لا يمكن للمسلم الانسحاب من تاريخ يتشكل ..

مروان صباح
marwansabbah@outlook.com

2019 / 1 / 2

لا يمكن للمسلم الانسحاب من تاريخ يتشكل ..

مروان صباح / إذا صح القول ، بالطبع انطلاقاً من سجل طويل من التاريخ ، بأن الشرق والغرب لا يلتقيان الا باستثناءات أدبية كما جمعهم الأدب الروسي في بوتفة واحدة ، فإن الحقيقة الراسخة والوحيدة ، قد التقوا فعلياً لكن ليس سوى على شكل تنوع ايضاً شكلي لا أكثر ، ففي القرن السابق شهدت المجتمعات ثلاثة عقول قد أعادوا بطريقتهم تأسيس مفاهيم هي ثابتة كانت ومازالت من الصعب تجاوزها أو التغلب عليها وبالرغم من سلسلة إجراءات بشرية جادة هدفت من أجل التعافي منها ، على سبيل المثال الإسلام سبق الجميع بخطوات عندما وضع نظام ينهي ويحرر العبيد ومع ذلك ظل قائماً طوال مدّة الحضارة الإسلامية ، على الأخص عندما انتقل حكم الدولة من المسجد إلى القصور ولأن دائماً كانت المشكلة تكمن في عدم تطبيق أصحاب المراكز للقانون وهذا ايضاً إذ دل يدل على أنها كانت ومازالت المسألة أخلاقية لا شيء أخر ، فقد قدم بيير بورديو عالم إجتماع فرنسي من خلال أفكاره ، الورثة والتمييز وضرورة اعادة الإنتاج / بمفهوم العنف الرمزي ، أي أن المسيطر يقلده التابع تماماً كما هو عند ابن خلدون ، أما العقل الثاني هو صموئيل هانتينغنو عالم سياسي أميركي قد شرح من خلال أطروحته صراع الحضارات ، بنيوية الحروب المستقبلية ، أما العقل الأخير هو ادوارد سعيد منظر وأديب فلسطيني أمريكي ، حاول من خلال كتابه الاستشراق تفكيك الخطابات السياسية المتشددة والهيمنة الكولونيالية ووظيفتها التاريخية في الشرق .

منذ اعتماد الكنيسة مشروع إسقاط الأندلس من أيدي المسلمين بدأت حركة الاسترداد بمفاعيل شاملة ومنذ ذلك اليوم بدأت إعادة دراسة الشرق من خلال مستشرقين جدد تارة بحجة التجارة وأخرى تبشرية واطوراً بهدف زيارة الأماكن المقدسة ، كان ايضاً قد تأسس قبل ذاك اليوم ، الغيتو السياسي ( العقل الغيتوي ) الذي يهدف إلى محاصرة الذات من تهديد الإسلام الكامن والذي اعتبره المستشرقين بأنه حالة ديمومية متيقظة الذي يتطلب في كل محاولة جديدة إخماده ويُفضل بمهده ، وبالتالي اجتهد المستشرقون معرفة خطابات المناهضون وكيف تشكل لديهم وللآخرين يقظة من الإمبرالية التى تهدد وجودهم وهويتهم عبر مالات الصهيونية والمشروع الاستعماري المتجدد وهذا يفسر بشكل جلي غير قابل للتأويل وطالما بنيوية الشعوب والدول قائمين على أفكار قابلة التمدد وبسهولة ، فإذاً الاستشراقيون والمناهضين ايضاً يشتغلون بما هو متمدد من أفكار ، ليس متاحاً لهم تماماً كما الدول الانفكاك من تاريخ يتشكل على أرضية الماضي لهذا نجد بأن صموئيل هانتنغتون في كتابه صدام الحضارات قد أحرز شهرة سهلة وواسعة لم يحتاج لجهد كبير بتسويق عمله وهذا ايضاً قد حصل تماماً مع أدوارد سعيد الذي مهد العملين في إنشاء مدرستين جديدتين ، السعديات والصموئيليات .

تحول المصطلحان ، الاستشراق والاستغراب إلى مصطلحين طبيعيين بالقاموس العلمي للطرفين ، وبالتالي شكلت أفكارهما خندقين يعتقد كل واحد منهما يمثل الخير والاخر العكس ، وبالرغم من محاولة أدوارد سعيد التفكيكية للخطابات الغربية المهتمة بالشرق ومحاكاة مجتمعاتها إلا أن الأعمال الدارسة للشرق والتى حاولت عبر مئات الشخصيات تفكيك الشخصية الاسلامية انتصرت في توحيد مفاهيم قاصرة لا ترتقي إلى مقارنات متماسكة ، فجاؤوا بثقافة مختزلة وبمنطق عمومي يظهر الحجاب والبرقع وتعدد الزوجات واضطهاد المرأة كمبرر منطقي في مجتمعاتهم من أجل إعادة الهيمنة الكولونيالية على الشرق وعندما اُستهلك المجتمع الاوروبي بخطاب معتاد انتقلت الأسطوانة من التضيق الإجتماعي والانغلاق العام إلى فوبيوية التطرّف السياسي ، وبالتالي وظفت آلة الإعلام الغربية منذ الحرب الباردة تلك الرمزية الدينية لمفهوم الجهاد في الإسلام لصالح حربها على المسلمين سياساً وأيديولوجيا ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما ساهمت في دعم مجموعات يعلو الوهم والدجل والشعوذة والثأر الطائفي والفن الهابط الذي وضع المسلم بين تصنيفين فقط التطرّف والظلام .

مازال الشرق يعاني من مشكلة أساسية ، فالناس بتقديري لم يبتعدوا عن الدين أو أن الدين لم يكن المشكلة الذي يعلق عليه الكثير إخفاقات المجتمع ، بل المسألة تكمن بتخلي الناس عن الأخلاق الذي قسم المكون الإنساني ( المسلم ) إلى قسمين ، وبالرغم من محاولات الاستنهاضين القرن الماضي أمثال محمد عبده وغيره ، الذين اكتشفوا الامتزاج بين روح الوطنية والحس القومي والكمال الديني كما عبر عنه فوكو برفضه للثورة الإسلامية كونها عاجزة عن التغير طالما الفاعل الحقيقي على الأرض قادم من الخطاب الثورة الدينية الأولى والذي أشار عنها بالكاملة والنقية ، لأن دارس مكنون الفرد المسلم يجد بأن العقلية الشرقية مبرمجة بشكل اتوماتيكي على تعليم القرأن والقرأن حتى لو كان غير محفوظ نصاً في عقله إلا أنه فاعل بشكله العفوي في ممارسته أو كما يسمى علمياً بالقيد العقلي وهذا يظهره المهاجر في الغرب عندما يتعرض إلى اضطهاد معين ، يدافع عن ثقافته الدينية أمام هيمنة الكهنة القدماء المتوارين خلف أقنعة العَلمانية الجديدة الذي يكشف ايضاً عن أغطية وهمية لدي الطرفين ، صحيح أنهما غير مرتبطين بها إلى حد الالتزام لكنها حاضرة كهوية لا يمكن تخطيها أبداً بل يصل الدفاع عنها حد التضحية .

يضاف إلى كل ما اسلفناه ويتوجب احتسابه كعنصر حاسم كلما حاول المسلم وعلى الأخص العربي إتخاذ خطوة نوعية نحو استنهاض مصيري عصري ، بأن الفكرة الإلهية قامت منذ الخلق الأول على الفرد وليست الجماعة ومن ثم على فئة قليلة قادرة على تحقيق الهدف الأسمى للإنسان ، وهي دلالة تشير عن عدم شروطية إيمان المجتمع بالكامل كأساس شارط لنهضة الأمة أو انتصارها لكن إخفاقات الأفراد والفئة القليلة كانت وراء الفوضى العارمة في المنطقة ، في اعتقادي تبقى المسألة الأهم أكاديمياً ، جميع ما كتب عن الإسلام السياسي هو نتاج استشراق سابق لم تجري تحقيقات حقيقية أو استجواب لحقيقة المكون المسلم اجتماعياً ولغوياً وثقافياً ودينياً وسياسياً وهذا يجعلها أعمال منحازه وغير مفيدة علمياً لأنها تفتقد للمقارنات المتماسكة والمقاربات العلمية بين نظام وضعي وأخر عرشي . والسلام
كاتب عربي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن