هل تكرر أمريكا أخطاء عاصفة الصحراء؟

طاهر مسلم البكاء
taherbakaa@yahoo.com

2019 / 1 / 3

تتناقل وسائل الأعلام المختلفة تهيأ الأطراف المختلفة على محور امريكا وايران ،بما فيها الأستعدادات الواضحة لمواجهة قد تكون وشيكة ،وهي ان حصلت فلن تكون محدودة على رقعة معلومة ،بل ستمتد الى فضاءات واسعة وذلك لكثرة الأطراف التي تتبع كل من الطرفين المتنازعين .
لاشك في ان الحرب الأقتصادية بين الطرفين قد بدأت منذ زمن، وخسائرها لم تقتصر على هبوط التومان الأيراني الى مستويات غير مسبوقة من قبل ،وتحمل الشعب الأيراني ثقل ومآسي الحصار الأقتصادي، ولكنها شملت جوانب عديدة حيث ظهر واضحا للمتتبع أنسحاب العديد من الشركات الغربية وغيرها التي كانت عاملة في ايران ، وبدى جليا ً توقف الكثير من المشاريع الكبرى في ايران ،وقد يكون الجانب الأمريكي قد ناله الضرر وخاصة في الدعوات الأيرانية الى ترك الدولار كعملة تعامل دولية والأعتماد على العملات المحلية أو العملات الدولية الأخرى كاليورو أو الأيوان الصيني ،والعمل على تشجيع هذا المنحى الذي تتمناه الكثير من الدول ولكنها لاتجرؤ على مجرد الكلام فيه ، غير ان حرب كسر العظم هذه والتي تشابه مامورس مع العراق بعد دخول قوات صدام الى الكويت، يظهر انها لاتنفع مع أيران التي تكيفت مع الحصار الأمريكي المفروض عليها بدرجات أقل ومنذ زمن طويل ،حيث اعتمدت ايران على نفسها في كل ماتمكنت منه من ضروريات الحياة ،وقد يدفع هذا خصومها الى خوض الحرب لتحقيق اهدافهم ، وخاصة الدفع الصهيوني في هذا الأتجاه ،حيث يعتبر الصهاينة ايران العدو الأول لدويلة الصهاينة في فلسطين ،بعد انحسار التأثير العربي ،وانزواء العرب منشغلين بهمومهم الخاصة لكل بلد ،لابل ان هناك منهم من بدأ بمد جسور العلاقات مع الصهاينة سرا ً وعلانية .
التجارب الأمريكية السابقة :
لو راجعنا التجارب الأمريكية في هذا المجال ، لوجدنا ان أمريكا خاضت حروبها السابقة مع افغانستان و العراق في ظروف جميعها كانت في صالح أمريكا ،فالصدمة العالمية بسقوط السوفيت وتحول عرش العالم بيد أمريكا جعل من المنظار الدولي لها أكبر من حجمها بكثير ، كما أن تسليح كل من العراق وافغانستان لم يكن بالتسليح الحديث ،وكانت أمريكا تكاد تنفرد بكل منهما بعد ان سيطرت على مجلس الأمن واصبحت قراراته بيدها تكيفها كيف شاءت ،وتمكنت من تجيّش اكثر من ثلاثين دولة في صفها ،بعضها عربية ،ضد العراق ومع ذلك فأن خسائرها كانت كارثية بحق، فقد قدرت خسائرها بالعراق وفقا لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بحوالي 4487 عنصرا ً فقط في غزو البلاد في ما بات يُعرف بـ "عملية حرية العراق" في التاسع عشر من شهر آذار من عام 2003، بينما بلغ عدد الذين أُصيبوا جرَّاء العمليات 32000 شخص ،وهذا عدا مافقدته قوات الدول الأخرى المتجحفلة مع الأمريكان ،بينما تقدر جهات أمريكية غير رسمية عدد القتلى الحقيقي بأكثر من اربعين الف ،وعدد الجرحى بأكثر من 224 ألف ،وخسائر مادية قدرت بخمسة ترليونات دولارفي العراق فقط ،حيث ان اقتصادها لايزال يعاني منها حتى اليوم،يظهر ذلك بوضوح في بيانات وزارة الخزانة الأمريكية من ان الدين العام لأول مرة يصل إلى 21 تريليونا و13 مليار دولار ،وهو رقم مهول حقا ً حتى لدولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية .
ان كل هذه الأرقام لاتعني شيئا ً أمام الخسائر غير المنظورة، تلك المتعلقة بانهيار معنويات الجيش الأميركي وارتفاع معدل الكراهية للولايات المتحدة في العالم وتهاوي مصداقيتها حول الديمقراطية مما جعل هيبتها ومكانتها على المستوى الدولي على المحك ، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة ، ومن المتوقع أن تعلن الإدارة الجديدة قريبا بمجرد أن تضع الحرب أوزارها ، عن حجم الخسائر الحقيقية البشرية والمادية التي تكبدتها ،وهذا ماحصل من قبل في الحرب الفيتنامية ،حيث بان الفرق الهائل بين بيانات الخسائر التي كانت تعلن اثناء الحرب والبيانات الحقيقية التي كشفت بعد انتهائها .
هل أستشعرت أمريكا تهديدات جدية ؟
مما لاشك فيه ان تهديدات خطيرة وغير مسبوقة تستشعرها أمريكا اليوم لم تواجههامنذ تسيدها الساحة الدولية بأنزال العلم الأحمر من الكرملين ،في ديسمبر عام 1991،المحللون المختصون في الدراسات الدفاعية والاستخباراتية يؤكدون انتشار أسلحة في أيدي الجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط ،على أختلاف توجهاتها ،مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات ،يعتمد بعضها على نماذج أمريكية، وهي تنتج في بلغاريا والصين وفرنسا وإيران وروسيا ودول أخرى،كما انها قد تواجه الصواريخ نفسها التي سلمتها سابقا إلى جهات في الشرق الأوسط ،في مخططاتها السابقة والتي سلكتها نتيجة الأستشارة والدفع الصهيوني أكثر مما هو بحثا ً عن مصالح أمريكا ، فبأعتراف الرئيس الأمريكي ترامب ان المشروع الأمريكي في سوريا كلف أمريكا مايفوق 70 ملياردولار ،وهذا
يعكِس اعترافا ً صَريحا ً بفَشل المشروع الأمريكي في سورية ، مما يعني أن استمرار وجود هذه القوات بات مصدر خطر في ظل تصاعد العداء الأمريكي الإيراني، وتَزايُد احتِمالات المواجهة أوّلًا، واحتمالية تحوّلها، أيّ القُوّات الأمريكيّة، هدفا ً لهجمات مِن حركات عراقيّة وسوريّة مسلَّحة تجاهر علنًا بعزمها على اتخاذ المقاومة نهجا ً لإجبارِ القُوّات الأمريكيّة على الانسِحاب، كما ان تغريداته تفضح بمرارة حجم الهزيمة التي تستشعرها أمريكا ،التي فشلت في كل الدول التي خاضت فيها منازلات في بناء صورة من العالم الجديد الذي بشرت به ،فقد تحولت هذه الدول الى خرائب وأوكار للفساد رغم ان خسائر أمريكا الكلية يقدرها ترامب بسبعة ترليونات دولار .
ماهو الأفضل لأمريكا في المستقبل؟
ان كان انسحاب ترامب من سورية هو أستشعار لعظيم المنزلق الذي سلكته أمريكا،وخاصة في الشرق الأوسط ،ممايؤدي الى توخي طرق بديلة تحسن فيها أمريكا صورتها وتبحث مصالحها أولا ً بعيدا ً عن دور الشرطي، فتكسب شعوب المنطقة قبل حكامها ،فهو عين العقل والتصرف السليم ،وان كانت هذه مجرد حركة تشبه سابقاتها وأنها مقدمة للأنقضاض على فريسة جديدة قد تكون ايران ،فأنها ستكرر أخطائها السابقة مما يسرع بأنحدار أقتصادها نحو الهاوية ، ويعجل ببروز دول أخرى متربصة على الساحة الدولية كروسيا والصين وغيرهما .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن