزء يسير هام من أسس جوهره .. وذلك لأسباب كثيرة منها : اجتماعية ، جغرافية ، سياسية ، تاريخية ، اقتصادية .. الخ . و من الصعب الحديث عنها هنا في هذه العجالة القصيرة .
ولكن يبقى في عميق اعتقادي – أنّ الطائفة المخالفة للمجموع العام ، ما هي – في الحقيقة - إلا تعبيرٌ جلي عن رغبة الحياة الإنسانية الدفينة ، في التمرّد على القطيع الفكري الثابت للعقيدة ، و العودة بفهم الإنسان إلى ناموس التطور، وتغذيته بزهو التغاير والاختلاف ، وهو الناموس الذي يسعى - عادة – كل دين أو عقيدة أو حزب ، لأن يقفز عنه بمطلقاتٍ مُنجزة ، وحلول مغلقة ، وأجوبة نهائية ، وطقوس محددة ، و يرى كل الوقت في تلك المطلقات والأجوبة والطقوس ، أنها لا تقبل أيَّ جدال أو نقد أو مداولة .. بل ويظنها تدوم دوام الدهر ، أو الى ان يرث الله الأرض ومن عليها ، بحسب التعبير الديني .
قصارى القول :
أنا أرى أن المجتمعات الحديثة الحَيّة ، التي تأخذ بمنهج المدنية ، وتضع الدولة ، وسيادة القانون فوق أي اعتبار أرضي أو سماوي ، تتمسك اكثر فأكثر بالتنويع الفكري الاجتماعي ، من باب الثراء الروحي الطائفي والمذهبي ، وجعله
مفعالا تطورياً هاماً في اغناء الحراك الثقافي الاجتماعي ، وسبباً مباشراً لاجتراح الأسئلة الفلسفية والفكرية العميقة والمتجددة .
ولهذا نرى أن بغضاء الطائفيات تتلاشى في العلن ، في المجتمعات المتطورة والمدنية المتحضرة ، حيث ترى النخب الفكرية فيها تعمل جميعاً على جمع تنافر أفكار الأحزاب والطوائف والشيع المتصارعة ، بكل تسامح ، تحت كنف الدولة العلمانية ، لأنها باتت تؤمن تماما ، بأن التنوع هو خصلة حميدة للوجود المتغير ، ومزية رائعة في المجتمع المتطور ، وأن التعدد ليس نقيصة كما يزعم المتطرفون والأصوليون من ارباب التوحيد الاجتماعي أو الثبات الديني أو حتى السياسي.
والذين نراهم الآن ، يسعون بكل ما أوتوا من قوة وعنف ، لأن يغيروا هذا الناموس المنكر في زعمهم بإرهاب يدهم ولسانهم ونصوصهم ، بعدما شعروا تماماً ، أن الثورة التكنولوجية ، قد قطعت ألسنتهم تماماً ، وكشفت زيف خزعبلاتهم المُقدّسة .. وتهافت نصوصهم وترهاتهم ، وهم بذلك أضعف الإيمان..
أخيراً وليس آخراً : رحم الله رهين المحبسين " أبا العلاء المعري" حين قال رأيه في تنازع مذاهب الدين وطوائفه..
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكرٌ من القدماء
إنّ هذه المذاهب أسباب .. لجلب الدنيا إلى الرؤساء
للحديث بقية ..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن