-القياس المضلل-: تعديلات السادات ومبارك الدستورية، ليست معياراً للقياس !

سعيد علام
saeid.allam@yahoo.com

2019 / 4 / 3



"القياس المضلل":
تعديلات السادات ومبارك الدستورية، ليست معياراً للقياس !




سعيد علام
القاهرة، الثلاثاء 2/4/2019م

الاثار الجانبية، وعدوى "التمرد الربيعى" !

من حسن الحظ، ان كل الانظمة القمعية على مدى التاريخ، تكاد لا ترى الاثار الجانبية للحدث، تقريباً، عادة هى ترى الحدث فقط، فتقوم بقمعه وتعتقد ان الامر قد انتهى عند ذلك.


بعد الموجة الاولى من "الربيع العربى" التى انطلقت فى بداية 2011، من تونس الثورة، واشتد عودها بمصر الحرة، لتكتسح جمهوريات "الانقلابات العسكرية" الناطقة بالعربية فى منطقة الشرق الاوسط، مؤجلة ملكياتها النفطية والغير نفطية، الى مرحلة تالية، فى واحدة من اكبر تجليات ظاهرة "عدوى التمرد" او الاثار الجانبية لتمرد تم قمعه.


توظيف التمرد، او حتى دعمه، ليست هى "نظرية المؤامرة"، انها سياسة رسمية معلنة!، توظيف التمرد، او حتى دعمه، لتحقيق مزيد من الاستغلال للشعوب المتمردة ذاتها، ليست "نظرية المؤامرة"، سيئة السمعة، انها سياسة رسمية معلنة يجرى تطبيقها منذ قديم الازل، وفى احدث نسخ تطبيقها، جرى تطبيقها خلال التمردات التى شهدتها دول "الربيع العربى"، لا تمردات هذه الشعوب كانت مؤامرة، ولا كانت هذه التمردات محصنة ضد الاستغلال. فى سياق صراع المصالح الضارى، لا يجرى شئ فى خط مستقيم شفاف، بل كل شئ يجرى وفقاً للثلاثى المقدس "التضليل، التمويه، الخداع".




تعديلات السادات ومبارك الدستورية، ليست معياراً للقياس !

لقد كثرة فى الفترة الاخيرة القدرات التنبؤية لدى العديد من النخب السياسية المصرية، فما ان ذكرهم احدهم بان السادات لم يستفد من التعديلات الدستورية، كذلك مبارك، حتى تحولت هذه المقولة الصحيحة الى "تميمة" قادرة على ان تفعل فعلها فى كل رئيس مصرى يعدل الدستور، حتى تحولت هذه المقولة الى لازمة لدى عدد واسع من المحليلين، ودرءاً لآى نتائج سلبية لتطمينات وهمية غيبية، وانتظاراً على آمل واهم، علينا ان نتوقف قليلاً امام هذه المقولة الصحيحة التى قد يؤدى توظيفها "الساذج" الى نتائج سلبية.


اولاً، لقد تم تعديل الدستور فى العديد من دول العالم واستمر الحاكم ولم تكن هذه التعديلات سبباً فى رحيله، بما فيها مصر قبل وبعد 1952.


ثانياً، مصرياً، لم يرحل السادات بسبب تعديلاته الدستورية، كذا مبارك، لقد رحل السادات ومبارك، كما رحل ايضاً عبد الناصر قبلهما، لاسباب اخرى تماماً، ولم تكن تعديلات السادات ومبارك الدستورية سوى "القشة التى قسمت ظهر البعير"، لقد كان هناك حمل ثقيل ثقله يكسر ظهر البعير، موجوداً اصلاً قبل القشة.


لقد رحل عبد الناصر فى 5 يونيو 1967، لحظة "الاعلان الرأسمالى العالمى" عن سقوط المشروع المصرى لـ"التحرر الوطنى"، على ارضية مشروع تحرر قومى، سياسى واقتصادى، مشروع عبد الناصر الديكتاتورى العسكرى، مشروع منزوع "التحرر الانسانى"، الذى اخرج الانسان من المعادلة، فاصبح تغيير المعادلة من النقيض الى النقيض امراً يسيراً، فليس بها انسان يمكنه ان يقاوم.


ورحل السادات فى 17 سبتمبر 1978، لحظة "الاعلان الرأسمالى العالمى" عن انتهاء مرحلة اعلان مصر الرسمية عن الاستسلام والانتقال الرسمى العلنى الى المعسكر الرأسمالى – السادات "99% من اوراق اللعبة فى يد امريكا" – بالتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، والتبعية الرسمية والخضوع للسوق الحرة، بعد ان كان قد قدم السادات عملياً خطوات "حسن النوايا" بدءاً من 1974، ما عرف وقتها بالانفتاح الاقتصادى، الاب الشرعى لما يسمى اليوم بالاصلاح الاقتصادى، على ارضية مشروع التمييز الطبقى، مشروع اثراء اقلية على حساب افقار الاغلبية، فى طريق الانتقال السلس للمعادلة، من "اليسار" الى اليمين "الدينى والمدنى والعسكرى"، والذى جعل منه سلساً، كونه مشروع منزوع "التحرر الانسانى"، مشروع عبد الناصر الديكتاتورى العسكرى.


ورحل مبارك فى 11 فبراير 2011، لحظة "الاعلان الرأسمالى العالمى" عن انتهاء مرحلة الممانعة المباركية لتغيير العقيدة العسكرية المصرية، والتحول الى عقيدة "الحرب على الارهاب"، والانخراط فيما يسمى بـ"الحرب العالمية على الارهاب"، تجلياً للارتباط العضوى النافذ بأتفاقية كامب ديفيد، التى اخرجت اسرائيل من خانة عدو مصر، وافترضت بـ"الضرورة"، انتقال العقيدة القتالية للجيش المصرى الى الجهة الاخرى من الجبهة، جهة "الحرب العالمية على الارهاب"، وفقاً للمفهوم الرأسمالى العالمى بقيادة امريكية، وهو الامر الذى ماطل مبارك طويلاً فى قبوله، ليس عداءاً للولايات المتحدة الامريكية، وانما لادراكه العميق لخطورة هذا الانتقال على وحدة الجيش وتماسك وحداته حال انخراطه فى اى نزاعات داخلية مسلحة، داخل مصر او داخل اى قطر اخر، فى سياق ما يسمى بالحرب العالمية على الارهاب، فى ارتباط ذلك بالمفهوم المغرض والمتناقض للارهاب، مثلاً، المقاومة المسلحة للاحتلال، هل هى مقاومة مشروعة ام هى ارهاب؟!، هنا تقفز على الفور قضية العرب المركزية - كما هو معلن رسمياً حتى الان – القضية الفلسطينية؟!.


بالاضافة الى ذلك، تأتى النتائج السلبية المحتملة، حال الاحتكاكات الوارد بين بعض وحدات الجيش وبعض قطاعات من السكان، حال انخراط الجيش فيما يسمى بالحرب على الارهاب، وهى مهام شديدة الحساسية تقع ضمن نطاق اختصاصات وزارة الداخلية، المهيأة وفقاً لدورها الوظيفى ولتركيبتها ونوعية اسلحتها وتدريباتها، لمثل هذه النوعية من المهام، والاهم، هو امتلاكها لخبرات ومعلومات على مدى عشرات السنيين من التعامل مع مثل هذه المهام، فى حرب تمثل فيها المعلومات السلاح الناجز فى الانتصار.


"كان مبارك ضابطاً في سلاح الطيران، ولم يكن له أي دور يذكر في الجيش الأكثر حيوية من الناحية السياسية. لذلك، لم يكن بمقدوره فرض سيطرة مباشرة عليه. أما السادات فكان في الأساس ضابطاً غير متفرغ، وخدم بشكل متقطع في الجيش لأنه سُجن مرتين بسبب أنشطته الوطنية قبل العام 1952. وبينما لم يكن للسادات ولا لمبارك خلفية أو روابط مؤسسية تجعلهما يثقان بقدرتهما على مراقبة الضباط، خاصة في جيش لديه طاقة كبيرة، فإن السيسي حائز على مثل هذه الأمور، لذلك هو أكثر استعداداً للمخاطرة بتمكين جيشه إلى درجة كبيرة، ليس فقط من الناحية السياسية والاقتصادية، بل أيضاً في مهامه الأمنية الحيوية.

فى يناير 2018، وقّعت مصر على اتفاقية "مذكرة التفاهم في مجال الأمن وقابلية تبادل الاتصالات" والمعروفة بـ "سيزموا" (CISMOA) مع واشنطن. وتُعتبر هذه الاتفاقية شرطاً قانونياً من الولايات المتحدة لتزوّد الدولة الحليفة الموقّعة بأجهزة ونظم اتصالات مشفّرة، مايمكّنها من استخدام وسيلة الاتصال المباشر خلال الوقت الحقيقي والفعلي. ويتطلّب هذا الأمر من الدول الموقّعة أن تسمح بدخول أفراد وعناصر من الجيش الأميركي إلى مرافقها ونظم الاتصالات الخاصة بها. وكانت مصر قاومت سابقاً التوقيع على هذه الاتفاقية لمدة ثلاثين سنة، وتأخرت في الإعلان أنها قامت بذلك الأمر لمدة شهرين.




لم تكن مكافحة الإرهاب من مسؤوليات الجيش وإنما قوات وزارة الداخلية في عهد مبارك. لقد قاوم مبارك بثبات الضغط الأميركي لتحديث قدرات البلاد على مكافحة الإرهاب وإشراك الجيش مباشرة في مثل هذه الجهود. وحتى في عهد السيسي، استغرق الأمر مايقرب من أربع سنوات قبل أن يكون الجيش مستعدا لشن حملة من حجم عملية سيناء 2018، والتي لم يشارك فيها الجيش وقواته الخاصة وحسب، بل أيضاً القوات البحرية والجوية. في السابق، قام الجيش والقوات الجوية بتوفير الدعم لقوات وزارة الداخلية التي كانت تواجه المتطرفين في وسط وصعيد مصر في منتصف التسعينيات، وكانت مصر قد شاركت في العام 2016 في مناورات "رعد الشمال" في شمال السعودية، وهي تدريبات مشتركة لمكافحة الإرهاب ضمت قوات من عشرين دولة، لكن عملية سيناء كانت أول عملية مشتركة من هذا النوع تجري على الأراضي المصرية.".*



فى كل الاحوال، فى كل رحيل .. عبد الناصر، السادات، مبارك، كان دائماً الرحيل يعنى انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة، انتهاء دور اصبح عبئاً يجب التخلص منه، يتم ذلك عبر توظيف عناصر من الواقع، عناصر حقيقية، لتحقيق اهداف معاكسة لاهداف حركة هذه العناصر الحقيقية، لا هى "نظرية المؤامرة" ولا هى "وبرائة الاطفال فى عينيه"، انها فقط، القذارة فى ابشع صورها، السياسة. فمثلاً، فى حين كانت الحركة والمشاعر فى الستينات والسبعينيات فى اتجاه العزة الوطنية والاستقلال والتحرر من التبعية الاستعمارية، اخذ السادات الحركة من يدها الى نتائج عكس ما سعت اليه بالضبط. وعندما كانت الحركة فيما تلا ذلك، فى الثمانيات والتسعينيات، تتوق الى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، تم اخذها الى نتائج فى الاتجاه المعاكس تماما.ً كل ذلك بالطبع على ارضية نضالات وتضحيات شعب وقادة شرفاء، لكن، ووفقاً للسياسة، وظفتها القوى الرأسمالية الاستعمارية العالمية الجديدة، كالعادة، لتحقيق اهدافها، بمساعدة "متعاون محلى".




سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
saeid.allam@yahoo.com
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam




* الجيش المصرى: العملاق المستيقذ من ثباته.
https://carnegie-mec.org/2019/02/28/ar-pub-78462
روبرت سبرنغبورغ أستاذ متقاعد في شؤون الأمن القومي في كليّة الدراسات العليا البحرية، وحالياً زميل باحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية في روما.
أف. سي. "بينك" وليامز لواء متقاعد عمل كمسؤول دفاعي بارز، ورئيس مكتب التعاون العسكري، وملحق عسكري في السفارة الأميركية في القاهرة من 2008 إلى 2011.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن