خالد الكيلاني يكتب : مقتل السادات ونظرية حبة الشوينجوم ( 1 من 2)

خالد الكيلاني
khalidelkilany@gmail.com

2018 / 12 / 26

كان وسوف يظل مقتل السادات في 6 أكتوبر عام 1981 لغزاً محيراً …
السادات تم إغتياله ظهر يوم 6 أكتوبر عام 1981 في منصة العرض العسكري المقام بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر المجيد على يد 4 أشخاص منهم ضابطان بالجيش المصري هما الملازم أول خالد الإسلامبولي ( ضابط عامل باللواء 333 مدفعية ) والملازم أول مهندس إحتياط عطا طايل حميدة رحيل ، وحسين عباس قناص بالقوات المسلحة وعبد الحميد عبد السلام ضابط سابق بالدفاع الجوي ينتمون جميعهم لتنظيم الجهاد الإسلامي ( المنبثق عن جماعة الإخوان ) .
تلك كانت الرواية الرسمية للحادث ، والتي ماتت بإعدام هؤلاء المجرمين فجر يوم 15 إبريل عام 1982 بعد محاكمة قصيرة أمام المحكمةالعسكرية العليا ، ومعهم أميرهم والمخطط للإغتيال والمنظر الفكري لتنظيم الجهاد ، وهو الشخص الذي وضع أول سطر في قضية مقتل السادات قبل اغتياله بعدة أعوام وذلك بمؤلفه الصغير الحجم والذي حمل عنوان " الفريضة الغائبة " الذي اعتبره الكثيرون أنه كان ترخيصاً بقتل السادات ، إذ كان يدعو إلى الجهاد على أساس أنه الفريضة الغائبة .
ولكن السؤال الذي ما زال يطرح نفسه حتى الآن هو : هل يمكن لأي تنظيم مهماً كان أن يقوم بإغتيال رئيس الجمهورية في عرض عسكري وسط قوات الجيش ، بينما هو يجلس على المنصة وسط أركان حكمه ؟!!! .
وكيف لم يكشف جهاز المخابرات العامة المصرية وجهاز المخابرات العسكرية وأمن الرئاسة ( المسئول عن حماية الرئيس شخصياً ) وبقية أجهزة الأمن الأخرى هذا المخطط الذي دبره ونفذه عدد قليل وضباط صغار في القوات المسلحة ، دون أن تعلم تلك الأجهزة بمخططهم هذا ؟!!! .
بل كيف لم تكشفه ال CIA ( المخابرات المركزية الأمريكية ) والتي كانت قد تغلغلت في كل شيء في مصر ، منذ أن فتح لهم السادات أبواب مصر على مصراعيها منذ عام 1974 ، خاصة وأن السادات كان رجل أمريكا الأول والأثير في مصر والمنطقة في ذلك الوقت ؟!!! .
أم أن الأمر وراءه مؤامرة كبرى لم يحن الوقت بعد لكشفها كاملة … وسوف نظل ننتظر سنوات طويلة حتى يحين الوقت لكشف وثائق وأسرار المخابرات المركزية الأمريكية لنعرف القصة الحقيقية ؟؟؟ .
وهل كان هناك أطراف أخرى وشخصيات كبرى شريكة في المؤامرة ، ربما بغير علم المنفذين أنفسهم ؟ … وهو الأمر الذي كنت - وما زلت - أميل إليه دوماً ، وحتى الآن .
فمن المعروف أن التنظيمات الإرهابية الإسلامية منذ نشأتها الأولى على يد حسن البنا عام 1928 ( جماعة الإخوان المسلمين ) ، وحتى أحدث إصداراتها وتنويعاتها ( داعش والقاعدة وأنصار بيت المقدس وجبهة النصرة وغيرهم … إلخ ) تعمل دائماً Under Control لأجهزة المخابرات الغربية خاصة جهازي ال MI6 البريطاني وال CIA الأمريكي .
ومن المعروف أيضاً أن أجهزة المخابرات الغربية الكبرى قد توصلت - مع الوقت والخبرة - إلى كيفية إستخدام التنظيمات الإرهابية التي تعمل تحت راية الإسلام في تنفيذ أغراضها ( أغراض تلك الأجهزة ) دون أن يعلم أفراد تلك التنظيمات أنهم يعملون لحساب تلك الأجهزة ، بل وهم يحسبون أنهم يفعلون ما يرضي الله ورسوله ، سواءً عن طريق إختراق تلك التنظيمات بعملائها ، أو عن طريق تجنيد زعماء تلك التنظيمات ، أو عن طريق تكوين تلك التنظيمات من الأساس ( تشكيل جماعة الإخوان عن طريق المخابرات البريطانية في البداية ، ثم تشكيل القاعدة وداعش وكل التنظيمات الإرهابية الإسلامية التي تم تشكيلها منذ عام 1979 وخصوصاً بعد 11 سبتمبر عام 2001 ) .
فهل كانت عملية إغتيال السادات عملية إستخباراتية أمريكية بالأساس ، وأوكل تنفيذها لأفراد من تنظيم الجهاد في مصر ، سواءً كان هؤلاء الأفراد يعلمون أنهم يقومون بالعملية لحساب الإدارة الأمريكية أو لا يعلمون ذلك ؟؟؟
كان أنور السادات - خاصة بعد حملة إعتقالات سبتمبر 1981 في مصر - قد أصبح " كارت محروق " لدى الأمريكان ، فقد نفذ تماماً كل ما هو مطلوب منه وأكثر ، فقد حول إنتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر عام 1973 إلى ما يشبه إنتصاراً بطعم الهزيمة ، وقبل من الشروط الأمريكية والإسرائيلية ما لم تقبله مصر وهي مهزومة عام 1968 ، ووضع 99 ‎%‎ من إرادة مصر في يد الصديق الأمريكي ، وحول مصر ومعظم المنطقة العربية من أكبر حليف للإتحاد السوڤييتي إلى عدو لهذه الدولة العظمى التي ساندتنا في الحرب وفي بناء صناعتنا وإقتصادنا قبلها … ولم يعد لدى السادات جديداً يقدمه لأمريكا وإسرائيل والغرب ، خاصة بعد أن أصبح معزولاً عربياً بعد توقيعه على معاهدة الصلح المنفرد مع إسرائيل عام 1979 ، ومعزولاً ومكروهاً داخلياً بعد أن اعتقل كل رموز المعارضة في فجر يوم 5 سبتمبر عام 1981 .
وطبقاً للمنطق الذي تعمل به الإدارات الأمريكية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية " منطق حبة الشوينجوم " ، والذي يقوم على نظرية إمتصاص حبة الشوينجوم ( اللبان ) حتى ينتهي ما بها من سكر ، ثم بصقها على الأرض بكل قوة وقسوة … فقد كان يجب على السادات أن يرحل تماماً ، ويتسلم الأمر من بعده وجه جديد لم يحترق بعد ، وهو ذات المنطق الذي سبق وأن فعلته أمريكا قبل السادات مع شاه إيران محمد رضا بهلوي ، ثم مع نورييجا ديكتاتور نيكاراجوا ، ومع الكثيرين غيرهم من حكام العالم الثالث .
ولكن يبقى السؤال الأهم : هل كانت هناك شخصية كبيرة في مصر تعلم بهذا المخطط وتوافق عليه ؟ .
المبدأ القديم الذي ترسخ - منذ إكتشاف علم الجريمة - في كل جريمة قتل هو : فتش عن المستفيد …
فمن هو المستفيد داخلياً من إغتيال السادات ؟ ، بالطبع ليست جماعة الجهاد التي قامت بالإغتيال ، ولا كل الجماعات التي تعمل تحت راية الإسلام في مصر والعالم ، فقد كانت تعلم أن إغتيال السادات - سواءً فشل أو نجح - هو نكبة كبرى جديدة لها ولأعضائها ، وكانت تعلم أيضاً أن إغتيال شخص الرئيس لا يمكن أن يؤدي لتغيير النظام في مصر وإحلال نظام إسلامي على غرار إيران محله … خاصة وأن الأشخاص الأربعةالذين قاموا بالإغتيال لم يصوبوا رصاصاتهم سوى لأنور السادات فقط ، بينما كان يجلس على يمينه السيد محمد حسني مبارك نائب الرئيس والسيد صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب ، وعلى يساره المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع والسيد فؤاد محيى الدين رئيس مجلس الوزراء ، وفي المنصة كل قيادات مصر المدنية والعسكرية ، ولو كانوا يريدون إسقاط النظام أو يستهدفون القيام بإنقلاب عسكري لقتلوا كل هؤلاء ، ولكنهم لم يكونوا يستهدفون شيئاً من ذلك … كانوا يستهدفون فقط قتل السادات .
وحضور واقعة الإغتيال قالوا في التحقيقات أن الإسلامبولي وشركاءه ، عندما رأوا الرعب والخوف في عيون الجالسين على المنصة قالوا لهم بصوت جهوري وهم يشيرون للسادات : " نحن لا نريد سوى هذا " … وكان كل همهم بعد أن سقط السادات على الأرض أن يجهزوا عليه ويتأكدوا من موته ، فقفز الثلاثة على المنصة وهم يصوّبون نيرانهم نحو الرئيس ويمطرونه بالرصاص في كل أجزاء جسده رحمه الله .
من كان في مصر يعلم ويشارك بالسكوت ؟
فهذا ما سوف نجيب عليه في الحلقة القادمة غداً …



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن