أعداء الشيوعية الأكثر وقاحة اليوم (4)

فؤاد النمري
fuadnimri01@yahoo.com

2019 / 3 / 27

الآن وبعد ما سلف بات لدينا حقيقتان تاريخيتان تفرضان أولويّتهما على كل باحث في تاريخ العالم الحديث، في القرن العشرين وما بعد، وهما ..
الثورة الإشتراكية البلشفية ومفاعيلها .
ما سمّيَ بانهيار الثورة الإشتراكية وتداعياته .

في عشية الثورة الإشتراكية في نيسان 1917 لم يدعُ لينين البلاشفة للقيام بثورة اشتراكية كما يعتقد العامة، بل دعاهم لاستلام السلطة من أجل تحقيق أهداف الثورة البورجوازية بعد أن فشلت البورجوازية الروسية الهشة في تحقيق أي هدف من أهداف الثورة الثلاثة وهي السلام أي الإنسحاب من الحرب العالمية الأولى والإصلاح الزراعي وانتخاب مجلس تشريعي . وفعلاً انتفض البلاشفة في 25 أكتوبر (شرقي) واستولوا على السلطة دون سفك نقطة دم واحدة، خاصة وأن الأممية الثانية في اجتماعها في بازل – سويسرا في العام 1912 كانت قد طالبت الإشتراكيين الروس بالقيام بالثورة البورجوازية حتى النهاية نظراً لهشاشة البورجوازية الروسية وتعذر قيامها بثورتها كاملة .
بالرغم من أن جميع الأحزاب رفضت الإشتراك في حكومة لينين الجديدة إلا أن لينين كرئيس للوزراء وقع أول مرسومين للحكومة الجديدة وهما مرسوم السلام ومرسوم الأرض تحقيقاً لأهداف الثورة البورجوازية، وفي الشهر التالي جرى انتخاب مجلس تشريعي وهو الهدف الثالث من أهداف الثورة البورجوازية . بالرغم من تحقيق كامل أهداف الثورة البورجوازية خلال شهرين فقط إلا أن البورجوازية جيشت كل القوى المعادية للبلاشفة ورفعت السلاح بوجههم بهدف إبادتهم كما أعلنت، بحجة أن البلاشفة وقعوا صلحاً مهيناً مع ألمانيا في مارس آذار 1918، خاصة وأن تروتسكي كان قد رفض التوقيع على معاهدة الصلح في "برست لوتوفسك" وعاد إلى موسكو يتهم لينين بالعمالة لألمانيا ويطالب بالإطاحة به . لكن سرعان ما ظهر زيف ونفاق البورجوازية حين استدعت في العام 1919 جيوش أربع عشرة دولة استعمارية لدخول روسيا من أجل إبادة البلاشفة . في مارس آذار 1919 وقد أجهز البلاشفة على الأعداء في الحرب الأهلية أدرك لينين أن الثورة الشيوعية التي كان ماركس قد بشر بها قبل سبعين عاماً حان أوانها وقد غدت لازبة فدعا جميع القوى الإشتراكية في العالم إلى الإجتماع في موسكو لأجل ذلك . في السادس من مارس آذار اجتمع في موسكو مندوبون من 37 حزبا اشتراكياً من كافة دول أوروبا ومن الولايات المتحدة واستراليا واليابان حيث أعلن لينين انتفاضة أكتوبر ثورة شيوعية مؤكداً نجاحها على صعيد العالم، وشكل المجتمعون الأممية الشيوعية الثالثة (Comintern) المكلفة باستكمال الثورة الشيوعية في العالم، كل العالم . ما أكد صحة تنبؤات لينين بخصوص نجاح الثورة الشيوعية في العالم كله هو أن الدول الاستعمارية الكبرى بريطانيا وفرنسا وألمانيا كانت قد استُنزفت تماما في مجريات الحرب العالمية الأولى التي طالت لخمس سنوات بسبب الضعف المتناهي لكافة الأطراف المتحاربة وهو ما مكن البلاشفة من دحر جيوش أربع عشرة دولة راسمالية استعمارية في حروب التدخل 1919 – 1921 ,
في العام 1922 وقع لينين مريضاً لم يعد قادراً على قيادة الثورة بعد أن كتب في كتابه الضريبة العينية (Tax in Kind) يؤكد أن المجتمع السوفياتي بات يتشكل من طبقتين هما البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة (Betty Bourgeoisie) وقد شدد على التنبّه على خطورة البورجوازية الوضيعة ودورها في الإقتصاد الوطني وهي بذلك تشكل الخطر الرئيسي على الثورة الإشتراكية .
كان من حظ روسيا الكبير، كما أكد ونستون تشيرتشل، أن تؤول قيادتها إلى ستالين . النجاحات التي حققها الحزب بقيادة ستالين كانت مدهشة بمختلف المقاييس ؛ فبعد أن كانت شعوب روسيا تبيت على الطوى في العام 22، كما كتب لينين، قارنت الصحف الأميركية في العام 36 رغد العيش في المدن السوفياتية بطوابير الشوربة في المدن الأميركية . وتكشّف في الحرب أن الاتحاد السوفياتي كان قد غدا أقوى من كافة الدول الرأسمالية في الجانبين المتحاربين . استسلمت ألمانيا بعد احتلال الجيش الأحمر لبرلين، واستسلمت اليابان ليس بفعل القنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغازاكي في 6 و 9 اغسطس آب بل بعد أن أباد الجيش الأحمر مليون جندي ياباني في الحرب في منشوريا ما بين 9 أغسطس والأول من سبتمبر ولم تستسلم اليابان قبل الثاني من سبتمبر 45 .
بطولات الاتحاد السوفياتي في الحرب أدهشت العالم وزاد من دهشته أن الإتحاد السوفياتي أعاد إعمار ما دمرته الحرب وقد تجاوز كل الحدود المعهودة في الحروب نظراً لوحشية النازيين التدميرية خلال أربع سنوات فقط . وفي العام 51 قدم ستالين الخطة الخمسية الخامسة 51 – 55 التي كانت ستجعل من الاتحاد السوفياتي أغنى دولة في العالم وتقف على عتبة الشيوعية .

أمام كل هذالا الجبروت الطافح الذي أخذ بلباب قادة العالم ومنهم ونستون تشيرتشل وفرانكلين روزفلت، وقف ستالين في المؤتمر التاسع عشر للحزب في أكتوبر 52 يعبر عن مخاوفه الجدية على مصائر الثورة وأن ثمة أخطاراً حقيقية تحيق بالثورة إن لم يتم تغيير قيادة الحزب بأجمعها . لا يجوز أن نعبر هذا الموقف للقائد الطليعي للثورة الشيوعية العالمية دون التساؤل عن مثل هذا الإنقلاب . كان ستالين وبحكم موقعه القيادي هو الوحيد العالم بارتدادات الحرب على المجتمع السوفياتي ؛ فكان أن تنامت قوى البورجوازية الوضيعة وفق مقتضيات الحرب وتراجعت قوى البروليتاريا وخاصة أن خسائر المواجهات الأولى لقوى النازية بقمة شراستها نزلت بالبروليتاريا . ومن هنا كان اعتراض ستالين على تسعير الصراع الطبقي في الندوة التي عقدها الحزب على غير العادة في العام 51 وضمت قادة الحزب وخبراء أخصائيين في مختلف فروع الإقتصاد وانعكست ابحاثها في كتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " وكان أن طالب مشاركون في الندة وأولهم فياتشسلاف مولوتوف بتسعير الصراع الطبقي وحتى إلغاء طبقة الفلاحين بقرار من الدولة .

لسوء حظ البشرية جمعاء لم يستجب المؤتمر لطلب ستالين بتغيير القيادة وأعاد انتخاب نفس القيادة دون أدنى تغيير مما أغضب ستالين فعاد يطالب بانتخاب 12 عضواً إضافياً في المكتب السياسي للحزب من الشباب المتحمسين لفكرة الشيوعية مؤملاً أن ذلك من شأنه أن يحد من الأخطار على الثورة جرّاء سوء إدارة القيادة القديمة المستهلكة . موقف ستالين ذاك كان السبب وراء اغتياله بالسم أثناء عشاء 28 شباط فبراير 53 من قبل ثلاثة أعضاء في المكتب السياسي هم لافرنتي بيريا وجورجي مالنكوف ونيكيتا خروشتشوف . لم يكتفِ هؤلاء المجرمون باقتراف أعظم جريمة عرفها وسيعرفها التاريخ بل اجتمعوا بعد ساعات قليلة من وفاة ستالين وقرروا ابطال انتخاب الأعضاء الجدد الإثني عشر في المكتب السياسي .

في صباح 6 آذار مارس كان هناك عالماً آخر مختلفاً تماما . كان بالأمس عالماً تقوده ثورة شيوعية مظفرة، أما الصباح التالي فعالم تقوده زمرة تآمرت على الثورة الشيوعية واغتالت قائدها الذي لا بديل له . القائد الذي اضطر خروشتشوف وهو أول من حاول تحطيم ايقونة ستالين البولشفية في العام 56 لأن يفتتح المؤتمر الإستثنائيى الحادي والعشرون في العام 59 قائلاً .. " استطاع حزبنا بقيادة ستالين لفترة طويلة أن يتغلب على سائر الأعداء من تروتسكيين ورجعيين ويبني دولة اشتراكية عظمى هي موضع فخارنا " .

يتبع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن