صفارة العولمة .. هزيمة حتى نقي العظام

فخر الدين فياض
fakheraldeen333@gmail.com

2006 / 4 / 6

على مر التاريخ كان صراع الحضارات قائماً، وهو أمر طبيعي نتيجة التواصل والتفاعل الثقافي والفكري بين الأمم فضلاً عن الأقنية الاقتصادية والسياسية التي تمثل شبكة وصل واتصال بين الشعوب والأمم.
وفي وقت ما اعترف العالم بأجمعه بأولوية الحضارة العربية وتقدمها على حضارة الغرب حين كان الأخير يعيش ظلمة العصور الوسطى.
وحين نقول ظلمة العصور الوسطى فلا نعني بذلك كسوفاً طبيعياً امتد عدة قرون من الزمن، وإنما كسوفاً في ثقافة الحرية والانفتاح..
العصور الوسطى في أوروبا تعني سيطرة الكنيسة والمرجعيات الدينية على الثقافة والسياسة، تعني سيطرة نظام اقتصادي مغلق، إقطاعيات وإمارات وما شابه، نعني غياب الرؤية القومية الديمقراطية عن التشكيل السياسي.. بكلمة غياب مفهوم دولة الأمة.
صراع الحضارات لا يحتاج إلى إعلان عنه، إنه قائم بحد ذاته حتى لو فصلت الشعوب عن بعضها بأسوار وعاشت عزلة ذاتية عن كل الآخرين، فهذا الصراع سيظل قائماً لأن التاريخ سيدخل في مقارنات ومفارقات ينتج عنها فرز طبيعي للأمم نستطيع من خلاله أن نقول: إن هذه حضارة تقدمت وسادت... وهي قابلة للحياة، وهذه حضارة تخلفت وتلاشت وغير قابلة للحياة.
فما بالنا في عصر أحد أبرز وأهم عناوينه.. العولمة؟!!
والعولمة باختصار وبساطة تعني أنني ـ ابن دمشق ـ أستطيع العيش ذهنياً وروحياً بطريقة ابن شيكاغو... رغم المسافات الجغرافية والتاريخية، ومن جهة ثانية لم تعد هناك قابلية لعزل أمة أو شعب عن باقي ألوان الحضارة بكل ما يميز العصر الحديث من تكنولوجيا وإنترنت وحريات عامة وحقوق إنسان وغير ذلك.
ويبدو لي في هذا الصراع الحضاري أننا كعرب ومسلمين نعيش هزيمة حتى نقي العظام وفي كل مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
ولو أردنا التفصيل فإننا لن ننتهي؟!
وربما أكتفي بعدة معايير تبدو شاملة إلى حد ما.
سياسياً ما زلنا نعيش حالة عزوف عن الشأن العام كشعوب، والأنظمة تفعل (السبعة وذمتها) ولا يمكننا أن نحرك ساكناً..حساسية الشارع العربي بليدة إزاء ما ترتكبه الأنظمة.
في حين أن حساسية الشارع الغربي مرهفة وشفافة إزاء أدنى تغيير سياسي يتعلق بالدول والحكومات. ولا أعتقد أننا بحاجة لأمثلة في هذا الخصوص.
الأنظمة العربية حوّلت الدول إلى مزارع شخصية، والحكومات إلى طلاب في المرحلة الإعدادية يمارسون الـ (نظام المنضم) على إيقاع (استعدْ، استرحْ.. يمين دُر.. يسار دُر), والبرلمان عبارة عن (برطمان) يبرطم وراء النظام شعارات وأهدافاً...
أما الأحزاب فقد اخترقتها ثقافة (السح.. الدح.. امبو..) ولم تعد تعرف إن كان الخلل في منظومتها أو في منظومة الحكومة والناس.. أو أن الخلل في وجودها بشكل عام؟!
فضلاً عن أن الأنظمة بلغت في شموليتها حداً أصبحت تعتبر نفسها المالك الشرعي لكل مقدرات البلاد، وليس الاقتصادية فحسب, وإنما هي مالكة لضمير الناس ووجدانهم وتاريخهم ومصيرهم.. وبالتالي الناس عبارة عن قطيع كبير يبلغ تعداداه عشرات الملايين وكله.. برسم العلف والبيع!!
اقتصادياً ما زلنا لا نمتلك الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي الذي يحفظ كرامتنا.. ويكفي أن يلوح المجتمع الدولي بفكرة العقوبات الاقتصادية حتى نختنق من الخوف.. وخط الفقر وما تحت الفقر يمثل الخط الطبيعي لمعظم شعوبنا.
أما الطبقة الحاكمة فكما أسلفنا، الدولة عبارة عن مزرعة بالنسبة لها.. ومالك المزرعة لا رقيب عليه ولا حسيب!!
ثقافياً ما زالت دولة مثل إسرائيل تطبع سنوياً من الكتب ما يفوق العرب أجمعين.. أما متصفحي الإنترنت في مدينة مثل باريس فإنهم يتجاوزوننا كعرب بعدة أضعاف.
ولست بوارد دراسة إحصائية ، إلا أنها عبارة عن مؤشرات..
وفي العودة إلى صراع الحضارات أجد نفسي أتساءل: أي صراع نعيشه في الألفية الثالثة؟؟
وأية هزيمة وصلت إلى القلب العربي بحيث أنها عطلت كل المفاعيل التي يمكنها أن تعيد بعضاً من التوازن لهذا الصراع؟!
المشكلة، أننا نرفض الاعتراف بأننا مهزومون، وأنه لم يعد هناك قابلية للاستمرار في هذا الصراع ضمن (الستاتيك) الحاصل.
ودائماً وأبداً نعود إلى الماضي لننشد الحلول والقوة في هذا الصراع مرةً نحو (السلف الصالح!!) وبالتالي نرفع لافتة (الإسلام هو الحل) ومرةً نحو الأحزاب العقائدية لتعيد اجتياح حياتنا السياسية وتؤسس لنظام شمولي آخر من منطلق إسلامي ـ يميني.. في حين أن الأنظمة الشمولية التي ادعت القومية واليسارية والعلمانية كانت في شموليتها أسوأ كابوس عاشه العرب طيلة نصف القرن الماضي.
سيرى البعض أن الاعتراف بالهزيمة وربما الاعتراف بالخروج من هذا الصراع وبالتالي من التاريخ هو ضرب من جلد الذات، وبقية من تجربة الإذلال الكولونيالي الذي عاشته شعوبنا العربية طويلاً.. وقد يرى البعض أن مثل هذا الاعتراف هو الهزيمة بحد ذاتها.. إن لم يقل إنه ضرب من الخيانة والتآمر!!
لكنني ما زلت أرى أن الحقيقة هي أقدس من كل الشعارات والغايات والعقائد.. والحقيقة هي أننا نكابر بعيون وقحة إزاء العصر وعظمة ثوراته.. الحقيقة أن الحضيض الاستبدادي المتأخر الذي نعيشه من أصغر دائرة في حياتنا إلى أوسعها هو عبارة عن مخلفات تاريخية آن لنا أن نعترف ببشاعتها وقذارة قوانينها.. إن لم يكن باستطاعتنا إزالتها والخروج منها نحو الشمس..
وما ندعيه عن صراع حضارات هو بحكم المنتهي.. وكل ترهاتنا أن العالم يستهدفنا هي من قبيل الدفاع السلبي والبائس عن الذات..
نحن العرب أشبه بفريق كرة قدم يلعب بنجومه الأساسيين في مباراة بلغت خسارته فيها حداً مذهلاً ومذلاً وبدأ يستعين بلاعبيه الاحتياط الأقل (موهبة ونجومية).. على أمل الاستمرار ليس إلا!!
رغم أن الجمهور قد غادر الملعب يأساً وقهراً وخيبةً...
والحكم ابتلع صفارته وأدار ظهره إلى المساحة الخضراء..
وفر قسم من اللاعبين خجلاً..
ومع ذلك يصرّ المدرّب على أن المباراة ما زالت (ملحوقة) وممكنة.. والأهم أن مرماه الذي (هتكت) أهداف الآخرين (عرضه) وشباكه ما زال قلعةً صامدة ومنيعة ومحميّة!!
المدرب أعاد الجمهور إلى الملعب وقيده بالسلاسل على المدرجات، وأتى بقوات حفظ النظام التي وجهت بنادقها إلى رؤوس الجمهور وأمرته بالهتاف والتصفيق.. والويل لمن لا يدافع عن (الفريق الوطني)!!.
هل يفكر المدرب في لحظة ما أن يرحل هو ولاعبوه عن هذه المساحة الخضراء.. ليحاول الجمهور جعلها خضراء فعلاً؟!
لا أعتقد ذلك!!
في صراع الحضارات هناك ضربات جزاء قاسية لا ترحم..
إلا أنك ماذا تفعل في هذا الصراع.. ما دام هناك من يصر على أن (الفريق الوطني) سينتصر حتى لو انتحر الجمهور عن بكرة أبيه؟!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن