قناديل ماركس

عبدالرزاق دحنون
daahnoonabd63@gmail.com

2018 / 10 / 18

(الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم ولكن المهمة تقوم في تغيره)

القنديل ضربٌ من المصابيح وقد أضاءت قناديل ماركس بعضاً من أماكن العتمة في حياة الإنسان, و يبدو لي أن العالم ينحو بعد مئتي سنة على ولادة ماركس، باتجاه إعادة الاعتبار لطريقته في التفكير. لأن الفلسفة الماركسية هي احتجاج ضدَّ العتمة, احتجاجٌ ضدَّ عبودية رأس المال, احتجاجٌ مُتشربٌ بالإيمان في الإنسان, وبقدرته على تحرير ذاته من تلك القيود الثقيلة التي تُكبِّل حياته والسعي لتحطيم تلك القيود والانتقال إلى مجتمعٍ خالٍ من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
وبالعودة إلى فريدريك أنجلز وشرحه المبسط لفائض القيمة, يقول: لقد أوضحنا أن الاستحواذ على العمل غير مدفوع الأجر هو أساس نظام الإنتاج الرأسمالي, وأساس استغلال العامل, وأنه حتى لو اشترى الرأسمالي قوةَ العمل من العامل بقيمتها الكاملة باعتبارها سلعةٌ في السوق, فإنه سيظل يحصل على قيمة أكبر ممَّا دفع مُقابلها, وأنه في التحليل النهائي يُشكِّل فائضُ القيمة هذا مجموعاتِ القيمة التي منها تتراكم باستمرار الكتلُ الرأسمالية المتزايدة في أيدي الطبقة المالكة.
و على هذا الأساس فأنتَ تجد اليوم في المجتمعات الإنسانية من يملك المليارات وغيره يكسب قوته اليومي بالتسول أو بأي وسيلة أخرى يقوم بها على حساب كرامته الشخصية أو على حساب جسده. يُريد الناس حقيقة العيش في مجتمع يُوفِّر "بحبوحة" اقتصادية لجميع الكادحين. وسواء اعترف هذا المجتمع بهؤلاء الكادحين أو لن يعترف, فهم هُناك, في الحقل, في المصنع, في البازار, في الجامعة, يكدحون وتتصبب جباههم عرقاً دون أن يحصوا على حقهم في العيش الكريم.
أنتَ تُصادف الآن في كل مكان في الجرائد والكتب ومواقع التواصل الاجتماعي و حتى في الأفلام والمسرحيات كلمات : ماركسي, بلشفي, اشتراكي, لينيني, مادي, شيوعي, أحمر, وما إلى ذلك. وهي كلمات ليس لها معنى في غياب ماركس الحكيم. وستجد صورته هُنا وهُناك, على حائط حديقة في مدينة أزمير, أو في جدار زقاق ضيق مبلط بالحجر في نيودلهي, أو على عامود رخام في برلين. أو في غرفة شيوعي قديم في بغداد.
القرّاء الذين يبحرون في أعماله للمرة الأولى، غالباً ما يكتشفون نمطاً إنسانياً تنويرياً وفكراً حراً يقود إلى دروب الحرية الرحبة. هل شبح ماركس الذي يجول في أنحاء العالم ما زال يُرعب أهل السلطة والمال ويُقلقل راحتهم؟ نعم بكلِّ تأكيد. إنه أحد الذين تصوروا الكائنات البشرية المحيطة به تعيش حياة غنية ومتنوعة سعيدة ومرضية وحرَّة في مجتمع ما بعد الرأسمالية.
لا يقتصر فكر ماركس على مشروع سياسي ثوري. فهو يقدم نقدًا أخلاقيًا لاغتراب الفرد الذين يعيش في المجتمعات الرأسمالية. لأن الوعي الاجتماعي للأفراد يعتمد في الأساس على الظروف المادية التي يعيشون فيها. و بتتبعه تطور أنماط الإنتاج المختلفة التي مرت فيها البشرية, يجادل بأن الشيوعية ستحل محل الرأسمالية الحالية وستكون نهاية الشوط في سلَّم الرقي الحضاري. والظاهر بأن هذه الفكرة الجوهرية التي كانت مستعصية كلياً على الفهم في زمانه أصبحت اليوم قاب قوسين أو أدنى من التجسد في عالم اليوم, بمعنى سيسير المجتمع البشري-بعد مئة سنة من اليوم- نحو التخلص من أوزاره ويُحقق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة التي يطمح إليها البشر من آلاف السنين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن