المعادلة الخطيرة بين إسرائيل وأمريكا وإيران

جلبير الأشقر
g.achcar@gmail.com

2019 / 2 / 27


قبل عشر سنوات ونيّف، في تحقيق نشرته صحيفة «نيو يورك تايمز» بتاريخ 11 كانون الثاني/يناير 2009، كشف الصحافي الأمريكي البارز دايفيد سانغر: أن حكومة إيهود أولمرت الإسرائيلية طلبت من إدارة جورج دبليو بوش في بداية العام السابق، آخر أعوام الإدارة المذكورة، إذناً لضرب مجمّع نطنز النووي الإيراني الواقع في محافظة أصفهان، وهو المجمّع النووي الرئيسي لدى «الجمهورية الإسلامية». وقد طلبت الحكومة الصهيونية من إدارة بوش لهذه الغاية تزويدها بأحدث أصناف الصواريخ الخارقة للتحصينات بالإضافة إلى تجهيزات للتزوّد بالوقود جواً بما يتيح للطائرات النفّاثة الإسرائيلية الذهاب والإياب إلى المجمّع ومنه، فوق أراضي العراق حيث كانت القوات الأمريكية لا تزال منتشرة بأعداد كبيرة.
أما الغاية من استعجال إسرائيل للأمر فكانت مزدوجة. من جهة، كان ثمة تباين بين الحكومة الإسرائيلية والاستخبارات الأمريكية في تقدير المستوى الذي بلغته مساعي إيران المزعومة وراء اقتناء السلاح النووي. وقد كان تقريرٌ لإدارة الاستخبارات القومية صدر في نهاية عام 2007 قد أكّد أن إيران توقفت عن السعي وراء بناء رأس حربي نووي منذ عام 2003 بينما كانت مستمرة بصورة مكثّفة في تخصيب اليورانيوم، الذي هو أمر ضروري للاستخدام المدني للطاقة النووية كما لاستخدامها العسكري.
ومن الجهة الأخرى، خشيت الحكومة الصهيونية أن تنقلب السياسة الأمريكية إزاء إيران لو فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات التي كانت سوف تجري في خريف ذلك العام 2008. وأرادت بالتالي أن تنتهز فرصة السنة الأخيرة من وجود إدارة منحازة بقوة لإسرائيل ومعادية بشدّة لإيران (ولو أنها في الحقيقة قد أسدت إلى طهران خدمة جليلة بتقديم حكم العراق لها على طبق من فضّة) كي تقوم ضد إيران بتكرار ما قامت به ضد العراق عندما دمّرت طائراتها مفاعل «تموز» النووي في حزيران/يونيو 1981.
غير أن إدارة بوش لم توافق على الطلبات الإسرائيلية آنذاك. وحسب التحقيق الذي نشرته «نيو يورك تايمز»، معمعت ووعدت فيما يخص تسليم المعدّات العسكرية ورفضت رفضاً قاطعاً إعطاء ضوء أخضر للطيران الإسرائيلي للمرور فوق الأراضي العراقية. كان ذلك لإدراكها أن ضربة إسرائيلية ضد إيران من شأنها أن تشعل حرباً إقليمية تشمل القوات الأمريكية المتواجدة في العراق ومنطقة الخليج بأسرها. وكانت إدارة بوش تعلم تماماً أن مثل تلك المغامرة ما كانت لتحظى برضى الكونغرس الأمريكي ولا حتى برضى البنتاغون.


ونحن اليوم أمام أوضاع أشبه ما تكون بتلك السابقة التاريخية مع جملة فوارق متضاربة يفيد محصها بعناية لما في الأمر من خطورة عظيمة. ولنبدأ بالفرق الأول في ترتيب الأهمية، ألا وهو أن القائمَين مقام بوش وأولمرت أكثر تطرّفاً ورعونة منهما بدرجات. فالمتربّع على سدة رئاسة الولايات المتحدة هو أكثر رؤساء البلاد يمينية في تاريخها وأكثرهم تأييداً لمطامع اليمين الصهيوني. أما متولّي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ومنذ عشر سنوات، فهو يترأس الحكومة الأكثر يمينية منذ تأسيس الدولة الصهيونية ولا يني يشطح نحو اليمين الأقصى من تشكيل حكومي إلى آخر. ويجتمع دونالد ترامب وصديقه بنيامين نتنياهو في رفض النتائج التي وصل إليها أحدث تقرير للاستخبارات الأمريكية في شأن المجهود النووي الإيراني، على خلفية الخصومة الطريفة جداً القائمة بين الرئيس الأمريكي واستخبارات بلاده.
وفي هذا الظرف، تنجلي خطورة أوجه الشبه والاختلاف الأخرى بين اليوم والأمس. ففي عام 2008 كان أولمرت يواجه اتهاماً بالفساد جعله يعلن في الصيف تنازله عن محاولة التمسّك برئاسة حزبه (كاديما) ورئاسة الحكومة. وكذلك يواجه نتنياهو اليوم ومنذ فترة دعوى متعلّقة بفساده، غير أن هذا الأمر، عوض أن يجعله يتنازل عن مسؤولياته مثلما فعل أولمرت، أدّى به بالعكس إلى استماتة محمومة من أجل الاحتفاظ بمناصبه درءا لخطر مواجهة القضاء واحتمال دخول السجن بعد انتهاء مسؤولياته. لذا نراه يذهب إلى نهاية مطاف التطرّف اليميني الصهيوني باعتناقه الجماعة التي أسّسها الحاخام مائير كهانا في بداية السبعينيات والتي حلّتها الحكومة الإسرائيلية سنة 1994 واصفة إياها بالجماعة الإرهابية! ويعتنق نتنياهو تلك الجماعة على قاعدة تصعيده لخطاب عنصري مكشوف ضد العرب، بمن فيهم حاملي الجنسية الإسرائيلية.
ومما لا شكّ فيه أن فكرة تسديد ضربة لإيران تساور ذهن نتنياهو الذي لا بدّ من أن يرى في مثل ذلك العمل الأرعن فرصة لصرف الأنظار عن فساده وتلميع صفحته بوصفه ضامن أمن إسرائيل الذي يتّهم خصمَيه الرئيسيين بهدره، بالرغم من أن أحدهما رئيس أركان سابق للجيش الصهيوني. ومما لا شكّ فيه أيضاً أن نتنياهو يعلم أن الفرصة التي يوفّرها وجود حليف وصديق له مثل ترامب في البيت الأبيض قد لا تتكرّر، بل قد يليه بعد سنتين مرشّح ديمقراطي أكثر عداء لسياسة اليمين الصهيوني مما كان أوباما.
أما الفرق الثاني في ترتيب الأهمية فهو أن خريطة القوى على الأرض بعد أكثر من عشر سنوات مضت على محاولة حكومة أولمرت الحصول على ضوء أخضر لضرب إيران، باتت مختلفة إلى حد بعيد. فقد انخفض حجم التواجد العسكري الأمريكي في العراق بصورة كبيرة، ولم تعد واشنطن تمسك بسلطة القرار الرسمي فيما يتعلق بالمجال الجوّي العراقي، وإن صحّ أنها عادت تتحكّم به عملياً منذ استئناف عمليات القصف الأمريكي في العراق إثر امتداد تنظيم داعش في عام 2014. أما الحكومة العراقية الحالية فهي تابعة لإيران بصورة أساسية.
إلى ذلك يُضاف أن الانتشار العسكري الإيراني في محيط الدولة الصهيونية أصبح أهم بكثير مما كان عليه في عام 2008. آنذاك كان «حزب الله» في لبنان منهكاً بعد سنتين من تصدّيه للعدوان الإسرائيلي المدمّر في عام 2006. وقد استعاد مذّاك كل ما خسره بل فاقه بصورة هامة، سواء ما يتعلق بترسانة الصواريخ التي زوّدته بها طهران أو من حيث قوته العسكرية المحاربة بعد ست سنوات من المشاركة الكثيفة في حرب سوريا دفاعاً عن نظام آل الأسد. وقد غدت قوات إيران نفسها منتشرة في محيط الدولة الصهيونية من خلال تواجدها على الأراضي السورية، وإن ظلّت إسرائيل تحرص على منع قوات طهران من بناء قاعدة ذات شأن على تلك الأراضي.
خلاصة الحديث أن ثمة تضارباً بين الظرف السياسي الذي يرجّح الضربة الإسرائيلية بما يزيد عن احتمالها في عام 2008، وبين الظرف العسكري الذي يجعل الكلفة المحتملة لتلك الضربة أعلى مما كان قبل عشر سنوات. الأمر الأول يعتمد بتّه على الرعونة، أما الثاني فعلى التعقّل. وفي ميزان الرعونة والتعقّل، يصعب توقّع غلبة الثاني نظراً لطبيعة ترامب ونتنياهو. هذا وتنذر استقالة محمد جواد ظريف من وزارة الخارجية الإيرانية بتوجّه إيران إلى حدوهما.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن