اخوات رزنة

ليث عبد الرحمن
alarabilaith@gmail.com

2018 / 11 / 3

أخوات رزنة!

تمثل الطبقات الهامشية في ولاية البصرة صورة عن واقعها المعاش، بيد ان المصادر التي تتحدث عن تلك الطبقات ضئيلة او تكاد ان تكون معدومة وذلك لان الطبقات العُليا هي التي تنتزع الشهرة وحدها ويدون اصحابها تواريخهم وعاداتهم ونمط معيشتهم بفضل الدخل الاقتصادي العالي. يشير ماركس الى أن الطبقة هي جماعة من الناس تتماثل في علاقتها بوسائل الانتاج، اي الطرق التي يكسبون بها رزقهم. غير ان هذا التكوين الاقتصادي يشير في النهاية للموقع الاجتماعي الى الافراد والعائلات المكونة له حسب رؤية بطاطو. والطبقات الاجتماعية القديمة لا تخرج عن ملاك الأراضي (الارستقراطيون، النبلاء، او مالكي العبيد) ثم اولئك الذين يعكفون على الإنتاج في الارض( عمال السخرة، العبيد، والفلاحين الأحرار). غير ان اغلب ملاك الأراض في البصرة يصنفهم بطاطو بالچلبيين والذين هم تجار المدن والذين كانوا في الغالب ينتمون الى ما يسمون بالشيوخ الأصل-وهم النجديين الذين يسكنون في الغالب في الزبير وابي الخصيب. مضافاً الى العمل الفلاحي والذي كان يقوم به فلاحون يطلق عليهم بالتعابة فهم يحرثون الارض ويغرسونها ويتقاسمون مع المالك المحصول، فأن للتجارة اهمية لا تقل عنها. ففي البصرة تنهار اغلب التحليلات المطبقة على الريف العراقي ولا سيما في ثنوية السركال والاقطاعي. ففي البصرة لا توجد سراكيل لأن الملاك ليسوا بشيوخ قبائل، بل في الغالب هم تجار المدن والذين كانوا بالأضافة الى تكوينهم الاقتصادي الجيد فأنهم يتمتعون بوجاهة ومشاركة في العمل السياسي. وكما للزراعة - كما قلنا - اهميتها فأن للتجارة اهمية كبرى ولا سيما في مدينة ساحلية مثل البصرة.
كان الحمالون من عمال السخرة ينتشرون في محيط الداكير وهي جزيرة تقع قرب العشار وفيها ميناء البصرة التجاري، وفيه يتنافسون على نقل المنتجات الزراعية من والى السوق. ومن تلك المنتجات واهمها هو التمر ومنتجات الرز والفاكهة وكانت شركة ما تسمى ببيت الوكيل صلاحية تسيير السفن والدوبات والابلام في ميناء البصرة.
غير أن للحمالين في كوت رزنة شأن آخر، اذ تسمى كوت رزنة حالياً بـ صبخة العرب، وفيها مقبرة (اخوات رزنة) ويشير مصطلح ((رزنة)) الى امرأة قوية قادرة على مهمة الحمل ونقل البضائع. وكان بنيامين اليهودي قد جلب ثلاجة ومطحنة بخارية عام 1884 لأنه كان متعهد بإطعام الجندرمة العثمانية والذين كانوا يعسكرون في القشلة. غير ان بنيامين كان يشتهر بالحرص والبخل الشديد، فقام بتشغيل الرزنات بدل الرجال في الحمالة. فجعل النساء يشتغلن معه في بناء معمله من الطابوق الآجر، وكانت النساء تلاقي اسوء معاملة منه؛ على الرغم من مشقة العمل الذي كانت تواجهه الرزنات؛ مقابل الأجر الزهيد الذي يحصلن عليه. ثم ما مر يوم حتى وسقطت احداهن ميتة من التعب فتدفن في مقبرة رزنة واخواتها. وحينما اكتمل المعمل في غضون اسبوعين قام بطرد جميع الرزنات وتشغيل نساء أخريات وبسعر اقل من الأجرة التي كان يصرفها لرزنة واخواتها!.
مقبرة اخوات رزنة لا تشير الى ان رزنة هي اسم لإمرأة، بل هي جماعة من النساء التي يمتهن الحمالة ونقل البضائع. والرزنة معروفة في تحملها للعمل الشاق، فكان الچلبيون يفضلونهن على الرجال. وهي بالنتيجة ليس الا دلالة على الموقع الاجتماعي المتدني لتلك النسوة. مما كان يشكل طبقة اجتماعية مهمشة تقتات على عطايا الچلبيون الذين لطالما ساهموا في هلاك الكثير منهن بسبب العمل الشاق.
انتهت حقبة الرزنات في البصرة، وبقيت قبورهن شاهدة على جزء من ماضي قريب كان فيه النسوة تعمل في الحمالة ونقل البضائع بدل الرجال...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن