الخادمتان : انوار كاشفة على الصراع للمخرج الكبير جواد الاسدي وأداء دوز تمسرح المغربية

كامل الدلفي
Kamildalaf@yahoo.com

2019 / 3 / 27

.

ماحدث معي في مسرح الرافدين مساء ٢٥ٱذار الجاري ،امر يستحق التدوين والكتابة عنه شعوريا،بناء على الدعوة الموجهة لي من الصديق سعيد بوردا للحضور سويا الى عرض مسرحي للمخرج الاستاذ جواد الأسدي ، قبل الشروع بالتوجه إلى المسرح اتصلت بالاخ سعيد استفهم عن اسم المسرحية فعرفت انها مسرحية الخادمتان لجان جينيه ,كتبها في العام 1947, دخلت ابحث في النت عن العمل المسرحي ذاته ببصمة المخرج جواد الأسدي ، لا أنكر كمية الدهشة التي اعترتني حين عرفت أن هناك أكثر من نسخة عربية فعلها العراقي جواد الأسدي: في بغداد و دمشق وبيروت ومراكش، فاندلقت الاسئلة الى ذهني ، عن سر هذا التعميم العربي لحدث مسرحي واحد ، ما الذي تنطوي عليه المسرحية لإعادة نشرها أفقيا؟
وهل أن المسرح اكثر أدوات الثقافة حركية بين العواصم العربية النافرة لبعضها ..؟
و هل انها تجريب لتاريخية الحضارة المغيبة؟
ما دفعني إلى مضاعفة التصميم على الحضور، على الرغم من أني هجرت ارتياد المسرح من العام 1995 كٱخر العهد لي بمشاهدة عرض على خشبة ، كان جميل أن ياخذني صديقي بوردا للسلام على صهره جواد الأسدي وان نجلس جواره في الصف الاول، ساعدني جلوسي وجها لوجه مع العرض المسرحي في التركيز على مجريات الأحداث. وقبل البدء،توجهت بسؤال الى المخرج جواد الأسدي استفهم فيه عن عرض الليلة هل هو نسخة عربية جديدة ام عراقية ، وهل من إضافة أو تحوير بما يجعل العرض نسخة جديدة؟
اعتذر عن الجواب، قائلا ليس لدي ما أقوله قبل العرض، أحسست أن إحراجا ما يتقمص الرجل الذائع الشهرة في الأوساط العربية،
تناسيت الموقف وانتبهت إلى حركة الإنارة وقد توجه إلى الخشبة يوسف العرقوبي رجل بهيئة فنية و بأريحية أحسست من خلالها وخلال تقديمه اني على موعد مع عرض رائع ، وقد أدار العرقوبي السينو غرافيا بمهارة ورقي، فاللهجة المغاربية سبقت كل السياقات المتوقعة ،اذن أن الفرقة المغربية هي التي تقدم بعد أن أفصح المقدم بذلك ، هذا خلل مني أو من الاعلام العراقي الذي لم يعرّف باسبوع المسرح العالمي بدرجة واسعة.
صعدت الخادمتان..
وابتدات انتقل من التخمين والتوقع الى الملموس، خرجت معهما الى خانات التاريخ وابدية الصراع المحفور في لغة المسرحية بين السيد والعبد، الكلمات جميعها اضيئت بطبيعة الصراع الإنساني المؤبد ، هكذا كانت مشيئة جان جينيه على النص، وإرادة الأسدي على الحراك، وقدرة النجمتين رجاء خرماز وزينب النجم على العصف المتوالي لهدوءنا والاطباق على حقيقة أينا هو السيد واينا العبد؟
اضعت سكوني وصخبت ذاكرتي إزاء التداعي الغريب لاحداث المعاناة السياسية للمجتمع العراقي مع انظمته السياسية المتعاقبة، هي المبغى كما يصفها الطاهر وطار في روايته عرس بغل .
النظام الذي يشبه القطار الغائب الحاضر ، والملأ يتٱكلون بينهم كظل الخادمتين على مسرح جان جينيه أو جواد الأسدي ..
المغربيتان تتسلقان بقوة غريبة الى معاريج الروح المتٱكلة من صراع الأضداد في أودية السواد الحالكة و في الذات الصدئة التي تبحث عن فرك يليق حتى لحظة مواجهة العرض ، كأنهما يدنيان اللحظات بمقراب اسطوري يؤثث تنميطا نفسيا لنمو الحدث في داخلي ، تنميط واقف على بوابة التاريخ يستل منها اوجاع الموؤدين و المجلودين والمخصيين من الفلاحين و الزنج وعمال المساطر و الجوعى الفاغرين معداتهم امام قدور الطبخ الجماعي، النصيب التاريخي الرث الواقف أمام شهوة الطبقات الارستقراطية، و نزاكة أسلوب الحياة المغري بدوام الاستبداد.
لا أنكر أن الفكرة الطبقية هائلة بما يكفي لاعتبار المسرحية درس في إعادة الروح إلى كلاسيكيات مفهوم الصراع ..
الحوار كان عالي التقنية وإن غلب عليه الحكي المغاربي لكنه كان بوقع فصيح..
لم تزل هناك عبارات ترن في ذاكرتي ببلاغتها .
أما استخدام الكلمات النابية فقد أعطى وهجا لشد الإنتباه وكذلك الاستخدامات الموفقة للبصاق..واستخدامه كمعادل صراع مخيف ، البصاق هو حامل الهوية الجينية للفرد ،فكانت الخادمة الأخرى تخاف أن يدخل في طياتها بصاق الأخرى التي تكره، فقد أدركت علميا ان البصاق يحمل الى احشائها كل مورثات الأخرى ..ان ثيمة البصاق حملت كل النفي المتبادل بين الطرفين ..التكامل في المعنى سار بنا إلى أوجه على طوال زمن المسرح و قد قدمت النجمتان ما يكفي لأن يجعل الأسدي فخورا بأن يأتي بهما وفرقة دوز تمسرح المغربية إلى عناق بغداد .
أن الجهد الذي بذل من قبلهما و طاقة التحمل و السيطرة والتمكن كل ذلك ينم عن قدرة غير عادية ميزت الفنانتين ..
تقديري ومحبتي للاستاذ جواد الأسدي
ومحبتي الفائقة والباذخة لأعضاء فرقة دوز تمسرح فقد كانوا فعلا رسلا حقيقيين للثقافة المغربية الراقية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن