مصير دكتاتورية الدولة والحزب الواحد

سيلوس العراقي
saggio2007@hotmail.com

2019 / 3 / 30

معالجة السؤال المطروح موضوعيًا على ضوء التجربة العملية : ما إذا كان فشل الشيوعية "يرجع إلى خطأ بشري أو إلى عيوب متأصلة في طبيعتها". بحسب التطبيق والنتائج في تجربةٍ مادية، طالت لعقود من الزمن في أكثر من 30 بلدٍ على وجه الأرض، وماسجّله التاريخ ووثقهُ بقوة ووضوح بشأنها : لم تكن الشيوعية فكرة جيدة، بل انها أخطأت وخطأها كان كارثيًا. لقد كانت فكرة سيئة كما جاء في : الشيوعية، تاريخ، لريتشارد بايبس، 2001

فمنذ اليوم الذي استولى فيه البلاشفة على السلطة في روسيا عام 1917، كانت هناك عشرات المحاولات من البلاشفة وأحزابها الشيوعية الناشئة لتكوين دول ومجتمعات قائمة على مبادئ الشيوعية في كل جزء من العالم. وقد دعمت موسكو كل تلك المحاولات بسخاء كبير، بالمال وبالأسلحة والتوجيه وكافة أنواع الاغراءات. من الممكن القول اليوم: كلها فشلت تقريبًا. وفي النهاية، انهارت الشيوعية في روسيا أيضًا، ولا تنجو اليوم إلا في عدد قليل من البلدان - الصين، وكوريا الشمالية، وفيتنام، وكوبا وفنزويللا!- وحتى في هذه البلدان فهي في طور التآكل والانهيار : الشيوعيون يحتفظون بالسلطة ولكن ثمن احتفاظهم ذلك تقديم تنازلات بعيدة المدى للرأسمالية، نتيجتها تردي وتراجع حياة الشعوب ومستواها المعيشي والاقتصادي، يكفي رؤية الوضع المعاشي في الدول المتبقية من القرن السابق تحت قبضة دكتاتورية البروليتارية ـ الشيوعية ، مثل تدهور المستوى المعاشي والمالي والاقتصادي في كوريا الشمالية، في فنزويللا، في كوبا، في فيتنام. بالنظر إلى هذا السجل الكئيب، من المعقول أن يفترض أن هناك شيئًا معيبًا سواء مع مقدمات (طروحات) الشيوعية أو نهجها وبرنامجها أو كليهما.

بادئ ذي بدء، تفكك الاتحاد السوفياتي، أول دولة شيوعية (المركز)، الذي مثّل القوة المحركة المركزية التي دفعت بالحركات الشيوعية (الأطراف) على الصعيد العالمي. وقد قدمت وكتبت مئات بل آلاف الدراسات المنشورة منذ عام 1991 مجموعة متنوعة من التفسيرات لهذا الحدث الدرامي الذي يعزوه البعض الى الاسباب التالية مثل : ركود الاقتصاد، وزيادة وصول المواطنين السوفيات إلى مصادر المعلومات الأجنبية بوسائل التواصل والاعلام المختلفة لتخبرهم عن حقائق دامغة حول الدول الشيوعية والاتحاد السوفيتي المنخور، والهزيمة في أفغانستان، وعدم القدرة على مواكبة سباق التسلح، وما إلى ذلك. . يضاف الى ذلك الانشقاقات المحلية الوطنية، التي لم يستطع المركز أو الأطراف القضاء عليها، ومثال ذلك حركة التضامن في بولندا، أثَّر تأثيرًا ليس بالقليل على القيادة الشيوعية السوفيتية. من دون أن ننسى الدور المهم الذي لعبته الولايات المتحدة الاميريكية ـ الامبريالية الراسمالية ـ وحلفاءها في الانهيار العظيم للتجربة السوفيتية وحلفاءها ـ الامبريالية الشيوعية

فقد أدى تحدي الرئيس رونالد ريغان الجريء للشيوعية إلى المزيد من إضعاف الحكومة السوفياتية، التي كانت تعتقد (واهمة) بعد كارثة الحرب الاميريكية في فيتنام، بأن الولايات المتحدة قد فقدت شهيتها لمواصلة الحرب الباردة وكانت مستعدة للانسحاب والعزلة (تمامًا مثلما يفكر اليوم وريث الحكم السوفيتي الشيوعية المخابراتي بوتين). دون أدنى شك، لعبت كل من هذه العوامل دورها. لكن كل هذه الأسباب أو العوامل لم يكن بامكانها أن تقوم باسقاط إمبراطورية عظيمة لو كانت الامبراطورية الشيوعية كيانًا سليمًا صحيًا، لكن يجمل القول بأن هذه العوامل قد عملت جيدًا ونجحت لأن الكيان الكائن في الاتحاد السوفيتي وحلفاءه كان مريضًا
.
الماركسية، التي هي الأساس النظري للشيوعية، حملت في داخلها بذور تدميرها ـ بحسب العديد من الدارسين للشيوعية والماركسية بعد الانهيار التام للاتحاد السوفيتي وكتلته الشيوعية الشرقية ـ وليس مثلما ادعى كل من ماركس وإنجلز، في نسبتهما الخطأ إلى الرأسمالية. استندت الماركسية إلى فلسفة خاطئة للتاريخ بالإضافة إلى
عقيدة نفسية غير واقعية



البذرة التدميرية الأولى في الماركسية
مقولة الماركسية الأساسية بأن الملكية الخاصة، التي تسعى جاهدة لإلغائها، على أنها ظاهرة تاريخية عابرة - وهي فاصلة بين الشيوعية البدائية والمتقدمة - هي زائفة بشكل واضح

فتشير جميع الأدلة إلى أن الأرض، المصدر الرئيسي للثروات في العصر الحديث، ما لم تكن مملوكة للملوك، كانت دائما ملكًا ومنتمية إلى القبائل أو العائلات أو الأفراد

كانت الثروة الحيوانية والزراعية وكذلك التجارة والعاصمة والمدن الكبرى والصناعات التي تثير وتحفز التجارة دائمًا وفي كل مكان في أيدي القطاع الخاص. بالتالي فأن الملكية الخاصة ليست ظاهرة عابرة أو وقتية بل هي سمة دائمة للحياة الاجتماعية الانسانية، وبالتالي فهي غير قابلة للتدمير، لأنه ليس بامكان أحد مهما كان علو باعه وفكره ونظريته ونيته الطيبة أو الشريرة من إلغاء سمة كهذه التي هي من سمات الحياة البشرية الرئيسية غير القابلة للمحو


لا يقلّ خطأً عن ذلك فكرة الماركسية بأن الطبيعة البشرية مرنة بشكل لا نهائي، وبالتالي يمكن لمزيج من فعل الإكراه والتعليم المستمر للأجيال أن يولّد كائنات مخلَّصة تتحرّر من فكرة الاستحواذ والتملك الشخصي، ويولّد فيها الرغبة في الذوبان في المجتمع ككل، مجتمع ـ كما يتصوره أفلاطون ـ "القطاع الخاص". وبالرغم من أن الضغوط الهائلة التي مارستها الأنظمة الشيوعية لهذه الغاية كانت ناجحة (نجاحًا وقتيًا تحت الترهيب والتخويف واستغفال جماهيرها)، فإن نجاحها في أحسن الأحوال كانت نتيجته أنه كان سريع الزوال: تمامًا كما اكتشف مدربو الحيوانات، بعد تعريضهم لعمليات يجبرون فيها تلك الكائنات الحية بالقيام عليها بشتى أنواع الحيل والترغيب، يمكن أن ينصاعوا اليها لطيلة فترة التدريب والتجربة، لكن بعد أن يتحرّروا من التعرض للحالة ـ الطارئة ـ يبدأون بنسيان ما تعلموه في الفترة ـ الطارئة ـ والعودة إلى سلوكهم الأول الغريزي، الطبيعي، وهذا تمامًا ما حدث فورًا وحالما لفظت الشيوعية أنفاسها الأخيرة، انتهت الحالة الطارئة ـ الشيوعية ـ التي تعرضت لها الشعوب التي كانت رازحة تحت حكمها لعدة عقود، فتحولت الى طبيعتها الأصيلة والأصلية

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن الخصائص المكتسبة ليست (وراثية) من طبيعة الانسان، ومن بينها بالتأكيد الاستحواذ ـ التملّك ـ الذي ليس من الخصائص أقلها قوة في طبيعة الانسان. هزمت الشيوعية في النهاية هزيمة شنيعة بسبب عدم قدرتها على خلاف ادعائها بتغيير الخصائص البشرية الطبيعية، وفي إعادة تشكيل الطبيعة البشرية. وكان قد خلص موسوليني، الذي كان حتى بعد أن تحول إلى الفاشية الى حد كبير يتحلى ببعض العواطف تجاه الشيوعية، بالقول في عام 1920
لينين هو فنان قام بالعمل على البشر بينما يعمل فنانون آخرون على الرخام أو المعدن. لكن البشر أصعب وأصلب من الجرانيت فلم ينتج أي تحفة أو عملٍ فني عظيم
capolavoro
. لقد فشل الفنان. وأثبت بأن المهمة تفوق سلطاته وقدراته

لقد أجبرت هذه الحقائق التي لمستها الأنظمة الشيوعية على اللجوء إلى العنف كوسيلة روتينية للحكم. يتطلب إجبار الناس على التخلي عن كل ما يملكونه والتخلي عن مصالحهم الخاصة للدولة، وتبقى السلطة المركزية، سلطة الحزب الواحد الأحد، سلطة لا حدود لها، تملك كل شيء وقبل كل شيء ـ بل قل الأسوأ من كل شيء آخر ـ تملك الانسان الذي أصبح هو وحياته ووجوده ومصيره كشيء من الأشياء التي تمتلكها وتتحكّم بها الحكومة الشيوعية المركزية وقادتها وزعماءها
هذا ما كان يعنيه لينين عندما وصف ديكتاتورية البروليتاريا
as “power that is-limit-ed by nothing, by no laws, that is restrained by absolutely no rules, that rests -dir-ectly on coercion.”

تشير التجربة إلى أن مثل هذا النظام ممكن بالفعل : فقد تم فرضه على روسيا وتوابعها من الدول الاشتراكية في الكتلة الشرقية التابعة لموسكو، وعلى الصين وكوبا وفيتنام وكمبوديا، وكذلك على مجموعة متنوعة من البلدان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. لكن ثمنه لم يكن فقط معاناة إنسانية هائلة، بل كان أيضا تدميرًا للهدف نفسه الذي أنشئت من أجله هذه الأنظمة الشيوعية، أي المساواة
يتبع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن