البناء والنضال النقابي الفلاحي بالمغرب

النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
brahimaoulouzi@yahoo.fr

2018 / 11 / 17

يعتبر الصراع حول الأرض، من منطلق بعدها الهوياتي وموقعها في بناء الأساس الاقتصادي للمجتمعات البشرية عاملا أساسيا في التغيير، فالصراع القائم حول الأرض عبر العصور صراع من أجل الهوية والكرامة باعتبارها وسيلة من وسائل الإنتاج يطرح على النضال النقابي الفلاحي حسمه لصالح الفلاحين الصغار، الفقراء والمهنيين الغابويين في عصر الإمبريالية.

خلال تجربتنا استخلصنا أن العناصر المشتركة في النضال النقابي الفلاحي تتجلى في الدفاع عن الحق في الأرض، الماء والثروات الطبيعية.

فإذا كانت شجرة أركًان عنصرا أساسيا الصراع حول الثروات الغابوية بسوس فإن نبتة القنب الهندي تشكل أساس الصراع بالريف، من الجنوب إلى الشمال، في الصراع بين الفلاحين الصغار، الفقراء والمهنيين الغابويين ومافيا العقار والمخدرات، بالريف يتم استغلال قوة عمل الفلاحين الفقراء خاصة المرأة الفلاحة لحصد أموال طائلة يتم تبييضها من طرف الملاكين العقاريين الكبار في مشاريع استثمارية فلاحية على أراضي الفلاحين بسوس، التي يتم السيطرة عليها واجتثاث غابات أركًان وبناء ضيعات الحوامض والبواكر الموجهة للتصدير، وتحويل الفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين إلى فلاحين فقراء بدون أرض وعمال زراعيين يتم استغلالهم في شروط شبيهة بالإقطاع، وتحوير الريع العقاري إلى رأسمال مالي عبر المضاربات العقارية، دون أن ننسى استغلال المعادن، الصيد البحري، غابات الأرز بالأطلس المتوسط والريف، الصبار بأيت باعمران، المقالع بالجبال، الوديان والشواطئ ...

ويعتبر نقابة فلاحي أولوز أداة لتحريك الصراع الطبقي في المجال الفلاحي عبر تنظيم وتأطير نضالات الفلاحين الصغار، الفقراء والمهنيين الغابويين بسدي أولوز والمختار السوسي، بعد الانتقال من مستوى العمل بجمعية إفغلن، التي لعبت دورا أساسيا في ترسيخ نظرية التنظيم في صفوفهم في المرحلة الثانية من نضالاتهم التي تجاوزت العفوية، إلى مستوى النضال النقابي الفلاحي.

كان للندوة التي نظمتها جمعية إفغلن بتنسيق مع عدة جمعيات بأطير من المناضل أبرهام السرفاتي في 08 أبريل 2000 وقمع الوقفة الاحتجاجية التي قررت تنظيمها في 25 ماي 2001 من أجل حق الفلاحين في غابة تزيوكت ضد مشروع الصبار على أراضي الفلاحين، محطتين أساسيتين في استنهاض وعي الفلاحين بسد أولوز للتنظيم أكثر فأكثر.

وكانت محاولة رئيس جماعة تسراس ـ من بقايا الإقطاع ـ السيطرة على 121 هكتار مما تبقى لهم من أراضي بور بعد صنع رسم استمرار زور عليها، سببا أساسيا لضرورة تأسيس النقابة الفلاحية كشل أعلى من تنظيم الفلاحين ضد الهجوم على حقوقهم بتأسيس أول مكتب نقابي فلاحي بالاتحاد المغربي للشغل بعد الندوة التي نظمتها جمعية إفغلن في 24 مارس 2002.

وكان لنجاح الوقفة الاحتجاجية في 26 يناير 2003 أمام جماعة تسراس للدفاع عن حقهم في الأراض أثر كبير في تطور نضالات الفلاحين بسد أولوز، لينطلق مسار العمل النقابي الفلاحي الذي بلغ مداه بتنظيم المسيرة الحمراء في 07 ماي 2006 للدفاع عن الحق في الأرض، الماء والثروات الطبيعية، المحطة النضالية التي تحالف فيها العمال والفلاحون الصغار ، الفقراء والمهنيون الغابويون.

وتعتبر المشاركة الفعالة للمرأة الفلاحة في هذه المسيرة أهم ما ميزها، باحتلالها الصفوف الأمامية موازاة مع الرجال في العدد والفعل النضالي، لعبت فيها المرأة العاملة القادمة من المدن دورا أساسيا في تأطير الفلاحات، وهي قفزة نوعية أحدثت تحولا جذريا في التنظيم النقابي الفلاحي، بتحريك وعي الفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين الراكد منذ نصف في ظل سيطرة بقايا الإقطاع، مما تطلب تطوير أساليبهم التنظيمية أكثر فأكثر بفعل نهوض وعي الفلاحين وعراقيل البيرقراطية بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي.

وتطورت القفزة النوعية بانتقال التنظيم إلى أوساط الفلاحين في 18 ماي 2008 تنظيمهم اليوم التضامني مع فلاحي ساقية تفرزازت ضد بقايا الإقطاع الذين استولوا على الماء بواسطة جمعية السقي بأولوز، التي لعبت دورا خطيرا في تركيز سياسة استغلال مياه سد أولوز بدعم من الملاكين العقاريين الكبار بسوس.

وكان اعتصام الفلاحين الصغار أمام مقر عمالة تارودانت في 5و6 نونبر 2008 للدفاع عن حقهم في الماء، والوقفة الاحتجاجية أمام الولاية بأكادير في 01 دجنبر 2008 محطتين تاريخيتين أساسيتين في تاريخ النقابة الفلاحية، وقرارهم بالسيطرة على مياه تفرزازات في 25 يناير 2009 في الذكرى الأربعينية لشهيد حركة الفلاحين بسد أولوز الحسن إد عبد الله، في الوقت الذي انتهت فيه أشغال قناة ربط مياه سد أولوز بضيعات الملاكين العقاريين بأولاد تايمة وسبت الكردان.

وبرز الصراع بين البيروقراطية النقابية بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التي حاولت عرقلة تطور هذه الحركة وطنيا، والمناضلين النقابيين الذين ربطوا جسورا تنظيمية مع المناضلين المرتبطين بالفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين.

وتعتبر ندوة أيت بوعياش حول النضال بالبوادي في 08 غشت 2008 محطة أساسية برزت الأفق المنشود للنضال النقابي الفلاحي على المستوى الوطني في خضم الحركة الاحتجاجية بالبوادي وعلى رأسها حركة الفلاحين بتماسينت.

كانت أربع سنوات من النضال كافية لولادة النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين في 23 يونيو 2012 تعبيرا عن تطور الحركة النقابية الفلاحية إلى قوة اقتراحية، في أوج تطور الحركة الاحتجاجية التي قادتها حركة 20 فبراير التي علمت المناضلين النقابيين الفلاحيين أنهم في حاجة ماسة إلى التنظيم أكثر فأكثر في ظل تقدم حركة الجماهير، الشيء الذي أزعج البيروقراطية النقابية بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التي عملت كل ما في وسعها لعرقلة تطور العمل النقابي الفلاحي.

طيلة ربع قرن من النضال في أوساط حركة الفلاحين بدءا بحركتهم العفوية بسد أولوز مرورا بتنظيمهم الذاتي الجمعوي وصولا إلى التنظيم النقابي الفلاحي وطنيا، تكون النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين قد تجاوزت مرحلتي التأسيس وتثبيت المبادئ لتشرع في مرحلة العطاء بتطبيق برامجها، ويكون مؤتمرها الأول المنعقد بمقر الاتحاد المغربي للشغل في 23 يوليوز 2018 محطة حاسمة في انطلاق هذه المرحلة المهمة في حياتها.

وكان الاجتماع الثاني للمكتب الوطني حاسما في المسائل التنظيمية والنضالية، والمنعقد يوم الأحد 21 أكتوبر 2018 بمكناس، في دورة الشهيد كمال الحساني، ملهم البناء النظري للعمل النقابي الفلاحي بالريف بعد ندوة أيت بوعياش في 08 غشت 2008، بدءا بحركة الفلاحين الفقراء بتماسينت وانتهاء بحركة 20 فبراير حيث تم اغتياله في عز المد الجماهيري الاحتجاجي ضد السياسات الاقتصادية الطبقية.

ويكون تصاعد الحركة النقابة الفلاحية بكلميم وادنون جوابا عمليا ضد استمرار مسلسل التصفية الجسدية للمناضلين الجماهيريين بعد اغتيال الشهيد إبراهيم صيكا في عز المد الجماهيري للفلاحين الصغار، الفقراء والمهنيين الغابويين ضد السياسات الفلاحية الطبقية بالمغرب، من أجل الحق في الأرض، الماء والثروات الطبيعية ضد القوانين الاستعمارية والمضاربات العقارية الشعار المركزي للمؤتمر الجهوي لحهتي سوس ماسة وكلميم وادنون في 02 يناير 2016 بأكادير، وحولت دماء الشهيد إلى طاقة تشحن المناضلين المكافحين ضد الانتهازية والبيروقراطية داخل النقابة.
ويستمر مسلسل الاغتيالات بسقوط الشهيد محسن فكري بآلة القمع الطبقي بالشارع العمومي، وسقوط الشهيدة الطالبة حياة بلقاسم برصاص البحرية في عز شبابها بحثا عن لقمة العيش الكريم بعيدا عن الوطن، وسقوط الشهيدة الفلاحة فضيلة عكيوي دفاعا عن حق الفلاحات في الأرض، وقافلة الشهداء طويلة بشتى أشكال الأسباب آخرها شهداء "شهداء سكة الموت بوقنادل"، دون أن ننسى مسلسل اعتقالات الحركات الاحتجاجية الجماهيرية وعلى رأسها حراك الريف، جرادة، تمتتوشت التي تم قمعها، وأعطت المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم المعتقل السياسي زايد تقريوت، تكون حصيلة السياسات الاقتصادية الطبقية قد بلغت مداها ببلاد تزخر بالثروات الطبيعية الكافية لرفاهية الشعب المغربي، والتي يسيطر عليها الملاكون العقاريون الكبار والبورجوازية التجارية وينشرون الفقر في صفوف الطبقات الشعبية.

والنقابة الفلاحية صامدة تواجه السياسات الاقتصادية الطبقية في أفق "الأرض كلها للفلاحين والحرية" الشعار المركزي للمؤتمر الوطني الأول لنقابتنا العتيدة في المدى البعيد، ومن أجل "حقوق المرأة الفلاحة والمأجورين الفلاحيين" الشعار الفرعي الأساسي في البرنامج النضالي النقابي الفلاحي في المدى القصير والمتوسط، ومن خلالهما من أجل الحرية والديمقراطية أساس تحرر الشعب المغربي من قيود الاستعباد والاستغلال.

ذلك ما يطرح على نقابتنا تسريع وثيرة التنظيم والنضال لصد الهجوم المنظم ضدها بتفعيل البرنامج النضالي المسطر في المؤتمر الوطني الأول في إطار :

ـ إستراتيجية تنظيم الندوات النقابية الفلاحية بالجهات والأقاليم حول القضايا الكبرى التي تمس الحق في الثروات الطبيعية في علاقتها بهجوم مافيا العقار والغابات على الأرض ومنابع المياه، انطلاقا من ندوة سيدي إفني حول الصبار مرورا بندوة خنيفرة حول الأرز، في أفق تنظيم ندوات جهوية وإقليمية بالحسيمة، سوس ماسة ودرعة تفيلالت.
ـ إستراتيجية الإعلام عبر نشر وإعادة نشر أنشطة النقابة الفلاحية التنظيمية والنضالية منذ حركة الفلاحين الصغار والفقراء من أجل الحق في الأرض، الماء والثروات الطبيعية بسد أولوز في 1985 مرورا بتأسيس أول مكتب نقابي لفلاحي أوزيوة بالاتحاد المغربي للشغل في 2002 وامتداداته بأولوز والحسيمة في 2008 وصولا إلى تأسيس النقابة الفلاحية وطنيا في 23 يونيو 2012 وامتداداتها وطنيا ودوليا.

في ظل التحديات التنظيمية المطروح عليها التي تتجلى أساسا في :

ـ الصراعات الداخلية بالاتحاد المغربي للشغل فيما يسمى التصحيح والديمقراطية كشكل من اشكال تصفية الحسابات الشخصية بين قطبين تمت صناعتهما من أجل احتواء الصراع الحقيقي للمناضلين الديمقراطيين بالقواعد حول الديمقراطية الحقيقية التي انخرطت فيه النقابة الفلاحية منذ تأسيس أول مكاتبها في 2002.
ـ تأسيس ما يسمى النقابة الوطنية للفلاحين بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التي يسطر عليها المهندسون والتقنيون بدعم من أحد القطبين المتصارعين بالاتحاد المغربي للشغل كشكل من أشكال محاولة تصفية النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين: النقابة الفلاحية الجماهيرية الديمقراطية التقدمية المستقلة.
ـ رفض الأمين الوطني المكلف بالتنسيق بين نقابتنا والأمانة الوطنية تسليم ملف نقابتنا من رئيس المكتب التنفيذي بعد النجاح الباهر للمؤتمر الوطني الأول المنعقد في 23 يوليوز 2018 بمقر الاتحاد المغربي للشغل في سابقة خطيرة تضرب جميع قوانين الاتحاد واتفاقيات منظمة العمل الدولية.
ـ معركة القانونية بالمحكمة الإدارية بالدار البيضاء ملف عدد 393/7110/2018 أول جلسة في 23 أكتوبر 2018 ضد قرار الرفض الإداري ضد السلطات بعمالة أنفا كشكل من أشكال الدفاع عن الحريات النقابية أمام القضاء، دون أن ننسى الصراع من أجلها أمام المحافل الدولية وعلى رأسها منظمة العمل الدولية التي يعتبر فيها الاتحاد المغربي للشغل منخرطا، وهو ملزم باحترام اتفاقياتها.

وكانت للندوتين المنظمتين بكلميم وخنيفرة في شتنبر وأكتوبر 2018 أثر كبير في توطيد تصور نقابتنا للحق في البيئة والتنمية من منظور الصراع الطبفي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن