[71]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف
sabriyousef56@hotmail.com

2019 / 1 / 25

صبري يوسف

71. إلى أي مدى ترين أنَّ الثَّقافة التَّنويريّة والأدب الخلّاق لهما دور كبير في القضاء على الحروب المجنونة المتفشّية في الكثير من دول العالم، تمهيداً لإرساء سبل السَّلام والوئام بين البشر في العالم؟

أسماء غريب

ين هي الثّقافة التّنويريّة في العالم، لا سيّما العربيّ منه؟ أنا لا أراها. والمنشغلون بالتّنوير منقسمون بين التّنوير الأصوليّ، والتَّنوير الإباحيّ.
وأمّا التَّنويريّ الأصوليّ، فهو ذاك الَّذي يريدُ أن ينتقد الفكر العربيّ دون المساس أبداً بهالة التَّقديس الّتي تحمي كلّ التّراث الدّيني، إذ لا أحدَ لهُ الحقّ - بالنّسبة له - في مناقشة الثَّوابت المتوارثة جيلاً بعد جيل، وهذا ما يفسّر كيف أنّ العديد من أهل الحداثة بما فيهم العرفاء المسلمين الجدُد، يجدّدون في بنية النَّصّ الشِّعريّ مثلاً، دون التَّفريط أبداً في الحمولة التُّراثيّة الدّينيّة الّتي يجبُ أنْ تبقى كما هيَ، أيْ كما تداولها النَّاسُ منذ العهد النَّبويّ. وعليه فإنَّ التّجديد يكونُ في الشّكل فقط، ولا أحد يجرؤ على الخوض في مضمون التُّراث الإسلامي. وبناء على هذا تجدُ العرفاء المعاصرين على قلّتهم ونُدرتهم، يتمسّكون بطقوس السّرّ العرفانيّ والتَّكتّمِ عليه على الرّغم منْ أنّنا تجاوزنا هذه المرحلة بكثير، وأصبحَ من دواعي التّجديد الإفصاح عن المعنى، والخروج من دائرة الطّلسم، والتّحرّر من الدَّوران في مجرّة التّبانة. وهُم في هذا الأمرِ يُشبهون حتّى روَّاد التَّنوير العرب الأوائل بمن فيهم طه حسين، الَّذي حينما فكّر في التَّجديد نكصَ على عقبيه ورجعَ إلى الشّعر الجاهليّ.

هذا النّكوص سببُه ما يعانيه الفكر العربيّ ومعظم المفكِّرين العرب من مشكلة في الهويّة الثّقافيّة، فهم يحاولون دائماً أن يؤكِّدوا انتماءهم إلى مجتمع له تاريخ أصيل وعريق، فتجدُهم تارة يعودون إلى فكر المعتزلة مثلاً وتارةً إلى الفكر الأشعريّ دون التَّسلّح أبداً بنظرة مستقبليّة تكون بالعمق القادر على التَّوغّل في الأحداث وتغييرها، وذلك لأنّ المستقبل بالنّسبة لهم يوجد في الماضي. لا أحدَ يفكّر في المغامرة، أو الهدم من أجل بناء صروح فكريّة جديدة تماماً.

أمّا بالنّسبة للتنويريّ الإباحيّ، فأعني به ذاك الّذي عانقَ من الفكر الغربيّ ما يعرّي الجسدَ، ويشبِقُ الرُّوحَ، فأصبح كلّ همّه الدُّخول إلى المنظومة الأنثويّة العربيّة من أجل زعزعتها من الدّاخل عبر الفكر الإباحيّ، الّذي لا يهتمُّ بتعليم المرأة وتثقيفها والعناية بحقوقها وما إلى ذلك، بقدر ما تعنيه جدّاً استباحة جسدِها قبل كلّ شيء. وهذا ما يفسّر فشل مشروع التَّنوير في العالم العربيّ بشكل عامّ، لأنّه تجاهلَ مطالب الجماهير الشَّعبيّة واحتياجاتها، وركّز فقط على نخبة قليلة ممّن يدّعون الثَّقافة والعلم، فكانت النّتيجة أن ظلّ معزولاً عن الشّعب وقضاياه الحقيقيّة، إلى أن ظهر شيءٌ اسمه داعش كدليل على سيطرة العنف في التَّفكير العربيّ، وعلى غياب العقلانيّة، هذا الغياب الّذي يكرِّسه النّظامُ التَّعليمي في كافّة المؤسّسات بدءاً من المدارس الأولى وصولاً إلى التَّعليم الجامعيّ، الّذي أصبحت مهمّته قهقرةُ الطّالب عبر مناهج تقتلُ فكرهُ الخلّاق والإبداعيّ، لترمي به في الختام هو وشهاداته إلى الشَّوارع ليعانيَ البطالة والفقر والتَّهميش.

لأجلِ هذا لا أرى سلاماً في الأفق، وإنّما حروباً قادمةً أكثر شراسة وضراوة من الحروب السّابقة، لا سيما وأنّ الفكرَ الإنسانيّ اليوم أصبح موجّهاً نحو العلوم الحربيّة أكثر من أيّ شيء آخر، وكيف لا، وحتّى الجيوشُ ستصبح جيوشاً إلكترونيّة، والغزوات القادمة ستكون في الفضاء، لأنّ الأرض لن تصبح صالحة للعيش لفترة طويلة من الزَّمن، وسيضطرُ من سيتبقّى من النّاس إلى المغادرة؟! ولمن يشكُّ في هذا الأمر، أقولُ له: ابحث عن أختنا النّحلة، واسألْها، فلا شك ستخبركَ عن موتها القريب، وعنْ كيفَ سيعوّضُها الإنسانُ بسبب غبائه الشّديد بالنّحل الإلكترونيّ، الّذي سيكونُ المؤشّرَ الأخير على حلول النّهاية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن