البخارى تحت المجهر

أمجد المصرى
amgad.zzz@gmail.com

2019 / 2 / 7

فى تسعينيات القرن الماضى، أتيح لى شهود محاضرة لأستاذ جامعى متخصص بالإدارة العامة ، كان موضوع محاضرته عن:{ قنوات الاتصال وتأثير تداول المعلومات }. كان الحضور هم مجموعة من طلاب مرحلة البكالوريوس،مع العديد من المعيدين و طلبة الدراسات العليا و بعض المهتمين بذلك التخصص العلمى.
بدأ الأستاذ المحاضر بسرد فرضية وقوع حادث مرورى بمكان وزمان محددين،ثم راح يستعرض إنتقال تفاصيل الواقعة بين شاهد عليها ،و راوة لها قد استمعوا لوقائعها دون أن يشاهدوها، أوضح الأستاذ أنه بتعدد الرواة و تداول قصة الحادث، تعددت وتباينت الروايات، و أقحمت عليها إضافات و تفاصيل لا تمت لأحداثها بصلة. تحرر محضر الشرطة استنادا إلى أقوال الرواة .أكد الأستاذ أن تباين وقائع الحادث و إختلاف تفاصيله بفعل الرواة يشهد عليه تاريخنا، و يتكرر ذات الفعل يوميا على مسامعنا دون أن يلفت أنظارنا أو يسترعي انتباهنا .

ذكّر الأستاذ بموضوع المحاضرة فقال بأن قصة الحادث رغم بساطتها ، وقصر زمن أحداثها، و قلة عدد الرواة ، و برغم سرعة التدوين والتوثيق ، و تواجد المدون (ضابط الشرطة) فى مسرح الحدث ، فقد جاءت الرواية المدونة مغايرة للحقيقة ، بما سوف يرتب تداعيات لذلك ، و كذا فى نشر نبأ الحادث بالصحف ،بما قد يؤدي إلى ارتباك القارئ الفطن و إنعدام ثقته.

تذكرت تلك المحاضرة أثناء مشاهدتى لحوار ساخن بين مفكر شهير وأحد أساتذة علم الحديث بالأزهر بالتلفاز،كان موضوع هذه الحلقة من البرنامج هى (مصداقية رواة الأحاديث النبوية التي جُمعت بكتب السُنّة) . أصر الشيخ الأزهرى على عدم المساس بالسُنّة النبوية التي تعد ثانية أسس التشريع الإسلامى، و حذّر من مغبة التعرض لمصادرها التي تشتمل على (تفسير القرآن - كتب الحديث - كتب السيرة)، والتى يأتى على رأسها جميعا كتاب ( صحيح البخارى ) باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله و المتمم له. أشار الشيخ في توكيده على قوله إلى خطاب فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر فى الاحتفال بالمولد النبوي بمصر، بحضور رئيس الجمهورية الذى أعلن فيه بوضوح أن السنة هي ثلاثة أرباع الدين ، فلولاها ما عرف المسلمون كيف تكون الصلاة ، محذرا من أن دعاوى(تجديد الخطاب الدينى ) إن هي محاولات لهدم الدين .

طرح المفكر الشهير بضعة أسئلة كالتالى: -
(1) لماذا لا تتأكدون من صدق الرواة الذين جمع البخاري أحاديثهم عن الرسول
(ص)، و هل هم عدول ثقاة ؟ ، فطالما كان كتابه هو النموذج الأكمل لكتب الحديث بما جعله أصح كتاب بعد القرآن الكريم، فمما تخشون؟ .
(2) ما مدى توفيق البخاري فى تفسير سور القرآن الكريم؟.
(3) هل جاءت الأحاديث و السيّر النبوية عند البخاري متفقة مع وصف الله تعالى للرسول ؟(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4] .
قال المفكر: فى إجابتى عن الأسئلة التى طرحتها، سوف أورد مثالاً واحدا من كتاب (صحيح البخارى) للرد على كل سؤال، ثم قدم أسانيده كالتالى :-

أولا- رواة الأحاديث -أبو هريرة (مثالاً): ولّاه الخليفة عمر بن الخطاب على البحرين عام 20 هـ، ثم سرعان ما عزله بسبب سرقته عشرين ألفاً من بيت مال البحرين ادعى أنه حصل عليها من التجارة، مما دعا الخليفة أن يكتب إليه كتابا جاء فيه:- (كُنتَ عدوا لله و الاسلام،عدوا لله و لكتابه،سرقت مال الله حين استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين،ما رجعت بك أمك إلا لرعاية الحمير) ، و ضربه الخليفة عُمر بالدرة عند عودته حتى أدماه، و منعه من رواية الحديث قائلاً:( لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود) ، و أرض القرود المقصودة هى أرض دوس باليمن مسقط رأس أبى هريرة. يؤكد أبو هريرة ذلك فيقول:(ما كنت أستطيع أن أقول قال رسول الله(ص) حتى قُبِضَ عمر) . أهكذا يكون العدول الثقاة يا إمامنا البخاري يا مَن وُلدت بعد 150 عاما من وفاة الرسول؟!. لم يلتفت البخارى لوصية الرسول (ص) ، و نصها: لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن،و من كتب غيره فليمحه.

ثانيا- مدى توفيق البخاري في تفسير آيات القرآن الكريم، دعوني أتساءل:-
- فيما يخص تفسير البخارى لأسباب النزول، ألا يعد هذا تطاولاً على معرفة الله عز وجل، وهو العليم الخبير الذى فى غنى أن أسباب مادية لإنزال كتابه؟! .
- هل يُعقل أن تفسر أحاديث البخارى و عددها (2762) حديثاُ ستة آلاف آية من آيات القرآن الكريم؟.
- هل يجوز أن يورد البخاري فى تفسيره حديثين فى (باب بدء الوحى) يناقض كل منهما الآخر؟. و كمثال على ذلك نجد فى (باب بدء الوحى على رسول الله) التالى:-حدثنا يحيى بن بكير عن عائشة" أن الوحى قد بدأ بـ(إقرأ) ، ثم أورد البخارى حديثا آخر لجابر بن عبد الله الأنصاري عن يحيى بن كثير عن أبى سلمة أن الوحى قد بدأ بــ(يا أيها المدثِّر) !.و لما كان فقهاء الإسلام قد اعتمدوا حديث (إقرأ)، فلماذا لا يُحذف الآخر؟!.

ثالثا - هل جاءت أحاديث البخاري متفقة مع وصف الله تعالى وأوامره للرسول؟.
هنا أتطرق إلى تعامل الرسول مع مخالفيه في الرأي، و بعض ناظمي الشِعر فى هجائه، وقد وصف الله تعالى الرسول (ص) بــ(أنك لعلى خلق عظيم) وأمره بقوله:(وجادلهم بالتي هي أحسن) و ( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة) .
- هل امتثل البخارى لوصف الله تعالى للرسول (ص) و أوامره إليه ؟.
إليكم متن حديث البخاري عن الرسول(ص) ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله : {مَن لكعب بن الأشرف؟،فإنه آذى الله ورسوله}، فقام محمد بن مَسْلَمة، قال: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ فقال الرسول (نعم)، دخل محمد بن مسلمة بصحبة رجلين إلى كعب فقتله بعد خداع الرجلين له.
كان كعب بن الأشرف قد هجا النبي في شِعر نظمه ، و هكذا تجرأ البخارى على مقام النبوة فأخبرنا بأن الرسول (ص) قد أمر و حَرّض على قتل كعب بن الأشرف فقط لأنه كان قد هجاه، و قد نفّذ القتل الصحابي محمد بن مسلمة بمعاونة رجلين أحدهما أخوه من الرضاعة !! .

قال المفكر: أكتفي بهذا القدر، و لن أزيد فأعرض العنعنات التي جاءت بصحيح البخاري و أحاديثه الضعيفة والإسرائيليات، ولو أردتم المزيد من أخطاء البخارى و مخازيه، فكل ما أوردت هو غيض من فيض.

هنا هاج الشيخ و ماج، وهدد و توعد ثم راح يتفوه بكلمات بعضها غير مفهوم من أثر الغضب و الغيظ المكتوم و قلة الحيلة حيال أسانيد المفكر القوية و ما أورده من أحاديث البخارى مما يعلمه الشيخ . أخذ مقدم البرنامج يهدئ من روع الشيخ، إلا أن غضبه قد تصاعد وعلا صوته مشيحا بيده، ثم غادر استوديو البرنامج ثائرا بعد أن رمى المفكر بالكُفر.

دعانى ما شاهدته من الحوار إلى خوض رحلة فى صحيح البخارى، و سبر أغواره فوجدت العجب العُجاب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن