مفهوم الجريمة الدولية في القانون الدولي

خالد الخالدي
khalid.alkhalidi.hr@gmail.com

2019 / 1 / 3

"لا توجد أي قيمة حقيقية لالتزامات المجتمع الدولي بمنع الجرائم الدولية بدون ان تكون هناك عقوبات مطبقة او تطبق بحق الافراد او الكيانات التي تقدم على ارتكابها بصرف النظر عن صفتها " خالد الخالدي

ان معاناة البشرية منذ نشأتها من تكرار وقوع الجرائم التي تهدد قيمها ووجدوها وتهدد كرامة الانسان معاناة طويلة لم تستطع البشرية الى الان من وضع حد نهائي لها، لان الجريمة بشكل او بأخر عبارة عن خرق للقانون وللنظام العام السليم لحياة الانسان فلطالما هناك خرق هذا يعني ان هناك جريمة وتتوقف خطورة الجريمة تبعاً لحجم الخرق وشدته والنتائج المترتبة على هذا الخرق ولعل اسوء الجرائم هي الجرائم الدولية وتحديدا جريمة الإبادة الجماعية.

فجريمة الابادة الجماعية بحد ذاتها ليست حديثة عهد بل عرفتها البشرية منذ اقدم الازمان عبر صور متعددة واحدة من اكثر الصور شيوعا لها هو "القتل الجماعي" الا ان ما يميزها عن باقي الجرائم ذات الشبه بها وخصوصا القتل الواسع النطاق للأفراد من قبل الجناة والفاعلين هو انها لا تأتي عقابا لفعل قام به من يقع ضحية لها بل تأتي بسبب ما هم عليه فعلى سبيل المثال القتل الممنهج المنتظم واسع النطاق للعراقيين المسيحيين والايزيديين منذ عام 2003 وانتهاء باجتياح مناطقهم اب 2014 لم يأتي لفعل ارتكبه هؤلاء الافراد وانما جاء لما هم عليه اي لانهم مسيحيون وايزيديون ، ونتيجة لجسامة هذه الجرائم فان المجتمع الدولي يشعر ان التهديد قد طاله حتى لو بعدت المسافات لان المجرم والجاني اذ لم يتم ردعه فهذا يعني ان لا رادع بينه وبين تكرار جريمته ضد جماعة أخرى في مكان اخر وأيضا لذات السبب أي لما هي عليه هذه الجماعة من هنا بدء الاهتمام يتزايد بجريمة الإبادة الجماعية والتي عدت اخطر جريمة بالجرائم الدولية .

وللإحاطة بالجرائم الدولية فأن هناك تعريفات جدا كثيرة لها من فقهاء القانون الدولي مثل سلدانا Saldanaاو لومبواز Lombiois او الفقيه كرافن Craven او من الجهات الدولية المختصة بهذه الجرائم مثل تعريفات المحكمة الجنائية الدولية ICC ولجنة القانون الدولي ولعل الأكثر شمولية بالتعريفات من ناحية الإحاطة بمفهوم الجريمة للدولية وفقا للمقارنة بالتعاريف الأخرى هو ما أورده السير سبيرو بولوس Spiro polos مقرر لجنة القانون الدولي والذي ينص على " ان الجريمة الدولية هي الأفعال التي ترتكبها الدولة او تسمح بارتكابها مخالفة بذلك القانون الدولي وتستبع المسؤولية الدولية عنها او هي كل مخالفة للقانون الدولي تقع من فرد مسؤول أخلاقيا اضرارا بالأفراد او بالمجتمع الدولي بناءا على طلب دولة او رضائها او تشجيعها غالبا ويكون من الممكن مساءلته جنائيا وفق قانون" اما على مستوى الفقهاء فيعد تعريف الفقيه السيد محمود نجيب حسني ان الجريمة الدولية هي "فعل غير مشروع في القانون الدولي صادر عن شخص ذي إرادة معتبرة قانونا ويتصل بنحو معين بين دولتين او اكثر وله عقوبة توقع من اجله" وهنا نفهم من خلال التعريفين ان الجريمة الدولية هي مخالفة للقانون الدولي تصدر عن فعل او اغفال للفعل من قبل دولة او تصدر عن فرد / افراد تتصل بدولتين او اكثر بطريقة ما ولها عقوبة منصوص عليها وبهذا نفهم من خلال هذا السياق التعريفي انها ذات طابع جسيم وشديد الخطورة يمس مصالح حيوية بشكل مباشر لأمن وسلامة الدول والاقاليم والشعوب أي انه يضرب صميم الاسرة الدولية من خلال ضرب القيم التي تقوم على أساسها ولهذا عبرت عنه الأمم المتحدة بالقول "حينما ترتكب جرائم إبادة جماعية فأن المجتمع الدولي سيكون معنياً" وطبقاً لهذه الخطورة صدرت الاتفاقيات والاليات التي تدعو وتلزم منع وقوع مثل هذه الجرائم او التي تعاقب عليها مثل اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها او معاهدة روما او قواعد القانون الدولي العرفي وغيرها الكثير المتعلقة باختطاف الطائرات ومكافحة القرصنة واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للوطنية لكن السؤال ما هو فارق الجريمة الدولية عن الجريمة الداخلية ؟
ان الفارق بين الجريمة الداخلية والجريمة الدولية لا يعد فارقاً كبيرا من ناحية اركان الجريمة الا ان ما يميز الجريمة الدولية عن الداخلية هو الركن الدولي لذا نلاحظ وجود سمة أساسية بجميع التعاريف انه يشير الى صفة فحواها ان الجريمة عابرة لحدود الدول بطريقة او بأخرى كما ورد أعلاه بتعريف الدكتور الحسني واجمالا فان اركان الجريمة الدولية تمثل اركان الجريمة الداخلية مضافا لها ركن رابع هو الركن الدولي وهي كالتالي :-
1 – الركن الشرعي ويعني وجود نص قانوني او عرفي يجرم الفعل و ارتكاب هذا الفعل والاختلاف هنا بالتجريم بينه وبين القوانين الجنائية السارية في البلدان انه لا يستمد شرعيته فقط من التشريع بل يتعداه الى العرف لابل يعد العرف هو صاحب الصدارة في هذا الركن وللتوضيح اكثر فان اعتبار الجريمة الدولية جريمة يتطلب وجود نص قانوني أصدره المجتمع الدولي يقول ان الفعل او ارتكاب هذا الفعل يعد جريمة ومصدر هذا النص قد يكون باتفاقية او قد يكون الفعل متعارفا عليه انه جريمة مثل القتل او تزييف العملة "تزوير العملة مراعاة للشرح وفهم المتلقي" فلا يوجد هناك نص يبيح القتل مثلا الا اذا كان دفاعا عن النفس وبشروط جدا محددة ومقننة وقاسية الا ان موطن الضعف هنا ان الاتفاقيات الدولية تحتاج دوما الى إيضاحات فهي بمجملها نصوص عامة لذلك تصدر بين الحين والأخر تفسيرات وتوضيحات من الجهات ذات العلاقة لبيان محتوى مادة او فقرة على سبيل المثال تصدر الإيضاحات عن لجان الأمم المتحدة تحت مسمى التعليقات
2 – الركن المادي ويشمل هذا الركن الفعل نفسه الذي يشكل جريمة او الامتناع عن القيام بفعل لمنع ارتكاب الجريمة فعلى سبيل المثال قيام رئيس او امر اعلى بإصدار أوامر بقتل الاسرى اوقصف مدينة اهلة بالمدنيين او ضرب بنى تحتية مثل مستشفى او مدرسة يشكل فعل لاقانوني بشكل مباشر ويشار له بالسلوك الإيجابي اما الامتناع عن القيام بفعل فعلى سبيل المثال عدم اصدار رئيس او امر اعلى أوامر من شأن هذه الأوامر منع ارتكاب جريمة ولعل ما حدث في إبادة الايزيديين والمسيحيين من تهاون مباشر للضباط والقادة الامرين والرؤساء سواء في حكومة إقليم كوردستان العراق او الحكومة المركزية في بغداد من السعي لمنع ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحقهم على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابي المتطرف –داعش- مثال واضح وبين على الامتناع عن القيام بفعل ويشار له بالسلوك السلبي
3 – الركن المعنوي ويعبر عن هذا الركن بالقصد الجنائي والقصد الجنائي يتطلب شرطين هما العلم والإرادة ويعني ان مرتكب الفعل الجرمي في لحظة ارتكابه الجريمة يعلم ما سينتج عن قيامه بهذا الفعل وهو بطبيعة الحال عنصر نفسي للمجرم اما الإرادة فهي الماديات غير المشروعة التي تقوم عليها الجريمة وهذا يعني ان الركن المعنوي يضم حالة المجرم النفسية واستعانته بالماديات لإتمام مخطط الجريمة لكن أحيانا يكون الفاعل قد قصد بشكل واضح وبين الفعل لكنه لم يقصد القيام بالنتيجة التي ستنتج عن هذا الفعل لذا يطل عليها اصطلاحا بالخطأ غير العمدي ومثالها الدارج القتل غير العمد .
الى هنا تتشابه الجريمة الداخلية والدولية بالأركان يبقى الركن الدولي هو الذي يميز الجريمة الدولية عن الداخلية
4 – الركن الدولي ان ما يميز الركن الدولي بالجريمة الدولية ميزتين
أ – يعد الركن الدولي متشعب ويتصل بكثير من التشريعات على المستوى الدولي سواء كانت قانونية او عرفية لان له علاقة ترتبط هي الأخرى باتجاهين الشخصي أي الصفة التي يحملها مرتكب الجريمة الدولية او الموضوعي أي المصالح التي شكل الفعل اعتداءاً عليها
ب – ان الركن الدولي هو الركن الوحيد الذي يميز الجريمة الدولية عن الداخلية فبدون توافر الركن الدولي تعد الجريمة المرتكبة جريمة داخلية
ولمعرفة الصور التي تشكل الركن الدولي للجريمة الدولية فأنها تأتي بإحدى الاشكال التالية
أ – ان يضر الفعل بمصالح وقيم المجتمع أكد على حماية "جوهرها" القانون الدولي أي انها تتجاوز بجوهرها والقصد من ارتكابها مصالح الافراد الى مصالح المجتمع ككل وبالتالي تضر بمصالح وقيم المجتمع الدولي الحيوية
ب – إذا كان الجناة يحملون جنسيات أكثر من دولة او استطاعوا الهرب الى دولة أخرى
ج – إذا تمت الجريمة بتدبير ومساعدة من دولة ضد دولة أخرى.

مما سبق أعلاه يتبين لنا ان الجريمة الدولية جريمة تهدد امن وسلامة ومصالح المجتمع الدولي سعى المجتمع الدولي الى مكافحتها عبر منع ارتكابها او المعاقبة على من يرتكبها ما يميزها عن سائر الجرائم الأخرى شرط توافر الركن الدولي وبتطبيق عملي لها تعد جميع الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابي المتطرف –داعش-هي جرائم دولية لانها حققت الثلاث صور جميعا التي يتطلب وجودها لقيام الركن الدولي والذي يتطلب قيامه صورة واحدة فقط منها.

ان سعي المدافعين عن حقوق الانسان اليوم ضمن تخصص الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة يجب ان يتم دعمه بشتى الوسائل والطرق لأنهم يمثلون الجسر الواصل بين إطار القانون الدولي والعرفي وبين القانون الجنائي على مستوى النظم الوطنية بالتالي فأنهم يشكلون واحدة من أفضل حلقات الوصل بين الاطارين لمكافحة هذه الجريمة بمنعها عبر توفيرهم الإنذار المبكر او السعي الى عدم افلات مرتكبيها من العقاب عبر الرصد والتوثيق الفعال للانتهاكات المرتكبة ضمن اطار هذه الجرائم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن