مرض السرطان : صراع بين الرجل والمرأة ..والعلاج : مصدره المرأة

بتول قاسم ناصر
batol.kassim@gmail.com

2018 / 11 / 11

في بداية بحثنا هذا نقدم عرضا موجزا للحقائق الفلسفية التي سبق أن تحدثنا عنها والتي تفسر سبب حدوث مرض السرطان وهو ما يجهله العلم ، وهي حقائق سعت أولا الى معرفة الانسان وتفسير حقيقة وجوده من خلال مبادئ فلسفية جدلية نفترض أنها تحكم كل شىء في الكون . ثم حاولنا بعد ذلك تفسير حقيقة مرض السرطان بوصفه مرضا يصيب الإنسان فهو محكوم بهذه المبادىء مادام الإنسان محكوما بها ، وقد تكلمنا على ذلك باسهاب في كتاب ( القانون المطلق ) الذي نشرته دار الفارابي في العام 2017 . وأهم تلك المبادئ الفلسفية العامة التي قررناها والتي انطلقنا منها في تفسير حقيقة الانسان كما انطلقنا منها في تفسير حقيقة المرض :
إن التناقض يتخلل عالم الفكر والمادة، وإن وجود أحد النقيضين يقتضي وجود الآخر، فهما يرتبطان بعلاقة تناقض لا معنى لهما خارجها، وللحقيقة أطرافها الثلاثة: الشيء ونقيضه والعلاقة بينهما . والنقيضان اللذان نتحدث عنهما هما الوجود والعدم وهما أول علاقة تناقض . وإن التناقض او العلاقة هي صراع بين المتناقضين يسعى أحدهما فيه الى نفي الآخر او تجاوزه واخراجه من وحدة العلاقة ، ونفيه له يعني تحويله الى وجود مثله . والصراع بهذا يرتبط بغاية هي انتصار أحد النقيضين على الآخر. وهو يبقى مستمراً طالما وجد تناقض مع الغاية التي يريد بلوغها هذا النقيض حتى اذا ما بلغها وقف عندها. واذا انتفى التناقض انتفت حركة الصراع واستقرت لأن التناقض حركة ، أي ان الحركة لها أجل مسمى تنتهي عنـده ، وحركة الشيء تعني حياته وتاريخه أي انتهاء حياته وتاريخه .
........
هذه المبادئ العامة قلنا إنها القانون الذي يحكم كل شيء وهي تتضح في كل علاقة تناقض أي في كل الظواهر والموجودات كافة لأن التناقض يتخللها كلها . ولقد حاولنا أن نتلمس هذه المبادئ في الانسان إذ انه محكوم بمبادئ قانون ثابت لأنه تضمه ثنائية متلازمة مكونة من ذكر وأنثى وهما مختلفان في الجنس أو نقيضان والتناقض بينهما تناقض بين الوجود والعدم ، فلقد توصلنا بالاستنتاج الفلسفي الى أن أحدهما وجود أو أصله وجود وهو الذكر والآخر وهو الأنثى عدم أو أصله عدم . وحاولنا أن نتتبع تطور العلاقة بين الذكر والأنثى عبر تاريخ الإنسان وما تفترضه المعرفة التي قررناها لهذا التطور. وتتبعنا تطور هذه العلاقة في جسم الانسان. وتعرفنا على طبيعة الصراع بين الأطراف المتناقضة أو المختلفة وتطوره ونتيجته التي ينتهي اليها.
قلنا في الحقائق الفلسفية التي قررناها في الكتاب إن معنى أن الرجل وجود والمرأة عدم أن الرجل سابق على وجود المرأة أو له أصله السابق على وجود المرأة ، وانه مصدر لوجودها . وعندما تكون المرأة عدما يكون التناقض غير ظاهر أو غير متعين مما يجعل هذا النقيض السابق وجوداً كامناً او جوهراً . فالرجل هو جوهر أو وجود كامن قبل أن يوجد العدم (المرأة) لتوجد العلاقة أو يظهر النقيضان . وبوجود المرأة يظهر الوجود الذي كان كامناً. أي ان وجود المرأة يعني وجود العالم وانتقال الوجود الإنساني الى عالم المادة . إن المرأة الأولى لا تمثل كل العدم الذي يجب أن يظهر أو يخلق إنما تمثل نسبة منه وهذه النسبة لا تعادل كل الوجود الجوهري الكامن إنما تعادل نسبة منه بمقدار ما يسمح بظهور الرجل الواحد ، ولأنها ليست كل العدم أو كل السلب الذي يجب أن يظهر أو أن يطرد من المادة لهذا يبقى الرجل يمثل وجوداً كامناً . إن وجود الرجل يمثل إذن الجوهر أو المضمون لأنه ينطوي على وجود جوهري لم يظهر بعد ، أي انه بالنسبة الى المرأة التي هي وجود ظاهر يمثل اللاظهور. إن الرجل والمرأة حالتان للوجود، كلاهما وجود، الا أن الفرق بينهما أن المرأة شكل، والرجل جوهر, مازال يمثل وجودا قابلا للظهور وجوهرا قابلا للظهور. إن المرأة هي الشكل الذي يظهر الوجود السابق (الوجود الكامن) لأن وجودها يظهر وجود الرجل الذي قلنا إنه وجود جوهري . المرأة هي الوجود الظاهر، الوجود المتأخر. وإن الشكل او الوجود الظاهر يوجده هذا الوجود السابق ليخلق شكلا يظهره وهذا يعني أن الرجل هو جوهر المرأة وأن المرأة هي شكل الرجل فهما وجودان متصلان متفاعلان أو متصارعان وغاية التفاعل والصراع هو إيجاد العدم الذي في المرأة وصنع الأشكال المتعددة التي تغلف الرجل . واذا كان الوجود السابق يوجد العدم أو الشكل على مراحل او أجزاء فإن وجود المرأة يكون على مراحل او أجزاء كذلك . إن هذه الأجزاء التي يمثلها وجود المرأة على الأرض لا تمثل او لا تظهر الوجود الجوهري السابق عليها كاملاً حتى يتم إيجاد آخر جزء من العدم او نفي آخر جزء من العدم . إن الجزء الأخير او المرأة الأخيرة تمثل إظهارا لكل الوجود الكامن او الجوهر السابق عليها . الشكل الذي لا سلب فيه اذن هو امرأة أخيرة . إن غاية التطور الطويل في تاريخ الانسان هي الوصول الى هذه المرأة فهي غاية استمرار الجنس البشري ، إنها الغاية التي يسعى اليها التطور كله.
إن المرأة تكشف عن وجود الرجل الجوهري وعن وجودها الظاهري . إن المراة اذن تكشف عن الوجود الإنساني، ولهذا فإن وجود الانسان يكون عن طريق المرأة، إنه يخرج من المرأة، لأنها تظهر الوجود . وإن التناقض الذي بين المرأة والرجل يبقى مستمراً حتى يتم اظهار كل الجوهر الكامن في الرجل وتحويله الى وجود ظاهر، أي حتى يتم إيجاد آخر امرأة تمثل إظهارا لكل الجوهر الكامن في الرجل . فالرجل يمثل مرحلة في المادة قبل أن ينطبق عليها شكلها الكامل فيستمر الصراع أو التفاعل بين المرأة والرجل الذي يمثل صراعاً بين الشكل والجوهر ، وهذا هو سر استمرار وجود الجنس الإنساني .
والجوهر يبقى يوجد العدم ويستمر في تجليه حتى تنطبق عليه المادة ، حتى ينطبق الشكل على مضمونه تماماً ، أي بأن تخلق المرأة الأخيرة وهذا يعني أن نهاية الصراع أو غايته هي خلق المرأة التي تمثل وجوداً ظاهراً يعكس الوجود الكامن في الرجل تماما . واذا كانت غاية الخلق هي تحويل الوجود الكامن الى وجود ظاهر، فإن إيجاد المرأة هو ما يحقق الغاية ، وإن الصراع يستمر للوصول اليها . إن المرأة الأخيرة هي الوجود الذي يسعى اليه الجنس الإنساني من وراء عملية التناسل المستمرة . وإن الوصول الى هذه المرأة يمثل انتهاء علاقة التناقض بين المرأة والرجل ، بين الوجود الظاهر والوجود الذي يمثل جوهراً لم يتجل تماماً. فالوصول الى هذه الأنثى التي يتجلى كل الوجود الكامن في الرجل من خلالها ، ينهي التناقض .. وعندها تنتهي العلاقة التي يمثلها الجنس الإنساني . إن الوصول اليها يعني انتهاء استمرار وجود الجنس الانساني .
لقد تحدثنا عن العلاقة بين ثنائية الرجل والمرأة وعن التفاعل أو الصراع الدائر في هذه العلاقة والقانون الذي يحكم هذا الصراع والغاية التي توجه الصراع ، وكان حديثنا في إطار الفلسفة ، ونحن حاولنا في الكتاب الذي مر ذكره أن نؤكد الفروض الفلسفية بالنتائج العلمية ، او أن نعطي النتائج العلمية أبعادها الفلسفية . ولهذا حاولنا أن نتلمس هذه القوانين الجدلية في تكوين الإنسان ، في بنية جسمه ، من خلال وصف العلم لجسم الانسان ، أوليس الانسان علاقة بين عامل ذكري وأنثوي كما يقول العلم أوليس العاملان مختلفين، أوليس الاختلاف او التناقض يدعو الى الصراع ؟.. فالعاملان فيه إذن يتصارعان (كما انهما يتجاذبان لتكوين الإنسان) ويتجهان الى غاية حسب افتراضنا الفلسفي . وعلينا أن نعرف هل تحتكم العلاقة بين هذين العاملين اللذين يبنى منهما الجسم الإنساني او تبنى خلاياه الى قوانين الصراع الجدلية التي قلنا إنها تحكم كل الثنائيات المتقابلة في الكون والتي منها الرجل والمرأة ؟... إننا نحاول أن نتلمس مظاهر الصراع او التفاعل والأسس التي يستند اليها والأطراف المتصارعة والغاية التي يتجه اليها الصراع من خلال ما يصفه العلم في جسم الإنسان :
لنبدأ من الأسس الأولية التي قامت عليها فروضنا الفلسفية وهي التي تقوم عليها حقيقة الإنسان في أصل خلقه… لقد قلنا إن للحقيقة أطرافها الثلاثة : الشيء ونقيضه والعلاقة بينهما. وجسم الإنسان يقوم على هذه الأركان. فلقد ذكرنا أن الانسان علاقة تناقض او اختلاف بين عوامل وراثية ذكرية وأخرى أنثوية من ناحية بناء جسمه، وأنه في أصل تكونه نشأ عن علاقة بين عاملين مختلفين، مصدرهما الأب والأم.. والاتحاد بين العاملين المختلفين الذكري والأنثوي(الحيمن والبويضة) شكل أول خلية هي أصل تكون الانسان. وعندما يبدأ الإنسان ينمو ليكون انساناً متكامل الأعضاء فإن خلايا جسمه تقوم على ذلك الأساس الأول الذي صنع منه ، فهي علاقات بين هذه العوامل الوراثية المحمولة على الكروموسومات . هذه العوامل الوراثية المتحدة في العلاقات او الخلايا تمثل أصل بناء الانسان ، البرنامج الذي صمم على وفقه ، البنية الجوهرية ، الأساس الثابت الموحد والعام المطلق الذي يكمن وراء كل المظاهر المختلفة التي يبدو عليها البشر..

إن العوامل الوراثية المتحدة في العلاقات او الخلايا، تختزن معلومات كلية عن الإنسان، فيها تكمن البنية الكلية للانسان, فالانسان كائن موجود بالقوة في كل خلية من خلاياه .
إن العوامل الوراثية تتحد لتكون العلاقات او الخلايا . ولقد بدأ خلق الانسان من خلية واحدة تحتوي على (46) كروموسوماً مكونة من (23) زوجاً، كل زوج عبارة عن كروموسومين متشابهين الى حد كبير إن لم يكونا متطابقين، جاء أحدهما من الأب والآخر من الأم.
إن الخلايا تتشابه في أساس عام ، ولكنها تختلف فيما بينها حسب تخصصها، فتوجد أعداد كبيرة من الخلايا في الجسم تعد بالبلايين وليس الملايين ولكنها متنوعة، فهناك الخلايا الجلدية، الخلايا العصبية، الخلايا العضلية، الخلايا الجنسية، الى آخر أنواع الخلايا.. هذه الخلايا تتشابه ـ كما ذكرنا ـ في أساس عام، ففي كل خلية العدد نفسه من الكروموسومات الموجودة في بقية الخلايا، لذلك فإن كل خلية تحتوي الوصفات الوراثية (المعلومات) نفسها لتحضير جميع المواد التي تحتاج اليها وهي البروتينات . أي ان كل خلية لديها القدرة على انتاج جميع هذه المواد من غير استثناء. ولكن لا تقوم كل خلية بانتاجها، ليس لأنها لا تستطيع، ولكن لأنها لا تحتاج اليها كلها. فلذلك تنتج الخلية المواد التي تحتاج اليها على حسب تخصصها ومكانها في الجسم . أما بقية المواد الأخرى فلا تقوم بتصنيعها، فاستنادا الى تخصصها لا تعبر الخلية الا عن جزء من جيناتها . إن هذا يعني أن كل خلية من خلايا الجسم الإنساني تمثل وجودين: وجود خاص، ظاهر، ووجود عام، كامن هو المعلومات العامة الموجودة في داخل الخلايا المتخصصة ، وهذا يعني أن كل خلية من الخلايا المتخصصة تبقى ترتبط بما هو عام . وهذا العام يمثل البرنامج العام للإنسان، الإنسان كاملاً، يمثل (الشفرة) التي تترجم الانسان كله ، كل المعلومات التي ينعكس عنها الانسان . ولهذه الحقيقة أهميتها في تفسير مرض السرطان (الذي سنتكلم عليه لأنه يرتبط بالحقائق الفلسفية التي نحن بصدد تأكيدها). وهذه الحقيقة تفسر لنا كذلك استطاعة استنساخ الكائن الحي من خلايا جسم الانسان، لأنها كلها تحتوي على المعلومات التي تمثله كاملاً، أوالتي تمثل أساسه العام، أو الوصفة الكاملة له.. ولكن هنالك جينات تتحكم في تخصص الخلية مما يجعل الخلية عامة وخاصة .
وبالنظر الى تخصص الخلية أو عدمه توجد أنواع من الخلايا، فهناك الخلايا الأولية والخلايا الجذعية ، وهي خلايا عندها القدرة على التكاثر الى ما لا نهاية، ويمكن أن تعطي أنواعاً من الخلايا المتخصصة. وهذه الخلايا الأولية هي الخلايا التي يبدأ منها تكوين الإنسان بإخصاب الحيوان المنوي للبويضة لتتكون البويضة المخصبة. وهذه الخلية او البويضة المخصبة، تسمى (كاملة القوة). وفي الساعات الأولى بعد الإخصاب يبدأ تكاثر البويضة المخصبة الى مجموعة من الخلايا الكاملة القوة ايضاً. ويمكن لكل خلية من هذه الخلايا اذا زرعت في رحم أنثى أن تنشئ جنيناً كاملاً مع الأنسجة المدعمة له من المشيمة والأغشية المحيطة به، وهذا بالضبط ما يحدث في التوائم المتماثلة. وبعد أربعة أيام من الإخصاب وبعـد عدة دورات من انقسام الخلايا تبدأ الخلايا كاملة القوة في التخصص وتكون الخلايا الداخلية قادرة على تكوين أي نوع من خلايا جسم الانسان الا أنها لا تستطيع تكوين كائن حي بمفرده لأنها غير قادرة على تكوين الأنسجة الداعمة للجنين. لذا تسمى هذه الخلايا بالخلايا الأولية (وافرة القوة) التـي تعطي العديد من أنواع الخلايا ولكنها لا تستطيع أن تعطي كل الخلايا اللازمة لنمو الجنين. بعد هذا تخضع هذه الخلايا لعمليات انقسام متكررة مكونة خلايا أولية أكثر تخصصاً وهذه الخلايا تسمى الخلايا (متعددة القوة) . وجميع خلايا الجسم تموت، ولكن أجسامنا وباستمرار تنتج خلايا جديدة على مدار الساعة لتعويض النقص ويستثنى من ذلك الخلايا العصبية .
إن الذي ننتهي اليه بعد هذه المعلومات الموجزة عن الخلية أن جسم الانسان عبارة عن علاقة تمثلها الخلية الأولى، كاملة القوة التي نشأت عن تخصيب الحيمن للبويضة مؤلفة من علاقات أجزاء، وكلها تقوم على الأساس نفسه، أي العلاقة بين العامل الذكري والعامل الأنثوي . وفي الحقيقة فإن هنالك مظاهر أخرى من العلاقات بين أطراف خلاف او تناقض أخرى في الجسم. فالجسم وخلاياه مؤلف من تراكيب كيميائية، وهذه المركبات مؤلفة من ذرات. وخواص هذه المركبات وفعاليتها يعتمد على طبيعة هذه الذرات والعلاقات فيما بينها. والذرة علاقة بين عامل موجب وسالب. كما أن الذرات تكون علاقات فيما بينها لأن بعضها يمثل آيوناً موجباً وآخر سالباً وتدعى الآصرة الآيونية. ومن هذه الأواصر والعلاقات تتكون الجزيئات، وهناك جزيئات بسيطة مكونة من عدد بسيط من الذرات، وهنالك جزيئات ضخمة تحوي أعداداً كبيرة من الذرات والأواصر الكيمياوية المختلفة.. وهكذا ..
لقد قلنا إن العلاقة صراع، فالاختلاف والتناقض يقتضي صراعاً. واذا درسنا الإنسان أو خلاياه بوصفها علاقة بين عوامل ذكرية وعوامل أنثوية، فإن هذه العوامل تتفاعل وتتصارع، وهي تشتبك في معركة. ونحن نقرأ في ما توصل اليه العلماء بعد فك الشفرة الوراثية للانسان أن هناك صراعاً بين مكونات الجينوم. وتتردد لديهم كلمات من مثل: حرب، أعداء، تضاد، وتضاد جنسي. وهذا التضاد الجنسي يعني حرباً، فالإنسان مزيج من حلقات متحاربة من الكروموسومات، متشابكة في نزاع منذ ملايين السنين، مما يجعل من الجينوم ميداناً لمعركة من نوع ما بين الجينات الذكرية والجينات الأنثوية . وسوف نعرف أن الصراع بين العوامل الذكرية والأنثوية إنما هو صراع بين الوجود والعدم, وهذا هو تفسيره الفلسفي .
قلنا إن أحد النقيضين سابق على الآخر، وهذا يمثل الوجود الجوهري . وإن النقيض الآخر هو العدم قبل أن يخلق ليظهر الى الوجود ويكون وجوداً ظاهراً وليكون الوجود السابق بوجوده ظاهراً بعد أن كان كامناً . فالنقيض السابق كان يمثل وجوداً كامناً قبل أن يخلق الآخر ليظهر الطرفان . وبالنسبة الى العاملين الجنسيين الذكري والأنثوي اللذين تابعنا من خلالهما هذه الحقائق الفلسفية ، فإننا نفترض أن الذكري هو السابق ونفترض أن العامل الأنثوي هو الذي كان عدماً. وبعد وجود هذا العامل وجدت العلاقة التي هي الخلية ، والعلاقة صراع كما ذكرنا ـ ويسعى الصراع الى نفي العدم ( الذي ما زال قائما لأنه لا ينفى كله مرة واحدة ) وبنفيه ينكشف الوجود السابق أكثر أو يتجلى أو يتحدد ويتعين كما قلنا في حديثنا الفلسفي . وبعد أن يكتمل الصراع وينفى العدم تماما يظهر الوجود كاملا : الوجود الجوهري الذي يمثله وجود الرجل والوجود الظاهري الذي يمثله وجود المرأة .
ولقد عبرنا عن العاملين الجنسيين أو ما يرتبطان به من معان فلسفية من خلال المركبات الكيمياوية التي تمثلهما او تعبر عنهما في الخلية، ووجدنا ان وجود الرجل يرتبط بأحد طرفي التفاعل في الخلية (الحوامض النووية) وهي تمثل الوجود الجوهري (الوجود الكامن)، ووجدنا وجود المرأة يرتبط بالطرف الآخر(المركبات الكيمياوية في الخلية وهي البروتينات والكربوهيدرات والدهون) وهي تمثل الوجود الذي يتحقق بنفي العدم أي الوجود الظاهر. إن الحوامض النوويـة والبروتينات تحدد كيمياوياً هذا التناقض أو الاختلاف الذي بين الوجود الجوهري أي الرجل والوجود الظاهر أي المرأة . ونحن لانقصد أن المرأة لاترتبط بالحوامض النووية فخلاياها تتكون منها ومن المركبات الكيمياوية الأخرى ومنها البروتينات ولكننا نقصد أنها وحدها ترتبط بصنع هذه المركبات التي قلنا إنها تصنع من العدم ولايرتبط الرجل بها فهو يأخذ الجهاز الذي يصنعها من المرأة (من إمه ) وهو يرتبط بالحوامض النووية فقط التي يشارك بها في عملية تكوين الخلية ، فوجوده وجود جوهري وهو يتجلى أو يظهر أو يكون وجودا ماديا عن طريق جهاز صنع المادة الذي يأخذه من المرأة .
الحوامض النووية تحمل الجينات او العوامل الوراثية التي يتكون منها وفي ضوئها الإنسان أو يوجد، ففيها معلومات تحدد صفاته الظاهرة والباطنة وكل ما يتعلق بوجوده، أي ان الانسان كائن فيها او كامن فيها، ففيها سر الوجود أي الوجود الجوهري . لقد وجد الباحثون أن الـDNA هو المادة الوراثية في نواة الخلية ، وأنه الحامل الرئيس للمعلومات الوراثية وليس البروتينات او الـRNA في أغلب الكائنات الحية .
ويرتبط الطرف الآخر (البروتينات) بمعنى الوجود الـذي يتحقق بنفي العدم أي (الوجود الظاهر) وهو الوجود المتأخر الذي قلنا إنه يرتبط بالمرأة أو إن المرأة هي التي تمثله. ويفهم من كلامنا أن البروتينات كانت عدماً قبل أن تصنع ما دامت ترتبط بهذا الوجود الظاهر الذي يخلق من العدم . والبروتينات لها هذه المواصفات، فهي توصف بأنها من المواد او الجسيمات التي توجد في الخلية نتيجة لنشاط مكونات الخلية الحية ولعملية إنتاج أوتحرير الطاقة. وبعضها مفيد تستهلكه في نشاطاتها المتنوعة، وبعضها الآخر نواتج عرضية للعمليات الأيضية، أي عمليات البناء والهدم . إن البروتينات تتحول الى مادة بعد أن لم تكن توجد وهذا هو ما نقصده بوجود العدم فهو (الممكن الوجود) في لغة الفلسفة أي القابل للتحول الى الوجود .
وهنا نسأل أين هو العدم في الجسم الإنساني لينفى وليبنى بعده الوجود الظاهر أي البروتينات . إن مايجري في الخلية يبين أن عملية تكوين البروتينات يكون من خلال تحرير الطاقة وخزن الطاقة ، وهذه العمليات تسمى بـ(الأيض الخلوي) وهو مجموع التحولات الكيميائية التي تحدث بمساعدة الانزيمات في الخلية وتتضمن عمليات بناء المواد والمركبات المختلفة في الخلية وعمليات تقويض المواد والمركبات المختلفة.. إن عمليات إنتاج واستهلاك أو تحرير الطاقة التي هي عمليات تحرير العدم او اظهاره تؤدي الى إظهار الوجود او الى إيجاد الوجود الظاهر الذي تمثله الخلايا أو مادة الجسم الحي ، ومصدر ذلك هو البروتينات التي هي مادة عمليات تحرير الطاقة وخزنها وكذلك الإنزيمات التي تساعد هذه العمليات والتي هي بروتينات كذلك . فالعدم هو الطاقة التي كانت كامنة أو سالبة ثم تحررت وأصبحت موجودة ليستفاد منها في عملية إبجاد البروتينات ، وفي علم الفيزياء ينظر الى ا( لفراغ ) الذي هو طاقة سالبة بأنه عدم وهذه الطاقة السالبة ترتفع الى مستوى الطاقة الموجبة فتكون الالكترونات .
البروتينات إذن تمثل الوجود الذي يخلق من العدم ، الوجود الظاهر لا الوجود الكامن الذي قلنا إن الجينات تمثله ، فالبروتينات ليست حاملة العوامل الوراثية، ولذا يذكر أن لها أهمية بنائية او تركيبية وأنها بعد تصنيعها تظهر المعلومات الوراثية ، تجلي صفات الإنسان ومعناه او جوهره الذي تحدده المعلومات الوراثية . أي إن البروتينات هي المادة التي ستتجلى بها المعلومات الوراثية التي سيصبح بها الكائن الحي انساناً بعد أن كان مجرد معلومات او جوهراً او معنى او مضموناً. إنها تعطي الصبغيات DNA نمطاً بنيوياً وتنظيمياً . إن الهدف الرئيس للجينات هو اختزان وصفة لصنع جميع أنواع البروتينات التي هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل . إن الجينات مسؤولة عن انتاج البروتينات التي يحتاج اليها الجسم للنمو وليؤدي وظائفه بشكل طبيعي. وعندما تحدث العلماء عن كيفية تكون أجسامنا شبهوا جسم الإنسان ببناية من الطوب الذي هو الوحدة الأساسية التي يبنى منها جسم الإنسان . وهذا الطوب هو الخلايا، وهو مادة تسمى بروتين يحصل عليها جسمنا من الغذاء اليومي بعد أن تهضمه المعدة ويتحلل الى أحماض أمينية . البروتين يمثل إذن المظهر ويرتبط صنعه بجهاز تملكه المرأة ، ويمثل الـDNA أو الحوامض النووية الجوهر او المعلومات التي يظهرها البروتين ويرتبط الرجل بها لأنه يساهم بها فقط في بناء الخلية كما ذكرنا . والبروتين والحوامض النووية هما طرفان لا ينفصلان في بناء الخلية والجسم . لايمكن للحامض النووي أن يؤدي وظيفته بدون وجود بروتينات مساعدة أو انزيمات ولا وجود للبروتين بدون الحامض النووي . والكروموسومات هي كتل من الحمض النووي الملتفة داخل غطاء بروتيني . وهذه البروتينات تلعب دورا مهما في المحافظة على هيكل المادة الوراثية وتنظيم نشاط تعبير الجينات الذي يؤدي الى تكشف وتكوين الفرد الكامل من خلية الزيكوت . البروتينات هي جينات مترجمة , كل بروتين هو جين مترجم، هو معلومات مترجمة مادياً .
ولأن البروتينات تمثل الوجود الظاهر لذا توجد كمية كبيرة من الماء والبروتينات في السايتوبلازم الذي يقوم بمعظم أعمال الخلية وهو المظهر الخارجي للخلية . ولذلك يسمى السايتوبلازم الهيولى وهذه الكلمة تعني في الفلسفة الصورة أو المادة التي يتشكل بها الجوهر أو التي تتقبل الجوهر فالسايتوبلازم يمثل المرأة والرجل يمثل النواة لأن الحوامض النووية مقرها النواة وهو يساهم بها وحدها - كما قلنا - عند تكون الإنسان . البروتين يخلق في السايتوبلازم حيث لا يوجد الـDNA هناك إنما تنسخ المورثة المحمولة على جزيء DNAعن طـريق شريط فردي من الـ RNA الرسول لينتقل بها الى السايتوبلازم وهناك تبدأ عملية خلق البروتين وتترجم الشفرة هناك . ولأن البروتينات تمثل الوجود الظاهر الذي يظهر الوجود الكامن، ولأن المرأة تمثله ، لذا تكثر البروتينات في البويضة وهي الخلية الأنثوية . وتتألف من البروتينات حبيبات المح الذي هو مادة غير حية قبل الإخصاب والانفلاق، وهي التي ستكون غذاءً للجنين النامي، أي إنها مادة نمو وبناء . وتذكر المعلومات العلمية أن تكوين البروتينات أي المادة الحية يكون بعد الإخصاب والانفلاق أما قبل ذلك فهو حبيبات المح غير الحية. أما في الحيمن فلا يوجد سوى القليل جداً من المواد الغذائية، ويطرد معظم السايتوبلازم ويضمحل عند تخصيب البيضة فيبقى خارج البيضة على عكس الخلية الأنثوية فتزداد كمية السايتوبلازم الذي يحتوي على كمية كافية من المواد الغذائية كما قلنا. وتتحدد مناطق تكوين الأعضاء فيه بحيث أنه يمكن تحديد خريطة مبدئية لتكوين الأعضاء المقبلة للجنين، فالجهة التي تكثر فيها حبيبات المح تكون طبقة الأديم الداخلي للجنين . وهذا يعني أن هيكلية الإنسان وشكله الظاهري يرتبط بالبويضة او الأنثى التي قلنا إن البروتينات ترتبط بها .
ويؤكد العلم أن الجسيم المسمى (الميتاكوندريا ) وهو المسؤول عن تكوين الطاقة (التي قلنا إن أصلها العدم ) ثم تكوين البروتينات وتحديد كميتها إنما هو مرتبط بالأنثى . إن أهم ما يؤكد تمثيل المرأة للجانب المادي وجانب الظهور هو امتلاك البويضة للميتاكوندريا دون الحيمن فيتم توارث جينات الميتاكوندريا الموجودة في البويضة ولا يسهم الحيوان المنوي بأي منها. فعند تخصيب البويضة يساهم الحيمن في جينوم النواة فقط إذ ان نواته فقط تدخل البيضة بينما يطرح او يبقى السايتوبلازم الذي يحوي نسبة بسيطة من الميتاكوندريا خارج البيضة . إن ميتاكوندريا الحيمن التي توجد في القطعة الوسطى منه أو غمد الذيل لا تدخل البيضة ووظيفتها أنها تزود الحيوان المنوي بالطاقة التي يحتاج اليها في حركته السريعة باتجاه البويضة . ولأن الرجل لا يسهم في توريث الحمض النووي الموجود في الميتاكوندريا لذلك يرثه الرجال من أمهاتهم ولا يستطيعون أن يورثوه . أما النساء فيتوارثنه من الأم الى الابنة من جيل الى آخر بشكل ثابت تقريبا وبهذه الطريقة يمكننا أن نتعقب ماضينا رجوعا الى الحواء الجينية وبناتها فنكتب تاريخ نساء العالم ومن بعد تاريخ العرق البشري .
ما هي هذه الميتاكوندريا التي تجعل الأنثى توصف بأنها تمثل الوجود الظاهر وأنها التي تمنح الإنسان وجوده المادي أي انها وجود آخر ينضم الى وجود معها ( جوهري ) ليكونا وجودين داخل وجود واحد ؟.
الميتاكوندريا تركيبات صغيرة جدا تعيش في داخل كل الخلايا البشرية في السايتوبلازم ويتراوح عددها من (1000-2000) . وهناك رأي يذهب الى أن ال DNAالموجود في الميتاكوندريا يتكاثر بالانشطار مثل البكتريا دون أن يطرأ على الDNA الذي تحتويه تغير في أثناء انشطارها فهو عديم التغير تقريبا من جيل لجيل بينما يكون التغير في DNA النواة الذي يحدد طول قاماتنا ولون أعيننا وصفاتنا الأخرى أمرا ملازما . وهذا يعني أن الميتاكوندريا تمتلك نظاما جينيا خاصا بها, فهي الجسيم الوحيد في الخلية الذي يحتوي الDNA خارج النواة ، ومن ذلك جاء اسمها فهي توجد في سايتوبلازم الخلية لا في نواتها وهذا يساعدها على الانقسام في داخل السايتوبلازم دون الحاجة الى انقسام الخلية. ولهذا يصفها بعض الباحثين بأنها خلية مستقلة في داخل الخلية وكيان مستقل في داخل كيان أو عقل الى جانب عقل ، ففي حين يتكون الDNA في النواة من خليط شفرتي الأم والأب تكون للميتاكوندريا نسخة خاصة من الشفرة الوراثية . ونحن نرى أن هناك تفاعلا وتنسيقا في العمل بين عمل الDNA في الميتاكوندريا والنواة ولكنه يتصل بنوع محدد من المعلومات في كل منهما. والذي يدعو الى التفاعل أن ما يحمله DNA النواة من معلومات لابد من أن يترجم من خلال البروتينات التي تصنع من خلال انتاج الطاقة، أي من خلال عمل الميتاكوندريا ، أي ان عمل DNA الميتاكوندريا يتصل بإنتاج الطاقة وصناعة البروتينات التي تترجم المعلومات الوراثية ولا يتصل بالمعلومات الوراثية الأخرى الموجودة في جينات النواة، فنوع المعلومات الوراثية في كل منهما مختلف ولكنهما متعاونان ومشتركان بالمعلومات التي تتصل بانتاج الطاقة وصناعة البروتين . إن ال(37)جينا وهو عدد الجينات التي تمتلكها الميتاكوندريا تتحكم في عملية الأكسدة الفسفورية للخلية وهي وظيفة في غاية الأهمية لذلك فإن الطفرات التي تحدث في المحتوى الوراثي للميتاكوندريا تسبب ظهور الشيخوخة وفي مرض السرطان .
هناك من يرى أن جينات الميتاكوندريا لها عمل شبه معزول عن عمل جينات النواة وهناك من لايرى ذلك . ونحن نرى أن الميتاكوندريا لا تنقل صفات وراثية تحدد خلقة الانسان الراسخة والمميزة له كالصفات الجسمانية والمظهرية إنما هي صفات تتعلق بعملية بناء الخلايا ومستوى الطاقة والمادة المتوفرة لذلك وما تتعرض له الخلايا من خلل وأمراض مما يتصل بعمل جهاز الطاقة والبناء الذي هو الميتاكوندريا وهذا هو تفسيرنا لعمل ودور الDNA الذي تحتويه الميتاكوندريا فهو يتعهد بالجانب البنائي الشكلي للإنسان في حين يتعهد DNA النواة بالجوانب الجوهرية له .
توصف الميتاكوندريا بأنها لولاها لا تكون الحياة _ وهذا يؤكد وصفنا السابق لدور الحمض النووي فيها _ فلولاها يكون الانسان مجرد معلومات جوهرية كامنة في العوامل الوراثية لآبائه ولا يكون وجودا ظاهرا . فالوجود الظاهر يرتبط بالميتاكوندريا وهذه ترتبط بالأنثى فقط ولولاها لا تستطيع الخلية أن تعمل لأنها مصدر الطاقة والحيوية للخلية للقيام بفعالياتها المختلفة فتزود التفاعلات الكيمياوية في الجسم بالطاقة التي تحتاج اليها ولذا سميت بيت الطاقة أو محطة انتاج الطاقة أومولد الطاقة والبطاريات الإنزيمية التي تختزن الطاقة . وهي المسؤولة عن أكسدة المواد الغذائية والسكر بوساطة الانزيمات الموجودة فيها فتستخلص الطاقة من المركبات الموجودة في الخلية لتنفيذ العمليات المختلفة مثل عملية الأيض او البناء التي تحتاج اليها الخلية لانتاج أنواع الهرمونات والخمائر والبروتينات التي تلعب دورا فاعلا في وظائف الجسم . وتصنع البروتينات من الحوامض الأمينية التي تبنى في الميتاكوندريا بوجود الريبوسومات التي تلعب دورا مهما في صنع وانتاج هذه البروتينات التي تشكل المادة البنائية المظهرية للجسم . ومن الخمائر المهمة التي تصنعها جينات الميتاكوندريا خميرة السايتوكروم سي_ اوكسيديس ومادة ATPعظيمة الطاقة التي تعد مصدرا سهلا وسريعا للطاقة إذ تحررها بشكل كبير في أي مكان في الخلية يحتاج الى طاقة .
وتتشوه الميتاكوندريا وتتضاءل وينعدم فعلها بتقدم العمر فتقل الطاقة الخلوية وتموت الخلية وتكون الشيخوخة التي يصحبها الوهن. وتظهر الشيخوخة على الحمض النووي للميتاكوندريا الذي ينهكه انقسام الخلايا المتكرر فيصبح هشا رقيقا . وعندما تشيخ الميتاكوندريا ينضب مصدر طاقة الخلية فتشيخ ويشيخ الجسم كله ويكون هذا سببا لتضاؤل الأنسجة والعضلات التي تحتاج الى طاقة كبيرة للقيام بالأعمال الفيزيائية البدنية . وتشير الدراسات الطبية الى أن النقص في وظيفة الميتاكوندريا يؤدي الى قلة افراز هرمون النمو وهذا يؤدي الى اضمحلال الأنسجة العضلية في الشيخوخة . إن هذا يعني أن حياة الميتاكوندريا وتقدمها في العمر وشيخوختها ترتبط بعملية صرف الطاقة وبناء البروتينات وعملية انقسام الخلايا التي هي عملية صرف للطاقة وبناء البروتينات .
إن عملية انقسام الخلايا ترتبط بعملية التقدم في العمر فهناك برنامج داخلي يحدد عدد مرات انقسام الخلايا ثم يقف هذا الانقسام وتموت الخلية . وهذا معناه أن هناك عمرا محددا للطاقة او مستوى محددا لها وأن هذا المستوى يستنفد باستمرار عملية انقسام الخلايا والتقدم في العمر، فهذا المستوى المحدد يرتبط بعمر الانسان فهناك انقسام مبرمج للخلايا وهناك تقدم مبرمج لعمر الإنسان وهناك وقت محدد لعمر الإنسان لأن هناك خزينا محددا للطاقة يكفيه مدة عمره فقط ، وهذا الخزين المحدد يرتبط بالعدم غير المخلق في الجسم أو هو هذا العدم غير المخلق والذي لما يصنع بعد أو يوجد .
إن برمجة انقسام الخلايا وبرمجة صرف الطاقة من أجل هذا الانقسام ثم برمجة عمر الإنسان كل ذلك يرتبط بالأنثى دون الذكر. فلقد وجد الباحثون أن العوامل البيولوجية التي تحدد مدة ظهور الوجود الإنساني أي عمر الانسان ترتبط بها ، فالجينات التي تحدد عمر الانسان ترتبط بالعامل الأنثوي X. ولقد بَين العلماء أن هناك جدولة لعمر الانسان في داخل الخلايا وأن قدره محتوم من خلال انقسام محدد للخلايا . وهذا القدر من الانقسام قد رسم وحتم في جينات الخلايا نفسها وأن الجسم يستهلك نفسه بموجبه مع كل انقسام من خلال ساعة بيولوجية تدق مربوطة الى منبه انذار الموت. فكما يربط منبه الساعة الى وقت محدد فإذا دخل الوقت استيقظنا على رنينه فهنا منبه الموت يدعونا من داخل الخلايا للرحيل .
لقد حددت الساعة البيولوجية عمر الإنسان من خلال عدد مرات الانقسام في الخلايا فخلايا كل كائن حي تنقسم عددا معينا من المرات ثم تتوقف بعدها عن الانقسام وتهرم وتموت . فهناك مدة محددة لحياة الكائن الحي وهناك مدة محددة لحياة خلاياه . إن خلايا جسم الانسان تتجعد وتموت بعد نحو 50_70انقساما . إن الذي يحدد عدد مرات انقسام الخلايا هو ما يسمى بالتيلومير وهو قطع مكررة من الحمض النووي TTAGGG لا تضم مورثات وتقع في نهاية الكروسومات . وتعتمد التيلوميرات في عملها على إنزيم يسمى التيلوميراز الذي يجب ان يتوافر بكميات مناسبة . ومع كل انقسام خلوي يفقد جزء من التيلومير فيتقلص طوله إذ يفقد في كل انقسام نحو مئة وحدة من مكوناته وبعد عدد معين من الانقسامات تصبح التيلوميرات أقصر من أن تسمح للخلية بمعاودة الانقسام وترميم الأجزاء المفقودة من الكروموسومات فتومئ للخلية بالتوقف عن الانقسام ثم تبدأ بالاضمحلال والموت . إذن فالتيلومير يعمل مثل الساعة البايولوجية التي تدق في كل خلية والتي توقف انقسام الخلية وتؤدي الى الشيخوخة والموت.
لا بد إذن للتيلومير من أن يتآكل مع توالي عمليات الانقسام وبالتدريج يقل في أجسامنا طول التيلومير وتبدأ الخلية في الدخول في طور الشيخوخة والانهيار. ولكن الخلية تمتلك طريقة حيوية للتعويض عن طريق الإنزيم الباني للتيلومير وهو التيلوميراز. فهذا الإنزيم هو الذي يمكنه ترميم الأطراف البالية للكروموسومات وإعادة تطويل التيلوميرات وانه بهذا يكون في الخلايا كأنه إكسير الحياة الخالدة. وتقوم الخلايا الجنينية فيما قبل مرحلة التمايز الخلوي بصنع انزيم التيلوميراز واليه تعود قدرتها على الانقسام والتكاثر. وما أن يكتمل تكوين الجنين حتى يتم كبت وإيقاف تشغيل الجينات التي تصنعه في كل أنسجة الجنين فيما عدا أنسجة محددة . ولقد اكتشف العلماء أنه باضافة انزيم تيلوميراز الى كروموسومات الخلية فإن الخلايا تستمر في الانقسام دون أن تظهر أية علامات على الشيخوخة والموت . ولقد أمكن انتاج إنزيم توليميراز من الخلايا القابلة للانقسام مثل الموجودة في البيض والخلايا المنوية وبعد ذلك يتم حقنها في كروموسومات الخلايا . وقد يتعرض عمل جين التيلوميراز الى الاضطراب فتستمر الخلية في التكاثر بدون ضابط وبلا توقف مسببا مرض السرطان . وفي الطبيعة لا يمكن للخلية أن تنتج انزيم التيلوميراز ولكن يمكن ذلك للخلايا الجنسية والجنينية وكذلك للخلايا السرطانية وهو ما يجعلها تنمو باستمرار .
لقد أكد العلماء أن الجينات المؤثرة في طول عمر الانسان والتي ترتبط بالتيلومير والتيلوميراز ترتبط بالكروموسوم الأنثوي X . وهذه الجينات تنتقل من الآباء والأمهات الى أولادهم من خلال الكروموسوم الجنسي X . وذلك يشير الى أن الجينات المؤثرة في طول العمر وأمراض الشيخوخة موجودة على كروموسوم X. إن تأثير هذه الجينات يكون بنسبة القصر في طول شريط الحامض النووي وهذا يؤثر في طول العمر وفي ظهور أمراض الشيخوخة. إن كل هذا الشرح يؤكد أن المرأة تمثل جانب الظهور والمادة بالنسبة للوجود الإنساني وتمثل كذلك جانب مدة ظهور هذا الوجود المادي أي عمر الإنسان .
وهكذا نرى أن المرأة التي تقترن بها وحدها الميتاكوندريا وتقترن بها الجينات التي تتحكم بمدى انقسام الخلايا عن طريق تحديد عدد الوحدات المفقودة من التيلوميرات ، هذه المرأة هي التي تعطي للانسان مظهره الخارجي لأن الميتاكوندريا هي المسؤولة عن انتاج الطاقة وصنع البروتينات والمواد الأخرى التي هي المادة الخارجية للجسم ، وكذلك لأن الجينات التي تتحكم بطول التيلوميرات وترتبط بعمر الانسان ومستوى الطاقة المخصص لمدة هذا العمر أي بمدة ظهور الأنسان على الأرض ترتبط بالمرأة.
وما يدلل كذلك على أن الأنثى تمثل الجانب المادي الذي يظهر الجانب الجوهري أو الصفات الوراثية أن البويضة هي المسؤولة عن تغذية النطفة حتى تعلق في جدار الرحم (وهذا يفسر سبب كبر حجم البويضة ) لتصبح بذلك العلقة . وهكذا فإن الأم هي التي توفر له الغذاء والهواء والحماية الكاملة وتأخذ منه السموم التي يفرزها جسمه في أثناء نموه حتى يأذن الله بخروجه متكامل البناء فتلقمه ثديها وتغذيه بلبنها وتنشر المواد الغذائية والأوكسجين من دم الأم الى دم الجنين عبر المشيمة . وبهذا يرى الباحثون أن المرأة تساهم في انتاج الاطفال بيولوجيا أكثر مما يساهم الرجل . ومما يؤكد أن الأنثى التي تقترن بها الميتاكوندريا تمثل الجانب المادي أو الوجود الظاهري للانسان أنه إذا حدث خلل في البويضات بسبب وجود بعض التشوهات أو العطب في الميتاكوندريا فإنه يعد من أسباب العقم لدى النساء ، ولهذا طورت تقنية جديدة تقوم على حقن بويضات المرأة العقيمة بكمية صغيرة من السايتوبلازم البويضي الحاوي للميتاكوندريا( حوالي 5%) مأخوذ من بويضات نساء خصيبات متبرعات وطبقا لهذه التقنية فإنه حدثت ولادات .
وفي عملية الاستنساخ ما يؤكد أن الجانب الأنثوي يعطي الشكل الظاهري للجينات في النواة المنقولة من الخلية الجسمية الأصلية الى البويضة المنزوعة عنها النواة والتي بقيت تحتفظ بالسايتوبلازم ومحتوياته من الميتاكوندريا وغيرها ، فالكائن الحي الناتج عن عملية الاستنساخ يكون صورة طبق الأصل للكائن الذي منح النواة التي نقلت وزرعت وليس صورة عن الكائن الذي أخذت منه البيضة المنزوعة النواة . وهذا يعني أن في البويضة (الجانب الأنثوي) العامل المادي الظاهري للانسان .
إننا نعبر كيميائياً - كما قلنا - عن الأطراف الجنسية المتفاعلة في جسم الإنسان من خلال الحوامض النووية(DNA) والبروتينات ، وإن الجانب الذكري تمثله الحوامض النووية(DNA) وهذا لا يعني أنها لاتمثل الجانب الأنثوي لأن الDNA هو الوجود الجوهري المتحقق من خلال وجود الرجل ووجود المرأة الذي يتمثل من خلال اتحاد الكروموسومات الذكرية والأنثوية وهذا الخليط يمثل نواة كل الخلايا للذكر والأنثى ، فكل من الجانب الذكري والجانب الأنثوي يمثلان الوجود ولكن الذكر يساهم عند تكوين الإنسان بالحامض النووي فقط الذي يقترن بالنواة والأنثى تساهم فضلا عن الحوامض النووية بمصانع المواد البروتينية التي لم تكن مصنوعة في الجسم أي التي كانت عدما وهي الميتاكوندريا بيت الطاقة التي تقترن بالسايتوبلازم ، فنحن إذن نحكم عليهما من خلال ما يختلفان به . ومن هنا فإن الأنثى تمثل جانب العدم أو الذي كان عدما ، ولأنها كذلك فإن عملية توليد الوجود الظاهري من العدم وهو ما تمثله البروتينات والمواد المادية التي يبنى منها الجسم ترتبط بها . إن الميتاكوندريا وهي بيت الطاقة ومصنع البروتينات ترتبط بالأنثى لا الذكر . ولهذا تحتاج كل الخلايا سواء كانت خلايا الذكر أم الأنثى للعامل الأنثوي(X) لكي تبني الجسم . إن الخلايا الجسمية الأنثوية تحتوي كروموسوماتها على كروموسومين جنسيين أنثويين في حين تحتوي خلايا الذكر كروموسوماً أنثوياً واحداً. ويبدو أن الخلية لكي تمارس فعالياتها الطبيعية تحتاج الى وجود كروموسوم(X) واحد بحالة نشيطة وفاعلة. وفي الخلية الأنثوية يكون أحد هذين الكروموسومين بحالة ممدودة لتأدية فعالياته. أما الثاني فيبقى في حالة مكثفة وملفوف بشكل رصين وثخين مما يمكن رؤيته ككتلة صبغية . ويبدو أن هناك ميكانيكية محددة تمنع أحد الكروموسومين من أن يمارس وظيفته وتبقيه ملفوفاً ومكثفاً وهو ما يسمى بجسيم بار . إن جسيم بار عبارة عن كروموسوم مكثف وغير فاعل ، لأن الخلية تحتاج الى كروموسوم واحد فقط ونعتقد أنه الذي يرتبط به نشاط الميتاكوندريا وتوليدالطاقة وبناء البروتينات .
إننا نعبر كما ذكرناعن الجانب الأنثوي_ في عملية التفاعل الدائر بين العوامل الذكرية والأنثوية_ بما تنتجه مصانع الطاقة وهي الميتاكوندريا من البروتينات والمواد التركيبية الأخرى التي تعطي الجسم تركيبه الظاهري . ونعبر عن الجانب الذكري الذي هو وجود جوهري بالحوامض النووية DNA أي اننا نعبر عنهما من خلال ما يختلفان به مما يمثل أصلهما مع أنهما يشتركان في أن كلا منهما وجود جوهري ووجود مادي . الرجل وجود جوهري ولكنه يحتاج الى المرأة ليظهر فهو يحتاج الى البروتينات والتركيبات المادية الأخرى التي تمكن جسمه من بناء وجوده الظاهري ولذلك يضم الى الكروموسوم الذكري الكروموسوم (X) الذي أخذه من جانب الأنثى (الأم) فهو يرث الميتاكوندريا من أمه وليس من أبيه فالرجل وجود جوهري تظهره المرأة وهو يخرج من المرأة . وهكذا فإننا نعبر عن التفاعل بين الرجل والمرأة من خلال هذين المكونين ( الحوامض النووية والبروتينات) لأنهما يمثلان الاختلاف بينهما وإننا ندير التفاعل أو الصراع بينهما من خلالهما .
واذا كنا قد ربطنا بين الوجود الجوهري للإنسان والحوامض النووية ، فإن الـ DNAالموجود في النواة يحمل المعلومات الجوهرية التي يتكون في ضوئها جسم الإنسان (ماديا) عن طريق صنع البروتينات التي تعكس أو تظهر المعلومات الوراثية وتتكون في ضوئها. ولقد عرفت المورثة بأنها عبارة عن قطعة من جزيء الـ DNAمسؤولة عن تركيب بروتين نوعي واحد. وتنجح المورثة بالسيطرة على تركيب البروتين المطابق لها، وتعمل على تحديد بنيته وتشرف على جميع الخطوات الكيمياء حيوية المؤدية الى تركيب هذا البروتين . وينقل الـ DNAالموجود في النواة المعلومات الوراثية التي يحملها ليتم صنعها في السايتوبلازم . إنه يرسل المعلومات الخاصة بصنع المواد البروتينية، أو ما يدعى بالشفرة الوراثية الى السايتوبلازم عن طريق نوع من الحوامض النووية يدعى MRNA أي الحامض RAN المراسل والذي ينقل الأمر بصنعها. ولقد وجد أن كل مورثة واحدة أو جين مسؤولة عن صنع بروتين خاص، فالـDNA إذن هو الصانع . واذا كان الـDNA يصنع البروتين على وفق المعلومات التي يرسلها فمعنى هذا أن المعلومات تتجلى كما هي من خلال البروتين، وأن البروتين (الذي له أهمية بنائية) هو المادة التي تتجلى بها المعلومات الوراثية التي قلنا عنها إنها جوهر الوجود. أي ان البروتين يستحيل الى وجود يجلي الوجود الذي يكمن في الـ DNA أو يظهره. إنه يصبح على قدر المعلومات التي فيه . ولقد ذكرنا أنه توجد في كل خلية من خلايا جسمنا نسختين من كل مورث، واحدة منها موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه عن الأب، والأخرى موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه عن الأم ، تحتوي هذه المورثات على وصفات (كمقادير إعداد الطعام) لتحضير جميع البروتينات بأنواعها، وكما ذكرنا فالبروتينات هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل .
إذن فالمعلومات او الأفكار تترجم الى وجود ظاهر، فالوجود الجوهري الكامن يخلق الوجود الظاهر. والبروتينات تمثل هذا الوجود الذي يعكس الوجود الجوهري الكامن او يترجمه. وهذا يعني كذلك أن الوجود الظاهر يكون على قدر الوجود الكامن ، أي انه يجلي الوجود الكامن تماماً. إن المورثة تحتوي على كل المعلومات اللازمة لتكاثر الخلية الحية على شكل شفرة ضرورية لتحديد الأعداد الهائلة من جزيئات البروتينات وتصنيعها واستخلاص الطاقة عن طريق تمثيل الأطعمة . والبروتينات هي المكون الأساسي للأنسجة الحية في جسم الانسان . وتدخل في تركيب الإنزيمات والهرمونات التي هي أداة عمل الخلية وتتحكم في عمليات النمو والتطور والتكاثر. كما تدخل في تركيب هيموغلوبين الدم والعضلات وهي العنصر الأهم في عملية نمو الجنين وتشكيل المشيمة وتطورالرحم والثديين . ولأنها المكون الأساسي للأنسجة وللخلايا فإنها تكون البروتوبلازم وهو مادة الحياة للأنسجة . كما أنها مصدر طاقة للكائن الحي عندما تنضب موارد الطاقة عند نقص الكربوهيدرات التي هي المصدر الرئيس للطاقة .
تعمل المورثات على وفق نظام دقيق في بناء البروتينات او المادة الحية وهي لا تصنع البروتينات مباشرة ـ كما ذكرنا ـ انما بوساطةRNA الذي ينقل المعلومات الوراثية من النواة الى السايتوبلازم حيث يتم تخليق البروتين والانزيمات التي تحدد الخصائص المظهرية والتركيبية المختلفة المميزة للكائن الحي . إن تركيب البروتينات لا يتم بشكل مباشر بالاتصال مع جزئ الـ DNA بل يتم بعيداً عنه في السايتوبلازم تحديداً حيث لا وجود لهذا الحمض النووي هناك . إن الـ DNAهو مصدر الصنع، أي صاحب الأمر بذلك. البروتينات هي المصنوع أو الناتج النهائي لعمل الجينات ، وكل بروتين يحتاج اليه الجسم محفوظ كشفرة في كيميائية الحامض النووي DNA .
لقد ذكرنا أن الصراع بين النقيضين يرتبط بغاية هي انتصار أحد النقيضين على الآخر. وانتصاره عليه يعني نفيه من وحدة العلاقة التي تجمعهما . والنفي لا يعني هدماً فقط ، بل هو بناء ، فالنقيض الغالب الذي قلنا إنه السابق وإنه (الوجود الجوهري) ينفي نقيضه العدم وينتج من عملية نفي العدم أو استنفاده وجود مادي يعكس الوجود السابق ، وبهذا ينتصر على نقيضه بأن يحوله الى وجود مثله . وهو ينفيه أو يبنيه على أجزاء أو مراحل . وتبقى الأجزاء أو المراحل تتراكم حتى الوصول الى أعلى مرحلة ، وبنفي الجزء الأخير او بتجاوزه تنفلت علاقة التناقض العامة التي كانت تضمه الى نقيضه ، والتي تضم كل الأجزاء المتمثلة بالخلايا .
إن الوجود الكامن او الجوهري في الخلية يسعى الى نفي نقيضه (العدم) وبناء وجود ظاهر مكانه وذلك لأنه يتحدد أو يتعين أو يظهر بنفي نقيضه أو إظهاره . وإننا نلاحظ من دراسة ما يجري في الخلية أن هناك ارتباطاً بين عملية انقسام الخلية لتكوين خلية جديدة وعملية تكوين البروتين التي قلنا أنها تعني تحويل الوجود الكامن الذي تمثله جزيئة الـ DNA الى وجود ظاهر تعبر عنه البروتينات فتتضاعف مادة الـ DNA في داخل نواة الخلية وتترجم الى بروتينات في سايتوبلازم الخلية عن طريق M_RNA مما يستدعي انقسام الخلية وظهور خلية جديدة أي وجود جديد .
لقد بينا أن الشفرة الوراثية في الـ DNA تنتقل بطريقة الاستنساخ الى الـMRNA إذ يعمل الـ DNA بمنزلة قالب للـMRNA، وبانتقال الـ MRNA الى السايتوبلازم فإنه يحمل تلك الشفرة الى المكان الذي يتم فيه صنع المواد البروتينية ليترجم الرموز التي يحملها في صناعة البروتينات، وهذه العملية تسمى بالترجمة. وهكذا فإن الجينات التي هي وحدات من جزيء الـ DNA تحدد شكل ونوع وخواص جزيء البروتين وبهذا تسيطر على فعاليات الخلية.
إن الشفرة الوراثية في سلسلة الـ DNA تنتقل بالاستنساخ الى MRNA وهذه تنقلها بالترجمة الى البروتين، أي ان البروتين المصنوع يشبه الشفرة او المعلومات الموجودة في الـ DNA. إن هذا يعني أن انقسام الخلية يرتبط بغاية هي إيجاد بروتين يشبه الوجود الذي يمثله جزيء الـDNA، إيجاد وجود ظاهر يشبه الوجود الكامن، يشبه المعلومات المخزونة في جزيء الـ DNA.
إن الخلية تنقسم وإن انقسام الخلية او انتهاء علاقة التناقض بين الوجود الكامن( الجوهر) والعدم الذي تحول الى وجود ظاهر يشبه الوجود الكامن لا يعني موت الخلية _ وهي علاقة تناقض - او انتهاء وجودها، لأن علاقة التناقض الكلية بين كل الوجود الجوهري في الجسم والمادة (التي ماتزال لم تعكسه تماماً لما فيها من سلب او عدم)، لم تنته بعد، فتبقى الخلايا محتفظة بكيانها في بنية الجسم وتبقى عملية توليد خلايا جديدة مستمرة حتى انتهاء علاقة التناقض العامة التي يعني انتهاؤها موتاً للجسم الانساني، لأنها هدم للأساس الذي يبنى عليه، وهذا الأساس هو كونه علاقة تناقض بين الوجود والعدم .

مرض السرطان :
لقد أصبح الوصول الى سر هذا المرض معضلة المعضلات، ولربما انتظر لكي يعرف سره الى حين معرفة سر الحقيقة الكلية لأن الذي يبدو أن سرهما واحد. والحق إنني - وأنا اقرأ عن السرطان - وجدت من الباحثين الواسعي الأفق من يدعو الى فهم شامل للحياة والكون لكي يستطيعوا أن يعرفوا حقيقة هذا المرض كأنه يرى أن حقيقة المرض غير منفصلة عن حقيقة الحياة والكون وسرهما الواحد. والمرض بحاجة الى مثل هذا الطبيب، الطبيب الفيلسوف. إن هناك ما يشير الى أن السرطان محكوم بقانون الحقيقة المطلق، وأنه هو الذي يكمن وراءه ما دام الإنسان محكوماً به .
والسرطان مرض يغزو جسم الإنسان وتنقسم فيه الخلايا انقساماً غير منتظم، فوضويا. وتستمر هذه الخلايا في الانقسام ولا تتعرض للتثبيط الذي تتعرض له الخلايا العادية. وهذا الانقسام والاستمرار فيه دون توقف يؤدي الى خرق بالغ للوظيفة الحيوية لتلك الخلايا، ومن ثم الأعضاء والأنسجة المختلفة التي تكونها ويقود الى الموت .
ونحن نرى أن انتهاء علاقة التناقض العامة بين الوجود والعدم والتي تأسس عليها الجسم الإنساني تتمثل بمرض السرطان ، فالسرطان هو إيجاد كل العدم أو السلب الكامن في الجسم وتحويله الى وجود ظاهر يجلي كل الوجود الجوهري في الجسم ، فيتطابق هذا الوجود الظاهر مع جوهر الوجود او المعلومات التي تختزنها جزيئات الـDNA، وعندها تنتهي علاقة التناقض العامة لتنتهي بانتهائها كل علاقات التناقض الأجزاء (الخلايا)..
إن السرطان يعني تشابهاً بين الجوهر والمادة، يعني تحويل كل الجوهر الى مادة، حيث يسعى هذا النقيض الفعال الـDNA الى أن يحيل العدم الكامن في الجسم او الطاقة الكامنة فيه أو بمساعدتها يحول المواد الغذائية الى بروتينات، الى وجود مثله، يعكسه، في عملية الصراع بينهما لتنتهي العلاقة التي يمثلها الإنسان أو خلاياه الى الانشطار او الانفصام .
وإذا كان الانقسام المتسلسل للخلايا أو توليدها، توجهه غاية هي إظهار كل الجوهر الكامن عبر خلق الخلايا حتى آخر خلية، فإن بلوغ هذه الخلية الأخيرة يعني انشطار العلاقة بين كل الخلايا التي بقيت تحتفظ بكيانها ضمن بنية الجسم لأن علاقة التناقض العامة لم تنته بعد . وهذا يعني أن الجسم الإنساني سيشهد ـمن خلال تطور الصراع وتكرار تكون الخلايا التي تخلق من خلال تطور هذا الصراع ، سيشهد الإنقسام الأخير الذي يعني إنتهاء كل علاقات التناقض التي يتألف منها وهي الخلايا. وهذا يعني موته كما قلنا، لأنه مبني على أساس هذه العلاقات . وإن مظهر حدوث ذلك الإستنفاد الكلي المؤدي الى الموت يتمثل كما نرى بمرض السرطان الذي يعني استنفاد كل الطاقة أو كل السلب الموجود في الجسم لخلق ما يعادل كل الجوهر الكامن فيه من الوجود الظاهر. وهذا الاستنفاد الذي يحدث في السرطان لا يحدث وفقا للبرنامج الوراثي الذي يقتضي التدرج في عملية صنع الخلايا والتدرج في عملية الاستنفاد والصعود في هذه العملية حتى الوصول الى الخلية الأخيرة .
إن انقسام الخلايا حالة طبيعية مستمرة في الجسم لبنائه او لتعويض التالف منه في كل حياة الانسان. ولكن هناك مظهراً لنمو الخلايا ولانقسامها في الجسم يتمثل بمرض السرطان الذي يعني الموت المحقق للانسان لأنه يعني انتهاء علاقة التناقض العامة بين الوجود والعدم في الجسم الإنساني. إن الدراسات تصف السرطان بأنه تأيين لذرات الجسم، أي اخراج الكتروناتها وهي الجانب السالب في العلاقات التي تمثلها ذرات الجسم أيضا، وذلك عندما يتعرض الجسم الى ما يؤين ذراته. واذا نظرنا الى الجسم على أنه علاقات من خلايا وليس من ذرات ، فإن الدراسات تصف السرطان بأنه نمو او انقسام مستمر للخلايا. وقد قلنا إن الخلايا تولد باستمرار ويتم تجاوزها لكي يتم استخراج كل ما في الجسم من طاقة أو سلب أو عدم مما لم يتحول بعد الى وجود ظاهر، نفيه كله. وهذا النفي الكامل يتمثل بمرض السرطان . واذا كان السرطان يعني نفي الجانب السالب من الجسم تماماً، فإنه يعني انتهاء علاقة التناقض العامة بين الوجود والسلب او العدم في الجسم التي بانتهائها ينتهي وجود الجسم الإنساني والذي بقي يحتفظ بكيانه لأن علاقة التناقض العامة لم تنته بعد. واذا كان التناقض هو الأساس الذي يقوم عليه بناء الجسم أو بناء خلاياه، فإن انتهاء التناقض يعني انتهاء هذا الأساس أي انهدام هذا الأساس ولذلك يعني السرطان الموت المحقق .
إن الفرق بين الإنقسام السرطاني والإنقسام الطبيعي للخلية أن الانقسام السرطاني يعني تحويل كل الوجود الجوهري في الجسم الى وجود ظاهر. أما في انقسام الخلية فإنه يعني تحويل نسبة منه تمثله مادة الـDNA الموجود في تلك الخلية والتي تتضاعف قبل انقسام الخلية ليحل نصفها في الخلية الجديدة المتولدة عن الإنقسام او ليتجلى من خلال الخلية الجديدة التي تمثل وجوداً مادياً ظاهراً . إن الخلية تنقسم لتولد خلية جديدة ، وانتهاء علاقة التناقض الذي يعنيه انقسامها، لا يعني موتاً للخلية لأن علاقة التناقض الكلية بين كل الوجود الجوهري وكل العدم الذي سيكون المادة التي ينبغي لها أن تمثل الوجود الجوهري أو تظهره في الجسم لم تنته بعد ، فتبقى الخلايا التي تنقسم محتفظة بكيانها حتى انتهاء علاقة التناقض العامة التي يعني انتهاؤها مرض السرطان . فالسرطان هو تحويل كل الوجود الجوهري في الجسم الى وجود ظاهر، تشابه كل الوجود الظاهر مع جوهر الوجود او المعلومات التي تختزنها جزيئات الـDNA . ولقد قلنا إن هذا يعني بناء متواصلاً للخلايا حتى الوصول الى آخر خلية يستنفد من خلالها آخر نسبة من العدم او الطاقة الكامنة..
وهنا نتساءل: إذا كان السرطان يرتبط باستنفاد كل العدم او كل الطاقة الكامنة، وإذا كان هذا الاستنفاد يعني الوصول الى آخر خلية وانقسام آخر خلية، فأين هي هذه الخلية الأخيرة، وإننا نعرف أن السرطان يضرب خلايا كل أعضاء الجسم، وأن كل خلية من هذه الخلايا مؤهلة لأن يضربها المرض، فكيف نجيب ؟..
لقد ذكرنا أن المورثات في كل خلية، وهي أحد طرفي العلاقة التي تمثلها الخلية، تحمل الوصفات لبناء جميع أنواع البروتينات، وهي الطرف الآخر الذي أصله عدم . ولكنها لاتنتجها كلها، بل يكون ما تنتجه حسب تخصصها، وهذه الخلايا المتخصصة كانت خلابا جنينية عامة قبل أن تتحول الى متخصصة وهي بذلك علاقة بين عام وخاص . وهذا معناه أن كل خلية تمتلك ما هو عام ، أي انها عامة وخاصة ، ولإنها كلها عامة، أي فيها معنى إنسان كامل او جوهر إنسان كامل وطاقة لإظهار جوهر إنسان كامل فإنها كلها مرشحة لأن تكون الخلية الأخيرة التي تستنفد منها طاقة انسان كامل . وقلنا إن هذا فيه تفسير للسبب في أن تكون كل أجزاء الجسم وأعضاؤه وخلاياه عرضة للاصابة بالسرطان . فإذا كان السرطان قضاء على العلاقة العامة بين كل الوجود وكل العدم في الجسم الإنساني ، فإن كل خلية من خلايا الجسم تمثل هذه العلاقة العامة لأن كل منها يتصل بما هو عام ، كل منها فيه الجوهر العام الذي يستطيع بناء كل الخلايا وجميع أنواع البروتينات لا البروتينات الخاصة فقط التي كان قبل إصابة الخلية بالسرطان ينتجها فقط . إن السرطان يلغي تخصص الخلية فتصبح عامة، لأنه يتطلب خلية عامة يستنفد منها الإنسان كاملا، كل مافيه من طاقة سالبة أوطاقة كامنة لإظهار وجوده وجوهره الكامن كله . ولهذا تشبه الخلية السرطانية الخلية الجنينية في كونها عامة وفي انقسامها المستمر ، فهي تنقسم باستمرار لاستخراج كل السلب ولبناء كل البروتينات التي يستطيع الجسم بناءها في عملية بناء الخلايا الجديدة . ولأن الخلايا جميعاً فيها هذا الأساس العام لذا يستطيع السرطان الانتشار في الجسم الإنساني كله ذلك لأن خلاياه كلها ترتبط بهذا الأساس العام وإن اختلفت فيما بينها حسب تخصصها، وان لها صلة بالعلاقة العامة التي تضم الإنسان كله، لذا فإن أية خلية يمكن أن تكون هذه الخلية العامة التي يمكن منها استخراج كل الطاقة الكامنة في الجسم والتي يحددها البرنامج العام الذي أسس الانسان في ضوئه ، وهي كمية السلب أو الطاقة الكامنة التي يستغلها الجسم لبناء كل خلاياه من أول خلية حتى آخر خلية . اذن فإن هذه الخلية الأخيرة يمكن لأية خلية أن تكونها كما قلنا ما دامت كل خلية تمتلك البرنامج الوراثي العام نفسه ، ولهذا فهي تستطيع أن تستخرج كل السلب الكامن في الجسم إذا ما أصيبت بالسرطان .
إن السرطان يتصل بعلم الأورام لأنه ورم، أي ازدياد في صنع الخلايا. وقد ذكرنا أن صنع الخلايا يعني تحويل العدم الى وجود ظاهر، تحويله الى مادة تعكس مضمون وجوهر الإنسان . إن البروتينات ومواد مادية أخرى قبل تصنيعها هي عبارة عن مواد غذائية يأخذها الإنسان من خارج الجسم ويحولها بالعمليات المصاحبة لانبعاث الطاقة الى بروتينات تعبر عن جوهر المعلومات الوراثية أي الى مادة تعبرعن مضمون وتعبر عن معنى الانسان . والجسم الإنساني ومن خلال القانون العام الذي يحكمه لديه القدرة على صنع عدد هائل من الخلايا . فعدد الخلايا التي يصنعها الجسم في اثناء الحياة كبير جدا ، وهناك ضمن القانون العام الذي يحكم وجود الإنسان او حياته معدل لحياته او لعمره ، وهو ضمن هذا الحد وفي خلال العمر المحدد له يصنع مقداراً من الخلايا يتفق وهذا العمر .
وهذا يعني أن صنع الخلايا له مدى، وأن النمو له حدود ، ففي التنامي الطبيعي للانسان يصل نمو الخلايا الى حد او نقطة معينة يبلغ فيها ما حدد له من مدى ويدعى عندها الى التوقف . وهذا المدى يرتبط بالعدم الكامن في الإنسان، أو بالمادة التي من الممكن تصنيعها لتخلق خلايا جديدة ، يرتبط بمقدار البروتينات غير المخلقة فيه. وهذا المقدار يرتبط بالبرنامج او القانون العام الذي صنع الإنسان في ضوئه وعلى وفقه والذي يضع حدوداً لعمر الانسان كما يحدد كل شيء فيه . وتبين قراءة العلماء للجينوم البشري أن كل نوع من أنواع الكائنات له برنامج يخطط لزواله . إذ يبدو أن كل نوع من أنواع الكائنات يأتي وقد جهز بهذا البرنامج الذي اختير ليناسب مدى ما يتوقع له من الحياة والعمر ، أي ان هذا البرنامج يحدد نهاية لعمر الإنسان حتى لو سلم من كل الأمراض التي تؤدي الى الموت، ومن كل الاحداث التي تؤدي اليه، فهنالك برنامج يخطط لموته. وهذا البرنامج يرتبط في تفسيرنا ـ بكمية ما يصنعه الجسم من الخلايا، فكل خلية تصنع هي درجة على سلم الصعود الى النهاية المحتومة. وإن قدرة الجسم على صنع الخلايا لها حد تنضب فيه وإن بلوغ هذا الحد يعني شيخوخة الجسم وموته. ولذا يقال إن تضاعف الخلايا يؤدي الى شيخوخة الخلايا لأنه نضوب لطاقتها، ولذا يقال كذلك إن السرطان يرتبط بالشيخوخة وإن معدلات السرطان تتزايد مع العمر باطراد . وعامل الخطر الأول في السرطان هو السن ولكن السرطان لا يرتبط بما تعنيه الشيخوخة فقط إنما بما يؤدي اليها . فإذا كانت هذه تعني لدينا فيما تعنيه نضوباً في الطاقة او نضوباً في القدرة على صناعة البروتينات التي يمكن تحويلها الى خلايا جديدة، فإن هنالك محفزات تؤدي الى هذا النضوب . وإن وجود هذه المحفزات يؤدي الى إخراج كل الكمية التي أعدها البرنامج الذي صمم عليه الإنسان . وهذه الكمية تشمل كل ما يمكن للجسم أن يصنعه في خلال عمر الإنسان من البروتينات والمواد البنائية الأخرى. فهذه المواد التي كانت غير مصنعة وطاقة كامنة تصنع عن طريق توليد الخلايا الجديدة بدون حاجة الجسم الى هذا . إذ إن الجسم يصنع ما يحتاج اليه من خلايا في عمليات البناء او إعمار التلف . أما أن يصنع الخلايا بلا انقطاع، فذلك ما لا يحتاج اليه، بل على العكس إنه وسيلة لتدميره. إن السرطان انفلات في عملية صنع الخلايا وتزايدها الى ما لانهاية وحتى إخراج كل ما يختزنه الجسم من طاقة كامنة ومن بروتينات من الممكن تصنيعها ، وحتى استنفاد كل قدرته على صنعها. ولهذا يشهد الجسم ورماً سببه تزايد صنع الخلايا. وينسب السرطان الى أمراض الاورام - كما قلنا - والورم نمو ولكنه نمو غير مسيطر عليه إذ إن الخلايا تنسخ نفسها وتتزايد بحماس ، لذلك فإن الأنسجة التي تكون معرضة بوجه خاص للسرطان هي تلك التي تنزع لأن يكثر فيها انقسام الخلية طيلة الحياة إما للترميم او لأسباب أخرى كما في الجلد والثدي والقولون والمعدة وخلايا الدم البيضاء . ولذلك يوصف السرطان بأنه مرض للجينات التي تشجع نمو الخلية وهي الجينات الورمية. وهو مرض للجينات التي تكبح الورم ، ولذا فإن العطب الذي يصيب جين تي بي(53) الكابح للورم هو علامة على وجود سرطان قاتل ، ولهذا يكتسب هذا الجين لقب حارس الجينوم .
إن السرطان إذن انفلات في النمو يعني تعطيل كل ما يكبح هذا الانفلات . والنمو يعني صنع الخلايا، وصنع الخلايا يعني صنع البروتين. ولهذا يرتبط السرطان بزيادة تكوين البروتين، ولهذا تشبه الخلايا السرطانية الخلايا الجنينية في أنها تنمو بسرعة مثلها، وأنها من أجل ذلك تنتج كميات كبيرة من البروتينات . ولهذا تبدو النوية التي هي جسم صغير يقع عادة حول مركز النواة أكبر حجماً في هذه الخلايا النشيطة في تكوين البروتينات، لأن النوية هي محل تكوين الرايبوسومات التي هي بدورها تكون بمنزلة المعمل الذي تبنى فيه البروتينات . إن السرطان هو استنفاد الطاقة في صنع البروتين والطاقة في أصلها تمثل جانب العدم او جانب السلب . وهذا هو غاية التفاعل او الصراع بين طرفي الاختلاف او الصراع في الجسم . فعملية الصراع أو التفاعل التي قلنا إنها تدور بين الكروموسومات الذكرية والكروموسومات الأنثوية وهو ما يسميه العلماء بالحرب البيولوجية في خلايا الجسم هدفها تحويل العدم او الوجود الذي لم يخلق او لم يظهر بعد_والذي يقترن بالكروموسومات الأنثوية_ الى وجود ظاهر عن طريق صنع البروتين وصنع الخلايا الجديدة. وبعد كامل تحويله، او بعد استنفاده كاملاً يكون السرطان هو النتيجة .
إن الصراع او التفاعل الذي عرضنا قصته في الجسم الإنساني إنما هو صراع بين الوجود(الوجود الجوهري) الذي يمثله وجود الرجل والعدم الذي قلنا إنه يقترن بالمرأة فقط وإن هناك عدما كامنا في المرأة أو وجودا مازال( وجودا ممكنا) يسعى الى أن يتحول الى (وجود كائن ) . وإن الصراع أو التفاعل بين الكروموسومات الذكرية والأنثوية يستمر حتى يتحول كل العدم الى وجود. إن وجود العدم وجود للخلية وهو وجود مادي ظاهر . والخلية توجد من خلال عملية إيجاد العدم الكـامن في الجانب الأنثوي فقط , ولذلك فإنها تمتلك وحدهـا ( الميتاكوندريا ) وهي الجسيمات التي يتم فيها ومن خلالها استخلاص الطاقة واستخدامها في عملية البناء المادي لجسم الانسان .
إن المرأة هي سبب الوجود المادي للإنسان . وإن عملية إيجاد العدم في الخلية تتمثل بعملية صنع أو انتاج الطاقة أو استخلاص الطاقة من المركبات أو المواد الغذائية الموجودة في الخلية فتحدث عمليات أكسدة الدهون والسكريات داخل الميتاكوندريا التي قلنا إنها تقترن بالمرأة فقط وتنبعث الطاقة فيمكن تنفيذ العمليات المختلفة من بناء للبروتينات وغيرها من المواد ومن عمليات الهدم . ولأن الميتاكوندريا هي المركز النشط لإنتاج الطاقة في الخلية فإنها تموج بالعديد من الشوارد الحرة التي تستطيع أن تقوم بمهاجمة الخلايا في تفاعلات متسلسلة وأن تؤكسد الDNA والبروتينات وجزيئات أخرى في كل أنحاء الجسم وتتلفها . كما تؤدي الى إحداث طفرات جينية تعجل عملية الشيخوخة أو تثبط بعض الإنزيمات أو تؤدي الى أن تتحور الجينات السليمة الى جينات سرطانية وظهور بعض السرطانات وحدوث طفرات في المحتوى الوراثي للميتاكوندريا أو جيناتها ومن ضمنها الجين المهم الذي ينتج خميرة سايتروكروم سي أوكسيديس والخمائر التي تساهم في إنتاج الطاقة المعروفة بـ ATPالتي تزود التفاعلات الكيمياوية في الجسم بالطاقة التي تحتاج اليها . إن عملية الأكسدة هي عملية فقدان للطاقة التي تعمل بها خلايا الجسم . وتشترك الشيخوخة والسرطان في أنهما ظاهرة لعملية فقدان الطاقة ولذلك تظهر النتائج على الميتاكوندريا التي هي مولد الطاقة كما تظهر النتائج على التيلوميرات التي ذكرنا أنها تتصل بعمر الإنسان ومستوى الطاقة المقررة لهذا العمر والتي يتضمنها البرنامج الوراثي له. ولهذا ترتبط التيلوميرات بعملية انقسام الخلايا _وهذا كنا قد شرحناه_ فهي تحدد مرات الإنقسام . ولأن السرطان هو استخراج لكل الطاقة الكامنة أي المخصصة لعمر الإنسان لذلك فإن السرطان يصاحبه نشاط للتيلوميرازات وهي الإنزيمات التي تعمل على تطويل التيلوميرات من أجل إدامة عملية انقسام الخلايا وتطويل عمرها وجعلها خالدة لا تموت لكي تصرف كل الطاقة الكامنة أو المقدرة لعمر إنسان كامل ..
إن موت الخلية وشيخوختها أو فقدانها للطاقة هو أمر مبرمج مسبقا. فهذه العمليات تجري تحت سيطرة برنامج وراثي جيني مسبق ، وإن الجينات تلعب دورا قويا في هذه العمليات ولكنه في الحالة الطبيعية من حياة الإنسان وحياة خلاياه يحدث تدريجا ومع تقدم الإنسان في العمر. أما في السرطان فإنه يحدث دون تقيد بالعمر ويحدث مرة واحدة ولذلك فإن الخلايا تنقسم باستمرار ولا تتوقف عن الانقسام حتى تهدر كل الطاقة المقدرة لها في أثناء عمرها . إن عملية إنتاج الطاقة وعملية الأكسدة والأيض أو البناء والهدم (التي قلنا إنها عملية إيجاد للعدم أو إيجاد الوجود المادي المتمثل بالخلايا ) تحدث في الميتاكوندريا التي تقترن بالجانب الأنثوي فقط . وهذه العملية ترتبط _كما ذكرنا سابقا_ بعمل جزيئات أخرى ترتبط بالجانب الأنثوي كذلك ويكمل عمل بعضها بعضا ونقصد بها التيلوميرات . فعمل الميتاكوندريا وعمل التيلوميرات يرتبط بعملية إنتاج الطاقة وعملية إنقسام الخلايا وبناء الخلايا.
إن بناء خلايا الجسم يستدعي انقسام الخلايا وهذا يستدعي انتاج الطاقة الذي يحدث في الميتاكوندريا وإن استمرار هذه العملية أو حدوثها بوتيرة متصاعدة يضعف الميتاكوندريا فتشيخ الخلية وتموت او تنتقل الى الحالة السرطانية . إن تكرار عملية انتاج الطاقة وتكرار عملية الانقسام يؤدي الى قصر التيلوميرات ويؤدي كذلك الى أن تشيخ الخلية وتموت أو تتحول الى خلية سرطانية . إذن فعمل الميتاكوندريا يرتبط بعمل التيلوميرات والاثنتان ترتبطان بالجانب الأنثوي كما قلنا . واذا كان عمل الميتاكوندريا هو انتاج الطاقة وصرف الطاقة على العمليات الحيوية التي تحدث في الخلية لاسيما بناء البروتينات والمواد الأخرى بما يؤدي الى تكوين المظهر الخارجي للجسم فإن عمل التيلوميرات هو تنظيم عملية صرف هذه الطاقة وضبطها أي ان عمل التيلوميرات هو عملية زمنية تضبط عملية الإنقسام خلال وحدات زمنية وتتأثر بها ، فإذا زادت عملية الإنقسام عن هذه الضوابط وزاد صرف الطاقة وقصر التيلوميرات اضطرب أمر هذه العمليات واختل وانفلت من عقاله ولا يعود الصرف مقننا على وفق جدول زمني محدد ويتمثل هذا المظهر بحدوث السرطان . فالسرطان هو صرف غير محدود للطاقة عن طريق صنع غير محدود للخلايا .
إن صرف او انتاج الطاقة يرتبط على المستوى الخلوي والجزيئي بآليات الهرم وآليات التحول الى السرطان . فتقييد صرف الطاقة والسعرات الحرارية يطيل أمد الحيوية والبقاء ويجعل عملية انقسام الخلايا تحدث بانضباط وسيطرة وعكس ذلك يدفع اليه صرف ونضوب الطاقة . وقد يكون الصرف هائلا مما يؤدي الى انقسام هائل وهذه الظاهرة تتمثل بمرض السرطان . فهناك إذن صرف مبرمج للطاقة يؤدي الى عملية انقسام مبرمجة للخلايا ويؤدي الى شيخوخة مبرمجة وموت مبرمج وهذا ما تذهب اليه نظرية الجسد المستهلك . وعملية الإخلال تؤدي الى التعجيل بالنهاية المحتومة عن طريق السرطان . إن الخلايا تحتوي على ساعة توقيت محددة هي التيلومير التي تحدد وتضبط عملية تقدم الخلايا الى مرحلة الهرم او الموت . ففي كل انقسام للخلية هناك فقد لجزء من التيلومير الذي يقع في نهايتي جميع الكروموسومات حتى يدفع هذا التقاصر الخلايا الى الهرم او الموت . فهناك اذن ارتباط بين ما يجري في الميتاكوندريا وما يجري على التيلوميرات كما قلنا .
إن الذي نستنتجه من هذا أن هناك تناسقا بين عمل الميتاكوندريا التي مصدرها الأنثى فقط والتي تقع في السايتوبلازم وعمل التيلوميرات التي تقع في النواة وترتبط بالكروموسوم الأنثوي. وإن هذا العمل يرتبط بعملية إنتاج أو صرف الطاقة واستغلالها في بناء الجسم عن طريق تكوين خلاياه وهي الوجود المادي الظاهر للإنسان . وإن الميتاكوندريا والتيلوميرات ترتبطان بالأنثى ، فالأنثى هي التي تحقق الوجود المادي الظاهر للانسان . وإن تحقق كل الوجود الظاهر أو استنفاد كل الطاقة الكامنة في الجسم أو تحويل كل (الوجود الممكن التحقيق) الى (وجود كائن) يؤدي الى الشيخوخة أوالسرطان، وإن هذين يعنيان استنفاد وصرف كل الطاقة التي خصصت للإنسان في أثناء مدة وجوده لكي يصرفها في عملية بناء نفسه، كالوقود الذي تزود به السيارة مثلا لتقطع مسافة ما في وقت محدد فإذا ما انتهى توقفت عن العمل وعن الحركة بعد أن تكون قد قطعت مسافة محددة في مدة محددة . إن السرطان هو إذن نتيجة للصراع أو التفاعل بين العوامل الذكرية والأنثوية لإظهار ما في جعبة الأنثى من وجود قابل للظهور .
والآن لنا أن نتساءل : ما الذي يجعل الجسم يتجاوز توجيه هذا البرنامج الداخلي الذي يبرمج عملية تقدم العمر ويأمر بالصرف المقنن للطاقة والانقسام المحدد للخلايا فينصرف عن هذا ويعمد الى عملية انقسام للخلايا مستمرة وعملية صرف للطاقة غير متوقفة ؟.
لقد ذكرنا أن كيان الجسم الإنساني يقوم في أساسه على العلاقة ما بين الوجود والعدم في خلاياه فإذا ما انتفت هذه العلاقة بأن يتعرض الجسم الى بعض العوامل المسببة لاستنفاد العدم أو الطاقة حدث السرطان .. وهناك عوامل عدة تعمل على ظهور هذا المرض منها: العوامل البيئية والعوامل الإشعاعية المؤينة. ويطلق اسم الإشعاعات المؤينة على جميع الإشعاعات النووية كالجسيمات المشحونة ( البروتونات وجسيمات ألفا وبيتا والالكترونات والإشعاعات الكرومغناطيسية والأشعة السينية وأشعة جاما والنيوترونات وغيرها ) لأنها تقوم بتأيين الوسط الذي تمر فيه بما يؤدي الى تغيير في تركيب ذلك الوسط الذي تمر فيه وهو ما نعبر عنه بالآثار الصحية . ومن العوامل التي تعمل على ظهور المرض العوامل الوراثية التي يدخل فيها التاريخ الوراثي للفرد والتشوهات الصبغية الكبيرة والاختلال الوظيفي الهرموني والفيروسات. ومع تقدم علم الكيمياء والوراثة تم تحليل عدد كبير من المواد المسرطنة، ووجد أن معظمها هي مواد كهرومغناطيسية تتحد بقوة مع الأحماض النووية الخلوية DNA وRNA والبروتينات . حيث ثبت أن معظم هذه المواد المسرطنة عند اتحادها مع المادة الوراثية فإنها قد تسبب سرطاناً وذلك بإحداث تغييرات في المعلومات الوراثية، والتي تؤدي في معظمها الى طفرات في المادة الوراثية . من هذه العوامل أيضا ، المواد الكيمياوية التي تفقد ذراتها بعضاً من الالكترونات النووية، حيـث تتحد بسبب نقص الالكترون فيها بالذرات الغنية بالالكترونات الموجودة في الأحماض النووية والبروتينات . ومن نظريات تكون السرطان نظرية التغير في المورثة، وتعتمد هذه النظرية على مفهوم التغير في المادة الوراثية عن طريق تغير في المورثات. والأدلة عديدة التي تثبت ذلك التغير وتدعم النظرية. والتغير الوراثي عادة ما يكون ثابتاً، فيحدث ضرر بالمادة الوراثية في شريط DNA او بإضافة مادة وراثية الى المادة الوراثية الأصلية، او تغير مورثة واحدة او نقص صبغي. ومعظم السرطانات التي تصيب الإنسان لها علاقة باختلال العدد الصبغي، وإن الخلية تصبح أكثر تسرطناً كلما زادت التشوهات الصبغية في التركيب الوراثي للفرد المعني .
إن السرطان يحفز بوساطة هذه العوامل التي تؤثر في الخلايا وتسبب تحولات خلوية فيها تصيب الجهاز الوراثي المسيطر والموجه لعملية انقسام الخلايا مما يجعلها تفقد السيطرة على الإنقسام المنظم وتبدأ بالإنقسام الفوضوي السرطاني.

العلاج :
وإذا كان السرطان انتهاءاً لهذه العلاقة التي بين الوحود والعدم فإن إعادة العلاقة الى وضعها السابق هو الذي يقضي عليه. وإعادة هذه العلاقة يكون بإعادة الطاقة المفقودة او الجانب السالب في خلاياه واصلاح للجينات الوراثية المسيطرة على عملية الانقسام . إن إعادة هذه الطاقة الكلية إليه هي الكفيلة بالتصدي لهذا المرض . ولأن السرطان هدم لبنية كل خلايا الجسم لذلك فإنه يمتد على كل هذه الخلايا . وهنا نسأل : كيف نعيد الجانب السالب أو الطاقة المفقودة الى خلايا الجسم ؟.
لقد قلنا إن الجسم الإنساني كله يبدأ من خلية واحدة وبالاستنساخ والتكاثر تتكاثر خلايا الجسم حتى تصل الى العدد(60_100) ترليون خلية. ولكن هذا العدد الضخم من الخلايا يرتبط ببعضه من خلال العلاقات بين هذه الخلايا ومن خلال البرنامج الوراثي الموحد الذي تشتمل عليه كل الخلايا . ففي كل خلية العدد نفسه من المورثات الموجودة في بقية الخلايا ، فهذا النظام أو البرنامج الوراثي يتسم بالعمومية مع تخصص الخلايا ، لذلك فإن كل الخلايا تستطيع أن ترجع الى الحالة العامة أو الحالة الجنينية وتلغي تخصصها وهذا ما يحدث في السرطان . إن الجسم الإنساني ينطلق مما هو عام ، من خلية واحدة ، وتبقى هذه العمومية محفوظة في كل الخلايا بعد توسع الجسم والدليل هو القدرة على الرجوع اليها وهو ما ذكرناه . هذه الخلايا تختزن كل المعلومات التي تخص الجسم الإنساني :شكله، حجمه ،أعضاؤه، عدد خلاياه، تخصصها، عملها، العمر الذي تعيشه...وأخيرا العمر الذي يعيشه الإنسان والذي قلنا إنه يرتبط بعمل التيلوميرات التي ترتبط بالجانب الأنثوي . وإذا كان السرطان هدما لبنية كل خلايا الجسم لإنه إخلال بالتوازن الذي تقوم عليه هذه الخلايا بين الوجود والعدم أو بين الجانب الموجب والسالب فيها بإخراج كل الجانب السالب أو الطاقة التي تشتمل عليها فبإعادة هذه الطاقة كلها الى الخلايا نستطيع القضاء على السرطان كما قلنا . ولكن كيف نفعل ذلك وقد أخرجت الطاقة من كل خلايا الجسم وهدم الجسم الإنساني كله من خلال هدم كل خلاياه ؟. . نقول لعل الأمل يطالعنا في عملية الإستنساخ العلاجي التي توصل اليها العلماء . وبهذا الإستنساخ لخلية من خلايا الشخص المريض يمكن أن نحصل على خلية أولية لم تستنفد طاقتها كالخلية الأولى التي انطلق منها الجسم الإنساني وبعد زراعتها في الجسم المريض تكون قادرة على بنائه كله من جديد . فهذه الخلية قادرة على بث الطاقة المستنفدة أو الجانب السالب الذي خرج من خلايا الجسم كلها لإنها تمتلك المعلومات والطاقة التي تمتلكها الخلية الأولى (زيكوت) التي خلق منها الإنسان والقادرة على أن تخلق الجسم من جديد بعد أن هدم من أساسه .
والاستنساخ العلاجي أصبح الآن وسيلة علاجية مهمة لغرض الحصول على الخلايا الأولية لبلوغ أهداف لم يستطع الطب علاجها سابقا . فهذه الخلايا الأولية يمكن أن تزرع في جسم الإنسان في المكان الذي به تلف فيستعيد وظيفته بايجاد خلايا جذعية سليمة لتحل محل الخلايا التالفة . ويمكن الحصول على هذه الخلايا المستنسخة بنقل نواة أحدى خلايا الشخص المراد علاجه الى بويضة مفرغة من النواة وذلك للحفاظ على المعلومات الجوهرية في النواة المنقولة وأخذ الطاقة المراد تعويضها من البويضة المنقول اليها ثم حث البويضة على الانقسام وانتاج خلايا جذعية جنينية سليمة لتحل محل الخلايا التالفة التي تعاني من طفرات في جينات الميتاكوندريا خربت أو أنهت قدرتها على انتاج الطاقة . وهذه الخلايا يمكنها عبر التفاعل بين جينات الميتاكوندريا السليمة وجينات ال DNA ان تصلح التلف والطفرات في جينات ال DNA كذلك فلقد ذكرنا ان هناك تفاعلا وتنسيقا بين جينات الميتاكوندريا وجينات النواة .
إن الخلية المستنسخة وما ينتج عنها من خلايا تكون نسخة طبق الأصل من التكوين الجنيني للشخص المريض وهذا شرط أساسي وحيوي لعدم لفظ أو طرد الأنسجة عندما تزرع في جسم المريض .
إن عملية الاستنساخ العلاجي التي نفترض أنها تعالج السرطان تعتمد على زرع خلية هي في الحقيقة تمثل إنسانا كاملا . وعملية استنساخها تتبع الآليات نفسها التي تتبع الآن في العمليات الجارية في المؤسسات العلمية والطبية في العالم لصناعة هذه الخلايا الأولية البكر التي لديها القدرة على النمو وتكوين إنسان كامل . ونفترض أن عملية الاستنساخ هذه تعيد برمجة مورثات هذه الخلية التي تؤخذ من الجسم المريض بالسرطان والتي تعاني من الطفرات وتزودها بالطاقة التي فقدها الجسم من خلال ما تمتلكه البويضة المنقول اليها النواة الأصلية من السايتوبلازم والميتاكوندريا غير المستنفدة لتعمل على إنتاج أو بناء وضع جديد للخلايا في داخل جسم المريض يوقف عملية انهيارها وانقسامها المتسلسل إذ يعيد اليها ما فقدته بعد أن كانت قد فقدت كل طاقتها أو الجانب السالب منها مما أخل في نظامها الذي تقوم عليه وهدم بنيانها . وبعد زراعة هذه الخلية في الجسم المصاب بالسرطان ستعمل على إعادة التوازن الى كل خلايا الجسم أو ستقوم ببنائها من جديد وذلك لأنها ترتبط مع خلايا الجسم المريض بعلاقات عامة وتقوم معها على أساس واحد هو الأساس الواحد الذي بنيت عليه وانطلقت منه أول خلية تكون منها هذا الجسم . وكما أن الخلية الأولى (الزيكوت) لديها القدرة على بث الحياة في كل خلايا الجسم_إذ تكونت منها كل خلايا الجسم_ فإن هذه الخلية الأولية المزروعة لها مواصفات وقدرة هذه الخلية الأولى .
إن الاستنساخ العلاجي الذي نفترضه علاجا للسرطان هو استعمال المادة الوراثية الجينية من خلايا المريض ذاته لتوليد خلايا أولية يبنى منها الجسم. ولقد عرفت هذه الخلايا الأولية بقدرتها على تخليق الأنواع المختلفة من الخلايا وبأنها أصل كل خلية في الجسم بغض النظر عن مكان هذه الخلية ، وبأنها ذات مكونات متعددة بمعنى أن فيها طاقة كامنة تمكنها من أن تتحول الى أي نوع من الخلايا الأخرى . إن التقنية المستخدمة تقوم على إعادة زراعة هذه الخلايا الأولية العائدة للمرضى في أجسامهم بما لها قدرة على التغيير والنمو داخل أنسجة الجسم . وتعمل هذه الخلايا فيما بعد كجهاز إصلاحي للجسم بإصلاح العطل والحفاظ على وظيفة الأعضاء الجسمية .
إن استخدام الاستنساخ لإنتاج مثل هذه الخلايا يعد أكبر الاكتشافات العلمية وأكثرها خطورة في هذا الزمن وسوف يكون لها دور كبير في علاج كثير من الأم



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن