الأطلس الثقافي لإقليم ميدلت بالجنوب الشرقي المغربي

لحسن ايت الفقيه
aitelfakih_lahcen@yahoo.com

2019 / 1 / 2

يعد إقليم ميدلت جزءا من الحوض الثقافي المدعو تافيلالت. ولئن قضي وقتا يتخبط في أهوال أزمة الهوية، منذ استقلال المغرب، إذ اقتطع من إقليم تافيلالت الجغرافي، وبات جزءا منه تابعا لإقليم خنيفرة، فقد نشأ يتجانس سوسيوثقافيا ابتداء من 6 مارس من العام 2010، يوم إحداث الإقليم، وإعلان انطلاق عمل الإدارة به، وبعد أخذ ورد، تجددت ولادته مع جهة درعة تافيلالت. ونظرا لقوة تافيلالت الثقافية، فقد التهمت ثقافيا ومجاليا كل شيء، فلا مكان للحديث عن الأطلس الكبير الشرقي بما هي هوية ثقافة مجالية، ولا شيء يذكر عن ملوية.
1- المؤثرات الثقافية في بناء الهوية الثقافية للإقليم
تعبر الطريق التجارية سجلماسة فاس إقليم ميدلت. ومعنى ذلك، أن جزءا كبيرا من الإقليم متأثر بالثقافة العالمة. ذلك أن القوافل التجارية ترقى دواما إلى قوافل علم ومعرفة، لانخراط العلماء فيها، أو لأن بعضهم يفضلون امتهان التجارة. وبعيدا عن المحور التجاري المذكور، تنشأ الزوايا، فتحتضن الثقافة العالمة. وكلما ذهبنا بعيدا تسود أنساق ثقافية غير عالمة، لا تزال تحافظ على الهوية الثقافية الأمازيغية.
كان بزوغ هوية الإقليم، ابتداء من القرن السابع عشر الميلادي، حيث شاعت الطرقية وانتظمت في زوايا ذات شأن، فكان تأسيس الزاوية العياشية سنة 1635 ميلادية، وحصلت الزاوية الوكيلية على براءة التأسيس من لدن السلطان عبد الله بن إسماعيل سنة 1758 ميلادية، ولم يبتعد الإقليم عن مؤثرات الزوايا، الزاوية الدلائية، وزاوية تلمي، وزاويا مدغرة، وزوايا حوض گير.
احتضنت الزوايا الثقافة العالمة، وتسامحت مع الثقافة غير العالمة، فانتشر التبرك بالمزارات الطبيعية، والبشرية، حامات إمغي التي تحمل اسم حامات مولاي علي الشريف، وحامات إغير التي تحمل اسم حامات مولاي هاشم، وبحيرة تيزليت، وعين تيفكيرة. وشاء خدام الثقافة غير العالمة، أن يبرزوها في المواسم الثقافية، كنحو موسم سيدي أحماد المغني يوم 07 من شهر شتنب،ر بالتقويم الجولياني، وموسم سيدي بوكيل في الليلة العاشرة من محرم، وموسم الزاوية العياشية يوم عيد المولد النبوي، وموسم سيدي عياد، قرب فج توليشت في اليوم السابع بعد مناسبة المولد النبوي المذكورة. ولليهود، الذين سلف أن عمروا بعض النقط العمرانية من الإقليم، كرامة، وقصبة عثمان أوموسى، ومدينة گرس لوين، والريش....، تأثير غير منكور على الهوية الثقافية لإقليم ميدلت، والتي تعد متعددة، بالمعنى الواسع للكلمة.
إن مواضع الثقافة بالإقليم، إن هي إلا مؤثرات في الهوية الثقافية، في حاجة إلى رسمها ضمن دليل يرشد كل باحث في الثقافة، أن تكون عالمة ضمن مخطوطات المكتبات، أو غير عالمة، أو تكون تقاليد شفاهية مناسباتية، وغير مناسباتية، طقوس الأعراس، والجنائز، والاستسقاء (الثلغنجا)، أو تتجسد في مهارات فنية ومهنية، وبعضها نشأ الضياع يلحقه. ولا يجب إغفال المواضع الثقافية بالإقليم ذات الصلة بالآثار كنحو مدينة گرس لوين الآثارية، وجبل عبد المومن جنوب شرق جبل العياشي، ومواضع قصور بني أحسن، والكهوف التي شهدت من قبل عمرانا بشريا بالجبال.
02- من أجل أطلس ثقافي بإقليم ميدلت
إن تحديد المواقع الآثارية القديمة، ومواضع الثقافة غير العالمة، مقدمة حسنة لترشيد الباحث الثقافي بإقليم ميدلت. ذلك أن الثقافة لم تستقم بعد لضعف الممارسة المتحفية بالإقليم، وغياب مندوبية الثقافة، وضعف الاعتناء بالآثار. وأمام هذه الهزالة حسن الاعتناء بالأطلس الثقافي للإقليم، أن يكون تفسيريا، أي: متحفا تفسيريا موجها، يبين المواقع الثقافية، ويمثلها طوبوغرافيا، ويقسرا الأماكينية الطوبونيميا التي لا تشتمل على دلالة ثقافية، فقط، ولكنها تؤرخ للعبور البشري من الجنوب إلى الشمال. ذلك أن تاريخ المغرب يشهد أن جل القبائل المغربية عبرت جبال الأطلس وتركت بصماتها بحوض ملوية، أن خصصت أسماء للأماكن بلهجاتها، ومعلمت الأرض بمقابرها. وبالاعتناء بهذه الأسماء، وفك شفراتها يغتني الأطلس الثقافي لإقليم ميدلت.
03- المؤسسة والمؤسسة الثقافية بإقليم ميدلت
نشأت المؤسسية كنهج حديث يغشى الثقافة بإقليم ميدلت في الآونة الأخيرة. وإذا كانت الجمعيات وحدها ترافع، لا من أجل النهوض بالثقافة بالإقليم، ولكن من أجل تحقيق الالتقائية، أيضا، إذ تدفع على إشراك المصالح الإقليمية والجماعات الترابية للقيام بالفعل الثقافي. ويجب التسجيل هنا، أن مشروعين كبيرين كادا يلمسان موضع العطب، جمع التراث الشفاهي بتافيلالت الذي حمله فرع اتحاد كتاب المغرب بالرشيدية، فأصدر موسوعة من ثلاثة مجلدات غشي بعضها منطقة الريش، وجزء كبير من إملشيل، وهو من تمويل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالرشيدية، ومشروع إحياء الذاكرة الجماعية الذي حملته جمعية أخيام في إطار برنامج جبر الضرر الجماعي، والذي موله الاتحاد الأوروبي، واحتضنه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (سابقا). وأما الانتباه إلى وضع الزاوية العياشية فلم يشهد نزول الممارسة الجمعوية عدا ما قام به اتحاد كتاب المغرب فرع الرشيدية، من تدوين أشعار الشيخ أبي سالم العياشي في بحر سنة 2006.
إن الزاوية العياشية، وما تحتضنه من تراث ثقافي شفاهي، وتراث ثقافي مدون، مؤهلة لتنطلق منها الالتقائية. وحسبنا أن أقدمت المكتبة الوطنية بالرباط على تنظيم يوم دراسي حول الزاوية العياشية يوم 26 من شهر أبريل من العام 2010، وهو نشاط فتح المجال لتعبئة الموارد البشرية، لتعدد من يحنون إلى إنقاذ هذا التراث، بما هم أفراد، أو شركاء مؤسساتيين. وشكل موسم سيدي أحماد المغني من سنة 2003 موضعا للالتقائية، إذ نشأ يستقطب الجمعيات إلى جانب الجماعة الترابية بوزمو، والمجلس الإقليمي، وشركاء آخرين.
وإذا كانت الثقافة في علاقتها بالمؤسسة قد بدأت تسعها الالتقائية، فإن الدعم المخصص للثقافة هزيل للغاية. ذلك أن الجماعات الترابية، وإن كانت تخصص بعض الدعم فإنها تؤسسه على معايير ذاتية. فالعمل بالمقاربة التشاركية، وبدعم الالتقائية كفيل بالانطلاق الحسن لجعل الممارسة الثقافية ممارسة مؤسسية بامتياز.
ولم يتقدم الإقليم في الصناعة الثقافية، فلا مطابع ولا دور النشر، ولا فضاءات للتصوير السينيمائي، وإن كثرت أماكن يمكن أن تجلب هواة السينيما.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن