موعد مع الشيطان رؤية في رواية الروائي الأردني الدكتور وائل البيطار

رولا حسينات
salahfd8@gmail.com

2019 / 2 / 5

زارني وكان لقاء بين كاتبين، ولما عرفت أن فيّ حس الاهتمام بالتفاصيل تمعنت فيه، قصير القامة جليل الطلعة بلحية كثة تموجت بين الأسود والأبيض وعينين دائريتين تحت نظارة طبية، يبدو أنه لا يهوى الحديث بشكل عام وبخاصة مع النساء، كان متردداً محرجاً اختار أن يبدأ حديثه بعد السلام والتحية وتبادل المجاملات أن يخرج من حقيبته الجلدية كتاباً، استثار كل حواسي، فجعلتني أتمعن بتفاصيل الغلاف، وأكف عن البحث في تفاصيله وحركته المتتابعة بضبط نظارته الطبية، بالفعل ازددت شغفاً برواية تحمل عنواناً ملفتاً غريباً قد يعتبره البعض نوعاً من الإلحاد، وبعضاً قد يعتقد أنه من أدب الرعب...بين هذين وقفت في المنتصف وأنا أقلب الصفحات الأولى من "موعد مع الشيطان" كنت أقلب نظري بين كلماته التي برع فيها في حديثه عن روايته كان في الواقع مؤمناً بها كل الإيمان...ودعته وكلمات الشكر عاجزة عن تلك الهدية الرائعة...
بسبعة وتسعين صفحة تمددت رواية الروائي الأردني الدكتور وائل فهمي البيطار موعد مع الشيطان...بفكرة الكاتب القارئ...الكاتب الباحث عن مخرج من النقطة العمياء بفلسفة الجريمة والعقاب...التضاد بين المواطن الصالح والسلطة وتذكرة الحياة...وجريمة واحدة أنه ببساطة إنسان.
"أنا إنسان ليس لي إلا ذاتي رفيقاً أتحدث إليه" ص16،15...."...وأن تكال لي تهم لا أعرفها" ..."لقد اعترفت لتوك بكل ما ذكرت"..."وقلت بأنك إنسان وأدنت نفسك بنفسك"...الجريمة الإنسانية والإنسانية التي تسعى للمعرفة هي بالذات من تكال لها التهم بالمجان...
سرق بروميثيوس شعلة المعرفة من عند زيوس كبير الآلهة ليعطيها للبشر. كان بروميثيوس إلهاً كذلك، لكنه ارتأى أن المعرفة لا يصح أن تبقى لدى الآلهة فقط، و لم يكن أبداً مؤيداً لزيوس في عزلته عن البشر و احتقاره لهم. و بالرغم من تحذيرات زيوس له بأن المعرفة المقدسة لا تصلح للبشر ، فقد خدعه بروميثيوس و أعطى للبشر - الساكنين في الكهف المظلم آنذاك - ما قد يفتح لهم مجال الإلوهية. فوهبهم حرفة النجارة، و علوم الفلك لمعرفة الأزمان و النجوم، ثم أعطاهم الكتابة. و أخيراً سرق شعلة النار المقدسة من عند زيوس و وهبها للبشر
حين أضاءت النار المقدسة الكهف المظلم، تفجّر الإبداع لدى البشر و بدا أنهم قد يصيرون هم أيضاً آلهةً أو ما شابه. عندها، حمى غضب زيوس كبير الآلهة على بروميثيوس و على البشر؛ فقرر أن يعاقب الجميع عوقب بروميثيوس الإله الطيب بأن عُلِّق على جبل القوقاز عارياً، بينما النسر الإلهي يأكل كبده. و حتى يدوم عقابه للأبد، فقد أمر زيوس بأن يُخلق له كبدٌ جديد كلما فنى واحد هكذا تحمّل بروميثيوس ثمن محبته للبشر...
القراءة جريمة والمعرفة عهر يستحق مقترفها الرجم...التواصل الاجتماعي جريمة قضايا كان تفوح من بين السطور...بشخصية الانفصام الذاتي..."أحسست بأنه لمس كتفي ولكنه لم يحرك يده"...الباحث عن الغرابة بعزلة...بعد جريمة الإنسانية كانت جريمة المعرفة التي صلبه البشر عليها كانت جريمته الأخرى فن القضاء على الملل التي يحتاج المشرع لتشريع قانون يزج الكثيرين في السجون، لكن الشيطان فطن لها فكان لقاؤهما على أعين البشر....دودة الكتب تؤمن بالعزلة " القضاء على ما تبقى لي على وجه الأرض دون أن أشعر بالعجز والوحدة والملل" ...
في رواية أشرف الخمايسي "منافي الرب" ...كانت الحكاية بأن لكل منا منفاه الذي يختاره والذي اختاره بإرادته وربما دون أن يتذوق من الشجرة أو أن يتفيأ بفيافيها...أكان الموعد مع إبليس خياراً أيضاً، لقد جاء الشيطان ليتعلم فن الضجر ومعاشرة الملل والعجز والوحدة والاكتئاب بموت بطيء وحقن مخدرة بأن لا تؤمن بذاتك وأنك منعدم الوجود...الاعتياد على الخنوع كان صنعة الهروب لكن لم يكن هروب البطل المسجون في زنزانة عجزه من الشيطان بل كان هروباً إليه منن أجل مبرر يدعى: العودة لاسترداد شيء من الكرامة المهدورة...
" إبليس عاطل عن العمل..."
-هل أصبح ابن آدم أقوى من إبليس في الغواية نفسها؟
-هل أصبح البشر عراة من كل المقاييس؟
لقد استطاع الشيطان إغواءه بالسفر برحلات، ليثبت الشيطان أنه عاطل عن العمل...إلى كل الأماكن المنسوجة بطعم الحرام بكل طقوس الحرام...
كانت الفلسفة التي طرحها الكاتب بأن إبليس لم ينكر حقيقة الله عز وجل...فقد أعلن توبته بالنهاية...المبرر المتأرجح بين الغرور، الحقد، الرفض...مطلبه الوحيد كان الانتقام بسياسة الإغواء...فكان الهبوط...ولكن المطلب لم يكن مقتصراً على آدم بقدر ما كان على ذريته إلى يوم الدين...من البداية إلى النهاية بسياسة لم تتعد الإغواء حتى جاء يوم يكون فيه التلميذ معلماً...أشد وطأة وأكثر عهراً...وسفكاً للدماء وصناع الخطيئة...من الوسوسة إلى النهج بالإسراف، إلى أمة بطرت معيشتها، بين الغنى الفاحش إلى الفقر المقع وبينهما صلب الفقراء وكان الفقر والجوع...
المرأة كانت جزءاً من الخطيئة بالجنس والجسد والشهوة واللذة بين الخطيئة والصراع للخطيئة كلاب مسعورة وجياع...
السجون والتعذيب واللعب في صيغ الموت من البشر...
كان الاغتصاب للصغيرة أمام الأب المعذب...فلم يكن للشرف طعم سوى بالموت" أثناء احتضانه لها وضع الأب يده على فمها وأنفها واستمر على ذلك بعض الوقت وكانت قدماها المتشحات بالدم تتحركان وكأنها دجاجة مذبوحة، توقفت قدماها عن الحراك لكنه استمر لبعض الوقت."ص39 ....الذهول والتعذيب في السجن بداية كل ألم...ثم نهاية اللقاء بقراءة القرآن.
ما نستطيع فهمه أن البيطار رافض للواقع متعلق بصفحات الكتب رحالة بين المدارس الواقعية والفلسفية والمذاهب الأدبية...وتجريد للحقائق من زاوية التقريع ومرارة النقد، مع صيغة التدوين...حين سعى ليثبت بين صفحات الرواية حقيقة البحث عن المعرفة وإفراد مساحة للبحث عنها من خلال الكتاب والكتب..."فبدأت بقراءة المنفلوطي وجبران خليل جبران" ص48
ما حاول الكاتب فيه إثباته بالمحسوس وباللامحسوس " إثبات أنه بالفعل خارج القطيع البشري" لكن مصيدة التناقض بين ضآلته، شعوره بالنقص "لأنني لن أستطيع أن أصمد في حياة مليئة بأناس لا ترحم وتدوس على الضعفاء بدون أن يرف لها جفن" ص 49 وبين "مما جعلني إنساناً غاضباً رافضاً لكل ما هو حولي وجعل لدي رغبة في تغيير أي وضع مهما كان وجعلتني أخاف على نفسي من نفسي" ص52 بقيت الرغبة في أن يكون هناك الكثير ليخلق بين السطور.
ظهرت المرأة بفلم البيطار بضبابية فظهرت غير مفهومة كتلك الهلامية التي كان يعرفها بها...المرأة بين المنظور الواسع لها بكونها مجرد شهوة وقضاء وطر وحسب وبين المرأة الملفتة للنظر بالنقاش والحوار والعقلانية ، فكانت سراب ...سراب تلك المرأة التي ظهرت في الفصل الثاني من الرواية بسراب الاسم الذي لا يعني سوى اللاشيء اللامحسوس والمفقود...المرأة التي جعلت له بوابة في أن يتغير في أن يكون متمرداً ، المرأة التي تعشق بقلبها قبل عقلها....الذي حاول اثباته البيطار أن البطل أستطاع بشخصيته المنغلقة أن يكتشف المرأة بعلاقات رومانسية عابرة عير أني لا أجده واضحاً أو مقنعاً "مع أن كل خبرتي لا تتعدى بضع علاقات جنسية عابرة كانت تنتهي بالفشل الذريع" ص54فكانت رغبته في الهروب مع كيان أن يكونا هما ليس كما أرادهما القطيع...الرمزية في السراب والقطيع خلقت نوعاً من رغبة الكاتب في أن يخلق حدثاً من الحوار السياسي الخافت نوعاً ما، إذ أنه لم يكن عميقاً كفاية أن يخرج به من طوره البدائي الأول في العزلة والرغبة في التغير بالجدلية السياسية ...
في الحقيقة...كانت سراب بحد ذاتها نقلة نوعية...
كانت لوحدها قضية ...للتو ألقت بنفسها على السرير...للتو مارست الجنس...للتو أصبحت قضية...للسبب ذاته أصبح متمرداً وزج به في المعتقل ...الفلاش باك بنهاية كل صفحة..."طفي الضو ونام يا حيوان وإلا...."
النزعة الوطنية التي اتخذت الرواية فيها منحاً جديداً ...تحت سطوة التعذيب...الذل..."وهل تتألم الجثث؟"...
الأسئلة التي تطرح نفسها:
-هل اقتصرت المظاهرات على الجامعة؟
-هل الوطنية مقتصرة على الشباب وفقط؟
-هل سراب المغتصبة هي المحرك لهذا الرجل؟
في الفصل الثالث كانت الصيغة هي المعاناة وثمن البطولة..." ألا تستحق مني سراب صرخة؟"
-"هل أنا في نفس المكان الذي ماتت في سراب؟"
-هل يا ترى كان اغتصابها في السجن؟
لم قدمت إليه ولم تأبه بشيء؟
ثم كانت حقيقة أن تم اغتصابها من قبل ومن بعد....
ثم أفرد البيطار حقيقة " أنتم الكتاب والفنانين أصحاب مزاج فأكيد قهوتك سادة وبنفسك تدخن سيجارة" ص79.
معاملة الفنانين والكتاب مرهفو الإحساس مختلفون تماماً عن القاسية جلودهم...
هل يباع القلم ويشرى؟
وكم بيع من ضمائر؟
موعد مع الشيطان والروائي الأردني وائل البيطار في نص يستحق الوقفة ...برغبة مخنوقة للخروج عن النص.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن