الإمبراطورية الآشورية (5)

مهدي كاكه يي
mahdi_kakei@hotmail.com

2018 / 10 / 17

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (61) – الآشوريون

الإمبراطورية الآشورية (5)

أسباب إنهيار الإمبراطورية الآشورية

من أهم أسباب إنهيار الإمبراطورية الآشورية وإختفائها هي:

1. كثرة الحروب التي خاضتها الإمبراطورية الآشورية: ركّز ملوك آشور على القيام بالغزوات والحروب على حساب تأسيس معالم حضارية وتطوير البلاد وترفيه الشعب. في ربيع كل عام تقريباً كان الملك الآشوري يدعو جيشه "بِأمر الإِله آشور"، للقيام بالحروب والغزوات، حيث يجلبون الغنائم ويجمعون الجزية ويأتون بِعشرات الآلاف من الأسرى. أفراد أيّ قومٍ لم يُنفّذوا أوامر الآشوريين وتمردوا عليهم، كان يُنكل بهم ويُقتلون أو يُستعبدون وتُحرق مدنهم وقراهم ومحاصيلهم الزراعية وتُحرق أوتُقلع أشجار بساتينهم وغاباتهم، ثم تعود الحملة العسكرية، جالبةً معها أرتال من الأسرى ومن العربات المملوءة بالغنائم والأسلاب المنهوبة من منتجات زراعية، معادن (الذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد)، مصنوعات عاجية، أواني معدنية وأثاث خشبية و ممتلكات قصور الحُكّام الثائرين ونسائهم. هكذا تكاد تكون سنوات حُكم ملوك آشور، حروباً متواصلة، وبذلك قاموا بإستنزاف الطاقات البشرية والمادية للبلاد. غزوات الجيش الآشوري وحروبها في مصر وسوريا وميديا وأورارتو وإيلام ومناطق أخرى، أثقلت كاهل الدولة الآشورية بمهامٍ مُكلّفة، التي أضعفت قوتها وقدرتها على مواجهة الأزمات الاقتصادية بسبب المبالغ الطائلة التي كانت تُصرف على تجهيز الجيوش وصناعة الأسلحة والمعدّات العسكرية و على التعبئة والنقل والتموين. كما أنّ هذه الغزوات والحروب تسببت في زج القوى العاملة المُنتجة في الحروب والذي بِدوره قاد الى التخلف الزراعي والصناعي وقلة الإنتاج وإنخفاض موارد الدولة وإعتمادها بشكلٍ رئيس على الضرائب والجزية والغنائم التي كانت الدولة الآشورية تحصل عليها من خلال إحتلال الممالك الأخرى. كما أنّ كثرة العمليات العسكرية وإستمراريتها لإخماد الثورات المندلعة في مختلف مناطق الإمبراطورية، إستنزفت ثروات طائلة وأصبحت عبئاً ثقيلاً على الخزانة الآشورية، بالإضافة الى إستنزاف الثروة البشرية ودمار المدن والقصبات والقرى التي شهدت المعارك والحروب.

2. الصراع على السلطة: تنافس أفراد العائلة المالِكة فيما بينهم وصراعهم على الجلوس على العرش الآشوري، تسبّب في نشوب حروب أهلية مدمّرة التي أضعفت الحُكم الآشوري وساهمت في سقوط الإمبراطورية الآشورية. على سبيل المثال، في سنة 651 قبل الميلاد، تمرَّد الأخ الأكبر لِ(آشور بانيپال) الذي كان حاكماً لِبابل، على حُكم أخيه (آشور بانيپال)، فنشبت حرب أهلية بين الأخوَين دامت ثلاث سنوات وإنتهت بإستيلاء قوات (آشور بانيپال) على بابل وإحتراق أخيه داخل قصره. كما أنه بعد سنة 635 قبل الميلاد، حصل قتالٌ بين إبنَي آشوربانيپال التوأمين، (آشور- إتيل – إلاني) الذي قد عيّنه آشوربانيپال ولياً للعهد، و(سن - شار- إشكون) الذي لم يعترف بِتولّي أخيه العرش. أجبر القتال بين الأخوَين وبين أنصارهما، الملِك (آشور بانيپال) على الإنتقال الى مدينة (حرّان). هذه الحرب الأهلية، أوهنت الإمبراطورية الآشورية بحيث أصبحت عاجزة عن صدّ هجوم الأعداء[l].

3. العوامل الخارجية: كانت شعوب قوية، تُجاور الدولة الاشورية ، التي كانت تتحين الفرص للإنقضاض على بلاد اشور والحد من قوتها، مثل الشعوب الكمرية والسكيثية والميدية التي كانت تجاور الآشوريين من جهة الشمال والشرق. كما أنّ قبائل جنوب ميزوپوتاميا، كانت تقوم بالإنتفاضات والثورات والتي كانت تُشكّل تهديداً للسلطة الآشورية. في الشمال، كانت دولة (أورارتو) تسيطر على رقعة واسعة من الأراضي التي كانت تمتد من الشمال الشرقي الى الشمال الغربي وكانت في معظم الأوقات تتدخل في شؤون الدويلات الآرامية في سوريا وتُحرّضها ضد الحكومة الآشورية. كما أنّ مصر كانت تساعد الدويلات الفلسطينية وتحرضها على محاربة السلطة الآشورية وكانت تعقد تحالفات معها ضد الدولة الآشورية. كان رؤساء القبائل في وسط وجنوب ميزوپوتاميا يتلقون المساعدات من مملكة إيلام لأنّ هذه المملكة كانت ليست من مصلحتها إتحاد شمال وجنوب ميزوپوتاميا معاً والذي كان سيُشكّل تهديداً لوجودها ولهذا السبب كانت تمدّ القبائل في وسط وجنوب ميزوپوتاميا بالسلاح والرجال وتستقبل زعماء القبائل الثائرين ضد السلطة الآشورية والذين كانت آشور تُطاردهم، وتقوم بِحمايتهم. الميديون والبابليون أسقطوا الدولة الآشورية في سنة 612 قبل الميلاد.

4. إتّساع الإمبراطورية الآشورية: إتساع الإمبراطورية الآشورية وبُعد الكثير من حدودها عن المدن التي تمّ إتخاذها عواصم للإمبراطورية (آشور ، كالح، نمرود، دور شروگين، نينوى)، جعلت وصول الآشوريين الى المناطق التي كانت تحت حُكمهم، صعباً وبالتالي صعوبة سيطرتهم على تلك المناطق وحُكمها. إمتدت ممتلكات الإمبراطورية الآشورية الى داخل آسيا الصغرى وشملت سوريا وفلسطين وجزءاً من آسيا الصغرى غرباً وشمالاً حتى مصر في عهد الملِك الآشوري أسرحدون وآشور بانيپال. لذلك كان الآشوريون يعانون من مشكلة إرسال جيوشهم الى المناطق البعيدة، حيث كانوا يعانون من صعوبة النقل والتعبئة والتموين وهذا أضعف قدرة الآشوريين في قمع الإنتفاضات والثورات التي كانت تندلع في إمبراطوريتهم المترامية. كان الآشوريون يعانون أيضاً من وعورة طرق المواصلات وإنعدام شبكة طرق مواصلات جيدة، تُغطّي مختلف أجزاء الإمبراطورية. حماية الجيش للحدود الآشورية الطويلة وتخصيص جيش دائم لحماية ممتلكات الإمبراطورية، إستنزفت أموالاً طائلة، وأصبحت عبئاً ثقيلاً على الخزانة الآشورية.

5. فُقر آشور بالموارد الطبيعية: كانت آشور فقيرة بمواردها الطبيعية، مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد. لذلك كانت آشور تستورد معظم الحديد الذي كانت تحتاجه لصناعة أسلحتها ومُعدّاتها، من مستعمراتها، حيث كانت تحصل على المستلزمات الحربية للجيش الآشوري من أراضٍ واقعة خارج الحدود الطبيعية لِآشور. لذلك كان الحُكّام الآشوريون مضطرين لحماية مصادر المعادن الضرورية لبلادهم وجعل تلك المناطق تحت حُكمهم المباشر والعمل على جعل الطرق التجارية مفتوحة من والى (كبادوكيا) التي كانت المصدر الرئيسي للحديد للآشوريين. لهذا السبب كان قسم لا يُستهان به من الجيش الآشوري مخصصاً لحماية المناطق التي كانت مصادراً للمعادن التي كانت آشور تحتاجها، ولِحماية طرق المواصلات التي كانت تربطها بالعاصمة الآشورية وبذلك حُرَمت آشور من إستغلال كامل قواها العسكرية في الحروب الفعلية، وكذلك كانت هذه القطعات العسكرية تُكلّف الدولة الآشورية مبالغ كبيرة رغم عدم إشتراكها في حروب آشور الفعلية.

6. سياسة القسوة والأرض المحروقة تجاه الشعوب التي إستعمرتها آشور: إتبع الملوك الآشوريون سياسة التدمير والبطش والقتل الجماعي والتمثيل بالأسرى والإرهاب وإتباع سياسة الأرض المحروقة تجاه سكان البلدان التي كانوا يحتلونها. هذه السياسة أدت الى زيادة نقمة الشعوب وسخطها وكراهيتها لآشور والتي قادت الى قيام هذه الشعوب بالإنتفاضات والثورات التي إستنزفت الطاقات البشرية للجيش الآشوري ودمرت الكثير من أسلحتها ومعداتها العسكرية وكبدت الخزينة الآشورية أموالاً طائلة بالإضافة الى أنّ سياسة القسوة والبطش هذه تجاه الشعوب والقبائل غير الآشورية، التي كانت آشور تحتل دولها، دفعت الكثير من هذه الشعوب والقبائل الى التعاون والتحالف مع الدول الأخرى المُعادية لِدولة آشور والوقوف ضدها والعمل على تحرير بلدانها من الإحتلال الآشوري.

7. التهجير الجماعي: التهجير الذي قام به الآشوريون لأعداد هائلة من سكان الممالك التي إحتلوها، تسبّب في موت أعداد ضخمة من الأطفال والكبار والنساء والشيوخ ممن هُجِّروا واقتُلِعوا من أرضهم وأُجبروا، تحت تهديد السلاح، على قطع مسافات طويلة جداً تحت الشمس المحرقة في الصيف وتحت قسوة البرودة والثلوج في الشتاء. هذا التهجير أثّر سلباً على القوى العاملة المُنتِجة وقاد الى مشاكل إقتصادية وإجتماعية وصحية وبيئية خطيرة والتي بِدورها ساهمت في إضعاف الدولة الآشورية إقتصادياً وسياسياً. كما أنّ الأقوام المُهجّرة الناقمة على السلطة الآشورية، أصبحت مصدر إنتفاضات وثورات ضد آشور كلما سنحت الظروف لها.

8. إهمال البلدان المحتلة: إهتم الملوك الآشوريون بالمناطق المركزية وجلب الغنائم من البلدان المحتلة، فكانت تنتقل الثروة بإنتظام من مناطق الأطراف الى المركز، فأهملوا المناطق التي إحتلوها ولم يقوموا بِتحسين الأحوال المعيشية لِسُكّانها، مما أثار كراهية وعداء سكان هذه المناطق الذين كانوا دائماً ينتهزون الفرص للتخلص من الحُكم الآشوري من خلال الإنتفاضات والثورات والتعاون والتحالف مع الدول المُعادية لآشور.

9. تجنيد غير الآشوريين: منذ زمن سرگون الثاني، بدأت الدولة الآشورية بِتجنيد غير الآشوريين من مرتزقة وأسرى وعبيد وبأعداد كبيرة. إنّ كثرة الأفراد الأجانب في صفوف الجيش الآشوري، كانت تتطلب سيطرة أكثر وضبطاً أقوى، مقارنةً بالجنود الآشوريين. كما أنه بِسبب الظلم والإضطهاد الذي تعرضت الشعوب غير الآشورية لهما، كان الجنود الأجانب يفتقدون الى الحماس في القتال والإخلاص للنظام الآشوري. إضطر آشور بانيپال الى ضم بقايا الجيش الإيلامي المندحر الى جيشه، رغم كونها العدوة اللدودة للإمبراطورية الآشورية. هذا يُشير بوضوح الى النقص الحاد في الرجال الآشوريين، الذي كان الجيش الآشوري يعاني منه[m].

10. إرهاق أفراد الجيش الآشوري وإنتشار روح التململ فيهم: بسبب الحروب المتواصلة التي كان الملوك الآشوريون يزجّون جنودهم فيها، تعِب الجيش الآشوري ودبّ فيه الملل، فأخذ الكثير من الجنود يفرّون من وحداتهم العسكرية وأصبح الجنود لا يطيعون أوامر رؤسائهم وغير جدّيين في الحروب وقاد الى إختلال الإنضباط العسكري وتفشّى المحسوبية والرشاوى والفساد الإداري والمالي بين قادة وضباط الجيش. كما أنّ الحروب الآشورية المستمرة والقاسية، جعلت الناس غير راغبة في الإلتحاق بالجيش وكانوا يختفون عن أنظار السلطات الآشورية. هذا العامل أضعف الجيش الآشوري وأسهم في إختفاء الإمبراطورية الآشورية على الساحة السياسية في المنطقة.

11. تدهور الزراعة والصناعة ووسائل المعيشة: بسبب غزوات الآشوريين وحروبهم المتواصلة والمبالغ الطائلة التي كانت تُصرَف على الماكنة العسكرية وبسبب التهجير الجماعي لِسُكّان الإمبراطورية الآشورية وأداء الخدمة العسكرية لمدة طويلة، حصل نقص شديد في أعداد المزارعين وفي الأيدي العاملة الصناعية، الذي أدّى بِدوره الى قلة الإنتاج الزراعي والصناعي وإنتشار الفقر والمجاعة والأمراض بين السكان. هذه الظروف السيئة دفعت الشعوب المغلوبة على أمرها الى القيام بالإنتفاضات والثورات ضد الحُكم الآشوري. هكذا، فأنّ التدهور الزراعي والصناعي، ساهم في إضعاف آشور وأفول قوتها وجبروتها.

المصادر
l. Yoffee, Norman (2009). "Collapse in Ancient Mesopotamia: What Happened, What Didn’t". In: Questioning Collapse - Human Resilience, Ecological Vulnerability, and the Aftermath of Empire - Edited by Patricia A. McAnany and Norman Yoffee. Cambridge: Cambridge University Press, pp. 176-204.

m. Luckenbill, D.D. (1927): Ancient Records of Assyria and Babylonia, Vol. II, no 814, Chicago.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن