قراءة في كتاب(اينشتاين ،بيكاسو المكان والزمان والجمال الذي ينشر الفوضى)

نصيف جاسم محمد
nsiyfjassem@gmail.com

2018 / 12 / 28

- المؤلف أرثر أي ميللر.
- ترجمة عارف حديفة ،مراجعة منير الطيباوي
- هيأة البحرين للثقافة والأثار، ط 1 (2017) بواقع(575) صفحة من القطع المتوسط.
لاشك إن الدور الذي أداه كل من اينشتالين وبيكاسو هو دور عظيم كل في مجاله ، بل هما مفصلان مهمان في حراك العلم والفن ومعطياتهما أسهمت بشكل مباشر في تغيير الطريقة التي نفكر فيها والقت تلك المعطيات بظلالها على المنجز العلمي في إشتغالاته كافة والمنجز الفني الذي شرع في البحث عن مثابات جديدة في وقت كان الإجتهاد الإبداعي في الفن يتشكل بوتيرة متصاعدة هنا وهناك من قبل ثلة من الفنانين الإبداعيين، وشكل اينشتاين الذي أدت استنتاجاته البرهانية إلى تفسير العديد من الظواهر العلمية التي فشلت الفيزياء الكلاسيكية في إثباتها. بدأ أينشتاين "بالنسبية الخاصة" التي خالفت نظرية نيوتن في الزمان والمكان لتحل بشكل خاص مشكلات النظرية القديمة فيما يتعلق بالأمواج الكهرومغناطيسية عامة، والضوء خاصة، وذلك ما بين أعوام (1902 - 1909) في سويسرا. أما "النسبية العامة" فقد طرحها عام( 1915) ،إذ ناقش فيها الجاذبية، وتُمثل الوصف الحالي للجاذبية في الفيزياء الحديثة، وتعمم النسبية العامة كل من النسبية الخاصة وقانون الجذب العام لنيوتن بتقديمها لوصف موحد للجاذبية على أنها خاصية هندسية للزمان والمكان، أو الزمكان، وبيكاسو الذي أظهر شغفه ومهارته في الرسم منذ سن مبكرة، وبحلول عام( 1905) كان بيكاسو قد أصبح من الرسامين المفضلين لدى إثنين من جامعي اللوحات الأمريكيين وهما الناقد الفني ليو شتاين وأخته الكاتبة جيرترود شتاين، ومن بعدهما أصبح الأخ الأكبر مايكل شتاين وزوجته سارة أيضًا من جامعى لوحات بيكاسو. وقد قام بيكاسو برسم بورترية للكاتبة جيرترود وابن أخيها ألان شتاين، ومن بعدها أصبحت جيرترود هي الراعى الرسمى لأعمال بيكاسو إذ كانت تحصل على رسوماته ولوحاته وتقوم بعرضها في صالون منزلها بباريس. وفي إحدى هذه التجميعات لأعمال بيكاسو في منزلها عام 1905 التقى بيكاسو بهنرى ماتيس والذي أصبح فيما بعد صديقه مدى الحياة وكذلك منافسه. وخلال هذه اللقاءات تعرف بيكاسو بكلاريبيل كون وأختها إيتا كون، واللتان كانتا من جامعى اللوحات الأمريكيين والتي بدأتا في جمع لوحات بيكاسو وماتيس.
تضمن الكتاب الحالي سرداً يعتمد المقارنة في الحديث عن كليهما من خلال عديد العنوانات التي حاول من خلالها المؤلف سبر غورهما من ذلك :
ماسح أحذية وسيم ، الجمال الرجولي الذي أوقع مثل هذه الفوضى ، كيف اكتشف بيكاسو انسات افينيون ، براك وبيكاسو يستكشفان المكان ، عام المعجزات كيف إكتشف اينشتاين النسبية ،الإبداع في الفن والعلم ، فضلاً عن عنوانات أُخر ، ومن خلال تصفح الكتاب نقف امام بعض المنعطفات التي نرى إنها جديرة بالقراءة ، ففي صفحة(15) يشير الكاتب إلى "أن الإتجاه العام للجدال وسط مؤرخي الفن هو إن أُصول التكعيبية موجودة في فن بول سيزان والفن البدائي وهذا الرأي يهمل بالكلية كيف أسهمت التطورات المذهلة في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا في تعريف الطليعة بالذات ، ومن المعروف منذ وقت طويل إن أُصول العلم لم تكن قط في داخل العلم نفسه بالكلية ، واذا لماذا ينبغي ان تكون أُصول الحركة الفنية الأكثر تأثيراً في القرن العشرين في داخل الكلية" نفهم من هذه الإشارة إلى الجدل الذي مازال يلف أغلب البدايات الفنية التي أسست لتوجهات الفن الحديث والحوارات التي مازالت مستمرة في تثبيت الكثير من الوقائع سواءً إن كان ذلك يشتمل التكعيبية أو غيرها الذي يرجعها البعض الى الفنون البدائية ، أو لما أنتجته التقاليد الافريقية وغيرها ، وفي صفحة (91) يذيل الكاتب الموضوع بمقولة إلى اينشتاين " اذا حالفني الحظ وإجتزت إمتحاني بنجاح ساذهب إلى معهد البوليتكنيك في زيورخ، سأبقى هناك أربعة أعوام لكي أدرس الرياضيات والفيزياء، أنا أحلم أن أصبح مدرساً لهذين الفرعين من العلوم الطبيعية ومتخصصاً في القسم النظري ...ثمة إستقلال ما في المهنة العلمية يروقني كثيرا"، وهو مايؤشر الجانب الظاهر من طموحات شاب مازال يريد التعلم فقد كان طموح المعلم واضحاً في نمط تفكيره الذي يمكن أن يقوده في وقت لاحق لإلى تحقيق مايصبو اليه وهو الذي تحقق عن طريق تثوير الملكة العقلية العلمية في حراكه داخل مختبرات التفكير العملياتي مقابل عديد الإخفاقات التي مر بها وغيرها في الطريق إلى النسبية التي غيرت نمط التفكير العلمي المنهجي ، وفي صفحة (173) يكثر الكاتب الحديث عن عمل إبداعي مهم لبيكاسو الا وهو (انسات افينيون ) التي قال عنها بيكاسو إنها تعويذتي الأُولى ، بالفعل فقد كانت مفصلاً مهماً في الحالة الإنتاجية له ويتساءل الكاتب "مايهمني ليس كيف صاغ بيكاسو "الانسات" على نحو مافعل ، بقدر ما هو لماذا ؟ وذلك يتضمن سعي بيكاسو إلى إنتاج عمل فني يضاهي منجزات العلم الرائعة . " وهنا يريد أن يسبر غور عقل فنان وأكيد إن ذلك بيدو صعباً لاسيما وإن بيكاسو لم يشر إلى مايتعلق بتفصيلات مكتوبة ، وهنا كذلك تبقى للناقد قراءة قد تكون في محلها أو لاتكون لاسيما في الاشارة إلى الفن الزنجي وإنكار بيكاسو لمعرفته به لأن الملامح والتأثيرات الإفريقة توافرت في الكثير من لمسات أعماله ويحاول الكاتب ان يضع بيكاسو في زاوية إعتراف ضيقة وإن لم يقل بها بيكاسو ذاته فضلاً عن عديد الإمثلة التي تؤشر جوانب من تناقضات بيكاسو، لاسيما في محاولاته البحث عن فضاءات تصويرية جديدة وهو الذي دخل في حوارات عديدة في زمن أُتخم بالمفكرين والمنظرين المعروفين ، كما حاول الكاتب مناقشات أبعاد تفصيلية في بناء انسات افينيون والجنسانية التي غلفتها وإن كانت مضمرة في بعض من جوانب ترميزاتها البصرية، بهذا الصدد يشير في صفحة (220) إلى أن "الرسوم الاولية للانسات التي صاحبت إبداع اللوحة هو شيء فريد ليس في حياة بيكاسو فقط ، بل في لانظير له ، بالنسبة إلى صورة واحدة. في تاريخ الفن كله " وفي صفحة (253) يشير إلى براك وبيكاسو بقول يعود إلى الأخير " كان عملنا في ذلك الوقت ضرباً من البحث المخبري أُستبعد منه أي تظاهر بالغرور الفردي، ينبغي لك أن تفهم هذا الحالة النفسية" أي إن ما كان يقومان به لايعدو عن كونه تجريب وهي شراكة غير مسبوقة بين إثنين يحملان قلق المبدع قبل كل شيء لاسيما وإن براك نظر إلى الانسات وكأنها لوحة إبتعدت كثيراً عما هو مألوف في صناعة العمل الفني حينها، بل عدها أُسلوباً جديداً في الرسم لاسيما في دراسة مفهوم المكان الشغل الشاغل لبراك ، وفي صفحة (343) يشير إلى إكتشاف اينشتاين للنسبية برسالة بعثها انشتاين إلى ميشيل بيسو "اثار إهتمامي للغاية إنك تخطط للعودة إلى دائرة براءات الإختراع ، ففي ذلك المعتزل الهادىء طورت افضل أفكاري وقضينا أياماً رائعة " ويبحث في التفصيلات التي رافقت الوصول إلى النسبية ، كما يشير في صفحة (358) إلى حب اينشتاين للموسيقى وموتزارت وباخ ذات البنيان الرفيع وفي صفحة (363) يشير إلى تنبيهات اينشتاين حول الإكثار من التحليل التصوري وإن" نظرية النسبية وثيقة الإرتباط بنظرية المكان والزمان، لذلك سأبدأ حسب قوله بإستقصاء مختصر لأصل أفكارنا عن المكان والزمان" وهنا يشير إلى إحترام اينشتابن لبوانكاريه الذي أدرك الحقيقة بوضوح . كما اشار إلى مقاربة اينشتاين للديناميكا الحرارية وإكتشافه للقوانين الصحيحة بالجهود الإستدلالية القائمة على حقائق معروفة وتواصله مع بوانكاريه حول طبيعة الزمان، وفي عنوان أخر يعود إلى قول اميل بوريل: لم يكن يخطر لي بالفعل أن يكون اينشتاين قادراً على ذلك " بعد عشاء في منزل اميل بوريل،سألت بول فاليري (اينشتاين) عندما تخطر لك فكرة كيف تتدبر أمر تذكرها ؟ دفتر ملاحظات ، قصاصة ورق ، ..أجاب اينشتاين : فكرة هذا نادر جدا؟ لقد واضبت حسب قوله على البحث ونجحت في صوغ نظرية جديدة وجريئة في المكان والزمان .
في عنوان اخر"الابداع في الفن والعلم ) صفحة (459) يشير إلى قولين مهمين لأنشتاين وبيكاسو ، يقول الاول "التفكير من أجل التفكير !عندما لايكون لدي مشكلة خاصة أُشغل بها عقلي ، أُحب أن أصوغ من جديد براهين نظريات رياضية وفيزيائية أعرفها منذ عهد بعيد ، وهذا لايهدف إلى شيء ، بل هو فرصة للإستغراق فقط في التفكير الممتع" أما بيكاسو فيقول" الأمر المهم هو أن نبدع ،لاشيء أخر يهم :الإبداع هو كل شيء . نفهم من خلال القولين الهاجس والقلق الإبداعي عند كليهما، القلق الذي أدخلهما القرن العشرين من خلال فتحهما لبوابات التحديث والتطوير والتغيير ودمجهما لنمط التفكير القديم والحديث ، الواقع إن الكتاب جدير بالقراءة وتفحص ثنياته وهو إضمامة مهمة للمكتبة المعرفية التي تبحث في تقصي مجمل العلاقة الإبداعية في نشاطين قد يكونا مختلفين إلا انهما في الواقع واحد .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن