الوقت العربي: نظرة استشراقيّة

علي عامر
ali.bird.phoenix@gmail.com

2018 / 11 / 18

ينظر الغرب إلى الحضارات الشرقيّة على أنّها غير دقيقة في المواعيد ولا تؤل اهتماماً رفيعاً اتجاه الوقت والزمن.

وهذا صحيح إلى حدّ ما،

إلّا أنّ انخفاض الإحساس بدقّة الوقت عند الشرق، أو دول الأطراف، لا يعود إلى ثقافتها أو موروثها الفكري، كما أنّ ارتفاع الإحساس بدقة الوقت في دول المركز الرأسمالي لا يعود إلى ثقافتها أو موروثها الفكري.

إنّ هذه الفجوة في الإحساس بدقّة الوقت، تعود إلى الثورة الصناعيّة في أوروبا، ودخول المكننة وأنماط الإدارة الحديثة، أي دخول أوروبا في العصر الرأسمالي السريع، الذي أنتج حضارة بشريّة تتحرّك بدافع البحث عن تعظيم الربح، والربح بحسب ماركس ينتج عن فائض القيمة، وفائض القيمة هو الفرق بين قيمة الجهد البشري والقيمة التي ينتجها، فإذا كان العامل ينتج ما قيمته 10 وحدات، ويحصل مقابل جهده على ما قيمته 6 وحدات، ففائض القيمة هنا هو 4 وحدات، وفائض القيمة، هو مقدار ما يسرقه رب العمل من جهد وحياة العامل، وهو مصدر ربحه.
يوجد عدّة طرق لتعظيم فائض القيمة وبالتالي الربح، منها إطالة يوم العمل، أو رفع كفاءة الإنتاج بتوظيف تكنولوجيا أعلى، أو تكثيف إنتاج العمّال في نفس المدّة الزمنيّة وباستخدام نفس التكنولوجيا، وهذه الطريقة الأخيرة هي أساس علم الإدارة، وهو أحد علوم الضبط والسيطرة.
يهدف علم الإدارة البشريّة بالأساس، إلى استخراج أكبر جهد ممكن من العمّال في نفس الفترة الزمنية وباستخدام نفس التكنولوجيا.

يقع الضبط الزمني في صلب علم الإدارة البشريّة، إذن بالمحصّلة، فإنّ الضبط الزمني كأساس للإحساس العالي بالوقت، نشأ وتعزز مع نشوء الرأسماليّة، وهدفه الأساس كان استغلال العمّال لأقصى حد ممكن.
لكن كارل ماركس يشير في كتاب رأس المال، وفي أماكن أخرى، إلى أنّ نشأة التراكم الأولي كانت بسبب استعمار أمريكا والهند الشرقيّة واستعباد القارّة السوداء، ونتذكر هنا الوسائل الوقحة والمنحطّة واللاانسانيّة التي استخدمها أصحاب السكك الحديدية الأولى في الولايات المتحدة على سبيل المثال لغرض إخضاع السود واستغلالهم في العمل لأقصى حد.

إذن، إنّ فخر الألماني أو الأوروبي بدقته في المواعيد، والتزامه بالوقت، وإحساسه العالي بالزمن، يعود إلى تاريخه القبيح في القتل والنهب والاستعمار والاستعباد، وهو نتيجة رغبته الوقحة في استغلال العمّال والشعوب الأخرى لأقصى حد.
ومن جهة ثانية، أدّى نمو الرأسماليّة إلى شكلها الإمبريالي المعولم، وانقسام العالم إلى دول مركز رأسمالي مهيمنة ودول أطراف مهيمن عليها، إلى حجب ومنع قوى الإنتاج في دول الأطراف من التطوّر والتقدم، وحوّرها لتعمل كخادم لاقتصاديّات المركز.
لذلك فإنّ كل قطاعات المجتمع الإنتاجيّة في دول الأطراف تبقى في حالة متخلّفة ومنحطّة وتابعة، الأمر الذي منع أو حجب تطوّر الإحساس بدقة الوقت عند الشعوب الخاضعة للاستعمار. نستثني هنا القطاعات الكمبرادوريّة والقطاعات الماليّة والخدميّة في دول الأطراف.
إذن فإنّ الانخفاض النسبي للإحساس بدقة الوقت عند الشعوب المقهورة، يعود لموقعها كشعوب تابعة لم تنجز بعد الاستقلال القومي والاقتصادي.

ولكن،

إذا كان الرأسمالي يحسب أخماس الثانية، فنحن معشر الاشتراكيون نحسب أعشارها.

فنحن في خضم مواجهتنا للقوى الإمبريالية العالميّة، وأذرعتها العسكرية، ووكلائها المحليّون الخائنون، ننبذ كل أشكال الكسل والخمول والاتكاليّة والتسويف، نرفع الهمم ونشمّر عن سواعدنا ونستغل كل لحظة ولحيظة في سبيل إقامة مشروعنا الاشتراكي العظيم.

إذا كان الرأسمالي يحسب أخماس الثانية لغرض الاستغلال، فنحن مجبرين على احتساب أعشار الثانية لغرض تحرير شعوب الأرض كافّة من كل أصناف الاستغلال.

هذا النضال طويل المدى، يحتاج لتوظيف كل لحظة من حياة كل مناضل، واللحظة التي لا تصب في عداد النضال، ستصب في عدّاد العدو.

ستكون كل لحظة من حياتنا لحظة نضال في سبيل مستقبل شيوعي يتحرر فيه الإنسان من عبوديّة الوقت واللحظات والثواني.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن