الايزيديون والمستقبل (1/4)

علي سيدو رشو
alirasho@yahoo.de

2019 / 3 / 17

الإيزيديون والمستقبل (*)
الجزء الاول (1-4)
اعتقد غير جازم ان العنوان المشار اليه اعلاه هو الذي نحتاجه اليوم حتى نواجه ماينتظرنا من واقع متأزم ونرسم او نؤطر بالتالي لنا مساراً موضوعيا نطرحه للمناقشة الحرة ونفهمه بروح انسانية منفتحة على الآفاق والتحديات كلها. فذلك وحده قد يساعدنا على الكف عن كل هذا التراشق الانفعالي المتلاطم بكم وكيف هائلين من التهم والتأويلات غير المجدية ويمكننا من ثم من الوقوف على ارضية سليمة تتماشى مع الواقع الايزيدي الذاتي وتتناسب كذلك موضوعياً مع عناصر ومعطيات المحيط الديموغرافي المجاور لنا او المتداخل جعرافيا معنا بمختلف توجهاته واديانه وقومياته ،عليه نقول اليوم وبحسرة:
أ ـ بأنه فعلى الرغم من أن قوة الإيزيديين فاقت اي وقتِ مضى وذلك بسبب تعرّف العالم على تضحياتهم والمآسي والويلات التي تكبدوها، والإبادات التي ايقظت الكثير من الخبايا والخفايا ونبهت الاذهان الى قضيتهم كشعب يباد، ينقرض ويلقى الاضطهاد على الدوام. إلا أن الإيزيدية لا زالت كدين وشعب مهددة فعليا وسائرة نحو المصير المجهول، ونحو بحر من الفوضى والعشوائية التي لا تتمخض إلاّعن المصالح والانانيات والتقديرات الضيقة والحسابات الخاطئة والتوجهات الطائشة والنزعات الانقسامية التى لايتوانى ابناؤها و معتنقوها عن التلون بها. فقد بدأت تلك العيوب والسيئات الذاتية فضلا عن العوامل الخارجية تنخر تماسكنا من الداخل حتى بدون أن نعي، وكأننا ننقاد في سفينة بدون ربّان . لذلك وحيث ان معالم المشكلة الأساسية قد تحددت هنا وتوضّحت، وهي قد تتمثل في السعي الحثيث نحو إيجاد وتسمية الربّان القادر من النواحي الذاتية والموضوعية على تحديد الاتجاه، والتمكن من ثم من إمساك مقود السفينة. بل بالقدرة على فهم الاحداثيات التي ستحدد الاتجاه الصحيح والهدف الصائب المطلوب، وابداء عدم الرضوخ لما قد تفرضه عليه الرياح من اتجاهات خاطئة عِبرَ الترَفُع عن المصالح والاهواء وضمان الانفتاح على الجميع والتعاون مع الجميع من ناحية، و مجابهة الايعازات او الاملاءات التي قد ترد من الخارج ايا كان مصدرها من ناحية اخرى .
ب ـ لكن في المقابل وحتى لانغرق في السوداوية وجَلَد الذات علينا أن نفتخر بما قدمه الشعب الإيزيدي على مدى سنوات من المِحَن في مواجهة الابادات والاصرار على الابقاء على وجوده ككيان اجتماعي ـ ديني متماسك بهمة مقاتليه الاشاوس من الرجال والنساء سواء عبر المقاومة القتالية المستميتة على أرض الواقع في شنكال، أو على مستوى التعريف بالقضية في المحافل العالمية، او عِبرَ البناء في بعشيقة وبحزاني أو من خلال التأقلم الجبّار مع الظروف الخارقة في المآسي التي فرضتها الظروف على جبل شنكال، ولاتزال مآلات التشرد والنزوح والحياة الثقيلة في المخيمات تستسرخ ضمير العالم. أو عِبرَ التحّدي المنيع الذي ابداه الطلبة الايزيديون فتفوقوا في المدارس والجامعات رغم الحرمان والقهر والعيش المضمخ بالمآسي بعد ان تحدّوا المستحيل وطوّعوه لصالح مستقبلهم. او من خلال الالاف الذين تظاهروا في الساحات والميادين والاروقة الاوربية والعالمية. اومن معونات الذين قدموا الغالي والنفيس من المساعدات بانواعها المادية والعينية والمعنوية وهلم جرا. فهذه الإرادات تستحق الوقوف عليها وتثمينها وابرازها في جميع المحافل على أنها شكلت مع بعضها اسطورة وسمفونية رائعة تحّدت كل الظروف والتحديات بقساوتها وعبرت بقضيتها إلى المراكز العليا في العالم او في العراق بحيث لم يبق أمامنا سوى خطوات لنصل إلى غاياتنا المنشودة، وأن أولى هذه الخطوات هي التحصين الذاتي.
ج ـ فمكمن المشكلة في قضِّها وقضيضها من الناحية الذاتية حسب الفهم والإستنتاج إذن، هو في الادارة، وبالذات في الادارة التي كان يتولاها سمو الامير الراحل تحسين بك شخصياً منذ عقود وما ستعقبها من الادارات بعد رحيله. فلم يكن في مراحله الاخيرة بقادرِ على التمسك بالموقف؛ لا على الصعيد الذاتي للايزيديين والايزيدياتي، ولا على المستوى الخارجي في التعامل مع الظروف الموضوعية، على الرغم من التغيير الحاصل في الظروف. وإنما انتهج الشكل الروتيني على سلف آبائه وأجداده بما كانوا عليه قبل مائة عام من الان ولكن بحكمة وعقلية تتحسب لكل حالة بحالتها، مُستَبعِداً فكرة العصرنة والتنمية البشرية، حيث تشابكت الحسابات والمصالح وغابت من ثم الاهلية المطلوبة. وبذلك فلقد عجزت إدارة الإيزيديين على هذا النحو وضاعت القدرات والإمكانياته عن ضبط الاتجاه الصحيح وتنظيمه، والتكيف من ثم مع الواقع والوقائع المستجدة حسب ما تتطلبه ظروف كل مرحلة بما فيها من تعدد المفردات اليومية التي تجابه المجتمع على جميع مستوياته الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والسلوكية والسياسية والدينية. وبذلك فإن لب المشكلة إنحصر في انه لم يكن بالامكان انجاز اي شيء على أرض الواقع بدونه (أقصد سمو الأمير الراحل تحسين بك)، هذا في الوقت الذي لم يكن باستطاعته تقديم أي شيء إما: بسبب تداخل وتشابك المصالح الذاتية والموضوعية في بعضها، أو أنه ناتج عن الخوف والخشية من مستقبل الإيزيديين في ظل نمو التطرف الإسلام السلفي المتنامي في المنطقة. وبذلك أفقدَ المجتمع الايزيدي غالبية الفرص التي كان بالإمكان الإستفادة منها، مما نتج عنه شل حركة المفاصل التي تتمثل في المجلس الروحاني ودور بابا شيخ والمثقفين وشيوخ العشائر وحتى السياسيين والبرلمانيين.
د. لكن ومن جهة اخرى وحتى لانُحِّمل الامير تحسين بك كل الوزر، فهنالك من كان يستفيد من موقف الامير. فالمجلس الروحاني وجميع من لهم مصالح شخصية سكتوا او سايروا الواقع الايزيدي المتردي وذلك لكي يحافظوا على تلك المصالح، وأنهم جعلوا من موقف سمو الامير هذا شماعة لتعليق فشلهم أو عدم القيام بما يستوجب على تلك الشماعة. وعليه فان الموضوعية تفترض ان نقر وننبه من ثم بأن التاريخ سيحاسب الجميع بدءاً بالراحل الامير تحسين بك وانتهاءاً ببقية المسئولين كل من موقعه. فالمشاكل التي بدأت تطفوا على السطح بعد عام 2007 على وجه التحديد، كانت بسبب الموقف اللامبالي من جانب الراحل الامير تحسين بك والمجلس الروحاني في التعامل مع قضايا الاصلاح في النظام المؤسساتي الإيزيدي أو بخصوص خيرات لألش وغيرها لتودع في حساب خاص يستفاد منه في الصرف على القضايا الاساسية للمجتمع الايزيدي.
ه. هذا وتجدر الاشارة ان البيوتات والمراكز والجمعيات الثقافية الاجتماعية الايزيدية في أوربا والمانيا بالذات تتحمل نصيبا لايستهان به من المسؤولية لعدم قيامها بالواجب الذي تأسست من أجله بشكل صحيح. كما أن جزءاً كبيراً من تلك المسئولية تقع على كاهل المثقفين الذين بددوا الجهود وراحوا يعملون لتحقيق مصالح الآخرين جهلاً أو تعمّداً. ثم ينبغي ومن باب انصاف المشهد الايزيدي الا نسهو عن الدور السلبي لشيوخ ووجهاء العشائر ورجال الدين في سنجار بدعمهم اللامحدود للإمارة بدون مقابل أو بدون المطالبة باستحقاقاتهم المناطقية وما يتعلق بذلك في تحسين الأحوال وإدخال بعض الإصلاحات على الواقع الايزيدي المتردي .
فالإيزيديون هم شعب لهم ديانتهم وتاريخهم وتراثهم الخاص يميزهم عن غيرهم من الشعوب. فلقد دفعوا من الضحايا مالم يتصوره العقل، ولا يعقل بأن جميع تلك التضحيات كانت من أجل لاشيء أو فقط بسبب التعنّت أو عدم الايمان بالدين وأسسه، لأنه لا يمكن للإنسان أن يضحي بحياته إلا من أجل مباديء سامية. وهي كغيرها من المعتقدات أيضاً، تتمتع بأصول ودساتير وقوانين واحكام. وبذلك ينطبق عليهم ما ينطبق على بقية الديانات وشعوبهم. فأسس الدين لاتقاس بالفترات الزمنية، ولا تخضع دساتيره حسبما يتصوّره البعض للإستبيان كما هو الحال في قانون الاحوال الشخصية مثلا، ولايقاس كذلك بالتكنولوجيا وإلأ لتغير العالم المسيحي منذ مئات السنين ولتركوا الكنائس والاديرة والتعليمات ويمكن قد ألفوا إنجيلا عصريا يلائم الوضع ويتماشى مع العصرنة أو أباحوا المحرمات أو على الأقل لكانوا قد تركوا الجانب التبشيري أو فسحوا المجال لتعدد الزوجات بسبب الواقع الاجتماعي. فالتمسك بالدين لايعني الوقوف بوجه الحداثة وقيمها. ولا يقف الدين حائلا لدخول الانسان في الحياة العصرية من حيث التعاملات المادية والتعليم والتطور والتمدن. و لايقف الدين بوجه الإصلاحات التي تنشد التطور الايجابي في زمن العولمة. ولا يقف الدين بوجه السعي لأن تتواصل مع الحضارة الانسانية. وإنما يقف الدين بوجه الرذيلة والنواقص التي تحط من القيم النبيلة التي تخدش كرامة الانسان وتزيد من مستوى الجريمة والفواحش والكبائر التي تعكر على البشرية حياتها ومستقبلها .
(*): ارجو من القراء الكرام ابداء الرأي وارسال المقترحات، لأننا سنناقش هذه الاراء مع ماتردنا من اراء مع مجموعة من اهل الراي والاختصاص لتصبح قاعدة لعمل مستقبلي بعد الاستماع الى مختلف الافكار والتوجهات. كما يمكن إرسال الافكار والمقترحات على الايميل التالي. فللموضع صلة وأن الاجزاء التالية ستخصص بشكل تفصيلي وعملي لما ننوي الاصلاح فيه.
alirasho@yahoo.de
علي سيدو رشو
المانيا في 17/3/2019



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن