-ما الذي تعلمناه من أيارمايو 1968؟ ”

الحزب الشيوعي اليوناني
cpg@int.kke.gr

2019 / 3 / 25



كلمة ماكيس باباذوبولوس، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني في مهرجان طلاب الشبيبة الشيوعية اليونانية في منطقة أتيكي، الذي أجري في 1662018.



"ما الذي تعلمناه من أيارمايو 1968؟[1]”

ربما يتساءل البعض لماذا ننشغل اليوم بأيارمايو 68، بعد خمسين سنة على انقضائه. إننا و بالتأكيد لا نقوم بذلك من جانب الحنين إلى الماضي. و ذلك لحسن الحظ بالنسبة لنا، فعلى النقيض من بعض فعاليات سيريزا والتيار الانتهازي، يشارك في تظاهرة الشبيبة الشيوعية اليونانية اليوم، طلاب و طالبات بشكل رئيسي، وليس فقط بعض الكهول الذين يقومون باستذكار تلك الأحداث التجريبية أو المناقشات ذات الصلة خلال عقود لاحقة في بعض القاعات.

إننا لا ننشغل اليوم بأحداث أيارمايو 68، فقط لكشف أساطير الدعاية البرجوازية التي تريد حجب الواقع، والخرافات التي ترفض دور الطبقة العاملة القيادي و دور اﻠCGT و الحزب الشيوعي الفرنسي في النضالات، بينما تقوم في الوقت نفسه بتحميل هؤلاء المسؤولية السياسية الحصرية تجاه اﻹجهاض السريع للحركة. و للكشف عن الأساطير البرجوازية التي تبرز بإصرار مغامرين مناهضين للشيوعية مثل كوهن بنديت، باعتبارهم ثواراً أصيلين وإظهار أحداث أيارمايو باعتبارها مجرد انتفاضة طلابية.

بل ننشغل اليوم بأحداث أيارمايو 68، لأن فحص النقد الذاتي للتجربة الإيجابية و لأخطاء و جوانب ضعف الحركة الشيوعية الأممية، يجعلنا اليوم أشد بأساًَ، و لكي لا نكرر نفس الأخطاء، لنُحضر المستقبل بنحو أسرع، من أجل إلغاء استغلال الانسان للانسان، أي لنُحضر اﻹشتراكية.

ولكن من أجل فهم الأسباب التي أدت إلى وقوع أحداث أيارمايو 68، ينبغي و كما هو الحال تجاه أي حدث تاريخي آخر، تسليط الضوء على علاقة السياسة بالاقتصاد، ينبغي أن نفهم الخلفية الاقتصادية للتطورات. حيث بالطبع هناك البعد الدولي لصعود الحركة، على سبيل المثال، في الولايات المتحدة ضد حرب فيتنام في ستينيات القرن العشرين، لكننا سنقتصر الآن على فرنسا.

لقد سجَّل ماركس، الذي مضت هذا العام 200 عامٍ على ولادته، في عمله، "الثامن عشر من برومير لويس بونابرت" أن البشر يكتبون تاريخهم، و لكنهم لا يكتبونه تعسفا في ظل ظروف حرة اختاروها بأنفسهم، بل في ظروف موضوعية تواجدوا ضمنها، قاصداً بذلك ظروف علاقات الإنتاج المعنية.

و في المحصلة، لفهم التطورات، دعونا نلقي نظرة مختصرة على تطور الاقتصاد الرأسمالي في فرنسا في الفترة المحددة.

عن تطور الإقتصاد الرأسمالي الفرنسي

طبق في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، مخطط دولة تحديث و بنية تحتية كان قد عالجها جان مونيه، من خلال تمويل جزء من الاستثمارات من قبل خطة مارشال الأمريكية. حيث تراوح معدل نمو الإنتاج الصناعي الفرنسي السنوي ما بين 9 و 10٪، بعد عام 1954. و اكتسبت القطاعات الحديثة لتوليد الطاقة النووية والفضاء والالكترونيات الكثير من الزخم مقارنة بالاقتصادات الرأسمالية الأوروبية القوية الأخرى. حيث لم تتمظهر عام 1968 أزمة رأسمالية في فرنسا. بل على النقيض، فقد سجلت فرنسا بين عامي 1969 و 1973 ثاني أعلى معدل نمو بعد اليابان.

و كانت الطبقة البرجوازية الفرنسية بالطبع تسعى لترقية دورها كقوة إمبريالية على الأرض الأوروبية. حيث يغدو هذا الهدف أكثر إلحاحاً عام 1960، نظراً لفقدانها سيطرتها السياسية المباشرة على خمس عشرة من مستعمراتها، خاصة في أفريقيا.

ومع تغير ميزان القوى يُعبِّر الجنرال دِﮔول عن امتلاك الإمبريالية الفرنسية استقلالية أكبر، حيث يتباين بنحو كبير عن الخيارات الأمريكية.

ففي عام 1966، انسحبت فرنسا من الشق العسكري لمنظمة حلف شمال الأطلسي وهيكلها التنظيمي. و أقامت شبكة فرنسية لتخصيب اليورانيوم لإنتاج الأسلحة النووية محلياً.

و فرضت الحكومة منذ عام 1963 قيودا على الاستثمار الأجنبي في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الفرنسي. و باشرت هجوماً ضد سيطرة الدولار. حيث تحدث دِﮔول في فترة الحرب الباردة عن "أوروبا ممتدة من المحيط الأطلسي حتى جبال الأورال". و انتقد التدخل الأمريكي في فيتنام، متحدثا في بنوم بنه في أيلول سبتمبر 1966،في حين زار في نفس العام الاتحاد السوفييتي و اعترف بجمهورية الصين الشعبية.

و خلال تفاعلات إنشاء وتطوير المجموعة الاقتصادية الاوروبية طرح دِﮔول "أوروبا الدول" مناقضاً لمقترحات حول مؤسسة أوروبية دولية ذات سياسة خارجية ودفاع مشتركة. و استخدم حق النقض (الفيتو) ضد انضمام بريطانيا عام 1963، والتي اعتبرها "حصان طروادة" للولايات المتحدة. و حاول بناء المحور الفرنسي الألماني و وقَّع مع المستشار أديناور معاهدة فرنسية ألمانية لإقامة لقاءات دورية.

عن صراع دِﮔول - الولايات المتحدة

إننا و بعد ما ذكر أعلاه، نفهم جميعاً سبب وجود رد فعل أمريكي على سياسات دِﮔول و احتدام التناقضات البرجوازية البينية في فرنسا. حيث لم يقتصر العمل المستقل و المتعدد اﻷشكال للعامل اﻷمريكي بعد الحرب في فرنسا على تعاونه مع أكثر قوى البرجوازية الفرنسية تأييداً للأطلسية، و على الحد من نفوذ الحزب الشيوعي الفرنسي و تغذية العداء للشيوعية، بل و كان ذي صلة في فترة لاحقة بممارسة ضغط برجوازي و بتقويض هيمنة دِﮔول السياسية.

حيث ركَّز في أولى سنوات ما بعد الحرب على إبعاد الحزب الشيوعي الفرنسي من حكومة الوحدة الوطنية و على تقليص نفوذه ضمن الطبقة العاملة. وعلى الرغم من خطه الإصلاحي، فقد اعتُبر نفوذه القوي مؤسساً لعائق أمام النشر الواسع لعداء السوفييتية من جانب وكالات الولايات المتحدة كما و خطرا محتملا للطعن في استقرار النظام، في حال تصحيح الحزب لخطه و امتلاكه استراتيجية ثورية و نشاطاً مماثلاً .

هذا وكان الحزب الشيوعي الفرنسي قد حصل في الانتخابات الوطنية لعام 1946 على 29٪ من الأصوات، وكانت صحيفة “لومانيتيه” هي اﻷكثر قراءة، حيث حذر مدير وكالة CIG (سلف اﻠ CIA) هويت فاندنبرﮒ أن بإمكان الحزب أن ينتزع السلطة في حال أراد.

و كان التدخل الأمريكي المناهض للشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية متضمناً العديد من المخططات و شبكات العملاء السرية، و التي كُشف البعض منها من قبل بعض السياسيين البرجوازيين الفرنسيين في إطار التناقضات البرجوازية البينية. حيث عُرفت الخطة الزرقاء لمنع إقامة فرنسا الحمراء. و شُكلت الشبكة الفرنسية لمعاداة للشيوعية المعروفة باﻹسم الرمزي "وردة الرياح" أي بوصلة الرياح كما هو رمز نجم الحلف الأطلسي، مع كادر قيادي لها تمثل في فرانسوا دو ﮔروسويفر المستشار الخاص لاحقا للرئيس الاشتراكي ميتران.

و كانت وكالة الاستخبارات المركزية CIA قد دعمت إنشاء ونشاط اتحاد نقابات العمال التخريبي والمعادي للشيوعية فورس أوفرير، في محاولة للحد من النفوذ الكبير لاتحادCGT العمالي اﻷحمر.

كما و دعمت اﻠ CIA أيضا عمل منظمة الجيش السري (OAS)، الغير القانونية ، التي نظمت انقلابا ضد دِﮔول. في سعي للحفاظ على نير الاستعمار في الجزائر، فضلا عن عمليات اغتيالات، كاغتيال رئيس بلدية إيفين الدِﮔولي ومحاولة اغتيال دِﮔول نفسه.

و ينص تقريرٌ كان البرلمان الفرنسي قد أعده بعد سنوات عديدة، على تجنيد عشرات الآلاف في الفترة السابقة لأيارمايو 1968 في وكالة النشاط السياسي التي شاركت في حرب الاستخبارات السرية هذه.

و جدير باﻹشارة هو الدعم المقدم من جانب الزمر "التحررية" و الانتهازية نحو سياسيين اشتراكيين ديمقراطيين مؤيدين للتوجه اﻷطلسي مثل بيير مادِس فرانس، الذي لقي ترحيباً حاراً خلال حضوره تجمعاً مناهضاً للحكومة في 27 أيارمايو 1968 في ملعب شارليتي. و كان معشر زمرة كوهن بنديت و التروتسكيين و الماويين، و التحرريين، مناهضاً على حد السواء لحكومة دِﮔول و الحزب الشيوعي الفرنسي، في حين سهَّل عمليا صعود الاشتراكية الديمقراطية الفرنسية المؤيدة للأطلسية نحو سدة الحكم.

حتى أن مناضلين غير شيوعيين مثل ﮔي هوكينﮔيم كانوا قد سموا بعد أحداث أيارمايو 68 متصدريها مثل برنار كوشنر وسيرج جيلي باعتبارهما أدوات تنفيذية ليسارٍ واهٍ موالٍ للولايات المتحدة.

بعد أن رأينا ما يحدث في المعسكر البرجوازي، دعونا ننظر الآن إلى عواقب هذه التطورات على الطبقة العاملة، و الطلاب ، و الشباب؟

حاجاتٌ معاصرةُ غير ملباة

في فترة عام 1968 لم يكن هناك من تدهور سريع و زيادة فجائية للإفقار المطلق للطبقة العاملة، مقارنة بالسنوات السابقة ولم يكن هناك اندلاع لأزمة رأسمالية عميقة.

بصدد ماذا كنَّا حينها؟

لقد تعزز في عقد الستينات اتجاه الإفقار النسبي للطبقة العاملة فيما يتعلق بالثروة المنتجة من قبلها، و التي تجنيها الطبقة البرجوازية، و كبار المساهمين في المجموعات الاحتكارية. حيث رأى العمال في التجربة اتساع المسافة بين حاجاتهم المعاصرة وقوتهم الشرائية.

في عصرنا، ليس بإمكان الطبقة العاملة أن تبقى راضية بتلبية حاجاتها الأساسية كالكساء والتغذية اليومية. إن ما يشغلها هو الحاجة إلى مزيد من وقت الفراغ، و إلى المحتوى الإبداعي للعمل والقضاء على انعدام اليقين تجاه المستقبل، والتعليم الجوهري لأولادها، وتحسين حمايتها الصحية.

و هي التي حتى مع عدم فهمها آلية الاستغلال الرأسمالي و عدم دراسة الماركسية بنحو جماهيري، فقد عاشت بنحو أشد، التناقض بين اكتساب العمل طابعاً اجتماعياً بنحو كبير، ضمن العمل في مراكز الطاقة النووية، وأحواض صناعة السفن و صناعة السيارات وفي المصانع الحديثة، و بين التملك الخاص لمنتوج الإنتاج من قبل رأس المال الكبير.

حيث كانت وقتها أكثر تعليما ومهارة، بالمقارنة مع واقعهافي العقود الأولى للقرن العشرين. كان بإمكانها التفكُّر أكثر و بشكل موضوعي حول ماهية من يحدد وتيرة العمل، و من يقرر بشأن الاستثمارات والأولويات. يكفي أن توجهها الطليعة الثورية نحو هذا الاتجاه.

و كان العاملون بأجر قلقين تجاه زيادة البطالة الجماعية، لا سيما بين الشباب، و التي ارتفعت من 200 ألف عام 1966 إلى 300 ألفاً عام 1967، و تجاه أزمة قطاعات معينة مثل أحواض بناء السفن في نانت و سان نازير. حيث عاشوا التدابير الأولى التي تقيد حقوق العمال والتأمين ضمن خطة دِﮔول للاستقرار، والتي تشمل زيادة اشتراكات التأمين و انتزاع صناديق التقاعد من سيطرة نقابات.

و كانت الشريحة الدنيا من الطبقة العاملة التي تضم نصف مليون عامل و تتلقى الحد الأدنى من الأجور (بالكاد 400 فرنك في الشهر)، و هو ما لم يكن كافيا من أجل معيشة كريمة دون القيام بالعمل للكثير من الساعات اﻹضافية كل أسبوع.

و كانت الجامعات هي المكان الذي تمظهر فيه عدم الرضا تجاه تغطية الحاجات المعاصرة خاصة و بنحو حاد. حيث قادت حاجات إعادة اﻹنتاج الموسع لرأس المال بعد الحرب إلى زيادة الطلب على كوادر علمية متخصصة. و كانت البحوث العلمية والمعرفة تُدمج و باضطراد في الإنتاج لصالح الربحية الرأسمالية.

وهكذا، شهدنا في الستينيات جماهيرية مذهلة لدخول الطلاب إلى الجامعات. و هو ما غيَّر تركيبة الطلاب من حيث أصولهم الطبقية، ولكنه يميز و بشكل أساسي منظورهم الطبقي. حيث لاح و للمرة الأولى خطر البطالة والعمل الذي يتقاضى أجراً بخساً مع دور تنفيذي، تجاه قسم من الطلاب. وبعبارة أخرى، تمظهر اتجاه تحولهم لبروليتاريا.

و في نفس الوقت، لم تكن البنية التحتية و المخابر والمباني، والكادر التعليمي، كافية للطلاب. مع تعزيز الحواجز الطبقية في التعليم. و اعتُبرت حينها سلسلة من المفارقات التاريخية، كسطوة هيئة التدريس والفصل بين مساكن الطلاب و الطالبات، غير مقبولة. و فتح النقاش حول الاضطهاد الجنسي و إنصاف النساء.

حيث كانت تكفي شرارة في ظل مناخ كهذا، مثل مشروع قانون وزارة التعليم بشأن فرض حواجز امتحانات وآليات لتقسيم الطلاب المستقبليين، لاندلاع أولى المظاهرات الطلابية في أواخر نيسانأبريل. و في المحصلة فقد كانت هناك مسألة الحاجات غير الملباة لتفجير مناخ تشكيك ضبابي عام و لقيام بعض النضالات.

إن السؤال هو كيف واجه الحزب الشيوعي الفرنسي هذا الوضع.

عن وجه ضعف الحزب الشيوعي الفرنسي

كان الحزب الشيوعي الفرنسي ممتلكاً لعلاقات قوية مع الطبقة العاملة و لنفوذ سياسي كبير في الحركة النقابية العمالية. حيث هيمنت قوى الحزب الشيوعي الفرنسي في اﻠ CGT خلال احتلال المصانع و نضالات العمال، والإضراب العام الكبير ذي اﻠ10 ملايين الذي أعطى وزناً سياسياً حقيقياً خلال أيار مايو.

حيث كان دِﮔول قد قلق حصراً بعد المظاهرة السياسية الضخمة للحزب الشيوعي الفرنسي يوم 29 أيارمايو، حول إمكانية تصعيد للصراع الطبقي واحتلال القصر الرئاسي، نظراً لزخم النضالات و ذلك على الرغم من أن الشعارات كانت تقتصر على تحقيق هدف التناوب الحكومي.

و اتهم دِﮔول الحزب الشيوعي الفرنسي بالتآمر ضد الشرعية البرجوازية يوم 30 أيارمايو، من أجل الضغط في اتجاه تهدئة النضالات العمالية والتوفيق. و هو الذي هدد حصراً بعد الظهور الديناميكي للحزب، بأن يختار "مخرجاً آخر سوى التصويت المباشر"، أي باتخاذ تدابير قمعية وفق حالة طوارئ.

و للأسف لم تكن الأمور صعبة بالنسبة للبرجوازية. حيث لم يكن مناخ التشكيك العام الضبابي كافياً أبداً ليقود نحو قيام هجوم مخطط ومنظم من الطبقة العاملة من أجل السلطة و لا من أجل صياغة الحركة العمالية تحالفات اجتماعية مناسبة.

و كان الحزب الشيوعي الفرنسي في فترة ما بعد الحرب حتى عام 1968 يتراجع باضطراد عن الاستراتيجية الثورية وصولاً لاحقاً إلى خط الاستسلام السافر المعروف بالشيوعية الأوروبية. إننا لن ننشغل اليوم بعمق هذه المشكلة التي تعود جذورها إلى تناقضات و تنظيرات خاطئة في معالجة الأممية الشيوعية لاستراتيجيتها في فترة ما قبل الحرب.

إن ما هو مهم هو أن نفهم التأثير السلبي الحاسم للخط الإصلاحي و لأوهام الانتقال البرلماني نحو الاشتراكية عبر حكومة ائتلافية قوامها الشيوعيون و الاشتراكيون الديمقراطيون. حيث قادت هذه الاستراتيجية الحزب الشيوعي الفرنسي في كثير من الأحيان للاصطفاف كالبندول ضمن التناقضات البرجوازية البينية في فرنسا، بين البرجوازيين أنصار اﻷطلسية و الدِﮔوليين.

إن الوقت لا يسمح هنا للقيام بعرض مفصَّل لمسار الانحراف الانتهازي هذا و رفض حتميات الثورة الاشتراكية. ومع ذلك ، تجدر الإشارة باختصار إلى نقاطه الأساسية:

شارك الحزب الشيوعي الفرنسي في حكومة الوحدة الوطنية عام 46 و التي كان هدفها الموضوعي هو إعادة الإعمار الرأسمالي لفرنسا. و كان قد تلقى النقد من الكومينفورم في عام 1947 لخياره هذا.

و بعد إبعاده من الحكومة نتيجة التدخل المؤكد للعامل الأمريكي في هذا التطور، يقوم بتوجيه نيرانه في مؤتمره اﻠ12 (1950) حصراً ضد النفوذ الأميركي، مُبرئاً في الممارسة موقف الطبقة البرجوازية الفرنسية.

و بعد قيام المؤتمراﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام 1956، تشكَّل بنحو أكثر وضوحا هدفُ وحدة العمل مع الاشتراكية الديمقراطية، التي تضم بين غيرهم، أكثر السياسيين البرجوازيين المناصرين للأطلسية. وأُعلن عن عدم إلزامية اﻹنتقال الثوري العنيف نحو الاشتراكية، وأن من الممكن ردع قيام الحروب الإمبريالية نظراً لتغير ميزان القوى الدولي.

وبعد الانقلاب العسكري في الجزائر و قبل استفتاء عام 1958، حيث طلب دِﮔول تركيز العديد من السلطات في منصب رئيس الجمهورية، كما و حل الجمعية الوطنية، طرح الحزب الشيوعي الفرنسي بنحو محدد، هدف قيام ائتلاف حكومي بين الاشتراكيين الديمقراطيين و الشيوعيين مع برنامج مشترك يركز على تأميم بعض الاحتكارات، وتعزيز القطاعات الحديثة للإنتاج الرأسمالي، و الحد من البطالة، و إصلاح التعليم.

و قام بتعزيز وهم قائل بإمكانية وجود إدارة صديقة لحاجات المجتمع المعاصرة، عبر دولة الرأسماليين البرجوازية عبر قيام تناوب حكومي. و زرَع وهم الإنتقال البرلماني نحو الاشتراكية. متستراً عن خصم العمال و متكلماً فقط عن القطاعات الأكثر رجعية في الطبقة البرجوازية الفرنسية التي تدعم طموحات دِﮔول لفرض دكتاتورية عسكرية. مع التعتيم حول دور الديمقراطية البرجوازية كالصيغة الرئيسية لديكتاتورية رأس المال.

و دَعم في الانتخابات الرئاسية عام 66 ترشيح فرانسوا ميتران بنحو مشترك، و هو الذي كان ملتزما بالحلف الأوروأطلسي.

و في انتخابات عام 1967 البرلمانية اتفق الحزب الشيوعي الفرنسي مع الاشتراكيين على نظام الانسحابات المتبادلة حيث يقوم مرشح كل حزب ذي أقل تأثير في الجولة الأولى، بالانسحاب في الجولة الثانية لصالح مرشح الحزب الآخر الأكثر نفوذاً.

و في المؤتمر اﻠ17 للحزب الشيوعي الفرنسي، تطرَّق أمينه العام موريس توريز حتى إلى هدف الوحدة بين الحزبين الاشتراكي والشيوعي. وفي عام 1968 وضع اتفاق شابيني للتعاون بين الاشتراكيين و الشيوعيين، حيث أكد على أن شروطه اﻷساسية هي التأميم و توسيع الديمقراطية البرجوازية. و جدير بالذكر هو تجنب ميتران خلال الفترة من 1962 إلى 1968، بشكل منهجي الالتزام بمشاركة الحزب الشيوعي الفرنسي في الحكومة في حالة الفوز الانتخابي. و بعد تمظهر الثورة المضادة في تشيكوسلوفاكيا ، تحدث ميتران عن الحاجة إلى تحالف سياسي جديد ﻠ "الاشتراكية والحرية" مع توجه واضح ضد السوفييت. حيث كان في جوهر اﻷمر، يقوم بالضغط على الحزب الشيوعي الفرنسي ليبتعد بشكل أوضح عن الحزب الشيوعي السوفييتي.

و على هذا النحو، يعجز الحزب الشيوعي الفرنسي أمام انفجار الحاجات الاجتماعية المعاصرة الغير ملباة، الذي غذى تيار تشكيك ضبابي في أيار مايو 68، عن صياغة خط ثوري يقوم من جهة بإلقاء الضوء على الضرورة التاريخية للاشتراكية و راهنيتها، و من جهة أخرى، بالمساهمة في تصعيد نضالات العمال وتعميق اتجاهها المناهض للرأسمالية.

عن اتفاق ﮔرينيل

في حين أبرزت الحاجات المعاصرة من أجل الحق في العمل و من أجل المزيد من الوقت الحر و محتوى إبداعي للعمل و للاستخدام الفعال للإمكانات العلمية كقوة منتجة من اجل الرفاه الاجتماعي، ضرورة اجتثاث مسار النمو الموجه نحو الربح الرأسمالي، قام الحزب الشيوعي الفرنسي بتنكيس كفاحية و زخم الحركة العمالية في إطار صراع اقتصادي متعلق بزيادة الأجور و تخفيض سن التقاعد و الحد من ساعات العمل حتى 40 اسبوعياً.

حيث لم تُربط هذه الأهداف الاقتصادية، حتى في مستوى اﻹعلان، بضرورة الصدام اﻹجمالي مع سلطة رأس المال والناتو والمجموعة الاقتصادية الاوروبية.

وكان الهدف السياسي الوحيد هو استقالة حكومة دِﮔول، و صعود ما يسمى بالحكومة الشعبية.

حيث كان من السهل على الحكومة البرجوازية مواجهة هذا الخط الإصلاحي عبر طرح اتفاق ﮔرينيل بين الحكومة والنقابات حول المطالب الاقتصادية مع إعلان إجراء انتخابات بعد بضعة أيام من توقيعه.

قدمت الحكومة البرجوازية عبر اتفاق ﮔرينيل تنازلات كبيرة أمام مطالب C.G.T اﻹقتصادية. حيث قبلت برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 35 ٪ ، و تخفيض حد سن التقاعد، من اجل تنفيس زخم تصعيد النضالات العمالية. حيث لم يقبل العمال المتواجدون في احتلالات المصانع فوراً ودون قيد أو شرط بالاتفاق. و في بعض الحالات، تم التعبير عن استياء قوي. و لكن في الأسبوع الأول من حزيران يونيو، جرى استئناف الإنتاج الصناعي.

عن الدعاة "التحرريين" لليبرالية

إن عجز الحزب الشيوعي الفرنسي عن التعبير بنحو كفاحي عبر برنامج جذري للصراع في توجه مناهض للرأسمالية لتلبية الحاجات الاجتماعية المعاصرة، كان قد أسهم في ازدهار رؤى برجوازية و برجوازية صغيرة ساعدت بدورها في ظهور حركة جماهيرية مناهضة للشيوعية و في نزع سلاح الحركة العمالية.

فعلى سبيل المثال جرَّم ماركوزيه مطالب الطبقة العاملة بعينها لتغطية بعض الحاجات المادية المعاصرة، كامتلاك الأجهزة المنزلية الحديثة والسيارة، باعتبارها مسؤولة عن اغترابها. أي أنه جرَّم الطبقة العاملة و عتَّم واقعة مسؤولية النظام الرأسمالي عن اغتراب العامل عن نتاج عمله، و عن نشاط العمل، و عن كل البشر الآخرين و عن البيئة.

و على الرغم من ذلك فإن الرأسمالية هي التي تفرض الربح الرأسمالي كغرض للعمل لا المنتج المحدد الذي يُنتج أو الخدمة الخاصة التي يقدمها العاملون. إنها الرأسمالية التي تؤثر على الوعي الطبقي للطبقة العاملة، الذي يشكل نماذج استهلاكية محددة، و تجعل من كل شيء سلعة، اعتباراً من الماء و وصولاً حتى الصحة و رعاية اﻷطفال. إنها الرأسمالية التي تدفع العديد من العمال إلى التنافس لتأمين وظيفة مؤقتة داخل غابة السوق الرأسمالية.

إن هذا الوضع لم ينشاً من تطور الصناعة والتكنولوجيا بشكل عام، بل من علاقة استغلال الإنسان للإنسان، من علاقات الإنتاج الرأسمالية .

إننا لن ننشغل في كلمتنا هذه بجملة التيارات البرجوازية و البرجوازية الصغيرة التي أثرت في المقام الأول في صفوف الحركة الطلابية في أيارمايو 68، مثل المواقفيين و الوجوديين و الفرويديين الجدد و من يسمون لا سلطويين.

ومع ذلك، تنبغي الإشارة إلى العواقب السياسية ﻟ"الخط التحرري" الذي مجَّد الحقوق الفردية ضد أي اضطهاد اجتماعي. حيث لم يكن هذا الخط غير خطير على النظام الرأسمالي فحسب، بل و كان مفيداً أيضاً للهجمة الرأسمالية الجديدة. و عن صواب تحدث ماركسيون فرنسيون (ميشيل كلوسكار) في ذلك الوقت عن وجود "ليبرالية تحررية" .

و كانت الشعارات الفوضوية "ممنوع أن تمنَع" و "كلٌ سلطة تُفسد" تعتم على هدف اسقاط سلطة رأس المال، الاستراتيجي، و تقوم بنزع سلاح الحركة، و ذلك لأن من الفرض هو حظر الملكية الفردية لوسائل الإنتاج من أجل القضاء على استغلال الإنسان للإنسان و على البطالة .

هذا و غدا المطلب الضبابي و العام جداً بإيجاد بيروقراطية أقل في الدولة ومزيد من الحرية، راية السياسة البرجوازية الليبرالية التي طُبقت بالتأكيد من قبل دول برجوازية عاتية، كما و راية لعداء الشيوعية، ما دام هذا المطلب يساوي بين الدولة البرجوازية و دولة السلطة العمالية.

و أصبح تمجيد الفردانية في مقابل المجتمع القمعي عموما، خلفية الحملة الأمريكية التي تحدثت عن حقوق الإنسان التي تنتهك في البلدان الاشتراكية، والتي تطورت نحو اﻹبراز المعاصر لأولوية الحقوق الفردية وحمايتها بالنسبة للحقوق و الواجبات الاجتماعية. إننا بصدد سياسة رجعية عميقة تُعمِّد كقمع اجتماعي، أي خيار يفضل مصلحة المجتمع. إن هذه السياسة تضطهد وتخنق حقوق ملايين المُستغَلين في الرأسمالية.

و إذا قبلنا هذه المواقف ووسعناها، سنناقش خلال بضع سنوات حماية الحقوق الفردية للمغتصب، أو ناكح الاطفال، أو تاجر المخدرات. و بالتأكيد، َيعتبر هذا الموقف أن حق الملكية الخاصة في وسائل الإنتاج، مقدساً و مُصاناً.

و جرى استخدام أسطورة الفردانية للحق في الذاتية، و أن الجميع مسؤول بشكل أساسي عن ذاته، بعد أيارمايو 1968 من قبل منظومة العمل الرأسمالية. حيث قامت صيغ التنظيم الجديدة و تحت عباءة المشاركة النشطة وتحرير المبادرة الفردية لكل عامل، بزيادة التنافس بين العمال وتكثيف وتيرة العمل. حيث ركزت على المسؤولية الفردية لكل عامل لزيادة ربحية الشركة.

عن دور التروتسكيين الفعلي

كانت حركة 22 آذارمارس غير ذات خطر على النظام، والتي كما قال حينها كوهن بنديت، طالب علم الاجتماع، لم تكن ذات برنامج محدد سلفا أو ذات تراتبية و بنية هرمية. حيث كان الطلاب الذين لحقوا خطها يهتفون "فليسقط الاضطهاد" و "المخيلة إلى السلطة"، تاركة في الواقع خارج مرمى نيرانها، السلطة البرجوازية و قدرة الدولة البرجوازية على تنظيم استغلال الشعب و اضطهاده. هذا و كان كوهن بنديت بذاته قد ذكر مرات عديدة عدائه الراسخ للشيوعية.

و هو الذي كان قد قد دعا بشكل عام إلى إدانة حكومة دِﮔول و الحزب الشيوعي الفرنسي، تاركاً بنحو منهجي سياسي الاشتراكية الديمقراطية الفرنسية المؤيدة للأطلسي، دون مساس. حيث كانت الشعارات "التحررية" الساذجة التي طرحها، تخدم في الواقع هدف التناوب الحكومي.

و قد أُسند هذا الحضور المغامر في البداية من قبل الزمرة التروتسكية الأساسية التي تضمنت مشطوبي عضوية منظمة شباب الحزب الشيوعي الفرنسي، التي ظهرت كأنها شبيبة شيوعية ثورية بقيادة ألِن كريفين.

و هم الذين كانوا قد عبروا سلفاً عن تعاطفهم مع قوى الثورة المضادة في بولندا وخصوصا في المجر في عام 1956. رافضين إمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد مثل فرنسا، و مؤجلين التخمير للثورة الاشتراكية نحو المستقبل البعيد. حيث ركز برنامجهم اﻹنتقالي للصراع على إنشاء هيئات تفتيش عمالي فوق أرضية الرأسمالية.

و ركزت انتقاداتهم للحزب الشيوعي الفرنسي على استهانته وعدم تشجيعه العفوية العمالية والأشكال الكفاحية للنضال. و كان مُنظِّرهم ارنست ماندل قد كتب في تقييم أيارمايو 68، أن التجربة أظهرت أنه حتى و مع غياب الطليعة الثورية، فإن خبرة ممارسة العمال تجاه التناقضات الرأسمالية هي قادرة على تسريع تطوير الوعي الطبقي الثوري.

و مع ذلك، فإن التجربة لم تظهر ذلك. فقد سهَّل غياب الطليعة الثورية الناجعة، للطبقة البرجوازية تنفيس صعود الحركة بشكل سريع جداً. حيث استغلت الحكومة البرجوازية الجزرة، أي عبر تكتيك التنازلات المؤقتة أمام المطالب العمالية الاقتصادية، كما و العصا، عبر القمع و الاعتقالات والإصابات والقتل والتهديد بأن الحزب الشيوعي الفرنسي يقوم بالتآمر ضد الشرعية البرجوازية.

و حرَّكت منظمات شبه الدولة مثل "لجان الدفاع عن الجمهورية" كما و مئات الآلاف من المواطنين الذين تظاهروا في صالح دِﮔول في 30 ايارمايو، مع شعارات "فرنسا للفرنسيين" و "إن الشيوعية لن تمر". بل و كانت لجان شبه الدولة هذه قد بدأت أحياناً بإطلاق النار تحذيراً، خارج مقرات المكاتب المحلية للحزب الشيوعي الفرنسي و اﻠ C.G.T.

و استُغلَّت ورقة إعلان انتخابات مبكرة التي رفع فيها الدِﮔوليون نسبتهم من 38.3٪ إلى 46.4٪. هذا و قُتل في فترة قبل الانتخابات العامل مارك لانفِن البالغ من العمر 18 عاما، العضو في الشبيبة الشيوعية، و عاملان خلال عملية إعادة الاستيلاء على مصنع بيجو و تلميذ ذي 17 عاما. وكان الحزب الشيوعي الفرنسي الذي طالب سلفاً العمال بوقف الإضراب بعد تلبية المطالب الاقتصادية، قد حدد كهدف سياسي تشكيل حكومة "الوحدة الديمقراطية مع الاشتراكيين" البرجوازية، مصرحاً بأنه لم يقع في الفخ الذي من شأنه أن يطلق يد دِﮔول للانحراف الدستوري. و بالتأكيد فإن الوقائع تثبت أن الطبقة البرجوازية الفرنسية لم تسعى نحو خوض مواجهة حاسمة، و أنها نجحت بسهولة في نزع سلاح الحركة العمالية. و أبدت الزمرة التروتسكية التي تشكلت أساسا من الفصيل الذي طرد من الشبيبة الشيوعية، أيضاً، دعمها خلال الانتخابات لهدف تشكيل حكومة برجوازية ائتلافية من الحزب الاشتراكي والشيوعي.

أما بالنسبة للطلاب الذين هتفوا في أيارمايو "إن الشاطئ هو بجوار الرصيف" فقد كانوا قد تحركوا سلفاً في حزيرانيونيو قاصدين شواطئ البحر في عطلتهم الصيفية.

و بهذا القدر من السرعة جرى تنفيس نضالات أيارمايو الكفاحية عام 1968 في فرنسا. و من ثم اندمجت فرنسا، في السنوات المقبلة بنحو أكثر عضوي في المخططات الإمبريالية الأوروأطلسية. هذا و تبدَّى كوهن بنديت الذي بدأ مساره من رابطة الطلاب الاشتراكيين الألمان، قبل أن ينشط في نانتير بفرنسا، كسياسي برجوازي في ألمانيا خلال العقود القادمة.

عن ماهية أيارمايو 68

استناداً إلى ما سبق ، يمكننا الآن استخلاص بعض الاستنتاجات من أيارمايو الفرنسي عام 1968.

أثبت أيارمايو أن تطور الرأسمالية نفسه يفاقم التناقض الأساسي بين رأس المال و العمل و يغذي موضوعياً السخط المتزايد للطبقة العاملة، والشعب، و شباب الشرائح الشعبية. و أظهر عجز أية سياسة برجوازية و أي تحديث تكنولوجي في عصر الرأسمالية الاحتكارية، حيث يتعفن النظام، عن التعتيم التام و إلى الأبد عن المسافة القائمة بين إمكانية تلبية حاجات المجتمع المتزايدة و بين التضحية بهذه الحاجات على مذبح الربح الرأسمالي.

و على العكس من ذلك، فبقدر تقدم تطور القوى المنتجة في ظل الرأسمالية تتعاظم هذه المسافة، و بذات القدر باﻹمكان إبراز واقعة أن هذا الطريق لا يقود نحو إرضاء حاجات المجتمع المعاصرة المتسعة و المتحولة، و أنه يناقض إرضائها.

و على الرغم من ذلك، لا يقود تدهور وضع الطبقة العاملة واستيائها، تلقائيا إلى نضوج الوعي الطبقي للعمال و فقراء الشرائح الشعبية.

من المطلوب وجود الطليعة الثورية و نشاطها الحاسم، أي الحزب الشيوعي في ظروف الرأسمالية، لكي يعد الطبقة العاملة و يوجهها تنظيميا وسياسيا وأيديولوجيا للقيام بمهمتها التاريخية، إلغاء استغلال الإنسان للإنسان.

فما من ثورة برجوازية في فرنسا لتكن عام 1789 دون اليعاقبة وروبسبير، و ما من ثورة برجوازية يونانية للتحرر الوطني عام 1821من دون الشركة الودية، و ما من ثورة أكتوبر اشتراكية دون البلاشفة ولينين.

حيث ثبُت هذا الاستنتاج في فترة أيارمايو 68 من واقعة عجز الحزب الشيوعي الفرنسي عن لعب دور الطليعة الثورية بنحو ناجع بسبب سيطرة الخط الاصلاحي والأوهام البرلمانية، و بسبب هدفه تشكيل حكومة "تقدمية" مع الاشتراكية الديمقراطية فوق أرضية الرأسمالية.

و عموماً لم يَصِغْ الحزب الشيوعي الفرنسي سياسة ثورية تبرز أهمية إسقاط الرأسمالية ثورياً وصعود الطبقة العاملة إلى السلطة لتلبية حاجات المجتمع المعاصرة.

و على هذا النحو، تعزز في فترة أيارمايو 68 نفوذ رؤى برجوازية و برجوازية صغيرة، و سيطرت شعارات إما غير خطرة على النظام أو سهلة اﻹحتواء من قبله، أو مفيدة لهجمة رأس المال في السنوات المقبلة خلال عمليات إعادة الهيكلة الرأسمالية. و من هذا الرأي، فإن تطور باقي متصدري أحداث أيارمايو في الحركة الطلابية، مثل كوهن بنديت الذي اجترح مساراً مهنياً بعد ذلك، كسياسي برجوازي معادٍ للشيوعية، كان في جوهر اﻷمر، طبيعياً.

وبالمثل، عِشنا في بلدنا الاحتجاج المتمظهر صورياً، كعفوي في الساحات في عام 2012، و الذي لم يكن مستهدفاً الخصم الحقيقي، و كان متواجداً خارج الحركة العمالية المنظمة، و ساعد في جوهر الأمر في إبراز سيريزا في الحكم. حيث تكشَّف و في هذه الحالة أيضاً، تدخُّل مراكزٍ منظَّمة قامت بحصر عدم الرضا الشعبي في اتجاه التناوب الحكومي الغير مؤلم. حيث كانت الشعارات الضبابية المناهضة للمذكرات عام 2012، عبارة عن نقطة التقاء سياسي بين قوى سيريزا و الفجر الذهبي.

هذا و أظهرت الطبقة العاملة خلال أيارمايو 68 قدرتها على تنظيم صراعها، و حضورها بزخم في المشهد عبر تجميد الإنتاج الرأسمالي، عبر إضراب عام واحتلال كفاحي للمصانع. حيث تمثل قلق الطبقة البرجوازية وحكومة دِﮔول، فقط عند روية نجاح الإضراب العام ﻟ 10 ملايين من العمال بعد دعوة اﻟ CGT و الحزب الشيوعي الفرنسي. لقد قلقت لأن اﻹحتدام الموضوعي للصراع الطبقي كان ذي قدرة على دفع قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي إلى تصحيح خطها الإصلاحي نحو اتجاه ثوري. قلقت لأن الطبقة الحاكمة تعرف جيداً ماهية الطبقة الاجتماعية الطليعية موضوعياً و التي هي قادرة على إسقاطها، ما دامت لا تملك ما تخسره سوى أصفادها.

ومع ذلك، و على الرغم من النشاط السياسي والنقابي الكفاحي لقوى الحزب الشيوعي الفرنسي، فإن خطه في جوهر اﻷمر، حَصَر الحركة العمالية في مطالب إعانة إقتصادية وإعادة توزيع و في هدف تغيير الحكومة.

و كان قد يَسَّر بنحو موضوعي مناورات حكومة دِﮔول التي تمكنت عبر تنازلات اقتصادية مؤقتة من تنفيس زخم الحركة و من تحريك قوى اجتماعية محافظة تحت راية الحكم البرجوازي.

و كان تدخل الزمر الانتهازية والتروتسكية والماوية قد ساعد بشكل موضوعي في نزع السلاح السياسي للحركة. حيث كان العداء للسوفييتية، و رفض الصراع من أجل انتصار الثورة الاشتراكية في بلد واحد، أي على المستوى الوطني، و إبراز زخم العفوية العمالية، مع برنامج صراع انتقالي يركز على إقامة التفتيش العمالي و على إقامة إدارة صديقة للشعب فوق أرضية الرأسمالية، بعضاً من العناصر الرئيسية للخط الانتهازي.

و على هذا النحو، بدأت الزمرة التروتسكية في أيار مايو، باعتبارها ذيلاً لحركة 22 آذارمارس الغير خطرة، التي دعت للإنتفاض دون محتوى سياسي محدد، و انتهت بدعم هدف تعاون الاشتراكيين و الشيوعيين في الانتخابات اللاحقة.

أكان ذلك ثورة؟

لقد ذكَّرنا أيار مايو 68 أيضاً أن الطلاب والشباب لا يشكلون طبقة منفصلة ذات مصالح موضوعية واحدة. حيث لعبت كل من الأصول الطبقية المختلفة و المنظور الطبقي للخريجين بنحو أساسي، بعد جمهرة الجامعات، كما و خطر البطالة والاتجاه المستقبلي لتحويل كثيرين منهم لبروليتاريا، دورا في التفاعلات و في الصراع و تجذير الحركة الطلابية.

حيث ثبُت مرة أخرى أن مسألة حاسمة تتمثل في تماشي الحركة الطلابية مع الحركة العمالية ذات التوجه الطبقي ضد سياسة الطبقة البرجوازية و سلطتها.

إن جملة ما ذكرناه أعلاه، يتيح لنا الرد بنحو أكثر وضوحاً على الأسئلة المتعلقة بالمضمون السياسي لأيار مايو 1968 في فرنسا و عن إمكانية تطوره بنحو مختلف.

في أيارمايو 1968 لم يُعرَب عن هجوم مخطط ومنظّم للطبقة العاملة وحلفائها من أجل إسقاط سلطة رأس المال.

فأولا، لم تكن هناك ظروف موضوعية بالكمال لتسمح بذلك، لم يكن هناك حضور لحالة ثورية، و ثانياً، لم يبسط الحزب الشيوعي سياسة ثورية لتوجيه الحركة العمالية في هذا الاتجاه، نظراً لاستراتيجيته الإصلاحية.

و مع ذلك، كان هناك صدام طبقي محتدم، كان هناك صعود كبير للحركة العمالية، خلق ظروفاً موضوعية مؤاتية لتصعيد الصراع الطبقي في اتجاه الصدام والقطع مع سلطة رأس المال. إن ما نذكره توصيفياً على أنه "ظروف غير ثورية" ليس بوضع ثابت لا يتغير.

و بالطبع، لا يمكن التنبؤ بتوقيت تمظهر الحالة الثورية بدقة، و هو الذي لا يعتمد على إرادة الطليعة الثورية. لكن عمل الحزب الشيوعي والحركة العمالية الثورية يؤثر وينطبع في تغيير في الظروف الموضوعية. إن توازن القوى بين الطبقات لا يتغير من ذاته، كظاهرة طبيعية أو عبر معجزة ما. إنه يتغير بناءاً على مسار و مآل الصراع الطبقي، و هو الذي يُخاض بالطبع في ظروف معينة متعلقة باحتدام التناقض الأساسي و بالتناقضات البرجوازية البينية.

حيث يضيء بنحو إيجابي انتصار ثورة أكتوبر اﻹشتراكية عام 1917 أهمية تفاعل الظروف الموضوعية والعامل الذاتي، و وبنحو سلبي يضيئها، مآلُ نضالات أيارمايو68.

و مع فحصنا هذه الفترة على أساس المعايير اللينينية للحالة الثورية، يمكننا أن نستنتج:

من المعطيات المعلومة أن ما من قرينة تدل على وصولنا في فرنسا في أيارمايو68 إلى نقطة حيث "يعجز من هم في اﻷعلى على الحكم كما من قبل" أي لتمظهرٍ جوهري لزعزعة الهيمنة السياسية للطبقة البرجوازية. على الرغم من صعوبة الإدارة السياسية للحاجات الاجتماعية المتزايدة ومن إضعاف الهيمنة البرجوازية. حيث كانت قد احتدمت التناقضات الإمبريالية البينية، فيما بين الولايات المتحدة و قطاع الطبقة البرجوازية الفرنسية الداعم لدِﮔول. و دعمت الولايات المتحدة الاشتراكيين الديمقراطيين الفرنسيين وتدخلت من أجل سيطرة التوجه المناهض لحكومة دِﮔول ضمن الحركة.

و على الرغم من ذلك، كانت وظائف الدولة البرجوازية والجيش والشرطة والمحاكم تعمل بشكل حاسم ولم تتعطل. حيث حرَّكت الحكومة مئات الآلاف من أتباعها.

و في عام 68، لم يكن هناك من تدهور مفاجئ و لافت و موسع في معيشة الطبقة العاملة والشباب. و على الرغم من ذلك، فقد تبدَّى بوضوح أكبر أن التطور الرأسمالي لا يقود نحو تلبية الحاجات الاجتماعية المعاصرة، بل إلى ارتفاع البطالة وانعدام اليقين وإلى البؤس النسبي. حيث ازداد البؤس النسبي للطبقة العاملة مقارنة بالثروة التي تنتجها.

و في أيارمايو لعام 68 كان هناك صعود سريع للمزاج النضالي و للكفاحية و للتجذير السطحي الضبابي "لقسم كبير ممن هم في اﻷسفل" من الطبقة العاملة والطلاب الشباب، ولكن هذا و بالطبع، لم يكن كافيا لإيجاد ذاك التغيير الكبير في ميزان القوى على حساب الطبقة البرجوازية، و هو ما يميز الحالة الثورية.

و على الرغم من ذلك، فإن هذه الواقعة لا تعفي الحزب الشيوعي الفرنسي من مسؤولياته الكبيرة تجاه مآل الصراع الطبقي والتنفيس السريع للحركة. و بالطبع لم تكن الظروف ناضجة لكي يقود نحو انتفاضة ثورية مسلحة على الفور. و لكن كان بإمكانه تصعيد الصراع السياسي للحركة العمالية و رفع مستواه مع استهداف الخصم الحقيقي، أي سلطة الطبقة البرجوازية، وفتح وتعميق الشروخ في سيطرتها السياسية. كان بإمكانه تصحيح خطه الإصلاحي و أن يُخصِّب سياسياً الحماسة الكفاحية التي تمظهرت في العديد من احتلالات المصانع.

كان بإمكانه أن يخمِّر شعار: "أيها العامل أن قادر على العيش بلا أسياد" بنحو علني في صفوف العمال الذين كانوا يهتفون: " كانت عشر سنوات كافية ضد دِﮔول" كما و ضمن الطلبة الذين كانوا يكتبون على الجدران:" المخيلة إلى السلطة". حيث كان يُسمع سلفاً حينها الشعار الضبابي الجذري:"المصانع للعمال"، مما يدل حينها على وجود أرضية لتخمير توجه السلطة العمالية. كان بإمكانه أن يُصحِّح داخل الصراع الطبقي خطه الإصلاحي ذي الأوهام البرلمانية و أوهام الحكومة البرجوازية التقدمية.

لا لأية خيبة أمل

إن مسار أيارمايو 68 يعلِّمنا في المقام اﻷول شروط بقاء حزب شيوعي كطليعة ثورية للطبقة العاملة. إن هذا الدور لا يُهدى و لا يُمنح مرة واحدة للأبد، من قبل التاريخ. و لكي يبقى أي حزب شيوعي طليعة ثورية في الممارسة لا في الكلام، ينبغي عليه و باستمرار أن يدرس بنقد ذاتي الخبرة التاريخية للصراع الطبقي، و أن يُفسِّر التطورات المعاصرة، و أن يُعالج استراتيجية مناسبة تنير ضرورة الثورة الاشتراكية، و ضرورة الاشتراكية، من أجل تلبية الحاجات الاجتماعية المعاصرة. و أن يبسط سياسة مناسبة بنحو كفاحي في تصعيد الصراع الطبقي، من أجل تعميق وتوسيع روابطه مع الطبقة العاملة والشرائح الشعبية الفقيرة، لترسيخ اتجاه الحركة العمالية المناهض للرأسمالية، و للإسهام في بناء التحالف الاجتماعي.

إن حزبنا يحاول كل يوم و بإصرار التجاوب مع كل هذه المهام. إننا نتعلم من 100 عام من نضالات و تضحيات الحزب الشيوعي اليوناني البطل، ولكن أيضا من خبرة الحركة الشيوعية اﻷممية، الإيجابية والسلبية.

و مع دراستنا للحظات تاريخية مهمة، مثل أيارمايو68 في فرنسا، فإننا لا نشعر بأية خيبة تجاه نضالات يُزعم أنها ذهبت هباءاً.

إننا نحفظ من أيار/ مايو 1968 صورة مئات الآلاف من العمال والطلاب السائرين معاً في الطريق و المنشدين نشيد اﻷممية، في قلب الرأسمالية المتطورة. إننا نواصل الكفاح من أجل السير على هذا الطريق حتى النهاية، لكي تستحوذ الطبقة العاملة على السلطة أخيراً، لتستحوذ عليها في الحياة الفعلية لا في خيالنا!

نأمل لكم نضالات جيدة أيها الرفاق و الأصدقاء.







[1] كلمة ماكيس باباذوبولوس، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني في مهرجان طلاب الشبيبة الشيوعية اليونانية في منطقة أتيكي، الذي أجري في 1662018.

.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن