(( جوانب لا بدّ من الالتفات إليها / الشاعر د. وليد الصراف ))

حسناء الرشيد
gaidaarasheed1@gmail.com

2018 / 12 / 18


عُرفَ بكتابته للشعر الخطابي , والذي نجدُ بين سطور أبياته أحاديثاً قد تطول وقد تقصر عن أحباب قد غيبتهم ظروف الحروب وما يعقبها من تهجيرٍ و قسر بوصفه لأحداث تاريخية قد تكون بالغة الحزن والألم , وبكتابته كذلك عن و وطنٍ مُضيَع أو ( ميتٍ ) ربما , وفي خضم كل هذا قد يغيبُ عن القارئ ما لدى الشاعر وليد الصراف من جوانب أخرى تفيضُ عذوبةً وجمالاً لدرجةٍ قد تصيبهُ بالدهشة فيجدُ نفسه وهو يتساءلُ أثناء قراءته إن كان شاعرُ تلك القصائد هو ذاته في الحالتين , أم لا ؟ وهذا ما حصلَ معي تماماً مما دعاني للكتابة عمّا يكون قد غاب عن بال الكثيرين ممن قرؤوا له .
ولأن عنوان قصيدة ( قميصَ لزليخا ) قد لفت انتباهي للغاية ودعاني للتوقف عنده فقد آثرتُ أن أبدأ كلامي عن هذه القصيدة تحديداً , فكلنا يعرف أن القميص لم يكن لزليخا بل كان لنبي الله يوسف , لكن الشاعر لا يكفّ عن إصابتنا بالدهشة عن هذا الحدّ حين يقوم في هذه القصيدة بتقمص شخصية امرأة ويشرع في الحديث عن لسانها وهي تعاتبُ حبيبها الراحل عنها بكلمات بالغة العذوبة
هلّا تذكرتَ ان طار الغرامُ بنا
من وهدة الهمس حتى ربوة القُبَلِ

وراحَ يُلقي علينا الليلُ بُردتهُ
والنجم يحرسُ ظلينا على وجَلِ

وجاءت الريح لهثى فرط ما ركضت
سعياً لأنفاسنا من أبعدِ السُبُلِ

وأقبلَ البحرُ من أقصى سواحلهِ
واندسَ في ريقنا يسعى إلى البللِ

وأسرعَ الدهرُ يغشى كهف لحظتنا
كأنهُ لم يجد مأوى من الأزلِ

وراح ما دار في الأحقاب أجمعها
يدورُ أجمعهُ فيها على عجلِ

وانسابَ همسكَ عند اللثم يفعلُ بي
ما الخمرُ تفعلُه بالشاربِ الثملِ

فصرتُ كل نساء الكون في امرأةٍ
وصرتَ كل رجال الأرض في رجلِ

ويا لها من مشاهد رائعة بين عاشقين تمكن الشاعر من تجسيدها بصورة دقيقة .

ومن الملفت للانتباه في هذه القصيدة , أن الشاعر قام باستخدام بعض الإشارات المستنبطة من آيات القرآن الكريم ( والتي سأقوم بوضعها بين هلالين كي تتبين لكم ) :

وحين ( آنست ناراً ) رحتَ تتبعها
دوني وتعذلني فيها على كسلي

فضعتَ مني ( بوادٍ غير ذي ولهٍ )
ألم أقل لك لا تذهب , ألم أقلِ ؟

ثم يسترسل في العتاب الموجع الذي ينقله عن تلك العاشقة :

وقلتَ مالكِ بعد اللوم صامتةً ؟
بل قد نطقتُ وكانت أدمعي جُمَلي

وما لوجهكِ لا يحمرّ من خجلٍ
وهل تركتَ دماً في الوجه للخجلِ ؟ ( والتساؤلات هنا تدلّ على مدى فداحة الألم الذي تسبب به ذلك الحبيب لها )

وهي تختم كلامها معه بكلمات بالغة الحزن حين تقول :

سجنتني تاركاً إياي في جسدي
أدقّ قضبان أضلاعي بلا أملِ

ومثلما يكرهُ المطعون طعنتهُ
أصبحتُ أكرهُ فيه موضع القُبَلِ !!!

أما في قصيدته ( مرآة لامرأةٍ عراقية ) فهو يتكلمُ فيها عن جانبَ آخر من وطنه , والذي لم يكن الجانب المؤلم أبداً :
يا عطرها يا دمي يجري ولا أحد
في الناس يدري بما يجري فيدركني

ثم يردف :

يا ملتقى شفتيها حين تبسمُ يا
جسراً إلى الموت قبل الموت يأخذني ..

ونحنُ نجد أن القصيدة تضجَ بالمناداة في كل أبياتها تقريبا , وهذا مما قد يُصنف على أنهُ مما قد يُصيب القصائد بشيءٍ من الركّة بسبب تكرار ذات المفردة :

يا ثوبها ضاق مما بات يكتمهُ
فراحَ عن بعض ما يدري يُحدثني

و ..

يا برق نظرتها في لحظةٍ كنزت
ما مرّ في الأرض منذ الخلق من زمنِ

ثم يتساءل :

كيف اختصرت وأنت البيد واسعةً
والرافدان بهذا الوجه يا وطني ؟

ويا لهُ من تساؤل رائع قد يدعو للصمت فهو برأيي سيكون أبلغ حقاً .

ثم يستأنف مناداته :

يا قدّها يا عراقاً حلّ في امرأةٍ
وحلّ تاريخهُ في وجهها الحَسَنِ

ويبدو أن الشاعر لا يكفّ عن الكلام عن العراق حتى حين يودّ أن يغازل حبيبته كما قرأنا في أبيات القصيدة التي تضمنت الكثير من الإشارات للوطن الحبيب .

و للغزل حصته الكبيرة في قصيدة ( فاتنة ) , والتي يخبرنا فيها أن حبيبتهُ تشبهُ تلك اللوحات التي أصرّ رساموها على إظهار الفتيات فيها بمظاهر بالغة البساطة من غير تزويق أو زينة :

حلّت جدائلها والصمت في شُغُلِ
فصار ينظرُ مثل الطفل في لَهَفِ ( وكم استوقفتني هذه الصورة الشعرية الرائعة , والتي تدعو للدهشة حقاً )

وهو أيضاً لا يتوقف عن الهمس الرقيق والكلام عن الذكريات الجميلة في قصيدة ( همسات ) :

هل تذكرتَ يا حبيبي نهراً
حضنتهُ ولم تنم ضفتاهُ

قد جلسنا إزاءهُ ذات ليلٍ
ارتدت كل ما لديها سماهُ

ثم يستمر في الكلام عن ( النهر ) الذي تصفهُ تلك العاشقة بجميل الوصف :

وسمعنا غطيطهُ وهو غافٍ
حالمٌ حلمهُ الذي لا نراهُ ( كم عليّ أن أصفق , حال الوصول لهذه الجملة الرائعة ؟؟ )

وشاعرنا لا يتمكن من نسيان ألمه , فهو يعود له بين الحين والآخر من خلال قصائده , فالحب عنده _رغم جماله_ فلا بد له أن يقترن بالحزن والغربة ففي ( مفكرة مغترب عائد ) يقول مخاطباً حبيباً عاد للتوّ من سفره الطويل ويا لها من لحظاتٍ بالغة الحزن رغم فرحة اللقاء :

وها نحنُ بعد السنين العجاف
وقد مرّ عهدُ الصبا نتلاقى ( وكأنهُ يرسمُ لي صورة عاشقين قد وخط الشيب مفرقيهما , وهما يلتقيان صدفةً فلا يكاد أحدهما يعرف الآخر لتغير ملامحه )

ثم يستمر في الحديث عن لهفة الاشتياق بعد مرور العديد من السنوات :

شفاهكَ نبعي الوحيد وأني
ظميٌّ يكادُ يموتُ اشتياقاً
دعيني ونبعكِ عشرين عاماً
عساني أنسى ولستُ الفراقا

ثم يسترسلُ في الكلام عن شدة اشتياقه , بل وفرحته الكبيرة المستترة بين طيات اشتياقه اللامحدود لحبيبته والذي لم يُنسيه طول غيابه حبها الكبير في داخله :

حناناً ضممتُ لصدرك صدري
كأني أضمُّ إليّ العراقا ( وهل من وطنٍ أكثرُ حناناً من حبيب ؟؟ )

أضمّ فراتيهِ طفلين نحوي
من الشوق يزّاحمانِ اشتياقا

وبدراً يظلّ ببالي التمام
وإن صار من أربعين محاقا ( وهكذا هي عين المحب , لا ترى في الحبيب إلا اكتمالاً )

أضمّ حدائقهُ الثملات
وما نام من وردها واستفاقا

وأمسي الذي ضاع من يد يومي
وأعيا به ذكرياتي لحاقا

أضمّ جوامعهُ وشوارعه
والقرى والدروب العتاقا

سبيلاً سبيلاً , وبيتاً فبيتاً
تعفى بها , وزقاقاً زقاقا

ويا لفرحة قلوب العاشقين , وهي تجدُ راحتها الأبدية بلقاء أحبتها بعد طول غياب !!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن