المشهد السوداني والمغربي بين أديس أبابا وجنيف

سعد محمد عبدالله
simsimp666@gmail.com

2018 / 12 / 5


عشية إنطلاقة جولة مفاوضات جديدة بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تقاتل في الصحراء وتطالب بالإنفصال لما يقارب (42) عام خلت سنتوقف عند هذا الحدث قليلا للتعرف علي بعض التغيرات المتوقعة من خلال تحليل الموقف المغربي والصحراوي الذي سينقل إلي منضدة تفاوضهما بجنيف، وبدعوة من الإمين العام للأمم المتحدة السيد/ أنطونيو غوتيرس ستلتقي حكومة المغرب بجبهة البوليساريو في جنيف لإستئناف التفاوض الذي تعثر لسنوات بسبب تباين الرؤى وتباعد المواقف بين الجانبين، إذ تطالب البوليساريو بالإستقلال بينما ترفض المغرب ودول الجوار الإستجابة لهذه الدعوة طبقا لما ستفرزه من مخاطر وأضرار سياسية وإقتصادية وأمنية وخيمة علي المغرب ودول الجوار، وهنا لا بد من التفكير والتأمل مليا في فرص نجاح التفاوض مع تمسك البوليساريو بخطاب التقسيم لبناء الجمهورية الصحراوية كمطلب لا يجد الترحيب من المغرب ودول الجوار التي تتداخل حدودها وتتشارك مصالح شعوبها علي كافة المستويات، ونلاحظ تغيرات الموقف الدولي حيال دعوات الإنفصال بالنظر إلي تجربة إنقسام السودان إلي دولتين وتجدد الدعوة لتقسيم آخر في مناطق النزاع المسلح بالإضافة إلي ما حدث في العراق وإسبانيا، وكل هذا يدعوا لإعادة ترتيب الأوراق السياسية في كافة أوجهها وإيجاد تصورات أكثر جاذبية لإتحاد الدول وتوحيد الشعوب وتحقيق السلام والتنمية والمواطنة وتقاسم الحياة دون الخوض في تجارب الإنفصال التي ظهر ضررها بشكل واضح للعالم أجمع.

وبينما تذهب البوليساريو إلي جنيف لمفاوضة المغرب نلاحظ صعوبة مهام البعثة الأممية المكلفة باجراء عملية التفاوض بين البوليساريو والمغرب، خاصة مع سعي البعثة الأممية لإنجاح وساطتها بالوصول إلي حل جزري لمشاكل المغرب والصحراء رغم تناقض مواقف ورؤى الفرقاء، فلا يمكن الوصول لحل بعيدا عن النظر بواقعية لإختلاف المغرب والجزائر وليبيا حول قيام دولة الصحراء رغم التأيد السويسري والكوبي وإختلاف بعض الدول الموثرة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي، فمن المتوقع طرح مسألة الحكم الذاتي كخيار (وسط) قد يجد دعم ومساندة العالم ويحقق طموح الشعب الصحراوي والمغربي ولا يقطع مصالح الشعوب المجاورة للمغرب، ولكن من المحتمل نسف خيار الحكم الذاتي من داخل البوليساريو لتنامي المجموعة الإنفصالية ومن خارجه لمصالح دول السيطرة التي لا يضرها الإنفصال، هذا مع الضغط الذي قد يواجهه الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد/ إبراهيم غالي في زيارته إلي العاصمة الكوبية - هافانا حيث استقبل فيها من قبل الرئيس ميغيل دياث، ومن هنا تزداد صعوبة الدخول في تكهنات حول ما قد يكون في جنيف.

تجربة المغرب والبوليساريو في الحرب والتفاوض والقضية المطروحة تحتاج لدراسة شاملة من كافة الحركات الثورية في السودان والقارة الافريقية التي عانت الصراع بين الأنظمة الدكتاتورية والشعوب المهمشة لسنوات، فمنذ خروج المستعمر من افريقيا وقيام الدولة الحديثة ظلت المشاكل السياسية والإقتصادية والأمنية تصاحبها وبل تتصاعد من عام لآخر مع إشتداد قبضة الأنظمة البوليسية علي الحكم في تلك البلدان، وهذه الحالة الإستبدادية كانت السبب وراء ظهور الحركات الإنفصالية من جهة والجماعات الجهادية المتطرفة من جهة آخرى، وهذا الوضع المأساوي فاقم التردي الإقتصادي ما عمق مشكلات الفقر والمجاعة والهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر وإنتشار الجريمة والمخدرات وغيرها من سلبيات التهميش والحرب في افريقيا، ويعتبر الإنقسام ظاهرة عالمية محبطة للشعور القومي الوطني والشعبي لما يخلفه من تشوهات علي خارطة العالم، ورغم إختلاف مسببات ومبررات الإنفصال من دولة لآخرى إلا أن نتائجها مدمرة بكل المقايس، والعالم الجديد إتحاديا وليس إنفصاليا.

في الأيام القادمة ستلتقي حكومة السودان بفصائل نداء السودان في العاصمة الأثيوبية - أديس أبابا بدعوة من السيد/ أمبيكي رئيس الألية الافريقية بهدف فك شفرات الجمود حول التفاوض الذي توقف مع إنتهاء الجولات التفاوضية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة، واليوم مع دعوة إستئناف التفاوض يجب النظر بجدية في قضية النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور وربطها بقضايا السودان ككل في عملية البحث عن الحل الشامل الذي يحقق السلام والحرية والديمقراطية لكل السودانيين، وهنا يجب العمل علي ترجيح الحكم الذاتي كخيار إستراتيجي لتحقيق العدالة والتنمية والديمقراطية وتوحيد السودان علي أسس جديدة لا يكون فيها مجال لطرح خيار الإنفصال، فما زال الوضع في غاية الصعوبة مع إندفاع الحركة الإنقلابية الإنفصالية نحو تسوية جزئية بوهم بلوغ تقرير المصير وخطة النظام الرامية لتعميق إنقسام الحركة الشعبية وتقسيم المعارضة وفتح منابر تفاوضية متعددة في عواصم مختلفة لتشتيت الأجندة، كل هذا يستوجب خطط محكمة يصعب إختراقها لمواجهة مشكلات السودان ومخاطبة العالم الخارجي بدبلماسية عالية تعبر عن قضايا البلد الجوهرية وتطرح لها حلول سليمة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد، فلا يمكن المساومة بصفقة تضر بحاضر ومستقبل السودان، كما لا يمكن التقدم خطوة نحو المستقبل دون إستصحاب تجارب الماضي والحاضر داخل وخارج السودان، والحل الشامل هو الخيار الأفضل لإحداث التغيير والتحرر وضمان وحدة السودان.


سعد محمد عبدالله
5 ديسمبر - 2018م



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن