تاريخ واحة «سكورة» بجنوب شرق المغرب وتراثها

لحسن ايت الفقيه
aitelfakih_lahcen@yahoo.com

2019 / 2 / 27

صدر كتاب «واحة سكورة أهل الوسط، أضواء على التاريخ والتراث، دراسة أنثروبولوجية»، لمؤلفه الأستاذ عبد الصادق أوزال، في 248 صفحة من الحجم المتوسط، وهو في الأصل «رسالة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا»، تدور حول «تاريخ الواحة ومكوناتها التراثية، باعتبارها فضاء ثقافيا بالمفهوم الأنثروبولوجي»، وهو فضاء نموذجي للتعدد الثقافي. ففضلا عن العنصر الصنهاجي الأمازيغي، وأخوه المصمودي استقرت بالواحة العناصر ذات الأصل الأفريقي إلى جانب عرب بني هلال وبني معقل. والواحة وسط «تداخلت فيها العادات العربية والأعراف الأمازيغية مع الطقوس الدينية والوثنية أحيانا»، مما جعل دراسة الأستاذ عبد الصادق أوزال تصدر في موعدها بعيد اعتراف الدستور المغربي بالتعدد الثقافي، فوق أن الجنوب الشرقي المغربي بساط لهذا التعدد. واللافت للانتباه أنه كلما ساد التعدد الثقافي يستفحل الصراع الطائفي والعنصري في كل أرجاء العالم، عدا الجنوب الشرقي المغربي، حيث يرقى هذا التعدد ليشكل عاملا إيجابيا للتعايش والاستقرار. ولئن كان الكتاب «مساءلة الواقع وجرد، وجرد معطياته ووصف تجلياته واستنطاقها، وتوضيح» ما توصل إليه الكاتب «من نتائج وتفسيرها، في أفق الخروج باستنتاجات واقتراحات» تخص واحة سكورة، فإنه نموذج للقياس كلما أريد تدبير التعدد الثقافي، إن حصلت إرادة جعل التعدد الثقافي قوة يمكن استثمارها في التنمية البشرية.
لا أريد من هذه القراءة تمييز الكتاب بقدر ما أبتغي الوقوف عند امتداداته، وذلك بالوقوف عند الفضاءات التي تتقاسم مع واحة سكورة رموزها، أقصد جل واحات الجنوب الشرقي المغربي.
01- المجالية الثقافية والهوية
كل واحات الجنوب الشرقي المغربي تصنع لنفسها، بالحق أو بالباطل، هوية ثقافية مجالية، تزكي، في أحسن الأحوال، الجذور الإثنية. ولم تخرج واحة سكورة، بما هي مجال جغرافي ثقافي عن الانتماء إلى قبائل هسكورة، وإلى الجد «هسكور»، يغلب على الظن أنه «أحد أحفاد برنس». وتعد هسكورة واحدة من فروع الأمازيغ البرانس السبعة: أوربة، وصنهاجة، وكتامة، ومصمودة، وعجيسة، وأوريغة، وورداجة.
لن نحفر في نسب هسكورة الأمازيغية لأن الواحة لبست رداءها، ولأن جل فروعها –هسكورة- «لم يعد لها وجود بالمنطقة في الوقت الحاضر»، (صفحة 10)، ولم يحافظ على اسم الفرع سوى «توندوت» التي تعني مكان النقطة العمرانية «توندوت»، هناك. وإذا ابتغينا القياس على سكورة نلفى هويات مجالية أخرى في غياب أهلها. وعلى سبيل المثال، لن تجد قبيلة واحدة تنسب إلى مدغرة، ظلت تعيش بواحة مدغرة، على ضافف واد زيز. ومعنى ذلك أن الأمازيغ يفصلون، في غالب الأحيان، الحفاظ على الهويات المجالية القديمة. ففي واحة أوطاط أيت يزك، بكاف معطشة، نجد قرية «إكروان»، لا تقطنها قبيلة كروان، أي: جراوة، وعلى الضفة اليسرى لواد زيز، غرب مركز الريش، توجد قرية ولال، أحد أبطن كروان، التي هاجرت الموضع منذ أواخر القرن السابع عشر. ولم يقطن التجمع القروي تولال بحوض كير أهل تولال، فكلهم هاجر إلى ضاحية مكناس. وقد تسود قبيلة ما تغطي بردائها المجال الجغرافي وتفرض نفسها رغم تحالفها مع أبطن أخرى. وحسبنا أن «أيت تودغت» أحد أبطن أيت تايارت التي ذكرها البيدق، أبوبكر الصنهاجي، فرضت نفسها على محيط مركز تينغير، وظل الواد تحمل اسم «تودغت» الذي تعرب وبات ينطق تودغى، وأما البطنين الآخرين: أيت سنان وأيت يزدك، فقد تقلص نفوذهما. فالهوية المجالية التي هي حقيقة في الماضي نلفاها هوية مجالية مفترضة في الحال. لذلك وجب الافتراض أن واحة سكورة لأهل هسكورة على سبيل الافتراض، في الحال، وهي حقيقة في الماضي.
02- القبورية
«لا يمكن فهم السلوكات الاجتماعية إلا بربطها بالمرجعية الثقافية التي أنتجتها، فالمعتقدات الشعبية مثلا، التي لا شك أنها تحتل مكانة هامة في أذهان الأغلبية الساحقة من الناس، خصوصا في المجتمعات التي لم تنل حظها من التطور العلمي والفكري، هي مجرد إسقاطات ذاتية اعتباطية وانتقائية، لا يمكن أن ترقى إلى مرتبة العلم، ترجع بالأساس إلى خرافات وأساطير، تراكمت عبر الحقب التاريخية لتشكل طقوسا اجتماعية» (صفحة 81). ويكاد يجمل ما ورد في كتاب «واحة سكورة أهل الوسط، أضواء على التاريخ والتراث، دراسة أنثروبولوجية» لمؤلفه الأستاذ عبد الصادق أوزال، كل الرموز المتصلة بالقبر في جميع أنحاء الجنوب الشرقي المغربي. ولنأخذ مثالين، فقط:
أ‌- وحدة التبرك بين المزارات الطبيعية والبشرية:
لم تكن بداية القرن السادس عشر الميلادي، حيث شاع تبرك الدفن بالمزارات البشرية، نهاية لدور المزارات الطبيعية. وحسبنا أن كل مزار بشري لا يكتسب قوته حتى ينسب إليه المزار الطبيعي. فمن «خوارق دفين ضريح سيدي محمد بن بلقاسم بمنطقة أولاد المسعود مثلا، بحسب الذاكرة الشعبية أن هذا الشيخ لما حل بالمنطقة فب قديم الزمان، غرز عكازه أرضا قرب مسجد القبيلة فانبثقت منه شجرة تين، ظللت أغصانها محيط المسجد. لذلك قرر أهل القبيلة، بعد وفاته، دفنه في عين المكان. وبنوا على قبره ضريحا يقصده سكان القبيلة للتبرك به» (صفحة 85). ولم تكن الأشجار وحدها تنوب عن المزارا البشرية، فحتى الصخور تحمل نصيبها من التبرك. ولقد أشرت في كتابي «الرموز الدفينة بين القبورية والمزارات الطبيعية»، إلى أن «من بين الملاحظات التي تسترعي الانتباه علاقة الدفن بالكهوف والمغاور والماء والشجر... وإلى حدود القرن السادس الهجري، أوصى ميمون أبي وكيل بدفنه في كهف يشرف عى مجرى مائي وشريط زراعي. وإلى جانب الكهوف يلجأ السكان كثيرا إلى إلى الدفن قرب الماء والشجر». ويتبرك سكان واحة سكورة بضريح سيدي عبد الواحد الذي يتوسط مقبرة قبيلة أولاد عثمان... يتبركون به سؤلا في شفاء آلم الأسنان. «فحسب اعتقاد مريده يوجد سر في شجرتين وارفتين للزيتون تظلان علىضريحه، وطقس الاستشفاء يكمن في طبخ بعض أوراقها في الماء والتمضمض بها لمدة ثلاثة أيام متتابعة» (ص89). ويمكن للمزار الطبيعي أن يأخذ قدسيته بعبدا عن المزار البشري. وللإشارة فشجرة النخيل مقدرة في كل الأوساط، وطالما يثبت رمز بقمم أبراج الجنوب الشرقي المغربي جميعها، فمن ذلك نخلة «بوهروس» وهي «عادة اجتماعية مرتبطة بطقوس عيد الأضحى. ففي اليوم الثالث من أيام العيد، تعد وجبة عشاء بالكسكس أو بوتلى (يطلق عليها أحيانا باداز، وهي وجبة تشبه الكسكس)، ويرأس أضحية العيد عند الانتهاء من الأكل تجمع العظام. وتخرج بهاء نساء القبيلة وفتياتها في صباح اليوم التالي إلأى مكان خاص، وهو عبارة عن مجموعة من أشجار النخيل المتداخلة فيما بينها (أكلف) حيث ترمى»ن (الصفحة 100). وبعيدا عن واحة سكورة، لا يزال المزار الشجري (أخليدج أمرابط)، أي: شجرة البلوط المقدرة بأعالي ملوي تحتضن مدافن واضحة المعالم. ويعنينا من الأمثلة المقدمة سواء ضمن كتاب «واحة سكورة أهل الوسط، أضواء على التاريخ والتراث، دراسة أنثروبولوجية»، أو خارجه أن طقوس التبرك موحدة، إذ لا يختلف المزار البشري فيها عن المزار الطبيعي، فلا فرق بين عين «تيفيكرا» بالأطلس الكبير الشرقي وعين تيسبلباط «على الطريق الرئيسية الرابطة بين ورزازات وسكورة».
ب‌- المزار البشري بين الاحتماء والانتماء
هناك مرجعية ثابتة، مفادها أن لكل قرية من قرى الجنوب الشرقي المغربي قبر ميت يحميها، وهو الولي الصالح. فالولي الصالح أبو وكيل ميمون يحمي قرية زاوية سيدي بوكيل بحوض زيز، وسيد امحمد بن يوسف يحمي قرية «أيت سيدي مح» بواد غريس، ويحمي سيدي عبد المالك قرية تدركلوت. وفي الرحب «أضرحة قد تضم رفاة شريف أو مرابط أو متصوف أو مجذوب أو عالم أو فقيه، وأخرى قد تنسب لأشخاص وهميين، وقد تكون بلا رفاة «سيدي المخفي»» (صفحة 81). ذلك ما أشار إليه إيدموند دوتي، في القرن التاسع عشر، في كتابه الصلحاء. وتتوزع الأضرحة في المجال حسب الوظيفة التي تضاف إلى فعل الحماية. فهناك «أضرحة اشتهرت بين الناس بقدرتها على شفاء الأمراض العضوية والجلدية مثل: الدمل، والقروح، ووجع الأسنان، وأمراض العيون، والغدة الدرقية وغيرها» (صفحة 84). وإلى جانب معالجة الأمراض العضوية تختص أضرحة أخرى بسمة مفادها أنها « تداوي العقم وتمنح الذكور والإناث، بحسب رغبة الزائرة في اعتقاد الكثيرين» (صفحة 85). وابتداء من القرن السادس عشر الميلادي نشأ الدفن يتبرك في البساط بالجثث المغلفة ثقافيا، أي: الأولياء، والشرفاء، والمجاذيب. إن معالجة الأمراض وجه من أوجه الحماية التي يقدمها الضريح للمترددين عليه. ولا جناح على شعيرة إن أسندت إلى صاحب الضريح. وفي كتابي الذي صدر مؤخرا: «الزاوية الوكيلية بحوض زيز»، ما يفيد أن « لاجناح على كل ممارسة أو شعيرة تبطن قليلا من الوثنية القديمة والأمازيغية اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية المكيفة، إن أسندت لضريح ميمون أو أحد حفدته سيدي امحمد بن عبد الرزاق أو سيدي يحيى وعلي. لقد حافظت الزاوية الوكيلية على الكثير من الطقوس الأمازيغية. ومن بين الممارسات التي تضفي اللون الأمازيغي على الزاوية الوكيلية طقوس زيارة الكهف الذي دفن به ميمون أبو وكيل، وهو مزار صخري لا تقل أهميته عن كهف (خنك الغار) بحوض كير بكاف معطشة، وكهف (أخباز) بواد أسلاتن، شرق مركز إملشيل. يطوف الزوار بقبر ميمون أبي وكيل ثلاث مرات أو سبعة، كل حسب الرقم السحري الذي يعتقد بقوته وتأثيره، وبجري الطواف عكس عقارب الساعة. ولما انتشر التصوف الطرقي بعد مضي عقود قليلة على موت أبي وكيل، شكل الكهف والقبر مزارا مركبا من العنصر الصخري الطبيعي الأمازيغي والعنصر البشري الصوفي الطرقي المرتبط بالكرامات والبركات. وبين قوة الصخر وكرامات صاحب القبر استطاع ضريح ميمون أبي وكيل أن يجلب العنصر الأمازيغي الصنهاجي. وفي العقود القليلة الماضية أصبح الضريح مكانا للقسم وأداء اليمين في عرف أيت يزدك بكاف معطشة، ولم تتردد الحماية الفرنسية في تفعيل العرف اليزدكي بكاف معطشة، والعمل به في المحاكم العرفية التي نظمها ظهير 16 مايو 1930، فكان القسم بضريح ميمون أبي وكيل جماعيا حيث يفرض على المتهم الذي أنكر ما نسب إليه استدعاء اثنا عشر رجلا مؤديا لليمين من أهله وعشيرته للحضور بضريح ميمون أبي وكيل، ويعرف هؤلاء في العرف ب(إمگيلان) ، بكاف معطشة. ولقد تبنت المحكمة العرفية بالريش العمل ب(إمگيلان) بدل الشهود منذ إعلان ظهير 16 مايو المذكور، إلى وقت يصعب تحديده».
03- طقوس الانتماء إلى الأرض
لم تظهر طقوس الانتماء إلى الأرض في التقاليد الشفاهية بواحة سكورة، ومعنى ذلك أن الواحة لم تكن مغزوة ولا غازية. وإذا استثنينا اغتصاب القائد الكلاوي لدار أيت الشعير التي حولها الفرنسيون إلى مركز للسلطة في عهد الحماية، وكتب لها أن تحتضن في عهد الاستقلال، وفي سنوات الجمر والرصاص وظيفة الاعتقال السري، ما كان ممكنا الحديث عن ثقافة الدم، بما هي رابطة بين الإنسان والأرض، في واحة سكورة. وعلى الرغم من ذلك نلفى طقوس الانتماء إلى الأرض، فإلى جانب انقطاع الأضرحة إلى وظيفة حماية السكان من كل شر يأتيهم، يأتي طقس «النشور»، أي: نشر القرابين، رأس دجاجة أو ديك أو رأس معز، أو خروف في مكان «غالبا ما يكون بمحيط أشجار النخيل لما لهذه الأخيرة من مكانة متميزة في الوعي الفردي والجمعي لسكان واحات جنوب شرق الأطلس الكبير عموما ومنطقة سكورة خاصة» (صفحة 100).
4- طقوس العبور
تكاد طقوس العبور توحد كل الجماعات بالجنوب الشرقي المغربي. فمن حيث الموعد، يجري الزواج مناسبا للسنة الزراعية، وتنظم الأعراس بعد جني المحصول الزراعي جميعه، وتوافر متسع من الوقت والمال الكافي لإعداد العرس. ويغلف العرس في المناطق المتشبعة بالثقافة الإسلامية بطابع التبرك بالمناسبات الدينية كأن يصادف الحف بعيد عيد الفطر، أو عيد الأضحى، أو عاشوراء. ويستحب الانطلاق يوم الجمعة، ويفضل الكل الاحتفال في الليالي المقمرة. ومن أهم الطقوس الاحتفالية في المناسبات الاجتماعية طقوس الزواج.
«يلمس الدارس لطقوس الزواج بقرية [بواحة] سكورة بدون عناء خصوصيات تتميز بها هذه المنطقة عن غيرها من المناطق المجاورة»، (صفحة 155)، كيف ذلك؟
يرى الأستاذ عبد الصادق أوزال أن ما يميز واحات سكورة «طقوس شكلها تداخل العادات والتقاليد المنحدرة من أصول عربية وأمازيغية وأفريقية. وبلورتها الظروف الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة عبر تاريخها وطبعها الإنسان السكوري ببصمات المعتقدات المتوارثة شفاهة بين الأجيال». وإن تلك الخصوصية لتطبع مراحل الزواج جميعها. فمن تقديم «التكبيرة»، أي: الهدية التي يبعثها الرجل العروس إلى المرأة العروس في كل مناسبة دينية. ولقد شاع طقس «التكبيرة»، وقد يحمل أسماء مختلفة حسب الأوساط، يوم انتشار زواج القاصرات. فإذا جرت خطبة بنت قاصر، أن كان عمرها عشر سنوات أو أقل، يجري تقديم «التكبيرة» إلى حين بلوغها فترة تطيق فيها الوطء، وآنذاك يجري العرس والدخول. تقدم «التكبيرة» في الأعياد الدينية، وفي ليلة الإسراء والمعراج (26 من رجب)، وفي ليلة منتصف شعبان (مناسبة ميلاد الإمام المهدي)، وليلة القدر، وليلة عاشوراء. و«التكبيرة» نوال غير محدد عينا، كيسا يحشى لحما وسكرا وشايا وفاكهة جافة فضلا عن بعض الملابس، ولقد اختلفت «التكبيرة» من وسط لآخر، وتكاد تختفي مع تراجع تزويج القاصرات بالجنوب الشرقي المغربي.
وتجري الخطوبة في واحة سكورة «في غياب الخاطبة. فالأم أو الأخت الكبرى المتزوجة، أو الخالة أو الجدة هي التي تتولى هذه العملية». نعم، تجري «دون أن يتعرف الخاطب على الخطيبة أو يراها من قبل، خاصة إن لم يكونا من أهل قرابة أو جوار» (الصفحة 156)، كذلك كان في الأوساط القبلية المغلقة والمتحفظة. والخطوبة، من حيث الإعداد والتفاوض، ممارسة نسائية في جل الأوساط. وتتوج الخطوبة بعد مراء ينتهي بالقبول والتوافق «بزيارة أهل الخطيبة» من لدن أقرباء الخاطب «محملين بهدية رمزية (حناء، ورد، سكر، شربيل (حذاء)، قميص...» (صفحة 157). قد يحضر الخطوبة إمام المسجد ليرفع الدعاء وبعض الأقرباء.
والحناء شعيرة مهمة تأتي في المرتبة الثانية بعد الخطبة، وفوق ذلك سجل الكاتب أن الفترة بين الخطبة ويوم العرس قد تطول وقد تقصر، و«ذلك مرتبط بالظروف المادية والمعنوية ومدى استعداد العائلتين للحدث» (الصفحة 158)، وكما يجري، من قبل، تدوم الخطوبة إلى حين تطيق فيها البنت الوطء.
ولا تختلف حفلة الحناء بسكورة عن باقي الأوساط بالجنوب الشرقي المغربي في استقبال المرأة العروس والرجل العروس القبلة بفضاء الفرجة، قد يكون ميدانا عاما بالقصر أو «فناء المنزل»، أو رحبة، وهي ساحة فسيحة ومسيجة. ولم يوسع الكاتب في ذكر فضاءات الفرجة بقصور سكورة. تجلس المرأة العروس«وسط المدعوات مستقبلة القبلة. توضع أمامها «كصعة» مملوءة بالعصيدة و«طبيقة» بها أوراق الحناء والعنب وقطع من نواة النخيل وسكر وملح وسواك وبيضة وسوار من الفضة أو خاتم ومرأة ومنديل أحمر شفاف وقنينة زيت ومبخرة». وكما حال طقوس الحناء بالجنوب الشرقي المغربي يجري استحضار طقوس الخصوبة، وهي طقوس تمتد إلى الوثنية الأمازيغية وإلى اليهودية، في الغالب. كيف تظهر طقوس الخصوبة في حفلة الحناء بسكورة؟
«بعد تناول العصيدة تسكب الماشطتان في الكصعة أوراق الحناء الجافة وأوراق العنب الخضراء وقطع من نواة شجر النخيل فيدقانها ويخلطان المزيج بالماء الدافيء والحليب. ثم تشرعان في تسريح شعر العروس بعد غطاء وجهها بالمنديل الأحمر ووضع قطعة السواك في فمها، وغمس كفيها بالخليط. وبعد دهن شعرها بالزيت وتخضيبه بالحناء، وتخضيب أطرافها وجسدها يكسران البيضة على جبينها فيطلى بمحتواها وجهها، ويجمع بالمنديل شعرها ثم يغطيان رأسها ب«قطيب»»، وهو منديل مزركش يغلب عليه اللون الأحمر. «أثناء هذه العملية تقوم النساء والفتيات المتحلقات حول العروس بإنشاد مأثورات»، صلوات صوفية، و«يرددن فيها محاس العروس والتأسف على فراقها» (الصفحة 159).
وحسب الرواية الشعبية فإن أصل سكورة في الحال من تافيلالت لذلك «تؤدى وصلات غنائية من فن الملحون والطرب الشعبي» (الصفحة 160).
واما طقوس الحمل، فهي «من التقاليد السائدة في المنطقة»، مفاده «أن المرأة حين تحس بالحمل لا تشعر به أحدا في أيامه الأولى، ولو كان أقرب الناس إليها. قد يعتبر ذلك من الحياء المطلوب في المرأة، وقد يعود إلى الخجل الذي يعتبر السمة البارزة لدى «بنات لبلاد»» (الصفحة 167).

وفي واحة سكورة طقوس الولادة وهي طقوس حمائية إذ «يوضع مع المولود»، الذي يعد له مهدا «قفة مملوءة بالتبن، تعد خصيصا لاستقبال هذا المولود الجديد من أجل تدفئته وحمايته من الرضوض»، يوضع معه « في قفته موسى صغيرة، وبعض الوريقات من الحناء، والسواك والشبة، ومكحلة وغيرها من المواد التي يعتقد أنها تحميه من الفزع، والأحلام المزعجة، وطيور الليل، وتطرد الجن، والأشباح والأرواح الشريرة» (الصفحة 169).
وأما الطقس الذي يجمع سكان سكورة مع باقي الأوساط بالجنوب الشرقي المغربي، فيكمن ريث الختان، وذلك بإلقاء «الجزء المبتور في الرمل»، فضلا عن حمل «الطفل على ظهر إحدى قريباته بمندي، وتمسك هذه الأخير مرآة، وقصبة تتلمس بها الطريق نحو أقرب عيت ماء. تضع رجلها اليمنى لبضع ثوان في الماء ثم تعود إلى المنزل وتضعه في حجر أمه».
04- التنجيم الزراعي بواحة سكورة
تبطن الأمثال الشائعة، لدى سكان واحة سكورة، فصولا من التنجيم الزراعي، جمع الكاتب بعضها، ولو أنه لم يفصل القول في مجال الفلك.، وصلته بأقدار السكان الذين يهمهم التنبؤ بمستقبل السنة الزراعية بالواحة.
إن علامات السنة الزراعية أن يكون محصولها واعدا، أم ستكون عجفاء، تبرز في فصل الخريق، لذلك يقول المثل: «العام تيبان من خريف»، أي: إن السنة تظهر من خريفها. ولذلك توصي الأمثال بوجوب إنجاز الحرث في موعده وذلك برصد كوكبة الجوزاء «المشبوح» طلوعها فمتى طلعت مع العشاء يتوجب الإسراع في الحرث وتكثيف البذور:«إلا طلع المشبوح ف العشا ازرع الفول بالكمشة وكول الحال مشا»، باللسان الدارج. ويمكن وقف الحرث نهائيا، إذا طلعت الجوزاء بعيد غروب الشمس. ذلك أن طلوع النجوم وغروبها يتقدم بدقيقة واحدة بالتقريب. يقول المثل:«إلا طلع المشبوح مع المغرب لوح المحراث واهرب». وفي جميع الأحوال لا بد من احترام الموعد فإذا خشيت من صقيع مارس فاحرث مع شهر شتنبر: «اللي تيخاف من مارس تيحرث فشتنبر».
وبعد مضي فصل الخريف، ينتهي الحرث ويتوقف النمو في منزلة سعد الدابح، 4 يناير: «ف سعد الدابح ما ف الكلب ما ينبح». وفي وقتها تعجز الكلاب عن النباح. وبعد ارتفاع معد الحرارة نسبيا تحل منزلة «سعد السعود»، و«كيطلع الماء ف لعود، وكيسخن كل مبرود، وكتخرج الحية والكنفود». بعد إزهار الأشجار بطلوع الماء الأعواد، وخروج الزواحف الحياة، والحيوانات التي تفضل البيات الشتوي كالقنفود، تبدو تباشر الربيع. لكن الاعتدال الربيعي لا يجري ضبط موعده حتى تورق شجرة التين النفضية، وتبلغ أوراقها حجم أذني الفأر:«ملي يكون ورق الكرم كد ودنين الفار كيتقاد الليل مع النهار».
تلك هي واحة سكورة، وما لم يذكر في شأنها كبير وواسع، وذاك هو، باختصار وإيجاز، كتاب «واحة سكورة أهل الوسط، أضواء على التاريخ والتراث، دراسة أنثروبولوجية» لمؤلفه الأستاذ عبد الصادق أوزال، إن هو إلا «محاولة الكشف عن التاريخ الاجتماعي للواحة، ومقاربة ملامح مقومات تراثها المادي واللامادي من خلال رصد تجلياته في المأثورات الشفهية والمعتقدات الشعبية، والطقوس الاحتفالية في المواسم الدينية والمناسبات الاجتماعية باعتباره ذاكرة حية».



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن