مسار امرأة ثائرة: جيانغ جينغ (الحلقة الثالثة)

8 مارس الثورية
8marsrevo@gmail.com

2019 / 1 / 29

الحلقة الثالثة

جيانغ جينغ و الإصلاح الزراعي لتحقيق الاشتراكية :

كانت لجيانغ جينغ قدرة ملحوظة على تحسين معرفتها و صفاتها كناقدة ثورية، و كذلك على ترقية المفهوم البروليتاري للفنون، كما فاقت قيادة الآخرين في هذا المجال، و قد تطورت هذه الكفاءة بفضل تحقيقاتها و أبحاثها العديدة، التي كانت تقوم بها، مطبقة على أحسن وجه مقولة رفيقها ماو: "هاتوا التحقيقات و دعوا الحماقات".
في الخمسينات من القرن 20، عندما كانت تحارب القوى التي كانت تريدها أن تكون غائبة و صامتة، أثناء متابعة الدراسة الإيديولوجية و التطور السياسي للمواضيع التي تعالجها، كانت جيانغ تتقن القدرة على العمل بين الجماهير، و قد سمح لها هذا بتطوير المعرفة، على أساس الظروف التي يواجهها الفلاح و العامل، للنضال من أجل تثوير المجتمع، و قد تبين أن ذلك قد شكل فائدة كبيرة لها في المواجهة التي كانت لها مع الفنانين في العشر سنوات بعد ذلك، حول تقديم الصفات الثورية لهؤلاء الأبطال الجدد، اللذين حلوا محل الأسياد و الأباطرة على خشبات المسارح في الصين، هذا دون الحديث عن قدرتها على تبني موقف مناسب في الصراع الطبقي الذي احتدم على أعلى مستويات الحزب.
بعد أن أضعفتها الحرب و الآلام التي لازمتها بسبب مشاكل صحية عديدة، تم إرسال جيانغ مرارا إلى موسكو في العشرية الموالية من أجل علاج طويل، لأن أغلبية المستشفيات كانت قد دمرت خلال سنوات الحرب، و بطبيعة الحال، فإن أعداء ماو السياسيين رأوا في ذلك طريقة من اجل إبعادها عن طريقهم، و في أواخر الخمسينات منعت من الحصول على إذن بالعودة إلى بكين، بعدما لم يفعل أطباء أي شيء لتحسين حالتها الصحية، و قد كان سرطان الدماغ يهدد حياتها.
كانت سعادة جيانغ غامرة، عندما وردت أخبار الإضراب الجريء لجيش التحرير الشعبي ضد السفينة الحربية البريطانية أمتيست، التي رست على الساحل في أبريل 1949، و قد علمت بالإضراب من الراديو السوفياتي. بوقت قليل بعد ذلك، في خريف نفس السنة تأسست الجمهورية الشعبية للصين فعادت إلى بيكين لتهيئ هناك الخطط، التي تسمح لها بدراسة المناطق الفلاحية القريبة من شنغهاي، حيث بدأ الإصلاح الزراعي على التو.
في السابق، خلال الحملة الشمالية الغربية، كانت جيانغ قد اكتسبت خبرة بإدخال سياسة ماو الثورية في مجال الزراعة و قادت الفلاحين للإطاحة بالملاكين العقاريين الأغنياء.
بعد أن تم تخريب رحلة رسمية إلى المناطق الريفية في شنغهاي، من قبل المرتدين من الحزب، اللذين يسيطرون على مساحة شاسعة من الشرق (على ما يبدو، من المحتمل أن يكونوا من الموالين ل وانغ مينغ التحقوا بالكيومنتانغ بدون علم ماو) فاضطرت جيانغ جينغ إلى أن تتدبر الأمر بنفسها للوصول إلى مدينة ووسيه الصناعية في منطقة كيانغسو، هناك درست السوابق التاريخية لهذه المقاطعة، و نظام تأجير الأرض و الاقتصاد المحلي، قبل زيارة محيط الريف، تقول جيانغ جينغ:
"تعلمت بهذه الطريقة مثلا، بأن المزارعين لن يتمكنوا من العيش بمزروعهم، ما داموا يخصصون جزءا كبيرا من حقولهم لزراعة الشاي و إنتاج الحرير مقابل القليل من الأرز، و توقف الإنتاج بسبب سنوات من الاحتلال الياباني، الذي يمنعهم أيضا من إنتاج ما يمكن أن يغذيهم".
بعد سنوات، زارت جيانغ جينغ ما كان مقاطعة "نموذجية" للكيومنتانغ، حيث لم يسمح للنساء بزراعة الأرض، بالرغم من أنهن يقمن بمعظم العمل، في الوقت الذي كان فيه الرجال يلعبون و يشربون الشاي. و تقول: "لذلك بدأت في ممارسة الحراثة". لقد كانت التفاوتات المادية بين الرجال و النساء أكثر وضوحا في الريف عنها في المدينة. على الرغم من توزيع الأراضي على الناس من كلا الجنسين على قدم المساواة، إلا أن هذا القانون لم يطبق بشكل عادل، و غالبا ما كانت النساء يمتلكن أراضي أصغر أو أقل خصوبة، و لم يجرؤن على الثورة، تحت وطأة اضطهادهن.
بالرغم من المرسوم، الذي أصدره الحزب الشيوعي للحكومة، والذي دعا إلى الأجر المتساوي عن العمل المتساوي، فقد ميز الرجال أنفسهم عن النساء، عندما منعوا هؤلاء الأخيرين من استعمال أدوات المزرعة، و تركوا لهن المهام ذات الأجر الأقل، و قد اعتمد قانون إصلاح الزواج في سنة 1950 أساسا لحماية المرأة، و منحها حرية الاختيار و الحق في الطلاق، و كما وصفت جيانغ جينغ ذلك، أنه من الصعب قلب الممارسات القديمة و الأفكار التقليدية، كما استمر الزواج القسري في بعض المناطق. و قد سافرت جيانغ جينغ إلى عدة قرى خلال هذه الفترة، للمساعدة في تسوية نزاعات الطلاق و توجيه المستشارين المحليين للحزب لمعرفة كيفية معالجة هذه القضايا الشائكة، و تشجعهم على خلق رأي عام لإقناع المخالفين، بدل تمجيد الحلول المعادية وسط الجماهير كعقوبة الإعدام مثلا في قضايا الطلاق.
كانت جيانغ جينغ تشارك بحماس في الصراع الطبقي، الذي حول كل المناطق الريفية في الصين، و شرعت أيضا في خريف 1951 مع فريق العمل، في الإشراف على تطور الإصلاح الزراعي في منطقة ووهان على طول نهر يانغتسي. لكن في الوقت الذي كانت فيه تتمتع بدعم ماو، فإن أعضاء جهاز الحزب السبعة، لم يكونوا متفقين على هذا التواصل مع الجماهير، فرفضوا ذلك، و أمروا بطردها من القطار مع مرافقيها حتى قبل وصول القافلة إلى الريف. رفضت جيانغ التخلي عن مهمتها، مرفوقة بحراسها الشخصيين، و عملت على القيام بتحقيق خاص في هذه المنطقة الصعبة بشكل خاص، التي كانت معقل حزب الكيومنتانغ خلال سنوات طويلة من الحرب الشعبية، و الذي أبدى مقاومة شرسة للإصلاح الزراعي، و قد كان الإصلاح الزراعي هنا يعرف صعودا و هبوطا.
(تنبغي الإشارة هنا إلى أن الحزب كان يقود الإصلاح الزراعي، لكنه كان يثق في الجماهير من أجل تطبيق نزع الملكية و إعادة توزيع الأراضي، و قد كان الحزب يرسل مجموعات إلى مختلف مناطق البلاد من أجل تحسيس الفلاحين تجاه هذه الغاية، و رغم أن هذه المهمة كان قد تم القيام بها في المناطق التي كان يقطعها جيش التحرير قبل 1949، فالمناطق التي ظلت تحت مراقبة الكيومنتانغ حتى التحرير بقيت متأخرة و رجعية، و ليس إلا في اللحظة، التي أصبحت فيها سيرورة توعية الفلاحين منظمة تم تبني الفلاحين للتصورات الثورية)
كان ماو قد حدد ثلاث "جبال" يجب التغلب عليها، وهي الإقطاعية، الرأسمالية البيروقراطية والامبريالية، و هذا ما تمت ترجمته في البادية بالنسبة للجبل العنيد الأول، ألا و هو الإقطاعية، و ذلك بتنحية الملاكين العقاريين و طبقة الوجهاء المحليين، الذين ترأسوا منظمات أسياد الأرض.
حدد فريق جيانغ جينغ ما بين 8 و 20% من أسوء المخالفين، و وفق قانون الإصلاح الزراعي تم تقديمهم أمام القضاء. و قد وصفت جيانغ جينغ مدى صعوبة احتواء غضب الناس بمجرد أن ينفجر غضبهم ضد هؤلاء الوجهاء (الطغاة) المكروهين، ففي بعض الأحيان، كان على الحراس حمايتهم من الناس، اللذين يريدون على الفور ضربهم حتى الموت، و قد قام فريق جيانغ جينغ بعرض العديد منهم أمام محكمة الشعب للحكم عليهم في بعض الأحيان بالإعدام، بعد ذلك يتم توزيع عقاراتهم و ممتلكاتهم، وفقا لمعايير طبقية صارمة.
كان الاتجاه العفوي، يتمثل في توسيع الأهداف الاجتماعية، مما يعني أن الطبقة الوسطى الريفية (التي كانت عادة ما تتوفر على أراضي صغيرة ذات قيمة منخفضة) كانت في بعض الأحيان قد تمت مصادرتها، أو تحديد المزارعين الأغنياء كملاكين عقاريين، لكن كانت تحدث أخطاء من طرف اليمين تسمح بترك الأسياد يخرجون من المأزق.
بالنسبة لجيانغ جينغ، فإن التفاوت الطبقي يتباين من منطقة إلى أخرى، و يجب وفقا لذلك، تطبيق القوانين الزراعية وفقا للظروف و السياقات.
في التقسيم الذي كان يتم فيما يتعلق بثروات و ممتلكات الأسياد، فإن أعضاء الحزب يدفعون الفلاحين إلى التحلي ب "عقل واسع"، و أصروا على أن كل أسرة يجب أن تأخذ فقط ما تحتاجه.
تتذكر جيانغ، و هي تضحك، مشهد من ذلك الزمن، عندما كان الأسياد يتحركون، و هم يلبسون كل طبقات الملابس الممكنة حتى لا يعطونها، و في بعض الأحيان يرتدون ملابس كثيرة، لدرجة أنهم لا يستطيعون التحرك.
من أجل الإشراف على مهام الإصلاح الزراعي، بدأ فريق جيانغ دراسة الماركسية – اللينينية، و حاول، تحت إصرار ماو تطبيق الحاجة إلى "أن تكون منظما"، و بعد توزيع الأراضي، كرست جيانغ نفسها لهذا الشعار "لنقيم حكومة ديموقراطية جديدة، و لننظم انتخابات لجمعيات الفلاحين".
في الوقت الذي كان فيه ماو يضع سلسلة من المقالات بعنوان: "الارتقاء الاشتراكي في الريف الصيني"، بهدف إعداد الرأي العام لولادة التعاونيات، في سنة 1955 نشرت جيانغ جينغ أيضا نصا مسرحيا بعنوان "هل يحصل الشعب على ما يكفي من الطعام من الحصة الغذائية؟ و في ذلك حددت حاجة الأفراد و اختارت التقنين الغذائي للمدينة، حيث كانت فيها مقاومة قوية لإعادة تنظيم إنتاج الحبوب.

جميلة صابر
24 – 1 – 2019

موقع 8 مارس الثورية
http://8mars-revo.hautetfort.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن