عملية باب العزيزية 1984.. تآمر وخيانة ورجعيّة -الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا-

السيد شبل
sayedshibl25@yahoo.com

2018 / 10 / 18

شيء محبط جدًا، أن تسمع من أشخاص وازنين في المجتمع ثناءًا على محاولة اغتيال معمر القذافي بمايو 1984، فيما سمي بعملية باب العزيزية، باعتبارها عملًا "ثوريًا تقدميًا وطنيًا ومبكرًا"، بينما تلك المحاولة لم تكن سوى مؤامرة غربية بدعم من الرجعية العربية وبأدوات إسلاموية، وطعنة من الخلف لجيش عربي يخوض نضالًا ضد ماكينة النهب الأمريكي، وتآمر على سياسة عربية تسعى لتأسيس تحالفات مع الجيران، وطرد بقايا الاستعمار من وسط أفريقيا.

فحتى بعيدًا الجدل بخصوص تقييم القذافي.. فكيف يمكن التسامح مع محاولة اغتيال تمت بحق قائد عربي في عزّ صراعه مع الاستعمار الغربي بزعامة دونالد ريغان بالثمانينيات (أمريكا اشتبكت عسكريًا مع الجيش الليبي منذ 1981، وقصفت طائراتها الأراضي الليبية مباشرة وقتلت مدنيين وأفراد من عائلة القذافي في إبريل 1986)، كما أن المحاولة جاءت بالوقت الذي يخوض فيه القذافي قتالًا بـ"تشاد" مع عميل ومجرم مثل "حسين حبري" تدعمه علانية فرنسا وأمريكا بغرض إبقاء "تشاد" دولة مستعمرة وعميلة رغم تحررها الاسمي، ولقطع الطريق على تعميق العلاقات وتوحيد المصائر بين العرب وجيرانهم (بل أقرب الناس لهم).

والمهم، أيضًا، أن تلك المحاولة، كانت تقف خلفها، بحسب تصريحات معلنة، "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، وهذه الجبهة المعارضة تم الإعلان عنها عبر مؤتمر صحفي من الخرطوم عاصمة السودان في 7 أكتوبر 1981، أي عندما كانت السودان تحت حكم جعفر النميري (الرئيس من 69- 85) الذي بدأ اشتراكيًا عروبيًا بدرجة ما، ثم نفذ استدارة 180 درجة فصار مقربًا من الويلات المتحدة، ومتعاطفًا مع مساعي السادات للصلح مع العدو الصهيوني، ومتحالفًا، أيضًا، منذ نهاية السبعينيات مع الإسلاموي الإخونجي "حسن الترابي" إلى درجة تعيينه نائبًا عامًا ووزيرًا للعدل، والتنسيق معه لتطبيق "الشريعة الإسلامية" فيما عرف بقوانين سبتمبر 1983، التي أساءت للإسلام نفسه، ومهدت لتقسيم السودان، وكانت فاتحة فوضى عامة..

إلى جوار ما سبق، فقد تمتعت تلك "الجبهة" بتمويل سعودي معلن، وبدعم من المملكة المغربية التي استضافت مؤتمراتها وأنفقت على زعمائها، وكذلك دعمها الشاذلي بن جديد رئيس الجزائر أو (أنور سادات الجزائر)، وتم الدعم ضمن ما سمي ب"مشروع الجزائر"، كما تلقت "الجبهة" في الثمانينيات دعمًا من النظام العراقي ردًا على مساندة النظام الليبي لإيران في الحرب، بالإضافة إلى الدعم والتأييد المؤكدين من المخابرات الأمريكية (بحسب ثلاثة كتب ناطقة بالإنجليزية، على الأقل).

كما فتحت المدن الغربية سواء في بريطانيا أو ألمانيا الغربية أو أمريكا أبوابها لاستقبال وإيواء قادة تلك "الجبهة"، فكانوا يتظاهرون أمام السفارات الليبية بكل حرية، ويطبعون منشورات، ويصدرون صحف للإساءة للنظام الليبي هناك، ومن تلك الصحف، صحيفة "المسلم" الإخوانية التي صدرت دوريا في بريطانيا بداية من سبتمبر 1980م، كما سمح لهم بعقد المؤتمرات.

القائد الأشهر لتلك الجبهة هو "محمد يوسف المقريف"، وقد كان سفيرا لليبيا في الهند، وتم التفاهم معه، فأعلن انشقاقه في المملكة المغربية، وانضمامه للمعارضة في 1980، ثم ساهم في تأسيس وقيادة الجبهة، و"المقريف" هو الشخص الذي سيؤيد مؤامرة 2011 على ليبيا، ثم سينصبه المسار السياسي المترتب على عدوان الناتو، رئيسًا للمؤتمر الوطني العام منذ أغسطس 2012 إلى أن قدم استقالته في مايو 2013، أي انه صار بمثابة رئيسًا للدولة بفضل الناتو.

في الحقيقة فإن عملية محاولة اغتيال القذافي في قاعدة باب العزيزية بطرابلس في مايو 1984، كانت أقرب لتمرد مسلح، فالهجوم كان بواسطة العديد من الأشخاص المسلحين، والذين عبروا من الحدود، ووصلوا للعاصمة، ثم دبروا أمرهم، لتنفيذ هجوم واسع على مقر حكم البلاد فسمي عن حق بـ"معركة باب العزيزية"، وانتصرت فيها قوات الأمن الليبية، وأسقطت عددًا من المسلحين قتلى، وعاقبت آخرين في وقت لاحق بالإعدام العلني أمام الشاشات بشكل اعتبره البعض ضرورة للردع، واعتبره آخرون مشهد غير سليم تخيم عليه الفوضى وجلب التعاطف، من حيث لا يدري، للمُعدمين.

على أية حال.. المجموعة التي تولت تنفيذ العملية كانت تحت قيادة "أحمد إبراهيم حواس"، وهو شخص تربى في مدارس "الإخوان"، وصوره تعكس سمتًا إسلامويًا محافظًا، كما له حوارات مع مجلة "المسلم" التي أصدرتها الجماعة الإسلامية (ممثل الإخوان بتلك المرحلة)، في أغسطس 1981، يؤكد منطلقاته الدينية، وتُظهر الصور المنشورة لـ"حواس" نشاطُا في بريطانيا حيث يقوم بتوزيع منشورات للجبهة تحت عين وبصر الحكومة البريطانية !، كما تظهر صور أخرى له، وهو في المغرب، والسودان. لكن "حواس" تم القبض عليه قبل العملية، أثناء محاولته العبور من الحدود التونسية، لذا لم يكن مشاركًا بالعملية الفاشلة (التي بحسب رعاتها نجحت في قتل أفراد من الأمن الليبي، بالإضافة إلى أشخاص من الدلو الحليفة لليبيا والمعادية لواشنطن، ككوبا وألمانيا الشرقية).

"جبهة إنقاذ ليبيا"، كانت على علاقة واسعة وعضوية مع الإخوان، وكان أعضاء الجماعة الرسميين أعضاء في الجبهة، لكن حدث تباعد سطحي بعد لقاء جمع قادة الإخونج مع قادة آخرين لـ"الجبهة" في صيف 1982 بولايّة كولورادو الأمريكية (!)، وبعد مؤتمرات عقدت بالمغرب، حيث قررت "الجبهة" إعلان استقلاليتها، وأنها ليست واجهة أو تابعة لحركة إسلامية، وكان هذا بغرض الحفاظ على دعم الرأي العام الغربي، وبمشورة من القادة ذوي الخليفة الدبلوماسية، لكن "الجبهة" في الحقيقة، كانت معبأة بحملة الأفكار الإخونجية (السلفية والقطبية)، واستمرت حركات أخرى إخوانية النهج كـ"الحركة الإسلاميّة" بالعضوية، كما كشفت اعترافات الأشخاص المقبوض عليهم لاحقًا عضويتهم المؤكدة بجماعة الإخوان.. وإلى اليوم يحتفي الإعلام الإخونجي (القطري – التركي) بواقعة باب العزيزية 1984، ويعتبرون منفذيها "شهداء" و"ثوار"!!.

كخاتمة، يكفي أن نشير إلى أن تلك "الجبهة" وتعاونها مع السعودية والويلات المتحدة، لم يقف عند تلك المحاولة، بل امتد لغيرها من محاولات التخريب والاغتيال داخل ليبيا، كما كان لها دور أيضًا في الحرب ضد الجيش العربي الليبي في تشاد، وسعت لتشكيل ما عرف بـ"الجيش الوطني الليبي"، وهو جيش هندسته "السي آي إيه" ليكون بمثابة ذراع عسكري ل"الجبهة"، وتم تشكيله من أفراد وضباط الجيش الليبي الذين سقطوا في أسر القوات التشادية المدعومة أمريكيا وفرنسيا، وهذا التشكيل العسكري سيتم نقل الكثير من أفراده خارج تشاد بعد انتهاء حكم حسين حبري في 1990، وبعضهم سيذهب للويلات المتحدة، وهؤلاء سيكون لهم دور لاحق في التنسيق مع أطراف بداخل ليبيا بغرض تنفيذ محاولة إنقلابية في 1993، ثم سيكون لهم دور في مؤامرة 2011. ويلاحظ أن تراجع الدور العسكري للجبهة في النصف الثاني من التسعينيات، كان إخلاءا للساحة لصالح إرهاب الجماعة الليبية المقاتلة، التي شكلها سلفيون جهاديون، عاد كثير منهم من أفغانستان، وحملوا الراية في التخريب ومحاولات الاغتيال والتنسيق الخارجي أيضا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن