التدخين من وجهة نظر علم النفس

ناجي العواجنه
farounn2007@gmail.com

2018 / 10 / 19

مع مرور الأيام , تتزايد الأصوات المحاربة لظاهرة التدخين , لكن الغالبية العظمى لا تنصاع لتلك الأصوات المنادية بحرمان المدخن من لذة تلك السيجارة , بل إن نسبة المدخنين لا زالت مرتفعة جدا , بل بارتفاع مستمر أيضا ً .
يوجد الكثير من الأسباب التي يراها المدخنون الدافع وراء تدخينهم , لكن يوجد دائما أسباب مخبئة في أعماق النفس البشرية سنتطرق لها في هذه السطور .

النمو النفسي والتدخين :
قبل البحث في الرابط بين التدخين علاقته بالشخصية ونموها واستقرارها النفسي, لابد لنا من أن نعرف كيف تنشأ الشخصية لدى الإنسان .
بحسب رائد التحليل النفسي سيجموند فرويد , فإن الفرد السوي هو الحاصل على الإشباع المناسب لجميع مراحله النمائية ، على عكس من يحصل لديه خلل في مسيرة النمو ومراحلها المتباينة , والتي غالبا ما تسبب ما أطلق عليه فرويد " عملية التثبيت " حيث تسبب ميل الفرد إلى النكوص والعودة إلى تلك المرحلة التي حدث فيها التثبيت ، وبالتالي يسبب ذلك النكوص العودة إلى مرحلة معينة مما يأتي بأساليب سلوكية تتناسب مع هذه المرحلة , أما مراحل النمو سوف نسردها بشكل موجز . . وهي :
1- المرحلة الفموية : هي أول مراحل النمو عند فرويد , ويقصد بالمرحلة الفموية بحسب اعتقاده أن ارتياح الطفل ومتعته يأتيان من جراء وضع أي شيء في فمه والسبب الكامن وراء ذلك هو تحقيق الشهوة والرغبة للطفل , حيث أنه في هذه المرحلة يكون كل شيء عن طريق الفم وأبرزها الرضاعة الطبيعية إضافة للعض والمص , ويشار إلى أن هذه المرحلة تمتد حتى عمر السنة .
2- المرحلة الشرجية : ثاني مراحل النمو عند فرويد , وبحسب نظريته فإن الرغبة الجنسية للطفل في هذه المرحلة تتركز في فتحة الشرج , حيث أن الطفل يبدأ في إدراك شخصه وذاته , حيث ينتقل الإشباع الشهوي من الفم إلى الفرج ويتحول مصدر الشعور بالراحة لديه لفتحة الشرج وبالتالي يصبح الحصول عليها من خلال عملية الإخراج (التبرز) ويتحول الشعور باللذة إلى عملية الإخراج مع تهيج الغشاء الداخلي لفتحة الشرج, ومن الجدير بالذكر أن هذه المرحلة تكون سببا ًرئيسيا ًفي تحديد شكل العلاقة بين الطفل والسلطة مستقبلا ً, والسبب وراء ذلك يعود إلى تعارض رغبات الطفل مع رغبات ومطالب المحيطين به إضافة لرغبات الناس في العالم الخارجي، هذا النوع من التعارض يظهر خلال الفترة التي يتم تعليم الطفل على استخدام الحمام بحسب رؤية فرويد، ويعود سبب ذلك لفرض البالغين تعليمات صارمة بشأن موعد الذهاب إلى الحمام ومكانه وآلية الإخراج , وتمتد هذه المرحلة من بعد المرحلة الفموية حتى السنة الثالثة من عمر الطفل .
3- المرحلة القضيبية : هنا ينتقل الشعور بالمتعة واللذة لدى الطفل إلى أعضائه التناسلية , حيث يبدأ في هذه المرحلة باستكشاف أعضائه التناسلية واللعب بها للحصول على المتعة , ومن الجدير بالذكر أن الطفل في هذه المرحلة يكن مشاعر الحب لأمه والعداء لأبيه والمتمثلة بعقدة أوديب للذكور(وعلى عكسها تتكون عند الإناث عقدة إلكترا ), حيث يبدأ الطفل في الدخول في صراع مع والده , وتحدد هذه المرحلة بحسب فرويد مستقبل مرحلة المراهقة للطفل واتصافها بالغرور والتهور أو العكس , أما عن الإناث فيتصفن بهذه المرحلة(إلكترا) بأنهن يكنن مشاعر الغيرة من الأم , ويعود هذا الشيء لتعلق الأنثى بولدها في هذه المرحلة , يشار هنا إلى أنه وبعد انقضاء هذه المرحلة والمتمثلة بعمر السنة الخامسة من عمر الطفل تبدأ الأنثى بالاندماج مع أمها في الثقافة والقيم الاجتماعية , والذكر يبدأ بالاندماج مع والده في المعتقدات والعادات , وتتميز ملامح وخصائص شخصية الطفل في هذه المرحلة بالخداع والجراءة .
4- الكمون : هنا يبدأ الطفل في تكوين الصداقات وتشكيل الروابط الاجتماعية , ويسعى جاهدا إلى تحسين نوعية التفاعل الاجتماعي مع محيطه من الناس , وهي الأساس في تنمية مهاراته الاجتماعية , حيث أن المتعة واللذة تنتج من تكوين العلاقات وتحسينها , وتكون هذه المرحلة من بعد المرحلة القضيبية أي من سن السادسة وحتى سن البلوغ والجدير بالذكر أن الطفل يزداد ثقة بنفسه مع دخوله المدرسة .
5- المرحلة التناسلية(الجنسية الراشدة) : وهي المرحلة الأخيرة من مراحل النمو , وتستمر هذه المرحلة من بعد انتهاء مرحلة الكمون – أي منذ سن المراهقة – وحتى وفاة الإنسان . وفي هذه المرحلة يتحول الشعور بالمتعة واللذة لدى الإنسان إلى الجنس, تتكامل في هذا السلوك الميول الفموية والشرجية ، وتشارك في بلورة الفرد الجنسية , حيث يبدأ بالاهتمام بالجنس الآخر والانجذاب إليه بشكل ملحوظ , وأيضا ًتأخذ الميول الجنسية الشكل النهائي لها وهو الشكل الذي سيستمر في النضج ويحصل الفرد السوي على لذته من الاتصال الجنسي الطبيعي مع فرد راشد يشاركه , إضافة لاهتمامه أيضا برفاهية الآخرين (إلى حد ما) , والجدير بالذكر أنه يصبح أكثر اتزانا ًوعطفا ًإذا كانت المراحل السابقة قد مرت عليه بشكل سليم


حسنا ً . . . مما سبق نحصل على نتيجة أنه إذا أردت أن ينمو الطفل بشكل سوي نفسيا ً, علينا أن نوصله لحالة الإشباع المناسب لكل مرحلة من مراحل النمو التي تحدث عنها فرويد لكي لا يحصل ما أطلق عليه بعملية (التثبيت) التي من شأنها أن تذهب بالفرد نحو حدوث ما يسمى بالنكوص (أي التقهقر والانتكاس والعودة إلى مرحلة سابقة) , فيذهب الفرد إلى الميل نحو النكوص إلى المرحلة التي حدث فيها التثبيت (أي المرحلة التي حدث فيها الخلل وعدم الإشباع ) .
إذا فيبدو أن التدخين_قد نتطرق في مقال لاحق للتحدث عن الإدمان_ ليس سوى مجرد نكوص نتيجة تثبيت حصل في المرحلة الفموية يفعلها الشخص ليشبع حاجياته الفطرية التي لم يشبعها الشخص (أو لم يشبعها الأهل لطفلهم ) في الوقت المناسب مما تسبب بدفنها في اللاشعور , فيقوم بهذا السلوك لملئ ذلك الفراغ وعدم الإشباع الذي حصل له أو الإشباع الذي حصل بطريقة خاطئة غير مناسبة مما يدفع العقل الباطن للبحث واستحضار سلوكات لتجنب الشخص الكبت الذي هو المصدر الرئيسي والأساسي للإزعاج الداخلي لدى الإنسان , فيذهب العقل الباطن لدى الإنسان للميل إلى هذه العادة ليتمكن من ري العطش العاطفي المدفون في اللاشعور عنده , والذي يخجل من الإفصاح عنه وبالتالي يقوم بهذا السلوك كبديل ليتجنب الكبت , وهذا البديل المؤقت يمنح الشخص شعورا ًبالنشوة والمتعة والارتياح نتيجة الإشباع المؤقت .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن