إلى اخوتي الجزائريين: لا يلسع المؤمن من جحر افعى مرتين

سامي الذيب
sami.aldeeb@yahoo.fr

2019 / 3 / 9

عندما استقلت الجزائر عام 1962، كان والدي الفلاح الفسطيني البسيط في زيارة لي في المدرسة الإكليريكية اللاتينية في بيت جالا حيث كنت ادرس لكي اصبح رجل دين مسيحي.... وكان عمري 13 سنة
وكانت المدرسة الإكليريكية في ذاك الوقت تحت ادارة رجال دين أكثرهم من فرنسا
قال لي والدي الفلاح الفلسطيني البسيط... الذي لم يخرج من فلسطين يوما واحدا، ولا يعرف أين تقع الجزائر على الخارطة
قال لي: يا ابني، خبِّر رؤساءك رجال الدين الفرنسيين بأننا انتصرنا عليهم.
لقد كان فخوارًا بإستقلال الجزائر... وكأنه جزائري.
لقد بقيت كلمة والدي الفلاح الفلسطيني البسيط في ذاكرتي ... وكلما التقي بجزائري اتذكرها وأشعر بالمحبة نحوه. فرغم المسافات والإختلاف في الدين، أحس بأني مرتبط معه برباط مقدس أسس له المرحوم والدي، طيب الله ثراه.
.
وطبيعيا عشت ما يسميه الجزائريون بالعشرية السوداء بحزن كبير. كانت الجزائر لا تغيب يوما واحدا عن مخيلتي... اتابع اخبارها ويدي على قلبي، والدمع في عيني
كيف تحولت الجزائر الأبية التي افتخر والدي الفلاح الفلسطيني البسيط بإستقلالها إلى جحيم حصد الأخضر واليابس؟
ولمن لا يعرف ما هي العشرية السوداء، إذكر بأنها فترة مأساوية دامت عشر سنين بداية من عام 1992 إلى عام 2002، وقد مارست فيها الجماعات الإسلامية والسلطة أبشع أنواع العنف نحو المدنيين. وكان الذبح الطريقة الشائعة في ذاك الصراع. وكانت هذه المذابح التي استهدفت سكان القرى لا تميز بين ذكر أو انثى أو بين طفل رضيع أو شيخ طاعن في السن وكانت طرق القتل في غاية الوحشية. وكانت اصابع الاتهام موجهة إلى الجماعة الإسلامية المسلحة التي اعترفت بنفسها عن مسؤوليتها عن بعضها، وكان التكفير هو المبرر الذي إستعملته الجماعة فكل جزائري لا يقاتل الحكومة كان في نظرهم كافرا. وكان المبرر الآخر هو انضمام بعض ساكني تلك القرى إلى الميليشيات الموالية للحكومة. من جهة أخرى كانت هناك تقارير من منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان مفادها ان تلك المذابح وقعت على بعد مئات الأمتار من مقرات الجيش الجزائري والذي حسب التقارير لم يفعل شيئا لايقاف المذابح. وكانت هناك إشاعات أن الجيش نفسه قام بعدد من هذه المذابح. وتقدر الخسائر في الأرواح بين 60 الف و 150 الف قتيل، ناهيك عن الذين اختفوا ورحلوا من مناطقهم وهاجروا إلى فرنسا بسبب الرعب. وتقدر الخسائر المادية بقرابة 20 مليار دولار.
وقد زرت الجزائر بعد انتهاء العشرية السوداء وكنت اتنقل في احياء العاصمة حزينا على ما جرى لهذا البلد الأبي.
.
وقد عشت زمن ثورات الربيع العربي، وهي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أوخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية. وقد كنت في بداية هذه الثورات في زيارة لألمانيا لحضور مؤتمر، والتقيت بصديق تونسي... وكان الجميع يقدمون له التهاني على ما انجزه الشعب التونسي ... وفي نفس الوقت كان بدء الحراك في بلاد عربية اخرى.
وكان الأمل مخيما على الجميع في مستقبل مشرق لمنطقتنا. واذكر فيما اذكر حديث مع معارض سوري عجوز قضى بعض الوقت في سجون سوريا... وسألته هل يعتقد بأن ما حدث في تونس يمكن ان يتحقق في سوريا. فأجاب: مستحيل ذلك. النظام في سوريا لن يتورع في إبادة نصف شعبه بدلا من أن يتخلى عن السلطة لصالح الإسلاميين. ففي سوريا الأسرة الحاكمة تنتمي للطائفة العلوية التي تقدر بقرابة مليوني شخص. وتخلي الأسرة الحاكمة عن السلطة يعني إبادة العلويين ومن يؤيدهم عن بكرة أبيهم. ولقد دار يوما حديث بيني وبين سورية مسلمة معارضة وسوري معارض مسيحي في فرنسا كانوا يشاركون في مظاهرات في باريس ضد النظام السوري. وقد نبهتهما في حينه بأن سوريا على كف عفريب. وما جرى في سوريا يبين صدق رؤية المعارض السوري العجوز.
سريعا ما تحولت ثورات الربيع العربي إلى ثورات الجحيم العربي. وفقدت كما فقد الأكثرية الأمل في تلك الثوارت التي كنت في بدايتها من مؤيديها. فقد ركبت الحركات الإسلامية الموجة وحدث ما حدث... ولا حاجة للتذكير فيما جرى في مصر واستحواذ الإخوان المسلمون على السلطة مهددين بأنهم إن لم يستلموا السلطة فسوف تجري انهار دماء في شوارع القاهرة.
.
والآن عودة لما يحدث في الجزائر.
سألتني صديقة جزائرية: ما رأيك فيما يحدث في الجزائر؟
وكان جوابي: انا ضد ثورات الشوارع فكلها ادَّت إلى طريق مسدود، ومع ثورات العقول. فكل ثورات الشوارع ادت إلى ركوب الإسلاميين للموجة وتدمير البلاد. ألا تكفي العشرية السوداء؟
قيم رئيس وحط رئيس
اذا الشعب ما بتغير التيس بظل تيس
نريد تغيير الرؤوس وليس تغيير الرئيس
.
وكتبت صديقة اخرى تقول:
الشعب الجزائري هو ادرى بأموره ويقرر مصيره وهو وحده من يعيش المحنة وليس غيره.
وكان ردي:
طبعا، كل شعب يقرر مصيره. ومن واجب أحباء الشعب الجزائري أن يبدوا رأيهم من باب المحبة، وفقط من باب المحبة. العشرية السوداء في الجزائر وما حل في بلاد اخرى بسبب ثورات الشوارع لا يمكن ان يترك أحباء الجزائر دون خوف... من باب المحبة... وفقط من باب المحبة. كل أملي ان يصل أحباؤنا الجزائريون إلى بر الأمان دون سفك دماء. وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
.
سيقولون لك بأن حراك الشوارع في الجزائر هو حراك سلمي
ولكن يجب التذكير بأنه لم يحدث في التاريخ أن حراكا سلميا استمر سلميا. فهو يبدأ بالتسخين وينتهي بالذبح والتدمير
ولا يلسع المؤمن من جحر افعى مرتين
.
سيقول البعض لك، ألست مع الديمقراطية؟ إن اختار الشعب الإخوان المسلمين، فلماذا انت ترفض قرار الشعب؟
والجواب بسيط جدا. الديمقراطية لا معنى لها إن لا يصاحبها مبدأ المساواة بين الناس. تقول المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق
وهذا المبدأ ترفضه جميع الأديان.
والحكومات المبنية على أغلبية دينية هي نازية لأنها لا تعترف بميدأ المساواة. فهي تفرق بين المؤمن وغير المؤمن. لذا يجب فصل الدين عن الدولة ومنع الأحزاب الدينية. فالدميقراطية لتلك الأحزاب هي وسيلة للوصول للسلطة... دون الإلتزام بمبدأ المساواة الذي لا يمكن لها ان تعترف به.
كل دولة دينية هي دولة نازية، إن كانت إسلامية أو يهودية أو مسيحية أو بوذية. ودساتير الدول الإسلامية تضع في بدايتها الإسلام دين الدولة وإسرائيل تعتبر نفسها دولة يهودية لذا هدمت 81% من قرى فلسطين وشردت اهلها.
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن