ماهي الليبرالية؟ وهل تتناقض جوهريًا مع الاسلام!؟

سليم نصر الرقعي
elragihe2007@yahoo.co.uk

2018 / 12 / 16

ما هي (الليبرالية) تحديدًا؟ وهل تتناقض بشكل جوهري مع الإسلام!؟؟
************************
سألني الصديق (عبدالهادي بعيو) - وهو أحد أصدقاء الفيسبوك - سؤالًا في غاية الأهمية فقال: "ما هي الليبرالية تحديدًا؟ اليست حرية مفرطة بمقاييسنا الاسلامية والمجتمعية؟ ام ان لدي سوء فهم؟"
فكان جوابي كالتالي: "المعنى المختصر لليبرالية هو أنها تقول أن (الانسان الفرد هو أساس المجتمع وأن المجتمع والدولة لم تُوجد إلا لخدمة الانسان الفرد).. (لهذا ينبغي أن يكون الأساس في النظام الاجتماعي وبالتالي الاقتصادي والسياسي يقوم بشكل جوهري على حماية حقوق وحريات وملكية وخصوصيات الافراد من تغول وتطفل الافراد الآخرين أو حتى التدخل التعسفي فيها من قبل المجتمع أو الدولة أو المؤسسة الدينية أي الكنيسة!!).... وتركز فكرة الليبرالية على قضية ((الحرية الشخصية والخصوصية والملكية الفردية)) أكثر من قضية (الحرية السياسية للشعب والمواطنين) فهذه القضية الأخيرة ركزت عليها (فكرة الديموقراطية) لاحقًا .. فالليبرالية في الغرب سبقت وجود الديموقراطية، هذا هو الأساس المتفق عليه من الفلسفة الليبرالية ولكن بعد ذلك تختلف المجتمعات الليبرالية في (ما هي حدود الحرية الشخصية والملكية الفردية!؟؟) فعلى سبيل المثال: (الدعارة والحشيش) مسموح بها في (هولندا الليبرالية) بينما هذا ممنوع في (بريطانيا) التي هي أم الليبرالية!؟ ... بل إننا بالمتابعة والاطلاع والتأمل نجد هذه الحدود (الاجتماعية) على الحريات الفردية اختلفت من زمان لزمان، فمثلًا الشذوذ الجنسي الذي بات يُطلق عليه في زماننا (المثلية) أي كتسمية (الخمر) بـ(المشروبات الروحية!!) كان في بريطانيا حتى وقت قريب - أي الستينات - ممنوع قانونًا منعًا باتًا بل ويعاقب القانون البريطاني كل من يتم ادانته بهذه (الجُنحة المُخلة بالشرف!) بالحبس أو الغرامة مع فرض عليه الخضوع لمعالجة طبية اجبارية لهذا (المرض) من خلال العلاج بالهرمونات والعلاج النفسي كما حصل مع عالم الحاسوب البريطاني الشهير (آلان ماثيسون تورنغ 1912-1954) الذي نجح في فك الشفرة الألمانية ومع ذلك عام 1952 تم اكتشاف أنه شاذ جنسيًا (!!) وأنه يمارس الفاحشة مع رجل!.. فتمت محاكمته - بالرغم من مكانته وانجازاته العلمية - وحكمت المحكمة عليه بأن يختار أحد حكمين: إما السجن، أو الاخصاء بطريقة كيميائية بواسطة حقنه بهرمونات انثوية!، وقرر (آلان تورنغ) اختيار الحكم الثاني وهو ما تم تنفيذه بالفعل عبر حقنه بهرمون الاستروجين لمدة عام، وتم فصله من عمله في مقر الاتصالات الحكومية وسحب التصريح الأمني منه بالإضافة لفصله من (جامعة مانشستر) التي كان يقوم بالتدريس فيها، وقضى حياته بعد ذلك في عزلة تامة منبوذًا من المجتمع البريطاني (المحافظ) في ذلك الوقت، فقرر انهاء حياته والعار الذي التصق به بالانتحار عام 1954!.. ثم تم التخلي عن هذا القانون واعتبار الشذوذ الجنسي (ميل طبيعي!؟) وليس (مرض نفسي وخلل هرموني)(وانحراف سلوكي)!!!.... مما فتح الباب على مصرعيه لزيادة عدد المثليين في الغرب بشكل غير مسبوق (!!) أي كحال إذا ما جعلت تعاطي الحشيش أو المخدرات أمرًا مباحًا قانونًا في بلد ما، فإن عدد المتعاطين سيزيد ويرتفع ويتسع مع مرور الزمن!!

الشاهد أن الليبرالية من حيث الأساس كفكر أو نظام هي فكر ونظام يقوم على أساس (الإعلاء من قيمة الأفراد وتعظيم حرماتهم وحرياتهم الشخصية وخصوصياتهم وملكيتهم وبيوتهم)، فهذا هو أساس الليبرالية المتفق عليه بين كل الليبراليين وكل المجتمعات الليبرالية إلا أنهم يختلفون بعد ذلك في تحديد (القيود والحدود الاجتماعية) على هذه الحريات الفردية من بين مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر .. فبريطانيا الليبرالية الديموقراطية التي تُجرّم وتحرّم الشذوذ الجنسي وتعاقب عليه بالسجن والاخصاء الهرموني حتى عام 1967 هي بريطانيا ذاتها الليبرالية الديموقراطية التي أباحته بعد ذلك العام في انجلترا وويلز!!... وبريطانيا الليبرالية التي كانت تمنع (زواج المثليين) حتى 2014 هي ذاتها بريطانيا الليبرالية التي سمحت بها لاحقًا في انجلترا وويلز!!.. فالليبرالية هي الليبرالية ذاتها سواء في عام 1967 أو بعده وهي هي قبل عام 2014 وبعده ولكن
الذي تبدل وتعدل هو ((الحدود القانونية والقيود الاجتماعية)) على الحريات الشخصية للأفراد!.. ذلك أن هذه (القيود والحدود) في الليبرالية المضروبة على حريات الأفراد الشخصية تختلف من مجتمع لآخر ومن وقت لآخر لأسباب شديدة التعقيد سأشرحها في مقالة خاصة لاحقًا!... وعمومًا لابد للحرية الفردية والشخصية كما هو معلوم من (حدود)، بعضها أخلاقي يحدده الحس الاخلاقي للانسان، وبعضها اجتماعي ثقافي يحدده المجتمع!... والاسلام سبق الغرب بقرون عديدة بإقرار أسس ومبادئ الليبرالية والحقوق الفردية المتعلقة (بالحرية الشخصية والملكية والخصوصية) وتعظيمها وحمايتها من التطفل أو التغول عليها من الآخرين افرادًا وجماعةً، لكن المسلمين - للأسف الشديد - عجزوا عن تطوير هذه المبادئ والاشارات (الليبرالية) الموجودة في القرآن الكريم والبناء عليها وتحويلها إلى نظام قانوني ليبرالي واضح المعالم أي كحال عجزهم عن تطوير ((نظام الخلافة الراشدة القائم على الشوري واختيار جمهور الأمة للخادم العام)) بصورته (البدائية الأولى) إلى صورة (عصرية متطورة) تتلائم مع معطيات ومتغيرات العصر الحديث أي في صورة نظام سياسي ديموقراطي ليبرالي جمهوري يقوم على الشورى واختيار جمهور الأمة للحاكم بإعتباره الخادم العام للأمة!..... ولك خالص تحياتي"
****************
سليم نصر الرقعي 2018
(*) سأنشر مقالات لاحقًا للمقارنة بين الاسلام الليبرالي الذي لمست آثاره في القرآن الكريم وبين الاسلام الشمولي الأصولي الذي اخترعه الفقهاء والمفسرون والشراح وربما بعض الحكام المسلمين عبر التاريخ فضلًا عن جماعات الاسلام السياسي!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن