ما لم يقله الحلم .. قالته القصيدة

صلاح زنكنه
salahwali1959@gmail.com

2019 / 2 / 25

قليلة هي النصوص الايروسية في الأدب العربي الحديث وفي الشعر تحديدا لما لهذا الموضوع من حساسية مفرطة وخدش للحياء الاجتماعي المتوارث والمسور بالأعراف والتقاليد البالية وقليلون هم من كسر حاجز هذا التابو (المحرم) مثلما فعل الشاعر العراقي حسين مردان في مجموعته (قصائد عارية) التي أثارت زوبعة من ردود أفعال متشنجة وصلت حد تجريمه وتقديمه الى المحاكمة بحجة المساس بالذوق العام, وفي منتصف السبعينات نشرت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي مجموعتها الشعرية البكر (الكتابة في لحظة عري) كانت نصوصها بمثابة الصدمة للذائقة الرسمية المتعجرفة, ونشرت شخصيا عشرات النصوص الايروسية (هذا الولد مولع بالنساء) التي أقلقت ذوي الذائقة المتحجرة وأبهجت الكثير من القراء والمتابعين على صفحتي الشخصية علما أن التناول الإيروتكي أو الايروسي ليس غريبا على الأدب العربي القديم والذي كان يطلق عليه (علم الباه) الذي يكرس جل موضوعاته للجانب الجنسي وتجلياته علما أن الايروسية (نسبة الى ايروس ابن آرس وأفروديت آلهة الحب والجنس حسب الأسطورة اليونانية) تركز على الجسد وجموحه الجمالي فضلا عن تموجات الرغبة الجنسية العارمة التي تمتزج بأوج حالات العشق والغرام والوله.
سقت هذه المقدمة لأشير بحب وحرص لهذا النص الايروسي الباذخ في بوحه وجرأته للصديقة الشاعرة التونسية ريم قمري والذي وضعته على الغلاف الأخير لمجموعتها (ما لم يقله الحلم) وهو النص الأخير في المجموعة التي تميزت بقصر نصوصها وكثافتها وثيماتها المشتركة .
لن أعلق على النص كونه مكتفيا بذاته ودالا على مدلوله برشاقة الحرف وشغف البوح قبل الخوض في تفاصيل المجموعة الشعرية.
اغمد سيفك فيّ
يفيض ماؤك داخلي
لك الرعشة
لي الشهقة
لنا الامتلاء
ولي أن أتدفق من مائنا
خذني بجماع لهفتي اليك
واصعدني حين أطعنك
بصرختي فيك
ليكتمل الكون دهشة
وليلنا بلا انتهاء
قرأت هذه المجموعة (ما لم يقله الحلم) بشغف شعري خلل سويعات من التأمل والتجلي بعد منتصف الثمالة ( ثمالة الدهشة الشعرية) فوجدتها بحدسي الانطباعي نصوصا عاشقة, صادقة, جريئة بالرغم من قاموسها اللغوي البسيط مثل بساطة بوح الشاعرة كونها لا تتوسل بلاغة اللغة وفخامة المعنى إنما تتلمس الحب بكل جبروته وسطوته وتعيد أسطرته بعفوية عاشقة لا تأبه بجزالة الكلام ولا حياء الحريم بل تحاول الهمس والغناء والاحتفاء بكينونتها الأنثوية.
أنا الأكثر حزنا
الأكثر اخضرارا
الأكثر حضورا في الغياب
أنا مرآة كل نسائك الأخريات ص 9
ما لم يقله الحلم .. تقوله القصيدة بكل عنفوان الكلمة وبهائها وطرواتها وبكارتها من دون زخارف ورتوش وإكسسوارات وهي تتألق وتتأنق بالرغائب واللذائذ والشهوات وتجسد نشوة الجسد في أشد لواعجه المضمرة قسرا بفعل القمع المجتمعي المتزمت.
أنا امرأة بلا ذاكرة
من ماء دافق يكتبني شجني
كلما ضاجعت الوقت في غيابك
أنجبت شبيهك ص 7
الحلم نافذة الحياة .. والحياة مجموعة أحلام وكوابيس وحماقات .. والشعر ما بينهما كما تؤكد الشاعرة عبر هذا النص .
كشهوةٍ تعتقت أحتفي بالليل على مهلٍ
أتحسسُ ما تركته من شامات على جسدي
لا أعرفني .. لا أعرف مني إلا المرأة التي تعشقك ص 12
وريم قمري في هذه المجموعة - التي تزخر بفيض من البوح الوجداني - شاعرة حسية عتيدة مع سبق التحدي والهيام .
ليس لديّ ما أخبرك به
كتبت وصاياي على جسدك
كنا آخر الناجين أول العابرين
للضفة الأخرى من الشهوة
وكنت تعزف على أوتار جسدي
صامت هذا الليل
يصغي لثرثرة جسدينا ص 17
تحدي منظومة الذكورية المتجهمة .. والهيام بالبوح الأنثوي الصادم .. تصوغ العشق شعرا والشعر عشقا وهذا يحسب لها وسط كل هذا الخواء الروحي والخراب البنيوي بين ثنايا مجتمعنا الشرق أوسطي الأيل للعفونة والتفسخ جراء موته السريري .
أنا الأشهى كلما اغتسلت بصوتك
أفرد شعري مساء للعشاق
ليروك في جدائلي ص 18

وهكذا تسرف ريم في تأثيث أحاسيسها الأنثوية الجياشة وفق طقس عواطفها لتحتفل بأمومة جسدها بالكثير من الغنج الايروسي بلا تكلف ولا تزويق عبر مفردات دالة توحي بحميمة الجسد في لحظة شبق جنسي .
أعيد ترتيب الفصول
وفق طقس عاطفتي
أحتفل بأمومة جسدي
على يديك ص 24

أعتقد جازما أن هذه المجموعة بكل جرأتها وعفويتها وبساطتها وسلاستها تشكل أيقونة شعرية خالصة في الأدب النسوي العابر للتابوات ولها السبق في مضمار الايروس العربي لما تحمله من شحنات حسية دافقة وطازجة وصادمة أحيانا .
رائحتك العالقة في سريري
تروادني عن نفسي
أمر باسمك ليس بيني وبينك حجاب
إلا موج من أسئلة عاصفة
كلما مددت يدي لمستك / لمستني
عدنا أكثر ظمأ ص 35
وأخيرا يؤكد رولان بارت في كتابه لذة النص بأن ( الكلمة تكون شبقية بشرطين متعارضين هما : التكرار المفرط والحضور غير اللائق ) وهذا ما نتلمس بعض تجلياته في مجموعة ريم قمري (ما لم يقله الحلم)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن